الكولونيل شربل بركات/تجلي الذمية في مواقف العونية

351

تجلي الذمية في مواقف العونية
الكولونيل شربل بركات/13 شباط/2021

هل إن جبروت المماليك وغيهم، والذي لم يستطع أن يحول اللبنانيين، وخاصة الموارنة منهم، إلى عيش أهل الذمة، يسقط اليوم أمام إغراءات جماعة السلاح، وعهر البعض، فيركضون صوب الذمية منشرحين، ويتقبلون الخضوع صاغرين، أمام طغمة من المفسدين والقتلة؟…

إن تهجّم جيش الحزب الالكتروني، ومنهم من يسكن في المناطق المسيحية ويحمل أسماءً مسيحية، على رقي احتفال الوداع لشهيد الفكر والنضال والشجاعة والتجذر بالأرض، هي عملية معروفة ومكشوفة. وكما جرى مع القارئ الشيعي لتحويل الأضواء عن التضامن الواسع والشجاع والخرق لنظام الغيتو الذي يفرضه هذا الحزب والذي ظهر في وداع الفقيد الكبير، فإن الكلام على تفاصيل ترتيلة الأم الحزينة وما رافقها من تعليقات هي فقط للالهاء وتحويل الانظار عن الموضوع الأساسي.

****
تعليقا على موجة العهر التي ينفذها الفرع المدعي بالمسيحية من جيش الحزب الالكتروني، والذي يحاول التنمر على الموقف الوطني والعابر للطوائف لعائلة الشهيد لقمان سليم، وهو الرجل العصامي والمناضل الذي بقي في بيته طيلة مدة الاحتلالات، معتبرا، كما والده من قبله، بأن أزمة لبنان الحقيقية هي في النفوس المريضة، التي لم تفهم موضوع تعايش الأديان، وحرية المعتقد، وتعاون شتى مكونات البلد في بناء حضارة الكلمة الحرة، التي تقود الفكر السياسي، وتبقيه ضمن المعقول من السير في طريق قيامه بالواجب، وهو حماية الناس، وحريتهم في اختيار المعتقد، والتعبير عنه بدون عقد النقص أو الخوف، واحترام حقوق الانسان، التي قدستها دساتير الشعوب قاطبة، خاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

من المؤسف جدا أن يبادر، من يدعي حماية حقوق المسيحيين، إلى اطلاق حملة، أقل ما يقال فيها، بأنها حقيرة في مواجهة عظمة الحدث. فالديانة المسيحية، بكل انفتاحها وكبرها وتمثيلها للقيم الانسانية، والتي أرادت العائلة الثكلى التشديد عليها والتشبه بمعاناتها، في هذه الأيام القاسية، حيث تعمل آلة القتل والدمار على تهجير الناس، وكم الأفواه، واقتلاع الجماعات من أوطانها، مستعملة كل وسائل القهر والتنكيل بدون أي وازع أو رادع أخلاقي، ها هي تتحول مع هؤلاء إلى فئة حاقدة تتعلق بالقشور وتنسى الجوهر، وهي قمة الاهانة لما يمثله المسيحيون في العالم وما يناضلون في سبيله منذ ألفي سنة.

في هذا الزمان الردئ، وقد قبضت ايدي القتلة على طائفة بأغلبها من اللبنانيين وسجنتها، محاولة أن تفرض التشبه بها على بقية الفئات، في التحجر والتعصب وكم الأفواه، ينغلق بعض المسيحيين، ويحاولون المضي بالتزمت على غرار هؤلاء العائدين من مجاهل التاريخ. فإين انغلاقهم من انفتاح المسيحية، وإين تزمتهم من المسامحة، والغفران، والمحبة، التي تشكل أعمدة تعاليم المسيح وتلامذته.

لقد أخطأ بدون شك من أصدر بيان مطرانية بيروت بمحاولة التبرؤ من الأب عقيقي. فبدل أن يتجرأ المطران عبد الساتر نفسه، والمعروف بعظاته النارية أحيانا، ويكون بين الحاضرين مراسم الدفن، إذا لم يحق له ترأس الحفل في منطقة تتبع لأبرشيته، وحيث هجّر أهلها ومنعوا من العودة، ومن بينهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ابن حارة حريك، الذي كان من واجبه، وقد عايش بيت سليم في ايام اقامته وعائلته في حارة حريك، وهم من كان يمثل وجه الضاحية الجنوبية، أن يبادر إلى حضور مراسم الوداع. فالفقيد هو ابن ضيعته ومن العائلات المنظورة فيها، ولايجب أن يكون باقل وفاء من سفراء الدول والأصدقاء الذين حضروا الحفل.

إن تهجّم جيش الحزب الالكتروني، ومنهم من يسكن في المناطق المسيحية ويحمل أسماءً مسيحية، على رقي احتفال الوداع لشهيد الفكر والنضال والشجاعة والتجذر بالأرض، هي عملية معروفة ومكشوفة. وكما جرى مع القارئ الشيعي لتحويل الأضواء عن التضامن الواسع والشجاع والخرق لنظام الغيتو الذي يفرضه هذا الحزب والذي ظهر في وداع الفقيد الكبير، فإن الكلام على تفاصيل ترتيلة الأم الحزينة وما رافقها من تعليقات هي فقط للالهاء وتحويل الانظار عن الموضوع الأساسي.

إن السيدة العذراء تشبه كل ام ثكلى وتحنوا عليها. ووحيدها، الذي صلب أمام أعينها بدون وجه حق، يمثل الظلم الذي تتعرض له البشرية في كل آن. وكل من لم يفهم رسالة المسيح يمكنه التجني عليها، ومحاولة تمويهها وحصرها، ومنع الناس من المشاركة بها. وكلماتها، ككل كلام السيد المسيح، تعني كل الناس، وهو الذي قال: “أتيت لأكمّل الناموس”. وعملية التكملة هذه، هي تلك الروح التي دخلت في الكتب الجافة، وفرضت أن يتوسع الخلاص ليشمل البشرية جمعاء، فلا ينحصر في “شعب الله” الذي كان حمل الأمانة لسنين طويلة وتحمّل مشقاتها.

إن التزمت والتقوقع داخل جدران ما يمثله أئمة إيران اليوم، لا يخالف فقط تعاليم السيد المسيح ورسله، بل يناقضها. ولقمان سليم هو شهيد الحرية، شهيد المثابرة، شهيد الانفتاح، شهيدٌ يمثل رسالة لبنان العالمية. في مقابل الحقد الذي ينشرون، والتقوقع داخل جدران الأيام الغابرة، ونظريات الأخذ بالثأر، وترهيب الناس وتهجيرهم. فأين هذه من تلك.

ومع كل اللبنانيين الصامدين بوجه التخلف والعنف، نسامح الذين غُرر بهم، ونتفهم الذين يخافون، ولكننا لا نؤيد أبدا مواقف من يدعون المسؤولية ويتهربون منها بمواقف جبانة لا يجب أن تلطخ مواقعهم.

فهل إن جبروت المماليك وغيهم، والذي لم يستطع أن يحول اللبنانيين، وخاصة الموارنة منهم، إلى عيش أهل الذمة، يسقط اليوم أمام إغراءات جماعة السلاح، وعهر البعض، فيركضون صوب الذمية منشرحين، ويتقبلون الخضوع صاغرين، أمام طغمة من المفسدين والقتلة؟…