شقيقة لقمان سليم السيدة رشا الأمير لا تريد تحقيقاً دولياً لأنها تعرف من قتله/مقالات تتناول جريمة اغتيال لقمان سليم لكل من/منى فياض/نديم قطيش/عبدالله بن بجاد العتيبي/طارق الحميد/حازم صاغية/رامي الأمين/وسام سعادة/نوال نصر/زهير الحارثي/سعد الياس/أنطوان الأسمر/بولا أسطيح/

195

شقيقة لقمان سليم السيدة رشا الأمير لا تريد تحقيقاً دولياً لأنها تعرف من قتله/مقالات تتناول جريمة اغتيال لقمان سليم لكل من/منى فياض/نديم قطيش/عبدالله بن بجاد العتيبي/طارق الحميد/حازم صاغية/رامي الأمين/وسام سعادة/نوال نصر/زهير الحارثي/سعد الياس/أنطوان الأسمر/بولا أسطيح/

07 شباط/2021

*شقيقة لقمان سليم السيدة رشا الأمير لا تريد تحقيقاً دولياً لأنها تعرف من قتله.. كلامه كان موجعاً ومزعجاً لهم
إيناس شري/الشرق الأوسط/07 شباط/2021

*لقمان سليم: قصة قتل معلن لِفُتَاتْ السيادة
منى فياض/الحرة/07 شباط/2021

*بس العالم مجرم يا لقمان…
نديم قطيش/أساس ميديا/الأحد 07 شباط 2021

*لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني
عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/07 شباط/2021

*استهداف العقل الشيعي
طارق الحميد/الشرق الأوسط/07 شباط/2021

*المعرفة التي قتلت لقمان سليم
حازم صاغية/الشرق الأوسط/07 شباط/2021

*لقمان سليم: الطفل “الشيطان” الذي لاعب الأسد!
رامي الأمين/أساس ميديا/السبت 06 شباط 2021

*سيرة الضاحية… التي حماها لقمان من النسيان
وسام سعادة/أساس ميديا/الأحد 07 شباط 2021

*هذه وصيّة لقمان سليم…
نوال نصر/نداء الوطن/06 شباط/2021

*اغتيالات “الحزب”: الدم اللبناني ليس رخيصاً!
زهير الحارثي/الشرق الاوسط/06 شباط/2021

*الناشطة السياسية منى فياض: الأرض تتزلزل تحت أقدام حزب الله واغتيال لقمان رسالة لكل الأحرار
سعد الياس/القدس العربي/06 شباط/2021

*هل يوظَف اغتيال لقمان سليم تزخيماً لدينامية الحلول أم كبحاً لها؟
أنطوان الأسمر/اللواء/06 شباط/2021

*“المعارضون الشيعة” لـ”الحزب” يخشون مصير لقمان سليم
بولا أسطيح/الشرق الأوسط/06 شباط/2021

******
شقيقة لقمان سليم السيدة رشا الأمير لا تريد تحقيقاً دولياً لأنها تعرف من قتله.. كلامه كان موجعاً ومزعجاً لهم
بيروت: إيناس شري/الشرق الأوسط/07 شباط/2021
يسود هدوء يشوبه الحزن مدخل منزل عائلة لقمان سليم، الناشط المعارض لـ«حزب الله». عند مدخل المنزل، شرطي وحيد يراقب الداخلين إلى المنزل الواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، وحيث مارس سليم نشاطه المعارض للحزب من دون مداورة. في الداخل، تستقبل شقيقته رشا الأمير المعزين بعبارة «لقمان حي»، وعلى وجهها ابتسامة لا تفارقها إلا حين ترى عزيزاً على أخيها يبكي، عندها فقط يغلبها الدمع ولو للحظات. «هو الأخ والصديق والأستاذ والمثل»، تقول الأمير لـ«الشرق الأوسط» مضيفة: «لا أحد يستطيع قتل الأفكار والآراء والقيم، قتلوا شقيقي فليخبروني كيف سيقتلون أو يمحون فكره وأعماله وقيمه».
ترى الأمير أن شقيقها اختار الطريق الأكثر وعورة، طريق الحرية الحقيقية البعيدة عن الشعارات والمتاجرة، ودفع ثمنها حياته «قتل شقيقي لأن كلامه موجع لهم، لأنه صريح وصلب لا يهادن، كان مزعجاً بالنسبة لهم، فهم يريدون احتكار القيم ويعتبرون أنفسهم الأقوى، فكيف لصوت أخي أن يخرج من احتكارهم، لم يتحملوا الأمر».
أما لماذا قُتل اليوم، وهو الذي لم يترك منزله يوماً رغم التهديدات، فتعتبر الأمير أن هناك حالة انتظار إقليمية، فالإدارة الأميركية الجديدة صغيرة العمر، والكل ينتظر ماذا ستفعل، وكذلك عواصم القرار في العالم كلها في حالة عصف أفكار فيما يخص مصير المنطقة، وفي مثل هذه الأوقات، حيث تغيب التسويات أحب قتلة سليم اللعب بالوقت الضائع.
لا تريد رشا الأمير معرفة الحقيقة، ولا تنتظر شيئاً من القضاء اللبناني الذي تصفه بأنه في حال غيبوبة، وهي أيضاً لا تريد قضاءً دولياً، لا سيما أنه أيضاً ليس منزهاً في بعض منه عن التدخلات السياسية. تؤكد أنها لن تلجأ إلى تحقيق دولي، ليس فقط لأنه يتطلب شروطاً معينة وآلية تمر عبر مجلس النواب وميزانية، بل لأنها تعرف جيداً حقيقة من قتله، وهذا يكفيها.
«لا أهتم بالتفاصيل البوليسية، ماذا سيخبرني القضاء أي نوع رصاص قتل أخي؟ كيف غدروه وقاومهم؟ هذه تفاصيل مقززة ومقرفة لا أريد معرفتها، تشبه القتلى ولا تنفعني بشيء ولن تقلل وطأة فقدي، أعرف الحقيقة وهذا يكفي».
تردد الأمير وهي تتحدث مع «الشرق الأوسط»، عن حادث مقتل أخيها عبارة السيد المسيح: «أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى مبغضيكم»، فيما يوحي بأنها تسامح قاتل شقيقها، لكنها تعود وتقول «من المبكر الحديث عن المسامحة حالياً، لا أستطيع، لكنني دائماً أفكر كيف يمكن للإنسان العيش مع أعدائه، أفكر بعمق هذا الأمر كيف يمكن أن أتقبلهم بعدما فعلوه»، مضيفة: «أخي عمل كثيراً على هذا الموضوع على كيفية المصالحة بين اللبنانيين بعد الحرب والمجازر التي ارتكبوها بحق بعضهم البعض، عمل على ما يسمى العدالة الانتقالية التي تسمو فوق من قتل من».
لا تحبذ الأمير التعليق على القصص التي انتشرت مؤخراً حول أسباب مقتل أخيها، منها أنه كان يعمل على ملف معين يتعلق بـ«حزب الله» وقضية تبييض الأموال، وترجح أن تكون هذه الأخبار «ضمن الفبركات»، ولو من غير قصد، أو من باب رغبة أحدهم بتسجيل سبق صحافي على حساب شخص لم يعد موجوداً للرد عليه، وتقول «فليأتوا بحججهم أنا لا أعرف».
أما فيما خص علاقات سليم الخارجية، فتقول الأمير: «هو رجل له شأنه وصلاته في كل أنحاء العالم، وليست حكراً على فريق معين»، مشيرة إلى أن سليم كان يعمل بالسياسة وله خياراته السياسية الأقرب إلى الإدارة الأميركية والإدارات الأوروبية، وليس إلى إيران، فهو شخص «أممي» والتركيز على علاقته بواشنطن تهدف إلى التهم المعلبة.
> لا أدلة على تعرض سليم للتعذيب وهاتفه ليس مع العائلة
من جهة أخرى، أكد محامي العائلة موسى خوري، أن كل ما تعرفه العائلة حتى اللحظة هو أن سليم ترك منزل صديقه في بلدة صريفا (جنوب لبنان) حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء الأربعاء الماضي، وأن جثته وجدت في سيارته المركونة في بلدة العدوسية، وأنه أصيب بست طلقات نارية، وأن التحقيقات توصلت إلى معلومات جديدة ستعرف العائلة خلاصتها لاحقاً. وأكد خوري في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الأجهزة المعنية تعمل بكل جد، لكن الموضوع لم يمض عليه أكثر من 72 ساعة، وبالتالي، خصوصاً وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد، لا يمكن توقع نتائج بهذه السرعة، مضيفاً: «سننتظر إن كان سيتم الوصول إلى نتيجة، وسنبذل قصارى جهدنا لنعرف من قتل سليم، وبالاسم، وليس بالجهة فقط».
وحول ما يتم تداوله عن تعرض لقمان سليم قبل القتل للتعذيب، أشار خوري إلى أن هذا الأمر «لم يرد إلا في وسيلة إعلامية، وعن حسن نية تناقلته وسائل الإعلام كواقعة»، قائلاً: «نحن ليس لدينا أي معلومة عن تعرض سليم للتعذيب حتى اللحظة، قد يتبين ذلك لاحقاً، ولكن حتى اليوم لا توجد معلومات عن تعرضه للتعذيب».
وفيما خص هاتف سليم المحمول قال خوري: «قرأنا أنه وجد على بعد 300 متر من المنزل، حيث كان سليم مساء الأربعاء، وبالتالي هناك جهاز ما وجده، لكن هذا الجهاز لن يعطينا إياه قبل انتهاء التحقيق، لم يخبرنا بالأمر، وهذا طبيعي في جرائم القتل، لا سيما القتل السياسي، والهاتف بالتأكيد ليس معنا».

لقمان سليم: قصة قتل معلن لِفُتَاتْ السيادة
منى فياض/الحرة/07 شباط/2021
لقمان غاب لكنه باقٍ حياً في نفس كل واحد منا
تطغى عليك لفترة طويلة مشاعر الحزن الصافية. لا شيء آخر، لا خوف ولا غضب. غاب لقمان لكنه باقٍ حياً في نفس كل واحد منا، نحن من نريد تحرير لبنان من الاحتلالات. فَقْد لقمان سليم خسارة شخصية لصديق عزيز. لكنه بالأساس خسارة وطنية لكل اللبنانيين الذين لا يزالون يدافعون عن حقهم ببلد ذو سيادة وعن حقهم بحرياتهم الشخصية والسياسية وحرية الرأي والضمير وعن حقهم ببلد حر ومستقل وسيد نفسه وحافظ لحدوده ومنتمي للأسرة الدولية وللأسرة العربية. بعد فترة الحزن الصافي، لا أدري ما الذي يجتاحك؟ هل هو الغضب؟ أم العزيمة على المقاومة؟ لأننا نحن المقاومة الوطنية الشريفة الحقيقية وليس من يحمل كاتم صوت لإخراسنا.
لن نخافكم
لن نخضع لإرادة كواتم الصوت ولن نخاف. أولستم “حزب الله”؟ فإذا كان علينا أن نخاف، فسنخاف الله، ونطلب منه حمايتنا منكم ممن تصادرونه اسمه. لن نخافكم. بل أنتم، بقتلكم للقمان سليم بكاتم الصوت، من تعلنون خوفكم من الكلمة ومن الأحرار. كاتم الصوت ممن لم يعد يملك صوتا يقنع به بيئته وسائر من يواليه. كاتم الصوت لقمع كل من يطالب بسيادة لبنان وحريته واستقلاله. قبل ذلك تمرنوا علنا بإرهاب لقمان. هاجموا خيم الثورة واجتاحوا منزله في الضاحية ووضعوا التهديدات على حيطانه. لطالما علق المعلقون: كيف يحتملون وجوده بينهم بهذا الشكل! لأنهم يعرفون أنكم لا تحتملون من لا يذعن لسلاحكم.
على كل لقمان ليس مجرد صوت. لقمان ناشر وصاحب مشروع ومؤسس لعدة مؤسسات تعمل على تنقية الذاكرة الشفهية وعلى تصفية ذاكرتنا المشتركة مع السوريين والفلسطينيين. كي نراجع تاريخنا الدامي والحرب الأهلية وكي يعترف كل طرف بعذابات وجروح الآخر للتوصل الى المسامحة والسلام.
ومن هنا الأفلام التي حققها عن القتلة الذين اعتذروا عما قاموا به في الحرب وعن سجناء الرأي في سوريا… يعمل على ملفات الوثائق الضائعة التاريخية ويجمعها. يعمل على إنتاج فني وثقافي متنوع من معارض وكتب وأفلام ومؤتمرات وإصدارات متنوعة. عمل في جمعية هيا بنا التي اتخذتها جريدة الأخبار عنوانا لمقال تحريض ضده تحت عنوان “هيا بنا إلى تل أبيب”. يبرهن يوميا، أنهم يعنون انهم يريدون احتكار طريق تل أبيب. خسارة لبنان كبيرة. ولكني آمل ألا يذهب دمه هباء على ما حصل مع دماء سلسلة اغتيالات شخصيات 14 آذار التي تبعت اغتيال الحريري الذي أخرج دمه السوري.
ما الذي استجد؟
وقبل أن نسأل أنفسنا: لماذا اغتيل؟
أريد أن أؤكد أن اغتياله يطال كل لبناني سيد حر يريد تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني وليس المعارضين الشيعة وحدهم.
أما لماذا اغتياله في هذا الوقت بالذات؟
اعتادت بيئة حزب الله أن تقول لأمثالنا “مش قاريينكم”. يعني أن أمثال المعارضين كلقمان لا يشكلون ظاهرة تستحق الرد او الاهتمام. لكن يبدو من خطاب السيد نصر الله الأخير أنهم صاروا يستحقون الرد الآن. ويستحق الإعلام والإعلاميون التوبيخ. وإلا فإن “الأهالي” سيتكفلون بإحراق مؤسساتهم أمام أعين أجهزتنا الأمنية.
أمثال لقمان صاروا فجأة “مرئيين” الآن. فما الذي استجد؟
طبعاً منذ بداية الثورة خاف حزب الله، فرفع بوجهها أمينه العام لاءاته الثلاث الشهيرة. ثم تبعتها اعتداءات شبيحة خندق الغميق على الثوار تحت شعار “شيعة، شيعة،..”. وفي نهاية العام 2019 تعرضت خيم الثوار للحرق. جاءت كورونا لصالحهم واستغلوها كما يجب.
ثم جاء انفجار 4 آب الذي عرض حزب الله للمساءلة العلنية الواضحة من أعداد متزايدة من اللبنانيين. وكان ملفتا أن المشانق علقت في مظاهرات ما بعد الانفجار للسياسيين اللبنانيين وبينهم أمين عام حزب الله. ما عنى أن التابوهات التي كانت تحيط بهالة السيد بدأت تتساقط. هذا في الداخل اللبناني. لكن لبنان ليس ساحة داخلية مغلقة ومنقطعة عن الخارج، بل هو صندوق بريد لإرسال الرسائل. هذا الاغتيال حصل في لحظة تبدل الإدارة الأميركية وفي لحظة وضعها لسياساتها العامة، وعزمها على حل المشاكل دبلوماسيا. وبعد أن كانت متحمسة للعودة إلى الاتفاق النووي دون شروط، بدا أنها تتريث الآن. فاقتضى الأمر تنبيهها أنها إذا كانت تهتم بلبنان من زاوية مصالحها فللآمر الناهي عنوان واضح. وإلا فإن آلة القتل ستستعيد نشاطها وتستكمل مهام السيطرة على لبنان. وجاء هذا الاغتيال في اللحظة التي تتعرض فيها إيران للاعتداءات المؤلمة المتكررة وهي عاجزة عن الرد. جاء الاغتيال في اللحظة التي ترتفع فيها أصوات الشيعة في العراق، الذين يقتلون من ميليشياتها أيضا، على المطالبة “إيران برا، برا”. جاء في الوقت الذي قصفت فيها مع حزبها بمئات الغارات التي ربما تعدت الألفين، في سوريا، من الطائرات الإسرائيلية، بغطاء من حليفتها الروسية. وفي الوقت الذي بدأت تتسرب فيه المعلومات عن اجتماعات سرية بين أزلام الأسد مع الإسرائيليين برعاية روسية، بهدف إخراج إيران من سوريا. وجاء في الوقت الذي يقوم فيه ماكرون بمبادرة، يلاقيه فيها الأميركي، لتجديد وساطته. ماكرون الذي لا يزال يحتفظ بخطوط اتصال مع الإيرانيين حفظا لمصالحه، ويعتبر أن العقوبات غير ذات فائدة ويرغب بالتعامل مع نفس الطبقة السياسية ولا ندري بأي شروط مستجدة. وجاء في الوقت الذي ينفتح فيه العرب على إسرائيل ويعقدون الاتفاقات معها لمواجهة إيران، وفي الوقت الذي بدأت فيه الأصوات تسمع، ولو بخجل، في بيئة الحزب وإيران: إلى أين تأخذوننا؟ وعليه يكون اغتيال لقمان سليم يحمل رزمة رسائل للداخل وللخارج.
أعتب على من يسأل: هل أنتم الشيعة مستهدفون كمعارضين؟
طبعا مستهدفون، لكن يا سادة قبلنا: لبنان هو المستهدف، والأحرار جميعهم مستهدفون.
نحن شعب أعزل
وأعتب على من يسألني: ستهاجرين؟ تتخذين تدابير حماية؟ تدابير أمنية؟ فأسألهم: لماذا؟ وما رأيكم؟ هل سترسل لنا السفارات، التي نحن عملاءها، رجال أمن لحمايتنا؟ أو ستهتم أجهزتنا الأمنية بسلامتنا؟ إذا كان هناك من شيعة سفارة، فهم شيعة سفارة إيران. السفارات الغربية تقيم علاقات علنية مع اللبنانيين وليس في سراديبها. ولا تقتل معارضيها أمام أبوابها علنا، ودون رفة جفن من السلطات اللبنانية. رحم الله هاشم السلمان. أنا، وجميع المعارضين من جميع الطوائف، نحن لبنانيون ونرفع الصوت للطلب من مؤسساتنا الرسمية حمايتنا. وهذا يبدأ بالتحقيق بمقتل لقمان سليم. وسننتظر لنر.
والمطلوب من جميع القوى السيادية، من شبابية تنتمي إلى 17 أكتوبر ومن سياسيين تقليديين ومن مستقلين وأحزاب ونواب أمة، من جميع الطوائف التجمع وأن يعلنوا بالصوت العالي: إيران برا، برا. وإلا فنحن شعب أعزل يقبل أن يقتل كل من يرفع صوته للتخلص من عبوديته. ونطلب حماية من الأمم المتحدة ومن المؤسسات الدولية والدول للضغط على طلب تحقيق شفاف ومحاكمة لكل ما يحصل على الأراضي اللبنانية منذ 4 آب، وكيف وصلنا الى 4 آب. ونطالب إدارة السيد بايدن والسيد ماكرون، مساعدة اللبنانيين على المجيء بحكومة تعمل فقط على تطبيق الدستور والطائف والقرارات الدولية، فعلا لا قولا، ونكون لهم من الشاكرين. وإلا فاليعلنوا أنهم يريدوننا رهائن صندوق الرسائل.

بس العالم مجرم يا لقمان…
نديم قطيش/أساس ميديا/الأحد 07 شباط 2021
تعود الحكاية إلى مبتدأ الملل. قتل لقمان سليم. الرجل المقتول منذ زمن بعيد، ظلّ يسير بهامة مرفوعة كنصل. بجبين أعرض من فضيحة الاغتيال وأوضح من جبن القاتل. كان على موعد غامض مع الرصاصات التي اخترقت رأسه، بعد مقدمات كثيرة.
ثمّ تعود الحكاية. النفي المقيت. الاستنكار الذي يفحّ برائحة العفن المقيم في نفوس تكلّست بالزيف. الصمت الذليل عن عُرِي الإمبراطور، الذي فضحه لقمان بطفولية لم تغادر سعيه وكدّه. التذاكي في نحت الافتراضات وتدبيج السياقات الموصلة إلى الموت المعلن، والقاتل المعلن… مبتدأ الملل…
أيّ قدر هذا أن يطعن في قيمة الرجل وهو حيّ يلتحف الجنوب مقصداً، والضاحية مقاماً، ثمّ يطعن في جرأته وهو يسلّم النفس الأخير على صلصال الجنوب؟!
قيل إنّ لا شأن للقمان، ولو كان له، لما عفَّ عنه حزب الله كل هذا الوقت. ثمّ سقط قتيلاً برصاص معلن. فقيل لولا أنّه مغامر أرعن لما وقف في جفن الردى عالماً بما في نفوس المتربّصين بعمره. هل قتله فائض الجرأة أم أحياه انعدام القيمة والوزن؟ وكيف يستوي الرأيان معاً، مرّة في تفسير الحياة وأخرى في تفسير الموت؟ أيّ قدر هذا أن يطعن في قيمة الرجل وهو حيّ يلتحف الجنوب مقصداً، والضاحية مقاماً، ثمّ يطعن في جرأته وهو يسلّم النفس الأخير على صلصال الجنوب؟!
يسقِط الموت عن القتيل الحقّ بالكلام. الاغتيال هنا محو تام للنصّ وصاحبه. إنّه الرقابة في حالتها القصوى. ولقمان ونصّه صنوان. اللغوي والبصري والأرشيفي والشفهي. الفكرة والرأي. اللمعة والتحليل. الموقف والصوت الذي يغدو رنيناً مقيماً في الأذنين، كأنّه عذاب أليم. يظلّ الواحد منّا، ولقمان أوّلنا دائماً، مُطارَداً بقدح قيمته الفكرية والثقافية والسياسية بدليل البقاء على قيد الحياة. ويصير الواحد منّا، ولقمان أوّلنا دائماً، مُداناً بتهمة الشجاعة بعد القتل. الغائب هنا هو موقع القاتل وتوقيعه. النقاش يتمحور حور المقتول نفسه، الذي ما استحقّ الحياة إلاّ بسبب نقص القيمة، وما استحقّ الموت إلاّ بسبب فائض الجرأة.
هذه الثنائية القاتلة مهمومة بتغييب القاتل. بترحيل السؤال عن السفّاح ومحاكمة الضحية.
وهي تمهيد موضوعي لعمل المخيلة والإطمئنان لحياكة نسيج خاصّ من الوقائع البديلة، التي لا يهم مدى انطباقها على الواقع بقدر أهمية اتّساقها مع نظريات المؤامرة.
هِب أنّ مؤامرة ما تقيم بالفعل بين طيّات هذه الجريمة. وهِب أنّ عدواً إقتنص فرصة الإنقضاض على لقمان لتوريط من لا صلة له بقتله. كيف يمكن لإسرائيل أن تلصق تهمه قتل لقمان سليم بحزب الله ما لم يكن حزب الله قد مهّد بكل ما أُوتي من أسباب لأن يلبسه ثوب الجريمة؟ هل استنكر الحزب العدوان المنظّم على سمعة سليم من قبل “إعلامه” كما من قبل “كتائب الاهالي” التي يحرّكها؟ هل زار مسؤول من الحزب “البريء” دارة آل سليم متنصّلاً من الإسفاف العابث بسمعة البيت وأهله؟
أياً تكن صفة من ضغط على زناد الجبن والغدر، فقد مهّد له حزب الله الطريق وشدّ على يده. وأيًا تكن الجهة التي قرّرت شطبه من معادلة الحياة فهي نفّذت ما أوحى الحزب بضرورة حصوله، حصولاً معللاً بسيل التهم والتشهير.
ألسنا بإزاء بيئة تتبنّى الجرائم قبل حصولها، وتحتفل بموتنا قبل قدومه؟ أليست الدعوات لأن يلقى من مثل لقمان المصير نفسه، استجداءً للقتل وحثّاً عليه؟ لماذا تعطون إسرائيل الحجج لأن تنفّذ رغباتكم المعلنة وأمانيكم المضاءة بفحيح وضّاح؟
يسقِط الموت عن القتيل الحقّ بالكلام. الاغتيال هنا محو تام للنصّ وصاحبه. إنّه الرقابة في حالتها القصوى. ولقمان ونصّه صنوان. اللغوي والبصري والأرشيفي والشفهي. الفكرة والرأي. اللمعة والتحليل. الموقف والصوت الذي يغدو رنيناً مقيماً في الأذنين، كأنّه عذاب أليم
ما يدهش في قتل لقمان سليم ليس القتل بحدّ ذاته، بل تلك العلنية بتنفيذ أحكام القهر وتلك الوقاحة في مهر الجثة بأسماء القتلة.
لقمان قُتِلَ كثيراً كثيرًا قبل أن يُقتل أخيرًا، وهنا بيت القصيد، كما قُتِلَ من قضوا قبله ومن ينتظرون نحبهم!
وأما بعد، لا يسعني أيها الصديق المظلوم أن اندرج في موجة البطولة الثقيلة.. قتلك خسارة بحجم السماء، لا يردّ جمرها عن القلب أنّ أفكارك ستعيش بعدك.. موتك يلسع النخاع ويهدّ جدران الروح.. شيءٌ كثيرٌ هزم في داخلي لحظة أنبئت بالعثور على جثمانك..
لا عزاء بعدك بأنّنا سنستمرّ، أقولها بصوت خفيض، منهك، بعد أن كبرت على هذا الوهم وأنا أحصي سنوات العمر بعدد الراحلين وأسمائهم الحسنى.. ولا كرامة في مساجلة القاتل بالعقل.. فالرصاص لا يُواجَه بغير الرصاص.. ودمُك لا يُواجَه بغير الدم.. ونحن، في هذا المضمار، كما تعلم، تعوزنا الرغبة والقدرة… سنظلّ نقول ما نقول لا إيماناً بأنّنا سننتصر، بل لأنّنا لا نملك سوى ما نقول لنخفّف به وطأة الظلم..
في الختام كلام للنبيلة الشامخة كشراع، المكسورة كصلاة حبيسة، أمُّك، إذ تقول: “.. بعدين الدنيا بتعارضنا فبننكفىء بنقعد في بيتنا بنقرا ومنكتب ونحلّل، مش ضروري نعرض نفسنا.. العالم صعب لكن العالم مش لازم يكون مجرم..” بس العالم مجرم يا لقمان..

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني
عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/07 شباط/2021
حكمت محكمة بلجيكية بإدانة الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، بالتخطيط لاستهداف تجمع للمعارضة الإيرانية في فرنسا 2018 بقنبلة شديدة الانفجار، وهو عملٌ إرهابي بامتياز، استهدف عدداً من دول الاتحاد الأوروبي في سلسلة متواصلة من استخفاف النظام الإيراني بدول الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في دولها. يجري الحديث اليوم في أوروبا وأميركا عن سعي لإعادة إحياء الاتفاق النووي سيئ الذكر مع إيران، ويتحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن لعب دور الوسيط بين إيران وأميركا، وكأن رعاية إيران للإرهاب ودعمها لكل تنظيماته وميليشياته لا يعنيان هذا الاتحاد ومسؤوليه، والرسالة مفادها أنك إن واصلت الإرهاب فستخضع لك أوروبا وتطلب رضاك. في عملية تحسين شروط التفاوض عمد النظام الإيراني لإعادة تحريك أدواته وهي – جميعاً – أدوات إرهابية، فميليشيات الحوثي تستهدف المدنيين في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، وميليشياته في العراق تسعى لإيضاح سيطرتها على الوضع الأمني وتهديداتها للوجود الأميركي، وعملياتها ضده في تصاعد ومسلسل الاغتيالات مستمرٌ ضد معارضي النظام الإيراني من العراقيين مسؤولين ومثقفين وعساكر. في لبنان عادت إيران لإحياء عمليات الاغتيال مجدداً باغتيال الكاتب والمثقف لقمان سليم، بشكل سافرٍ وإرهاب فجٍ، وذلك لإعادة لجم الأفواه التي ترفض سيطرة «حزب الله» على الدولة اللبنانية، وترفض الفساد العريض المتفشي في ظل حكم الحزب وحلفائه لكل مفاصل الدولة. اغتال «حزب الله» اللبناني رفيق الحريري وثبت ذلك بحكم محكمة دولية، الذي شارك في اغتياله سليم عياش، واغتال جورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير وفرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح وغيرهم الكثير، وحاول اغتيال الإعلامية مي شدياق، وها هو يعود اليوم لتذكير الجميع أنه قادرٌ على اغتيال من يشاء وقتما يشاء.
ميليشيات الحوثي في اليمن وسياساتها هناك ضد الشعب اليمني أكثر بشاعة وتوحشاً من «حزب الله» اللبناني، والتلميذ قد يتجاوز معلمه في الشر، فلم تبق عمليات إرهابية لم تمارسها تلك الميليشيا من اغتيال وقتلٍ وتفجير وتجويع وحصارٍ وغيرها الكثير، وهي تتحرك وفق التوجيهات الإيرانية، التي تريد إثبات وجودها وتمدد سيطرتها على عدد من الدول العربية حتى تتفاوض من منطلق قوة في المفاوضات القادمة مع أميركا وأوروبا. النظام الإيراني في حالة ضعفٍ شديدة جراء العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق ترمب، وهو إلى ما قبل شهرٍ تقريباً كان شديد الخوف من أن توجه له ضربة عسكرية أميركية، ولكنه يعتقد الآن أنه أصبح آمناً، وأن الإدارة الأميركية الجديدة يمكن تخويفها والتقارب معها في الوقت نفسه، ولكن بشروطه هو. تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة ترفض استهداف السعودية بالصواريخ الباليستية الإيرانية، وتؤكد التزامها التعاون مع السعودية لضمان أمن المنطقة واستقرارها، وهذا ما يؤكد مكانة السعودية المستحقة في المنطقة والعالم من دون شكٍ.
السعودية أكدت مراراً أنها مع الاتفاق النووي ولكنه اتفاق ناقص، وهي مع أي اتفاق يضمن منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولكنها تؤكد على وجوب إدانة شرور النظام الإيراني الأخرى مثل التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب، وأن تقدم إيران التزامات صريحة بالتخلي عن تلك السياسات المعادية، وتكون تحت طائلة العقوبات في حال انتهاكها لهذا الاتفاق، فالسعودية دولة استقرار وتنمية لا دولة إرهاب وتوسع. وفي هذا السياق صعدت إيران وتيرة الاعتقالات والإعدامات داخل إيران لمواطنين إيرانيين، بعضهم يحملون جنسيات غربية، وهو ما يؤكد أن أدوات النظام الإيراني في التفاوض السياسي هي أدوات إرهابية بشعة وليست سياسية أو اقتصادية سلمية، وهذا كله موثق ومنشور لا يحتاج إلى رصد وتدليل وتحليل، فالنظام الإيراني هو الفاعل والناشر في الآن ذاته.
سياسات إيران في الدول التي تدخلت فيها هي سياسات مستعمرٍ أجنبي شرسٍ ودمويٍ، لا يربطه بمواطني الدول العربية أي رابطٍ، وبالتالي فهو يستبيح كل السياسات القاتلة والقاسية في حق مواطني هذه الدول، في العراق وسوريا، كما في لبنان واليمن، لا فرق، فالعدو المحتل لا يرقب في أهل البلد إلاً ولا ذمة، والعجيب حقاً هو انسياق عملائه خلفه للتنكيل بأهلهم ومواطنيهم، وهكذا يفعل الطابور الخامس في كل زمان ومكان. الاغتيالات – مثلاً – هي سياسة حاضرة لدى الأنظمة الوحشية على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، ولكنها لدى النظام الإيراني منهجٌ ثابتٌ ومستقرٌ ومستمرٌ، وأكثر من يعرفها هي الدول الأوروبية وأميركا، ولكن لا أحد منها يريد اتخاذ موقفٍ حازمٍ يردع النظام عن هذه السياسات، التي لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين، ولا تعترف بالقوانين والمعاهدات الدولية. ارتباط النظام الإيراني بالإرهاب والتخريب ونشر الفوضى والدمار أمرٌ معروفٌ للجميع، والاختلاف يكمن في طرق مواجهة هذه الاستراتيجية الإيرانية، هل يكون بالمواجهة والعقوبات والحزم مع النظام المارق، أم يكون بالخضوع والتعايش والانسياق خلف أي اتفاق ناقصٍ أو مشوهٍ؟ والخيارات مفتوحة وواسعة بين هذا وذاك، وتبقى الأهداف والغايات المبنية على الرؤى الاستراتيجية هي الحاكمة على طبيعة أي اتفاق جديد أو أي تجديدٍ للاتفاق القديم.
السعودية، ومعها غالب دول الخليج والدول العربية، تقود دعم الاستقرار العالمي سياسياً واقتصادياً، وعلى كافة المستويات، وهي رقمٌ صعبٌ في كل المعادلات الإقليمية والدولية، ولا يمكن تجاهل دورها وأهميتها بأي حالٍ من الأحوال، وبالتالي فالتصريحات الأميركية عن نشر الاستقرار ومحاربة الإرهاب وتوثيق العلاقات مع حلفاء أميركا كلها تصب في الوعي بهذه المكانة والتأثير، وهي استمرار لما هو قائمٌ منذ عقودٍ. طبيعة التحالفات السياسية بين الدول هو أن توجد اختلافاتٌ، حيث لا تطابق في السياسات بين الدول، وهو ما يمنح مساحة لتحقيق مصالح الحلفاء ومرونة في مراعاة أهداف الدول وغاياتها، والخلافات حول الطريقة الأفضل للتعامل مع خطر النظام الإيراني هي نموذج عملي لهذه الطبيعة السياسية. أخيراً، فأي اتفاقٍ مع إيران لا يراعي مصالح دول المنطقة محكومٌ عليه بالفشل كسابقه.

استهداف العقل الشيعي
طارق الحميد/الشرق الأوسط/07 شباط/2021
لا أتفق مع من يقول «عودة الاغتيالات» إلى لبنان. هي لم تنقطع أصلاً حتى تعود، واغتيال المثقف اللبناني لقمان سليم ما هو إلا استمرار لعمليات الاغتيالات تلك في لبنان، التي لها أشكال مختلفة؛ من الاغتيال المعنوي إلى التصفية الجسدية. واقع الحال يقول لنا إن «حزب الله» يعتبر سياسة الاغتيالات والتصفية نوعاً من أنواع العمل السياسي في لبنان، مثله مثل كل العصابات الإجرامية، وتلك الاغتيالات ليست رهناً على «حزب الله» وحده، بل هي نهج المنظومة التي ينتمي لها «حزب الله» الإرهابي. وعليه فإن قراءة عملية اغتيال لقمان سليم، ابن الطائفة الشيعية، والمنتقد الأبرز لـ«حزب الله»، لا يمكن حصرها على لبنان فقط، بل هي امتداد لاغتيالات أخرى وقعت مؤخراً في العراق، وكان أبرزها اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي. هذه الاغتيالات الهدف الواضح منها هو استهداف العقل الشيعي المطالب بدولة مدنية، والنابذ للعنف، والرافض للتبعية لإيران الإرهاب، والطائفية، والإقصاء، وإيران تدمير الأوطان، وتدمير هيبة الدولة العربية. اغتيال لقمان سليم هو امتداد لاغتيال هشام الهاشمي، والهدف منه إسكات صوت العقل الشيعي، الذي كنت أنتقد صمته إبان اندلاع الثورة السورية فيما عرف بـ«الربيع العربي»، وهي الثورة الحقيقية، قبل أن تختطف وتدمر، وبفعل رئيسي من قبل إيران، وأتباعها.
اليوم، ومنذ فترة ليست بالهينة، وقف عقلاء الشيعة، وقالوا كلمتهم، وباتوا يدفعون أثماناً قاسية كلفتها الدم، والتنكيل، خصوصاً في العراق، والآن لبنان، وهو ما جعل إيران وأتباعها يخشون ذلك، خصوصاً أن النقمة الآن هي من أبناء الطائفة الشيعية. يقوم «حزب الله» بالاغتيالات الآن في لبنان، وكذلك من هم على شاكلته في العراق، لأنهم يستشعرون خطورة ثورة أبناء الشيعة عليهم، خصوصاً أن المشروع الإيراني الآن في لحظة مفترق طرق بالمنطقة بعد تحرك عقلاء الشيعة، ولذلك باتوا يستهدفون صوت العقل الشيعي. يفعل «حزب الله» ذلك، ومن هم على شاكلته بالعراق، ليس لأنهم أقوياء، بل لأنهم يستشعرون الضعف وسط صحوة العقل الشيعي، وينسب للعلامة هاني فحص، رحمه الله، قوله: «لا تخافوا من (حزب الله) وهو في صعود، وإنما خافوا منه وهو في لحظة السقوط». ولذا فعندما يصيب الغضب الشارع الشيعي بالعراق، ولبنان، فإن «حزب الله»، ومن على شاكلته، يستشعرون الخطر، ويقومون باستهداف شرفاء الشيعة، وعقلائهم.
الحقيقة أن المنظومة الإيرانية، وبعد أن استهدفت دولنا، ومكوناتها، تقوم الآن باستهداف عقلاء الشيعة ومثقفيهم، وذلك ليتسنى لإيران تحقيق مشروعها الظلامي، والمتخلف، بالمنطقة. سألت صديقاً شيعياً مثقفاً، أقدره وأحترمه، إن كان يوافق على قراءتي لاستهداف إيران، و«حزب الله» للعقل الشيعي الآن، فقال: «نعم هم يستهدفون العقل الشيعي لأنهم بلا عقل… هم آيديولوجيا عمياء». وهذه الآيديولوجيا العمياء تريد تحقيق أهدافها، ولو بالدم والدمار، مثلها مثل عقلية «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، ولذا فلا غرابة عندما تصبح إيران قاعدة «القاعدة» الجديدة الآن. رحم الله لقمان سليم، وحمى الله العقلاء من كل طائفة، فما أحوج منطقتنا للعقلاء اليوم، وأكثر من أي وقت مضى.

المعرفة التي قتلت لقمان سليم
حازم صاغية/الشرق الأوسط/07 شباط/2021
في خبرها بالغ الاقتضاب عن الجريمة الأخيرة، وتماماً قبل «نشرة أخبار الطقس»، وصفت محطّة «المنار» لقمان سليم بـ «المواطن» الذي عُثر على جثّته… تلفزيون «حزب الله» لم يقصد بتلك الكلمة أن يؤكّد حقوق المواطنة وواجباتها. إنّه، بالطبع، لم يعن «المواطن» الذي حرّمت تعذيبه الحضارتان القديمتان لليونان وروما. كان المقصود حجب نعوت كثيرة يستحقّها ذاك الرجل الذي حوّلته خمس رصاصات إلى «جثّة». لقمان سليم كان مثقّفاً وكاتباً وناشراً ولغويّاً ومخرجاً سينمائيّاً ومؤرشفاً ومترجماً وناشطاً… لم تكن تعوزه الصفات. تجريده منها جميعاً فيه شيء من القتل الثاني. استخدام «مواطن» من قبل الذين لا يعني لهم الوطن إلاّ ساحة مواجهات، قتل ثالث.
لماذا قُتل لقمان سليم مرّات كثيرة؟
أغامر بالقول: لأنّه، في وجوهه المتعدّدة تلك كان مهجوساً بالمعرفة وبالتعريف. كان يمارسهما بشجاعة يندر مثيلها. حقّاً يندر. ولبنان اليوم صناعته الأولى الكذب والتجهيل. من الذي يعرف مثلاً لماذا حصل انفجار المرفأ وما قصّة نيترات الأمونيوم؟ من الذي يعرف ناهبي المال العامّ؟ من الذي يعرف لماذا قُتل الذين قُتلوا منذ 2005؟ ما نعرفه، وهو كثير، ممنوعٌ أن يصبح حقيقة. مطلوب أن يبقى وجهة نظر قد تؤدّي بصاحبها إلى الموت.
أكثر من هذا: نظام حياتنا، منذ حرب 1975، نظام كذب وتجهيل. من خطف من؟ من قتل من؟ من نهب من؟ لكنْ أيضاً: هل فعلاً كان لبنان القديم ذاك البلد الذي لا يُطاق؟ هل فعلاً كان الغربيّون والإسرائيليّون ما إن يغسلوا وجوههم في الصباح حتّى يباشروا التآمر على لبنان؟ هل فعلاً كنّا متّفقين وموحّدين حول الشعارات الموصوفة بالقداسة؟ هل فعلاً أذللنا إسرائيل في 2006 وقبلها وبعدها؟ هل فعلاً يمكن الجمع بين الدولة والمقاومة أيّاً ما كانت الدولة وأيّاً ما كانت المقاومة؟ هل فعلاً كان نظام الأسد وجيشه ضمانة للوحدة الوطنيّة اللبنانيّة؟ هل فعلاً يكمن حلّ مشاكلنا الاقتصاديّة في إيران وما يليها شرقاً؟
كلام تقيّة وكتمان هو ما يُفترض أن يُباح به حتّى لا يُتّهم القائل بأنّه خائن أو مطبّع، هذا إن اقتصر القتل على شكله المعنويّ. ولقمان شُتم وهُدّد وطُوّق منزله وعُيّر بالتهم السياسيّة المبتذلة إيّاها ونُبّه إلى أنّ «المجد» هو «لكاتم الصوت». بعض الصحافة والإعلام ساهم في ذلك.
ومع أنّ وصف «ناقد حزب الله» كثيراً ما يختزل لقمان سليم، إلاّ أنّ تحوّل «حزب الله» إلى الطرف الذي يصنع كلّ شيء تقريباً جعل ناقده ناقداً لكلّ شيء، أكان في الواقع القائم أم في الرواية السائدة عنه.
وممّا كان لقمان سليم يعرفه ويعرّف به أنّ للبلد تاريخاً، وأنّ الجريمة أيضاً لها تاريخ. بمعونة زوجته المبدعة مونيكا بورغمان وأخته الأديبة رشا الأمير، وعدد من الشبّان والشابّات الذين يشاركونه همومه، انكبّ لقمان على كشف المستور، وكلُّ حقائقنا، الكبرى منها والصغرى، مستورة. أحيى قضيّة مخطوفي الحرب المسكوت عنها من خلال معرض فنّيّ باهر وموسّع. عبر مؤسّسة «أمم»، جمع كلّ ما تيسّر من أوراق الحرب بجرائدها وبياناتها وبأصغر قُصاصاتها، لأنّ الأرشيف حجّة دامغة ضدّ الكذب. هكذا أرشف الحرب ووساخاتها التي يمجّدها الضالعون في تمجيد الموت. شارك في ثلاثة أفلام وثائقيّة عن ضحايا مخيّمي صبرا وشاتيلا وعن السجناء اللبنانيّين في سجن تدمر «الأخويّ». رعى ندوات ولقاءات لا تُحصى ناقشت بعض أكثر المواضيع تقديساً وتحريماً. وعبر «دار الجديد»، فتح الباب لقضايا غير مطروقة وأسماء غير مسموعة. وبهمّة ونشاط فائضين لا تعادلهما إلاّ شجاعته، أصرّ لقمان على أن لا يطغى الصوت الواحد والرواية الواحدة. بيت أبيه في الضاحية الجنوبيّة من بيروت أبقاه كما كان قبلاً، مكاناً مفتوحاً ومرحِّباً يذكّر بماضي الضاحية الجميل والمتعدّد. أمّا تجربة والده الراحل محسن سليم، النائب والمحامي اللامع والخطيب، فلا بدّ أنّها حصّنته حيال الأكاذيب الدارجة عن ماضي الضاحية وماضي لبنان.
ودوماً في مشاغبة لقمان على الوعي الموارب، كان يتّجه كالسيف إلى حيث ينبغي للوصف أن يطابق الموصوف، وللقول أن يطابق الواقع. فهو لم يكن من أولئك الذين ينظرون إلى طائرات الدرون الإسرائيليّة وهي تتقافز فوق رؤوسهم، ثمّ يستنتجون أنّ «زمن الهزائم قد ولّى». وبحسّ السوسيولوجيّ وهوى المحقّق الصحافيّ، كان لقمان يجد لرأيه كمّاً هائلاً من الدعم في أحوال المناطق والعائلات وفروع العائلات، وفي ما يؤكل ويُشرَب في البيوت المحجوبة عن النظر. هذه كلّها أسباب موجبة لأن تقتله… إسرائيل.

لقمان سليم: الطفل “الشيطان” الذي لاعب الأسد!
رامي الأمين/أساس ميديا/السبت 06 شباط 2021
في تعزية لصديق باغتيال لقمان سليم، قال لي: “قتلوا طفلاً”. وانتبهت إلى مدى دقّة هذا الوصف. لقمان سليم كان طفلاً، ليس بالمعنى الذي يحيل إلى البراءة، بل بالمعنى الذي يشير إلى “الشيطنة”. كان “شيطاناً” مشاكساً مخرّباً ومحرضاً بالاسئلة المفاجئة المعجونة بقوة البديهة على التفكير واعادة التفكير. قتلوا طفلاً، لأنّ لقمان سليم كان يعيش كما الأطفال، انطلاقاً من شغفهم باللحظة. وكانت رؤيته للغد غير مربوطة بأي تخطيط مرتبك، بل كان ينتظر الغد كما ينتظر طفل الصباح للذهاب في رحلة في المدرسة، بعد أن تعدّ أمّه (السيدة سلمى) زادهُ. كان لقمان “يلعب” في السياسة. لم يحترفها كمهنة تخصصية، بل اتاها من مجالات عدّة، من تخصصه في الفلسفة في جامعة السوربون في باريس، إلى شغفه بالحقوق والقوانين الذي ورثه من ابيه النائب السابق محسن سليم، إلى انهمامه بالتاريخ والذاكرة والأرشيف عبر تأسيس “أمم للتوثيق” و”ديوان الذاكرة اللبنانية”، مروراً بدار “الجديد” الذي أسّسه بعد انتهاء الحرب الأهلية مع شقيقته الكاتبة والروائية رشا الأمير وولعه بالكتب والإصدارات وانسحاره بالعناوين والأغلفة، وليس انتهاءً بنضاله السياسي المستند إلى نشاط واجتماعات ومقابلات تلفزيونية وحوارات وإصدار بيانات، وصولاً إلى اغتياله بخمس رصاصات بعد خطفه. كل هذه السيرة الشاسعة لم يخسر معها لقمان “شيطنة” الطفولة الأولى. وهذه “الشيطنة” دفعته إلى البحث والتفتيش والتنبيش والحفر في التراب بأصابعه بحثاً عن خيوط تقود إلى مزيد من المعرفة التي رأى فيها حقّاً وهدفاً ومشروعاً.
وكان “الشيطان” لقمان لا “يقعد عاقلاً”، بل يحضر مجموعات من الاطفال ليلعبوا في هنغاره ويزعجوا الجيران بأصواتهم وبتجاربهم وبِكُراتهم التي كانت تخرج بعد ركلها من سور الدار في حارة حريك لتكسر زجاجاً هنا أو تسقط راية هناك. وكان المكان – الملعب مغرياً للجميع، للكبار والصغار، ولحشرية الجيران. وكان ملعباً يستقدم ألعاباً من خردة الزمن ليبعثها من جديد مادة للتجديد والتطوير، من بوسطة عين رمانة التي أتى بها إلى الهنغار كشاهد على الحرب التي صدئت ولا تزال حاضرة بمتنها، إلى معارض الصور التي كان يقيمها كمن يشكّل بلعبة “بازل” صورة مكتملة عن البلاد المبعثرة كزجاج شظّاه انفجار.
قتلوا طفلاً، لأنّ لقمان سليم كان يعيش كما الأطفال، انطلاقاً من شغفهم باللحظة. وكانت رؤيته للغد غير مربوطة بأي تخطيط مرتبك، بل كان ينتظر الغد كما ينتظر طفل الصباح للذهاب في رحلة في المدرسة، بعد أن تعدّ أمّه (السيدة سلمى) زادهُ
لقمان سليم كان يلعب لعبة الذاكرة من خلال “الديوان” الذي أنشأه لحفظ كل أرشيف مرتبط بالحرب الأهلية اللبنانية منذ اندلاعها في العام 1975 وحتى لحظة اغتياله. وكما أكدت زوجته، المخرجة الألمانية مونيكا بورغمان، فإنّها مع العائلة ستكمل ما بدأه لقمان في هذا المشروع وغيره، خصوصاً أنّ مقتل سليم يدخل في السياق الذي عرف سليم منذ بداية عمله عليه، أنّه يشكل امتداداً للحرب الأهلية التي لم تنته، لأن المصالحات والمصارحات لم تحدث بين اللبنانيين، ولأنّ الخروج من الحرب مشى خطوة بخطوة مع الدخول في زمن الوصاية السورية الذي لم ينته إلا بالدم، عبر اغتيال رفيق الحريري، ومنذ ذلك التاريخ، حتّى اغتياله هو نفسه، تابع لقمان كل ما يتعلق بضحايا الاغتيالات والقتل، لا القتل السياسي فحسب، ولا القتل الجنائي، بل أيضاً القتل الذي يوضع في سياقات “فردية”، ويسقط ضحاياه سهواً في النسيان. من هنا كان لقمان سليم يعرف أنّ الذاكرة تقدر وحدها أن تدلّ اللبنانيين إلى مستقبلهم، وكان يعمل على ترميم هذه الذاكرة قدر الإمكان وحفظها لتكون مادة أرشيفية للباحثين والمؤرخين والطلاب والصحافيين، وقد وضعها كلها بصيغة منظّمة ومبوّبة في موقع إلكتروني متاح للجميع. كما عمل مع مخرجين اصدقاء ومع زوجته على إنتاج أفلام وثائقية، واستحدث صالة سينما صغيرة في “الهنغار”، يقيم فيها العروض تليها نقاشات في مضامين الأفلام. في معرض صور للمصور مروان طحطح أقيم في “الهنغار” قبل شهرين من اغتياله، كان لقمان سليم يخبر الحاضرين عن الطريقة التي اعتمدها ليصنع نسخاً من “بلوكات” الإسمنت التي وضعتها السلطة لحماية مجلسيّ النواب والوزراء، لتكون بمثابة سينوغرافيا لمعرض مروان الذي وضع لقمان له عنوانه بألمعيته وموهبته في انتقاء العناوين: “بين تشرين وتشرين”. كان يخبر رواد المعرض من أصدقائه كيف استقدم حداداً ليصنع له قوالب على شكل هذه البلوكات، وكيف قام بتحريكها من مكان إلى آخر داخل “الهنغار” باستخدام “القساطل”. كان يتحدث عن الأمر بشغف نحّات، يُعمل إزميله في صخرة كبيرة، وكان شديد الوله بالمجسّمات والصور وقصاصات الورق ونسخ الجرائد القديمة. مرّة قام بشراء كل ما يتواجد داخل مبنى صحيفة كانت تنوي الانتقال إلى مبنى آخر من أوراق جرائد وملاحظات وكل ما يمكن أن يترك فيها، وأخذه كله إلى الهنغار لتعريبه واستخلاص قصاصات منه لاستخدامها في أمكنتها داخل “ديوان الذاكرة اللبنانية”. كان شغوفاً بالبحث عن تفاصيل واستعادة الصور الكاملة من خلالها. وكان من قصاصة صغيرة قادراً على اجتراح حكاية تروى. وكان يستخدم لغته العربية الأنيقة والمتمكّنة، المتأثّرة بصحبته للشيخ عبدالله العلايلي وأعماله في شبابه، لكي يصيغ الحكايات ويترجمها إلى نصوص ينشرها في دفاتر وكتيّبات وكتب ومجلّدات.
“قتلوا طفلاً”، قال لي الصديق. وقد كان لقمان طفلاً في حديقة حيوانات، يحاول الجميع أن يثنيه عن التقدم للعبث مع الأسد خلف القضبان. لكنّه كان بشجاعة لا تعرف خوفاً أو تردّداً يمدّ يده ليلاعب الأسد.

سيرة الضاحية… التي حماها لقمان من النسيان
وسام سعادة/أساس ميديا/الأحد 07 شباط 2021
لقمان. الأفضل الآن تأجيل الكتابة. اذا كان البوح يوحي بأّننا أحرار، إذاً فالبوح كاذب، وإذا قلنا إنّنا لا نستطيع البوح فنحن نكذب أيضاً.
هذه غابة غير خضراء. غابة اقتُلِعَت معظم أشجارها، والأرض فيها موحلة. أطيح بقانون الغابة نفسه، والوحل جفّ وصار التفلت منه أصعب.
هذا قفر بلا معالم واضحة. قفر سديمي غير متعاون العناصر، يأتمر بالآية الثانية من سفر التكوين: “وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة”. الظلمة ثقيلة كبلاطة. أفشل في إكمال باقي الآية. عينا لقمان تلاحقانني منذ إذاعة نبأ مقتله. أحاول قمع صوته. أحاول الخروج. لا باب للقفر ولا سور.
كنت وعدتك يا لقمان بهذا النصّ، وأنت لن تقرأه الآن. ليس لي مع ذلك غير الشروع في كتابته. سأَوجز قدر الإمكان لأنّ الأمر يرهقني. سأتوقف عند أي فاصلة تتيح لي، مؤقتاً، الخروج منه. هذا نص بلا خاتمة.
الضاحية، الصفير، مطلع الثمانينيات. الحال كانت غير. لم يكن حزب الله قد ظهر بعد. كان منزل جدي وجدتي، أتردد عليهما باستمرار. ما بين الأونيسكو والصفير والمدرسة في فردان نشأت. ابناً لعائلة مسيحية، شيوعية، عمالية، مسلّحة. حمل فيها الأخوة جميعهم السلاح في حرب السنتين، ضد التيار الجارف في طائفتهم، واستشهد بينهم عمي عن 19 عاماً. باقي العائلة، عائلة جدتي، أم والدي، كانت تفصلها عنهم مئات من الأمتار قليلة، من الجهة الثانية، في الحدت. وجدتي لطيفة، ابنة العم اللزم لجورج سعادة، النائب الكتائبي آنذاك، ثم رئيس الكتائب. كان يكفي للطيفة وأختها سعاد الاقتراب قليلاً من خطً التماس بينهما لمكالمة بعضهما البعض، وكي ترمي الواحدة منهما كروز دخان “جيتان” للأخرى. سعاد لاحقا، منتصف التسعينيات، وجدت مقتولة، مقطعة الأوصال في الحدت.
كنت وعدتك يا لقمان بهذا النصّ، وأنت لن تقرأه الآن. ليس لي مع ذلك غير الشروع في كتابته. سأَوجز قدر الإمكان لأنّ الأمر يرهقني. سأتوقف عند أي فاصلة تتيح لي، مؤقتاً، الخروج منه. هذا نص بلا خاتمة
لماذا تخرج علي كل هذه الذكريات دفعة الآن؟ وما علاقتك أنتَ بها؟ مفهوم، أنتَ ابن الضاحية بشكل عضوي، وأنا الضاحية جزء من نسيج طفولتي. أنت ابن إحدى عائلات الضاحية الأساسية قبل أن يكون اسمها ضاحية، وأنا ابن نازحين، شتاءً، في أواخر الأربعينيات، إلى ساحل المتن الجنوبي من بلاد جبيل، تنقّلوا بين الحدت وحارة حريك والصفير. وفي المقابل، أنت ابن المحامي محسن سليم، الشمعوني الشيعي، وأنا ابن من حمل السلاح باكراً باكراً جداً، ضد الشمعونية. جدّي سركيس في ثورة 58. سركيس الذي بعدما انخرط في الحزب الشيوعي، لم يعجبه موقف الأخير ضد جمال عبد الناصر، فاختار عبد الناصر.. ثم فرض في قريتنا الجبيلية، بجة، أن يُقام قداسٌ جنائزيٌ لجمال عبد الناصر يوم وفاته. أفول الناصرية لاحقاً هو الذي أعاد سركيس وأولاده إلى الحزب الشيوعي، زائد الدور الذي لعبه مدرّس والدي، المحامي مخايل عون، ابن عم ميشال عون. الدمار الذي أحدثه استشهاد عمي إيلي في عائلة جدي كان مرعباً وعجيباً. لا أفهمه أحيانا. كانوا كلهم على الجبهات. من حرب الفنادق حتى كفرشيما. ماذا كانوا يتوقعون؟ لكن إيلي ذهب إلى أبعد من ذلك جغرافياً. قُتِلَ على محور بدادون، وبما يظهر إنه كان نتيجة حماقة – إجرامية بالحصيلة – من القيادة العسكرية الحزبية المحلية التي أعطت الامر آنذاك للجنود للتقدم من دون مدفعية مواكبة.
قرعوا جرس الكنيسة في بدادون وقتلوا هناك. صافحتُ المتسبّب بمقتل عمي من الجهة الحزبية لاحقاً، كما صافحتُ كثيرين من الجهة المقابلة في الحرب. بين أن يكون عمي هو مقاتل استشهد في الحزب، وخالي أمين عام الحزب، كان هناك تناقض. استشهاد الأخير لاحقاً حول التناقض إلى مسار أكثر تعقيداً.
وهذا كان يبعدني عن مشغلتك يا لقمان الاحترافية في توثيق الحرب. الأمور عندك محسومة لصالح توثيق الذاكرة. الأمور عندي غير محسومة، لأنّني أشتهي بعثرة الذاكرة، وأتخيّل ما يمكن أن يكون عليه النسيان. الحرب موثّقة عندي بما يكفي وما يفيض، فلا يروي ظمأي إلا حروب أكثر قدماً في الزمن، والترحال إلى أبعد الأمكنة.
وكثيراً ما تهرّبت من التعاون معك في هذه الجزئية بالتحديد، الحرب والذاكرة، بخلاف موضوعات أخرى، كالمشاركة في كرّاس “هيا بنا” حول الإنسحاب السوري، أو في ندوة حول “اللجوء السوري في لبنان وأشكالاته”.
أكثر من مرة عبّرت لي يا لقمان عن انزعاجك مراراً من أنّني قابلتُ سمير جعجع. كان هذا تعبيراً عن اختلاف تكويني بيننا أيضاً، وليس فقط اختلافاً في التكتيك. كانت الأمور عندك مرتبة هكذا: التوثيق، الاعتراف، الغفران، النسيان. كنتَ تريد في نهاية المطاف النسيان أنت أيضاً، في خاتمة التحليل، أقصد في خاتمة التوثيق. أنا أردت التظاهر بالنسيان لتفادي الذاكرة الموجودة على الزنبرك. لا يمكن أن نعيد فتح جدلنا هذا الآن.
قرعوا جرس الكنيسة في بدادون وقتلوا هناك. صافحتُ المتسبّب بمقتل عمي من الجهة الحزبية لاحقاً، كما صافحتُ كثيرين من الجهة المقابلة في الحرب. بين أن يكون عمي هو مقاتل استشهد في الحزب، وخالي أمين عام الحزب، كان هناك تناقض. استشهاد الأخير لاحقاً حول التناقض إلى مسار أكثر تعقيداً
ما يجب قوله هنا إنّنا كنا نحب مناقشة هذه المسائل من دون الوصول إلى خلاصة، إلا وعدي لك بأن أكتب عن منظار رؤيتي للضاحية طفلاً، واستمرار تأجيلي هذا الأمر. ومن قال لك إنّني سأتوسع في الأمر كثيراً الحين؟ أنت لن تقرأ شيئا من كل هذا الآن…
لكنّني سأكتب شيئاً ما.
المرّة الأولى التي سمعت فيها بحزب الله لم تكن في الضاحية، ولم يكن حزب الله هو المسمى الرسمي بعد. في آب 1982، صيف الاجتياح، حين أقمنا عند عائلة شيوعية في بعلبك ووافانا جدي إلى هناك لفترة آتياً من أسابيع قضاها في سوريا. أوّل مرة سمعت فيها عن “إيرانيين” أتوا إلى بعلبك كانت وقتها. ما كنتُ بلغتُ الخامسة من العمر بعد، كنت في الخامسة إلا ثلاثة أشهر، لكنّني أذكر جيداً وقع الاسم عليّ: الإيرانيون، ولا أعرف لماذا ربطته بالقلعة، كما لو أنّه رجعة إلى تاريخ قديم. لم نزُر القلعة يومها، وكانت تظهر دائماً في الذهاب والإياب. ظننتهم قوماً قد أمسوا بها.
بعد سنوات قليلة في الصفير. عبارة مقابلة لمنزل جدي: “يا مسلمي العالم اتحدوا اتحدوا”. ثم علمتً يومها أنّ سركيس اعترض أن تُكتب العبارة فوق منزله بالتحديد، وكتبت على الجدار المواجه. كانت تحاكي ما حفظته أيام مهرجان الذكرى الستين للحزب الشيوعي: “يا عمال العالم اتحدوا”، ومهرتُ به كل دفاتر المدرسة. لكنّها كانت تؤكد على الوحدة مرتين.” اتحدوا، اتحدوا”. لطالما سألت نفسي لماذا التكرار مرتين.
سركيس جدي، المنتمي أساساً إلى الفئة الكادحة، والقارئ المثابر، كان استقبل الثورة الإيرانية بقصيدة مديح كتبها للإمام الخميني ونشرتها له مجلة منظمة التحرير، “فلسطين الثورة”. لكنّه حين قدم الشبان لوضع شعارات خمينية على منزله بعد ذلك بسنوات رفض، ويبدو أنّه، مع جدتي، وجدا وسيلة للتعايش مع الوضع الحزب اللهي الجديد للضاحية. كموارنة قلائل استمروا هناك.
هو كان أكثر تململاً وتعبيراً عن الضيق من هذا الوضع. هي، قادها كرهها لفترة سيطرة حركة أمل على الضاحية، والتي كادت تودي بأحد أبنائها، إلى موقف متعاطف مع شباب الحزب. كانت “تصدمني” وأنا في أواخر الطفولة وبدايات المراهقة بتعاطفها هذا. أفكر بشهدائنا الشيوعيين “على يد القوى الظلامية” وقتها، وفي الطليعة ابن الضاحية ميشال واكد، وهي تقول إنّ بينهم “أوادم يا ستّي”. حتّى أنّني اشتبهتُ بأنّها انتسَبَتْ إلى “حزب الله” سرّاَ. طبعاً كانت تستثني من “الأوادمية” هذه، تلك الجماعة المنشقة عن الحركة، المنضمة إلى الحزب، وكانت تحمّل هذه المجموعة المنشقّة من الحركة إلى الحزب، دون سواها، مسؤولية خطف ابنها (قبل تحرير زاهر الخطيب له) ومسؤولية كل شيء آخر.
سركيس جدي، المنتمي أساساً إلى الفئة الكادحة، والقارئ المثابر، كان استقبل الثورة الإيرانية بقصيدة مديح كتبها للإمام الخميني ونشرتها له مجلة منظمة التحرير، “فلسطين الثورة
العالم الذي نشأتُ عليه كان يعج بالتناقضات بشكل فظيع. عندما دخل جيش اليرزة الضاحية عام 83 وأراد تزفيت الطريق امام منزل جدتي، وراء “فرن الأمرا” القديم، كانت النسوة ترمي على الجنود الرز، وجدّتي ترمي اللعنات. هي نفسها جدتي التي لفتت نظري أواخر الثمانينيات عندما رأس ميشال عون الحكومة المؤقتة إلى أنّهم كانوا جيران لسنوات طويلة في الماضي، في الحارة. كانت تبني موقفها منه من ذاكرتها عنه في سنوات صباه والنشأة. كانت تتخوّف. كان يجمع الصبية في الحي، ويصرخ فيهم: أنا نابليون.
قد نختلف يا لقمان حول ما كانت عليه الأمور قبل الثورة في إيران، أو قبل 6 شباط في الضاحية، أو في قياس 6 شباط على إيران. لن نختلف أبداً أنّها ساءت بعده سبيلاً، وأنّ اغتيالك اليوم جزء متقدّم من الاختناق العام الذي يصيبنا.
الضاحية التي لم تعد موجودة كما كانت في الثمانينيات، وقبل أن تسمّى في فترة أمين الجميل، أعتقد، “ضاحية”، بهذا الإطلاق، بقيت مشتركاً بيني وبين لقمان حين نتقابل ونتحادث، بما يبتلع نصف الحديث في كلّ مرّة. المشترك الآخر كان شارع الحمرا. لقمان شارع الحمرا. حانوتة هاروت والمعالم الأخرى للمكان. كان شارعاً يعجّ بالكاراكتيرات، معظهم رحلوا، وأنت جرى اغتيالك الآن. عينان متّقدتان ووجه باسم وصوت. صوتك لم يهدأ منذ مقتلك في أذني. شفاهتك الفصيحة والأليفة، المتنقّلة برشاقة فطنة وخبث طفولي بين قريحة الوصف وقوّة المفهوم. القدرة على الوصف السوسيولوجي للأوضاع كما التحليل السياسي للمسارات كانت استثنائية عند لقمان. والقدرة على الغمز أيضاً. ممارسته السياسية كانت ممارسة أدبية إبداعية حتّى النخاع.
بعد وفاة جدي وجدتي شحّت زياراتي إلى الضاحية. وتجذّر الموضوع بعد حزيران 2005، بعد مقتل سمير قصير وخالي جورج حاوي. وكنتُ وما زالتُ على قناعة مزمنة بأنّ هناك، في منظومة الممانعة، من هو وراء هذا النوع من الاغتيالات (القناعة conviction هي لزاماً ما لا برهان عليه، أما اليقين certitude فشيء آخر)، لكنّني في تموز 2006 كنتُ مجدداً على اختلاف كبير مع 14 آذار في موضوع حرب تموز، وبالأخص متنبّهاً إلى أنّ الانشطار في المعاش وفي السرد خلال هذه الحرب هو من أخطر ما يواجهه الكيان اللبناني في تاريخه.
في المقابل، وقفتُ بوضوح ضدّ تمادي مسلسل الاغتيالات، وضدّ 7 أيّار وأدّى ذلك إلى طردي من جريدة “السفير” يومها، وربحي دعوى الطرد التعسفي على الجريدة بعد ذلك بسنوات. بعدها، وفي عزّ التوتر يومها، طلب مني لقمان سليم أن أتكلم في ندوة في مركزه داخل الضاحية، مطمئناً بأن لا داعي لأيّ قلق. هو يضمن المسائل.
كنت عائداً يومها من زيارة إلى العراق، رفقة حازم صاغية وحسام عيتاني وبشار حيدر، ما بين أربيل وبغداد، قابلنا خلالها مختلف تلاوين الطيف السياسي العراقي: مسعود البرزاني، وحزب الدعوة، وعمار الحكيم، وأياد جمال الدين، وبرهم صالح، وعادل عبد المهدي. كان مرافقنا “الصحافي” مصطفى الكاظمي، أي بعد ذلك مدير المخابرات العراقية ثم رئيس وزراء العراق اليوم. كان الكاظمي لطيفاً ومساعداً، لكنّني كنت أطلب منه شيئاً واحداً بإلحاح: أن يعرّفنا على “عربي سنّي”، بعدما قابلنا قيادات شيعية وكردية عديدة. لم يحصل ذلك. إلا مرّة حين كنّا في بهو فندق الرشيد. قال لي مصطفى: “أنظر هناك، هذا طارق الهاشمي، بما أنّك سألتني عن عربي سنّي”. لاحقاً سوف يتّهم نوري المالكي طارق الهاشمي بمحاولة اغتياله، ويهرب الأخير.
آنذاك كان الكاظمي يقدّم لنا المالكي كشخصية لها مهارات قيادية للإمساك بالوضع والسير بين التناقضات لإعادة إحياء العراق. لكنّ الكاظمي عبّر عن استيائه حين قابل المالكي المرشد الإيراني الخامنئي دون أن يضع المالكي ربطة عنق، واعتبرها إشارة مقلقة.
السيارة في الطريق من مطار بغداد إلى المنطقة الخضراء سارت بشكل متعرج zigzag. السائق أوضح بأنّه لاعتبار أمني، فمن هذه الناحية مقاتلو تنظيم القاعدة، ومن تلك جيش المهدي. كنّا خارجين من محنة 7 أيّار المحلية بعد ونريد مدى أوسع لفهم ما يحصل. في الوقت نفسه أمطرتنا بغداد بالنقائض.
لقمان “الصاغي” أراد أن أقدم كل مشاهداتي آنذاك في ندوة، الندوة في “أمم” بالضاحية. كانت هذه آخر مرّة أدخل فيها إلى قلب الضاحية.
قد نختلف يا لقمان حول ما كانت عليه الأمور قبل الثورة في إيران، أو قبل 6 شباط في الضاحية، أو في قياس 6 شباط على إيران. لن نختلف أبداً أنّها ساءت بعده سبيلاً، وأنّ اغتيالك اليوم جزء متقدّم من الاختناق العام الذي يصيبنا
عدتُ من العراق غير مستوعب تماماً ما رأيت وما سمعت. عدت متشائماً أحاول أن أخفّف من تشاؤمي بذريعة أنّنا أمام مخاض. كان لقمان أكثر تفاؤلاً، لكنّه رغب في الاستماع إلى لوحة التناقضات كما عرضتها. في بغداد، حصل مثلاً أن توتر الجو في دارة عادل عبد المهدي حين قال لنا: “ماكو حرب أهلية في العراق”، وسألته: “ما هو عدد القتلى المطلوب بعد لنسمّها حرباً أهلية”.
لم يكن لقمان ببعد واحد، وكان يتقن التقاط ما تعرضه أمامه من تناقضاته، لكنّه كان مقتنعاً أنّه عندما يتعلق الأمر بالقرار، بالنشاط، عليك أن تؤثر دائماً معركة على أخرى. فيما، بالنسبة لي، كل شيء رهين الحصيلة الفعلية الملموسة في هذا المضمار.
أحببتُ في لقمان دائماً أنّه لا يكابر على ما هو شيعي في شخصيته، وأنّه يطرح مشكلته مع النموذج القائم في إيران بعد الثورة ومع حزب الله في لبنان ليس كشخص متجرّد من شيعيته، وأنما كشخص مقتنع تماماً بأنّ هذا النموذج المسيطر هو كارثي على التشيّع الإمامي.
كتّاب آخرون، مثل وضاح شرارة، مشكلتهم مختلفة. عند وضّاح هناك مشكلة تكوينية في أساس العلاقة بين الشيعة وبين لبنان، ودولة حزب الله تجد بداياتها في أحداث حصلت بين 1918 – 1920 في جبل عامل، أحداث عمل وضاح في “الأمة القلقة” لإظهار هشاشة انضوائها تحت سردية “حركات مناهضة للاستعمار الفرنسي” لا أكثر.
لقمان، ومن الضروري اليوم جمع آثاره، كانت لديه فكرة مختلفة. محورها قناعة واحدة وأساسية بأنّ نكبة التشيّع الإمامي كانت في السبيل الذي تطوّرت إليه بشكل سريع الثورة الإيرانية. ربما كان هناك مجال للمناقشة إذ كان لدى وضاح كره ذاتي اتجاه الانتماء الديني الجغرافي، أما عند لقمان فلم يكن هكذا الوضع أبداً. كان يتهم أعداءه، الخمينيين، بأنّهم مصابون بكره الذات.
تطوّرت مواقفي على امتداد السنوات تجاه هذه السردية تقبلاً وتجاوزاً وتفاعلاً من جديد ثم تجاوزاً. وحصلتْ في أواخر صيف 2017 مناوشة غير مباشرة لبضع ساعات بيني وبين لقمان على فيسبوك أتبعها هو بنقد لمقالة اعتبرتُ فيها أنّ السيطرة الأمنية وحتى السياسية التي يمكن أن يحققها حزب الله على لبنان لا تتيح له الهيمنة الثقافية الشاملة، وبالتالي من دون هيمنة ثقافية لا يمكن أن يمأسس سيطرته نفسها. في اليوم التالي كتب لقمان مقالة نقدية، جزء منها تجاه طرحي هذا، وجزء منها تجاه مقالة لإيلي الحاج، لها منظار مختلف تماماً. قلتُ لنفسي، على غير عادة، “هيا نكسر الشرّ”. وضعتُ له لايكاً على نقده الساركازمي لي في المقالة، إذ وصف طرحي بأنّه “دالتوني”، مصاب بعمى الألوان.
انتهينا بأن تناقشنا طويلا في “التشيز”، على ساحة ساسين. أوضحت له ما أفكر، وبأنّ المشكل مشكلتين، حزب الله من جهة والانقسام حول حزب الله من جهة، وأوضح لي وجهة نظره: “إنّها مشكلة واحدة”. كرّر طلبه لي الكتابة في موضوع الضاحية، وفي موضوعات أخرى، ودعاني إلى زيارته في الضاحية. ضحكتُ: “بعد كل تشديدك بأنّ السيطرة لم تعد سيطرة فقط بل إطباق هيمني توتاليتاري كامل تدعوني هكذا إلى الضاحية”.
لقمان، ومن الضروري اليوم جمع آثاره، كانت لديه فكرة مختلفة. محورها قناعة واحدة وأساسية بأنّ نكبة التشيّع الإمامي كانت في السبيل الذي تطوّرت إليه بشكل سريع الثورة الإيرانية
في تلك القعدة بساسين عبرتُ له عن فكرة، سأنتهي بها الآن: أنّه من السبعينيات إلى يومنا، اتخذت الصحوة الشيعية سمات مختلفة في مجتمعات عديدة في المنطقة. أخبرته مثلا عن معايشتي للصحوة الشيعية في أعالي الهيملايا، باللاداخ، ناحية كارغيل وزانسكار، وكيف يمكنك أن تجد صوراً لحسن نصر الله وعماد مغنية في القرى النائية الصقيعية. ثم قلت له إنّ هذه الصحوة الشيعية في لبنان محكومة بتناقض فظيع. هي من جهة، الصحوة التي يعبر عنها ثنائي حركة أمل وحزب الله، وخصوصاً حزب الله، لكنّها من ناحية أخرى الصحوة التي هي أنتم، المثقفون الشيعة. قسم كبير منكم كان مع الثورة الإيرانية ثم انفضّ عنها. جمرة الإنتلجنسيا الشيعية مناهضة لحزب الله بالنتيجة، وهي أقلية في طائفتها يجري العمل على إخراجها من طائفتها، فيما الثنائي الشيعي لم يتمكّن من تحويل مركز الانتلجنسيا الشيعية إليه، ولو أنّه يستأثر، لنقل، بالأكاديميا الشيعية في الجامعة اللبنانية. في الوقت نفسه، هذه الإنتلجنسيا الشيعية المناوئة للحزب ولإيران، بعد أن كان معظمها عاقداً الرجاء على الثورة الإيرانية، هي الأكثر حيوية في لبنان إذا ما قارناها بالطوائف الأخرى.
قلت له هذا يعني أنّه، ولأجل إقامة هيمنة شاملة مشابهة للمارونية السياسية، ينبغي أن تتحقّق المعادلة التالية: “حزب الله زائد لقمان سليم يلزم أن يتعاونا معاً من أجل تحقيق هذه الهيمنة”.
ضحكنا ليلتها، ونحن الآن نبكيك لقمان. لكنّ هذه المعادلة، أنّ “السلاح الذي حين يطرد الفكر الحيوي من فضائه الأهلي يطرد قابليته للهيمنة”، حسمتها بالنتيجة رصاصات القاتل.
صورة لقمان عن قاتله لم تعد تختلف عن صورة هذا القاتل عن نفسه كثيراً. وهذا بالذات إن عنى شيئا فهو يعني أنّ مصرع لقمان سليم حدث لا يشبه أي حدث آخر في السنوات الماضية. إنّه بمثابة “تقويم” لزمن كامل ينتظرنا. بعد كل شيء، “الصحوة” التي اغتربت عن فعل الصحو، قتلت عند قتل لقمان بقية الروح فيها. الصحوة قتلت لقمان، وقتلت روحها. الصحوة خمدت، وحالنا كهوّة بين سفحين ونحن الآن فوق الهوّة.

هذه وصيّة لقمان سليم…
نوال نصر/نداء الوطن/06 شباط/2021
قد يكون لقمان سليم بالنسبة الى كثيرين بطلاً لكنه لرشا الشقيق الذي طالما اتكأت على كتفيه وضحكت وبكت واعترفت وتذمرت وعبّرت وخافت وقررت، والشقيق يبقى أهم من كل الأساطير. رشا الأمير، شقيقة لقمان، التي ظهرت أمام الكاميرات شجاعة حتى في حزنها الهائل بكت البارحة كثيراً بعيداً عن كل العدسات. هذا هو الحزن الصامت الذي هو أقوى من كل حزن.
رشا، لم تر جثة شقيقها، لم تعرف بعد ما إذا كان قد عُذّب، ولم تمسك بيديه الباردتين وتبكي فوق صدره وتخبره عن بعاده الذي حطم قلبها ونفسها. وهو كان النفس الذي أصبحت تجلس بعده مع نفسها فلا تجدها. رشا، المرأة الأنيقة الناعمة والقوية، لا تحب ان تتحدث عن الأمور الشخصية جداً، وتستغرب كل الكلام الذي نشر عن النية في حرق جثة لقمان سليم ونثر رمادها. فهذا أمر جد شخصي، تنفيه جملة وتفصيلا. ولقمان لم يحب يوماً الخلط بين ما هو شخصي وعام. وتقول: “قتلوه ويتدخلون في مماته، وكيف سيدفن ومتى وأين. وأيّ مراسم يفترض أن تقام له وما يفترض ألّا يقام. وهم في ذلك يريدون أن يسجنوه في سجون لم يقبل الخضوع لها في حياته ولن تتم في مماته”. تتحدث رشا عن وصية كتبها لقمان، الذي كان يعرف أنه سيموت، سيقتل، وهي موجودة الآن في ثلاث نسخات واحدة لدى كاتب العدل وثانية مع زوجته وثالثة مع والدته. وهذه الوصية ستفتح بعد وصول شقيقه من الغربة. وتقول “سنفتح وصيته معا، كعائلة، وسنحترم ما يريد. أما الكلام عن وصيته بحرق جثته فتقول “هذا كلام باطل ولا أحد له الحقّ في التدخل في التفاصيل الأخرى الخاصة”.
ماذا عن العام؟ ماذا عن مراسم الدفن؟ تجيب “لقمان كان يعشق الجلوس في حديقة المنزل، حديقة محسن وسلمى ولقمان، لذا سيُدفن فيها وسنقيم له ضريحا يحمل اسمه، وسنضع حوله كثيراً من الورود التي يحبها. سنُظلل الضريح بأشجار زرعها هو” وتستطرد وهي تبكي كثيرا بالقول “كان يمضي كثيراً من الوقت في زراعة الأشجار وفي اللعب مع سبعة كلاب. كان مجنوناً بها. أتى بها لتحميه لكنه أحبها واعتنى بها ولعب طويلا معها”.
كان بيت سليم مفتوحاً دائما وسيبقى. وسيبقى لقمان حيّاً موجوداً فيه. وتتحدث رشا عن الوالدة سلمى الذي حرق موت لقمان قلبها وتقول “دعسوا” في قلبها. قتلوها قبل أن يقتلوه. ليتهم انتظروا كم سنة بعد قبل أن يقتلوه الى حين تكون قد أصبحت سلمى، بسلام، في السماء. هي ماتت قبل أن تموت”. تبكي رشا كثيرا هنا مرددة “سأشتاق له كثيراً. ليتني افتديته. ليتني متّ بدلا منه. ليتني أنا من مات لا هو. ضيعانك يا لقمان”.
“هو كان عارفا أنه سيموت لكنه كان يحب الحياة. كان يريد ألّا يموت. لم يكن شقيقي إستشهادياً بل يحب الحياة والجمال ولبنان. هو الحياة وسنحتفظ به ما حيينا حيّاً بيننا، موجودا ًمعنا في الحديقة التي أحب”.
لن تقام مراسم دينية للقمان بل ستكون جنازته مفعمة بالورود الجميلة. وتقول رشا الى رفاق لقمان وكل من أحب لقمان “ودّعوه في الحديقة، ولا تتعذبوا في شراء الورود، فدموع الأحباب ستنبت وروداً فوق ضريحه. وهو طالما أحب الأرض وكل ما ينبت في الأرض. وتنهي رشا بالقول “فلندع الزمان يحكم في من سيربح وفي من سيخسر في النهاية. والزمن طويل. والحقّ سيكون عاجلاً أم آجلاً”. “أنا موجوعة، موجوعة جداً، ولا أستطيع أن أبكي. هو لم يحب يوما البكاء والدموع بل أحبّ الفرح وكان متيماً بلبنان”. تنهي رشا الأمير.

اغتيالات “الحزب”: الدم اللبناني ليس رخيصاً!
زهير الحارثي/الشرق الاوسط/06 شباط/2021
في مؤشر خطير وخشية احتمالية عودة مسلسل الرعب الإرهابي الذي يُدار من الضاحية الجنوبية في لبنان؛ اُغتيل الناشط الشيعي المعارض لـ«حزب الله» لقمان سليم الذي وُجد مقتولاً في سيارته وعُثر عليه في النبطية، وهي منطقة تابعة أمنياً لـ«حزب الله». يُعتبر، كما يقال، أنه أول مثقف لبناني يُغتال من الطائفة الشيعية منذ الحرب الأهلية اللبنانية. جريمة مروعة وبشعة وتعني بوضوح استهداف الناشطين، وكل من له رأي حر، وربما تحمل رسالة أيضاً للجميع بأن عهد التصفيات السياسية قد عاد من جديد.
ليس سراً أن لبنان بلد مفتوح على الاغتيالات منذ عقود، وعندما ينتقد مثقف وجود السلاح خارج السلطة في بلاده؛ فإنه بطبيعة الحال تُصبح هناك عداوة سياسية بين الحزب وهذ الناشط أو ذاك، فالحل ليس صعباً في اعتقاد الحزب. رصاصة واحدة وليس بالضرورة أربع رصاصات كما حدث مع لقمان كفيلة بإسكات هذا الصوت ومحوه للأبد. هذه عقلية «السيد» وحزبه الإرهابي، حيث يواجه الفكر والكلمة برصاصة.
وكالعادة، يثبت «حزب الله» قدرته على بعثرة الأوراق وإرهاب الناس، والتأكيد على أن استقرار لبنان أمر لا يعنيه لا من بعيد ولا من قريب. الإقصاء والإلغاء والتصفية مفاهيم وأدوات يطبقها الحزب باحترافية لافتة ومنذ وقت ليس بالقريب. ما حدث يكرّس صورة نموذج لميليشيا إرهابية وبامتياز، سيدها يُنفذ ما يُطلب منه وبدقة. وها هو لبنان الجريح يعيش وضع اللادولة ويئن من معاناته باحثاً عن حلول لملفه السياسي المعلق ومواجهاً الشعب الذي نزل للشارع منادياً برحيل الزعامات السياسية والحكومات، مطالباً بالعمل المؤسساتي بأن يُصار إلى إلغاء سياسة الإقصاء الطائفي وعدم السماح لإيران بالهيمنة على القرار السياسي وترسيخ نظام سياسي غير طائفي وإلغاء الميليشيات، وأن يكون السلاح تحت سلطة الدولة. هذا هو صوت لبنان الجديد وهذه هي روحه، وتلك هي طموحاته التي لطالما نادى بها الشهداء الذين راحوا ضحية الكلمة الحرة ومنهم لقمان.
القاسم المشترك بين كل الضحايا، سواء سنّة أو شيعة الذين قضوا نتيجة اغتيالات سياسية، أن لديهم موقفاً مناهضاً ومعلناً من سياسات «حزب الله» وسلاحه، وكلهم يرفضون تدخلات إيران وأذرعتها الميليشياوية، ويضعون مصلحة بلادهم في المقدمة.
جريمة الاغتيال السياسي من أبشع الجرائم ومرفوضة اجتماعياً وإنسانياً ودينياً، وتعكس حالة دنيئة وخسة من السلوك المريض الرخيص الذي يتنافى مع كل الأعراف والقيم.
جريمة القتل بدم بارد هدفها إسكات صوت الحق والكلمة الحرة، وقد يموت صاحبها، وقد حدث كثيراً، ولكن الحقيقة لا تموت أبداً. جاءت جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم لتؤكد شراسة «حزب الله»، وقد هزت لبنان بلا شك، وكان لقمان قد حمّل في بيان عام 2019 كلاً من حسن نصر الله وبري المسؤولية الكاملة عما قد يجري لحياته، وكأنه يعلم مصيره منذ ذلك الحين، وهي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فمسلسل الاغتيالات لا يتوقف، وهذا يعكس كيفية معالجة التعثر السياسي بسلوك غير إنساني.
ثمة جرائم بشعة هزت الشارع العربي؛ فكانت الأساليب واحدة والتهمة للميليشيات المحسوبة على إيران في استهداف النشطاء والمثقفين والوطنيين الذين يرفضون التدخل الخارجي وهيمنة ولاية الفقيه. تورط طهران و«حزب الله» في اعتداءات مشابهة لا يمثل مفاجأة للكثيرين لمن يعرفون دور إيران كراعية للإرهاب وذراعها «حزب الله». نستحضر أحداث انقلاب بيروت 2006، كدليل قاطع بأن وقوعه حينذاك لم يكن رد فعل بقدر ما كان تنفيذاً لتوجيهات خارجية، واُستغل لتصفية حسابات داخلية ما يعني الدوران في الفلك الإيراني، لا سيما عندما تكون المصالح الإيرانية في خطر أو تتعرض لضغوط. العالم لن يسكت أمام بلطجة إيران والحزب والحلول قادمة، والمواجهة لا بد أن تحدث، وقلوبنا مع لبنان وشعب لبنان بدليل استشعار المجتمع الدولي بخطورة ما تفعله إيران و«حزب الله» هناك؛ وهو ما دفع النشطاء للجوء إلى مواجهة أذرع إيران المنتشرة في عالمنا العربي. قطع إمدادات «حزب الله» وتجفيف منابع تمويله ضرورة، حتى لو تطلب الأمر ضربات عسكرية خاطفة تستهدف ترسانته العسكرية التي يملكها. ما حدث هو جريمة اغتيال لرموز وطنية تم إسكاتها بالرصاص. فعندما لا تستطيع إسكات قول الحق إلا باستخدام وسيلة القتل، فإن ذلك السلوك، أقل ما يوصف به، أنه الأشد دناءة وخساسة وقذارة عرفها قاموس التاريخ. «حزب الله» يضيق ذرعاً بالنقد والاختلاف؛ ولذا يستخدم كل الأدوات، في حين أن القوى الإقليمية تستغل الطابور الخامس لتنفيذ أجندتها وتفتيت الوحدة الوطنية لهذه الدولة أو تلك. رموز لبنانية فقدناهم، وإن كان أبرزهم رفيق الحريري، ورحلوا عنا وهم يحلمون باستقلالية القرار اللبناني عن سوريا أو إيران، وقالوا كلمتهم ومشوا. أشنع شيء في الوجود هو أن تقتل من لديه فكر وطني ينادي باستقلالية بلاده، رافضاً تدخل الخارج أياً كان، والقوائم الوطنية تحتشد بالرموز في عالمنا العربي الذين راحوا ضحية لسلوك إجرامي شاذ ومرفوض وضد معنى الحياة وقيم الإنسانية جمعاء.

الناشطة السياسية منى فياض: الأرض تتزلزل تحت أقدام حزب الله واغتيال لقمان رسالة لكل الأحرار
القدس العربي/06 شباط/2021
طرح اغتيال الناشط المعارض لقمان سليم علامة استفهام حول الرسالة التي رغب القتلة في إيصالها لكل من يرفع الصوت اعتراضاً على هيمنة السلاح والدور الإيراني في لبنان.
بيروت-“القدس العربي”: امتدت يد الإجرام قبل أيام لتغتال المعارض الشيعي البارز لقمان سليم الذي يُعتبر مع نخبة من المثقفين الشيعة من أبرز المناضلين في سبيل سيادة وحرية لبنان والدفاع عن الشرعية في مواجهة سلاح حزب الله. وقد طرح اغتياله علامة استفهام حول الرسالة التي رغب القتلة في إيصالها إلى لقمان وكل من يرفع الصوت اعتراضاً على هيمنة السلاح والدور الإيراني في لبنان.
ولا تختلف الناشطة السياسية المعارضة الدكتورة منى فياض عن صديقها لقمان في وضع الأصبع على الجرح ورفع الصوت بكل جرأة وشجاعة من داخل البيئة الشيعية في وجه حزب الله وما تسمّيه “الاحتلال الإيراني للبنان” من دون أن تخيفها الرسالة الدموية التي تعتبرها “رسالة إلى كل اللبنانيين الأحرار كما للفرنسيين والأمريكيين”. ورأت أنه “من الواضح أن الأرض تتزلزل تحت أقدام حزب الله وأنه خائف بدليل خطابات نصرالله وتهديده العلني للإعلام”.
وتضيف “طالما يتهموننا بأننا شيعة السفارة يا ليت هناك سفارات تساعدنا وتعمل لنا حراسة، لأننا أناس عزّل، وإذا كان يفترض بأحد أن يحميني فهي دولتي اللبنانية وبيّ الكل وقائد الجيش والأجهزة الأمنية” وتؤكد” لن أغادر لبنان لأنني إذا ذهبت سأشعر نفسي ذليلة وهاربة لحفظ رأسي”.
وفي ما يلي الحوار الذي أجرته “القدس العربي” مع عضو “لقاء سيدة الجبل” الباحثة منى فياض:
*ماذا بعد اغتيال الناشط لقمان سليم هل وصلتكم الرسالة ومَن يقف وراءها؟
**وصلتنا الرسالة؟ وهل نحن فئة بعيدة عن المجتمع اللبناني وهذا الاغتيال يطالنا وحدنا؟! هذا الاغتيال رسالة إلى كل اللبنانيين واليك أنت أيضاً كصحافي ولي ولكل شخص سيادي ويريد تحرير لبنان من إيران، لكل شخص لديه حرية رأي، ولكل لبناني ليست لديه حرية الرأي هذه، يريدون تخويفه أيضاً للقول له لا تكون كهؤلاء لأنك ستموت. فأتمنى أن تكون هذه الرسالة وصلت إلى كل اللبنانيين الأحرار حتى نستطيع بمقتضاها أن نتجمّع ونتابع المهمة أو الرسالة التي كان لقمان سليم يقوم بها. هذا ما أتمنّاه من كل السياديين الذين اختلط عليهم الأمر وما زالوا يعتقدون أنه يمكننا إصلاح الوضع في لبنان والمؤسسات والمصرف المركزي ويمكننا انتخاب أشخاص مختلفين من دون أن نرفع وصاية إيران واحتلالها بواسطة حزب الله. فهذه الرسالة ليست لنا أو لي أو لفئة معينة بل هي رسالة لكل لبنان ولما بعد لبنان، هي رسالة للأمركيين والفرنسيين لأن إيران تستخدمنا منصّة وتضع يدها ورجلها علينا، وتتبجّح أنها وصلت المتوسط لتقول لهم أنا هنا، وهذا لبنان ملكيتي، وما تريدون أن تفعلوه عليكم أن تأتوا اليّ أولاً. إذا هذه رسالة ليست لي بل لماكرون. وإذا كان يحبّنا ويريد مساعدتنا عليه أن يكون واضحاً وألا يقبل بدخول حزب الله وعليه أن ينفّذ القرارات الدولية ويقوم بموقف شجاع. نحن نُستخدم كرهائن، والتركيز ربما مرحلياً على الشيعة المعارضين لتربية من خلالهم الشيعة غير المعارضين، لأنه واضح أن الأرض تتزلزل تحت أقدام حزب الله وأنه خائف، وواضح أن الاعتراض يجري في بيئته بدليل خطابات حسن نصرالله وتوجيه تهديد علني إلى الإعلام بأن الأهالي سيذهبون لضرب المحطات.
*لطالما اتهمتم بأنكم شيعة السفارة هل ستنكفئون عن التحرك كقادة رأي داخل البيئة الشيعية وتتخذون التدابير الأمنية الاحترازية؟
**أي تدابير أمنية؟ نحن أناس عزّل، وإذا كان يفترض بأحد أن يحميني فهي دولتي اللبنانية، نحن ناس عزّل. ماذا يريدون منا؟ أن نترك البلد؟ وهل سترسل لي سفارة حرساً وتضعهم أمام الباب طالما يتهموننا بأننا شيعة السفارة وعملاء السفارة؟! للأسف يا ليت هناك سفارات تساعدنا وتعمل لنا حراسة، إنما نحن جزء من الشعب اللبناني وإذا كان هناك أحد يحرسنا فهو الشعب اللبناني، والموقف الذي يجب أن يتبلور أكثر فأكثر لمقاومة احتلال إيران بواسطة حزب الله، ويجب أن نرفع الصوت ونطالب الجميع من قوى إقليمية ودولية وعرب وغيرهم بأن ساعدونا، فأنتم تروننا كيف نعترض ونقول لأ وننزل إلى الشارع ونُقتَل. نريد مساعدتكم بأن ترفعوا يد إيران عن لبنان. كل مطالبنا هي تطبيق الدستور واتفاق الطائف الذي يعني تطبيق قرارات الشرعية الدولية، نريد لبنان بلداً نهائياً للمسلمين والمسيحيين مع وقف العدّ. هذا ما نريده ليس أكثر من السيد ماكرون والدول العربية، وكل من يقول إنه مع لبنان يُفترض أن يكون مع هذا اللبنان المحمي دستوره ومرافقه وحدوده الجنوبية والشمالية والشرقية والبحر والجو. هكذا تكون مساعدة لبنان، لأنه عندما تنقطع شرايين الاتصال بين اللبنانيين الذين هم في حزب الله وبين إيران يعودون أناساً مثلنا مثلهم وكل طرف حسب برنامجه وحسب علاقته يجمهوره يأخذ حصته بالسياسة.
*اعتبرت أن حزب الله هو الذي يخاف منكم كيف تقرأين حالة الحزب اليوم؟
**بالتأكيد حزب الله خائف ولولا ذلك ما كان ليُقدِم على ما يفعله، ودليل خوفه هو أنه لم يحتمل انتقاد صحافي (وتقصد قاسم قصير) يقول لهم بكل لطف إرجعوا لبنانيين وتواضعوا وكفّوا عن الاستقواء على الآخرين، أقاموا الدنيا عليه. في كل الأحوال، أنت مَن تقتل؟ إلا إذا كان المجرم سادياً وهو يقتل للقتل، ولا يوجد قتل للقتل إلا في حالات مرَضية. فإذا هم حزب سياسي ويقتلك، يعني أنه خائف منك. يكفي أن يكونوا يحاولون بكل الطرق منع التحقيق الدولي وإسكات الناس وتهديد الإعلام علناً.
*هل سنصل إلى كشف الحقيقة في مسلسل الاغتيالات منذ عام 2004 ولغاية اليوم؟
**نصل إلى كشف الجهات التي تقف وراء الاغتيالات ليس بتحقيقات لبنانية، القضاة اللبنانيون مغلوبون على أمرهم، النزيه منهم مضطر للسكوت، وطالما ليست عنده حماية كيف له أن يتخذ قرارات؟ لغاية الآن لم يكشف لنا القضاء ولا الأجهزة الأمنية أي جريمة حصلت سواء كانت فردية أو جماعية، لذلك يفترض أن يكون هناك تحقيق دولي ومحكمة دولية. لا شيء ممكن في القريب العاجل وقد لا نقتصّ حالياً من المجرمين إنما المحاكم مرجعية لحفظ العدالة في المستقبل، وفي النهاية يخبرنا التاريخ أن كل مجرم لقي قصاصه. فلا أحد يهرب من العدالة إذا ليس الآن ففي المستقبل، ومن هنا أهمية العدالة الدولية التي نثق بها لجهة عدم السماح باستخدام القتل في السياسة وأداة حكم.
*هل ستبقين في لبنان أم ستغادرين خوفاً من أي استهداف؟
**ما رأيكم هل تحبون أن أغادر؟ أصدقائي وأولادي يسألونني ماذا تفعلين بعد في لبنان؟ أقول لهم إنني لا أفعل شيئاً في لبنان بل أنا موجودة لأنه بلدي ووطني. وليس في هذا الوقت الذي يُظلَم فيه شعبي ويُضرَب سأذهب للتفتيش عن خلاصي. أتمنى لاحقاً أن أترك لبنان عندما يعود إلى وضعه الطبيعي نسبياً وأشعر أن الثقل نزل عن كتفيّ. فإذا ذهبت لاجئة إلى الخارج أشعر نفسي غير محترمة علماً أن كندا هي من أفضل الدول لحقوق الإنسان ولديّ تجارب كم يساعدونني بكل الطرق، إنما إذا ذهبت سأشعر نفسي ذليلة وهاربة لحفظ رأسي، وبأن مقتل صديق عزيز مثل لقمان أخافني وجعلني أهرب، وهكذا أكون قد تخلّيت عن لقمان ولست على استعداد لفعل هذا الشيء.

هل يوظَف اغتيال لقمان سليم تزخيماً لدينامية الحلول أم كبحاً لها؟
أنطوان الأسمر/اللواء/06 شباط/2021
سقط لقمان سليم في الزمان والمكان الملتبسين إلتباس الغمّ اللبناني، في مساحة من الفراغ السياسي والأمني، في جغرافية نفوذ تطفح بالدلالة، في وسط ديمغرافي ربما أريد لإختياره أن يغذّي شبهة «كاد المريب أن يقول خذوني».
قُتل الرجل في مرحلة فراغ محلي وإنتقال إقليمي، يكثر فيها الإلتباس والعبث والعسس، مخصّبة إستخباريا وأمنيا، طافحة بالرمزية ومحطات الصدف والتقاطعات:
1- في ذكرى ستة أشهر لإنفجار المرفأ، الحدث الذي قلب الأولويات وأطلق دينامية دولية غير مسبوقة، تقودها فرنسا الراغبة في إيجاد مومنتوم لبناني يقود الى أمرين:
أ- مرحليّ، ركيزته حكومة مهمّة تطلق دينامية التصحيح الإقتصادي والمالي، وينظر إليها على أنها حجر الرحى في المآل الكياني للبنان.
ب- تأسيسيّ، سنده الرئيس بدء حوار وطني برعاية دولية يقود إلى إعادة النظر في مجمل النظام، بحثا عن عقد إجتماعي جديد يؤسس لصيغة مبتكرة تدير الإختلاف اللبناني وتجنّب وقوع البلاد في محظور إجترار الحروب كل عقدين أو ثلاثة، وهو الدأب الذي يتكرر كل حين بفعل فشل الصيغة الاساسية الميثاقية زمن الجمهورية الأولى وتعديلاتها مع بدء الجمهورية الثانية سنة 1990.
2- بعد أيام من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن «النظام اللبناني بمأزق بسبب الحلف بين الفساد والترهيب». كأن ثمة من أراد أن يستثمر في دم لقمان سليم لإقران كلام ماكرون بالفعل، فيكون الترهيب الجديد منصة لإطلاق حدث ما ساخن يمهّد للحلول الثقيلة.
3- عشية إطلاق المبادرة الفرنسية بنسختها المحدّثة، فيما تستعد باريس لإستقبال مسؤولين لبنانيين لكي تنتزع منهم إلتزاما كاملا بالتدقيق الجنائي التشريحي. وهو الحجر الأساس في المبادرة، وما يجهد هؤلاء المسؤولون في التهرب منه، خوفا وإرتعادا (لا خجلا) مما إرتكبوه من جرائم موصوفة في حق اللبنانيين.
4- تزامنا مع خلط الأوراق المقرر والمتوقع في الإقليم، إنطلاقا من المسألة النووية الإيرانية، وليس إنتهاء برغبة واشنطن في إيقاف الحرب في اليمن، وهي المهمة المرتقبة للديبلوماسي الأميركي تيموثي ليندركينغ المقرر أن يعينه الرئيس جوزف بادين مبعوثا رئاسيا خاصاً.
5- تقاطعا مع الكلام الكثير عن مرحلة إنتقالية ستعبث فيها أجهزة إستخبارية إقليمية ودولية متعددة الرؤوس والغايات، وستوظف لبنان من ضمن ساحات أخرى، لتحقيق إختراقات ما تواكب الحلول الآتية. وإستغلال أجهزة الظلال هكذا ظروف إنتقالية بات تقليدا إستخباريا متعارفا عليه.
6- على أعتاب تشكل محور ثنائي أميركي – فرنسي، يمنح باريس حرية الحركة في لبنان لتدبيج مخرج للأزمة المستفحلة. وهو محور شبيه بذلك الذي تشكّل في حزيران 2004 على هامش قمة النورماندي بين الرئيسين جورج ووكر بوش وجاك شيراك، والتي خلصت حينها الى توكيل باريس بإنهاء الوصاية السورية على لبنان، وتاليا فضّ الوكالة الدولية – العربية التي مُنحت لدمشق في العام 1990 ثمنا لمشاركتها رمزيا في حرب تحرير الكويت.
وكانت تلك القمة قد أطلقت دينامية سياسية دولية في لبنان، بدأت بإقرار القرار 1559، ولم تنتهِ بإغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم خروج الجيش السوري، وتشكّل الإنقسام اللبناني العمودي الذي لا يزال الى اليوم يُحكم طوقه.
زامنَ مقتل لقمان سليم كل هذه الأحداث والمحطات والتقاطعات، من غير أن يكون بالضرورة مرتبطاً بها إرتباطاً عضوياً. لكن الصدفة لا تحجب الشكوك التي تلت الجريمة عن المستفيد وعن العبث الإستخباري الدولي والإقليمي، وعن الإتهام السياسي الأولي لـ «حزب الله» ربطا بالعلاقة الملتبسة مع الراحل، كمعارض شيعي شهر منذ زمن خصومته للحزب ولجمهوره في قلب معقله.
كما زامن مقتل الراحل الدينامية الفرنسية – الأميركية المتوقع أن ترسي حلولا في الإقليم، فهل يوظَف إغتياله تزخيما لتلك الدينامية أم كبحا للحلول المنتظرة؟

“المعارضون الشيعة” لـ”الحزب” يخشون مصير لقمان سليم
بولا أسطيح/الشرق الأوسط/06 شباط/2021
يشعر المعارضون اللبنانيون بشكل عام، والشيعة منهم بشكل خاص، بأن الخناق قد ضاق عليهم بعد عملية اغتيال الباحث والناشط السياسي لقمان سليم، ويخشون من لائحة تضم عدداً من الشخصيات قد يتم العمل على اغتيالها تباعاً كما حصل في المرحلة التي سبقت وتلت اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عام 2005. ولا يخفي المعارض الشيعي لـ«حزب الله» علي الأمين، أن المخاوف من مزيد من الاغتيالات موجودة، وبأنه اتخذ إجراءات ولو بحد أدنى لتأمين سلامته، لكنه يشدد في الوقت عينه على أن الرسالة من اغتيال سليم «تتجاوز المعارضين الشيعة لتطال كل الأصوات التي تشبه صوت لقمان سليم، بخاصة الأصوات التي صدحت بعد انتفاضة 17 تشرين للتعبير عن زيف سلطة الميليشيات القائمة وعلى رأسها (حزب الله)».
ولا يستبعد الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون عملية الاغتيال هذه «حلقة أولى في مسلسل اغتيالات مقبل»، لافتاً إلى أن ما هو مؤكد أنها «مؤشر لدخولنا في مرحلة جديدة يغلب عليها الطابع الأمني»، مضيفاً: «الخوف شعور طبيعي لكنه لن يردعنا عن التمسك أكثر من أي وقت مضى بالنهج والمسار الذي كنا نسلكه سوياً مع سليم… لا بل سيشكل اغتياله حافزاً أكبر لنا لنبقى أوفياء للقضية».
أما عن توقيت الاغتيال باعتبار أن سليم طالما كان موجوداً، ويتحرك في مناطق محسوبة على «حزب الله»، فيقول الأمين: «في فترة من الفترات كنا نسمع كلاماً عالي النبرة وتهديدات مبطنة بوجه المعارضة، من ثم انتقلنا إلى الدعاوى القضائية… ويبدو أنها لم تفعل فعلها لجهة التخويف والإسكات، لذلك قد يكون (حزب الله) قد قرر الانتقال إلى القتل»، موضحاً أن «حجم المراقبة الأمنية في الجنوب كبيرة لدرجة يتدخل الحزب بكل تفاصيل السكان، فكيف يتم خرق على هذا المستوى، سواء من أميركا أو إسرائيل من دون أن يكون على دراية به. فإما هو الفاعل أو فليكشف عن القتلة ليبرئ نفسه».
ويعتبر الأمين أن حملات التحريض التي تشن بوجه المعارضين تمهد للاغتيالات، فليس بالضرورة أن تسبق عمليات القتل تهديدات مباشرة، مشدداً على وجوب تحرك المجتمع الدولي، «فلا يتخلى عن لبنان ويبقيه محكوماً من قبل المافيات، وحيث السلطة الأمنية والعسكرية تفعل ما تشاء فيه». ويقول: «هناك موقف دولي مطلوب لا شك، ومبادرات إنقاذية لوضع حد لسلطة تدير عملية إنهاء البلد وتقتل الشعب». من جهتها، تهزأ الناشطة السياسية المعارضة منى فياض، مما يتم التداول به لجهة أن عملية الاغتيال عمل مخابراتي يهدف لفتنة داخلية، لافتة إلى أن «هذا ما تحدثوا عنه بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والاغتيالات التي تلت، فأتت المحكمة الدولية لتؤكد أن شخصاً منتمياً لـ(حزب الله) هو الذي قام بالعملية. ولكن من يصدق أن القيادة لم تكن تعلم ونحن هنا نتحدث عن حزب حديدي يمنع صحافياً من بيئته يدعوه للعودة إلى لبنان من إعلاء صوته». وتضيف متسائلة عبر «الشرق الأوسط»: «هل الحزب مخترق من الإسرائيليين في منطقة الجنوب التي تخضع بالكامل لسيطرته؟ وإذا صح ذلك فما نفع المقاومة، ولماذا نستمر بهذه المهزلة؟ أضف أننا لا نفهم فائدة إسرائيل من قتل لقمان، خصوصاً إذا كان كما يتهمه الحزب عميلاً لها ولأميركا!».
وتشدد فياض على أن العملية «رسالة لكل اللبنانيين وليس لفئة معينة… لكل فريق سيادي يريد تحرير لبنان من إيران ولكل صاحب رأي ولكل حر. كما أنها رسالة للمجتمع الدولي مفادها بأن أي تفاوض بالملف اللبناني يجب أن يتم مع طهران مباشرة».
ولا تستبعد فياض أن يكون التركيز مرحلياً على المعارضين الشيعة «كي يكونوا رسالة لباقي الشيعة، خصوصاً أن الوضع داخل بيئة الحزب أصبح مهتزاً لحد كبير»، قائلة: «نحن بنهاية المطاف عزل وحمايتنا يجب أن تؤمنها لنا الأجهزة الأمنية والشعب. نحن لسنا خائفين. (حزب الله) هو الخائف لذلك اغتال سليم. نطالب بتحقيق دولي، لأن القضاة اللبنانيين غير محميين ومغلوب على أمرهم». وتختم فياض داعية المجتمع الدولي لمساعدة اللبنانيين «لكف يد طهران عن بلدهم».