د. توفيق هندي/لو كان محمد شطح على قيد الحياة

87

لو كان محمد شطح على قيد الحياة
د. توفيق هندي/الجمهورية/23 كانون الأول/2020

الثلاثي (الحريري، جنبلاط، جعجع) رفضوا، كلّ على طريقته، السير في المقاومة السلمية من الخارج، وفَضّلوا «المعارضة» من الداخل لتأمين فتات المائدة من السلطة والمال على حساب لبنان الشعب والكيان والدولة.

***
في الذكرى السابعة لاغتيال شهيد لبنان الدكتور محمد شطح، لن أستفيض بميزاته وأسباب اغتياله، إنما سأحاول أن أعطي رأيي على تَساؤل لطالما طولِبتُ بالإجابة عنه: ماذا كان ليكون موقفه لو كان لا يزال على قيد الحياة؟

لا أحد يختلف على الصداقة الشخصية اللصيقة التي كانت تربطني به، ولا على مَدى التَّماهي الشِبه كامِل بالمواقف الوطنية والسياسية. لذلك، أسمح لنفسي أن أجيب عن هذا التساؤل من دون أيّ حرج وبشفافية مطلقة.

في عام اغتياله (2013)، كانت إدارة أوباما تَجهد للتوَصّل إلى الاتفاق النووي مع إيران على حساب العرب، وتُساهم في تحويل الربيع العربي إلى ربيع إسلامي (سنّي وشيعي)، ما آلَ إلى تشويه الثورة السورية ضد نظام الأسد. ما أفادَ هذا الأخير. أمّا في لبنان، فكان واضحاً أن ليست هناك إمكانية لإيقاف «حزب الله» من الإمساك بالسلطة وتوريط لبنان في صراعات المنطقة، إذ انّ موازين القوى الداخلية مَعطوفة على موازين القوى الدولية والإقليمية كانت قد تغيّرت عن موازين الـ 2005. أمّا تغيير موازين القوى الداخلية، فقد نَتجت عن الأخطاء الاستراتيجية المتتالية لقوى 14 آذار الناتجة عن إعطائها الأولوية للصراع من أجل السلطة على حساب المواقف السيادية. وهذا ما أسّسَ لِدَفع لبنان اليوم إلى جهنّم.
وبالمناسبة، لا بدّ لي من التذكير أنّه في بداية الثورة في سوريا كان محمد، لِما كان له من بُعد نَظر وموقف لبناني صادق، ضد أيّ تَدخّل لبناني في سوريا من هذا الطرف أو ذاك، مهما كانت نظرته لعدالة قضية الشعب السوري. وكان يطرح أن تتولّى اليونيفيل مهمة ضبط حركة السلاح والمقاتلين من سوريا وإليها، وفقاً لمنطوق القرار 1701. ولكن لا حياة لمن تنادي!

وكان موقفه هذا نابعاً من موقف نقدي مَفاده أنّ اللبنانين الذين ذهبوا بعيداً في مناصرة القضية الفلسطينية أخطأوا في توريط لبنان في المَسار العسكري لهذه القضية المُحقة، ما حَمّل لبنان عبئاً كسرَ ظهره وأدخَله في سلسلة من الحروب المتشابكة واللامتناهية (حرب أهلية + حرب خارجية ضد لبنان + حرب الآخرين على أرضه)، وأوصَلت الوضع إلى ما هو عليه في ذلك الوقت. وما أدراك إذاً بما وصلَ إليه الوضع في لبنان اليوم حيث أصبح يصارع الموت.

الطلاق الحبّي مع «حزب الله» ولا بدّ من التوقّف على ما كان يدور من نقاشات بينه وبيني قبَيل اغتياله، فكنّا مقتنعين بوجوب إعلان «طلاق حبي» مع «حزب الله» لأنه كان يَهدف إلى السيطرة على كامل القرار الإسترتيجي وليس على جزء منه بحيث يؤكد ديمومة وضع لبنان، كل لبنان، كقاعدة انطلاق لـ»مشروعه الإسلامي»، ما يتناقَض بالطبع مع كيانية لبنان ودولته.

والطلاق الحبّي يعني ألّا تُشارك القوى، المُفترَض أن تكون سيادية، في أي حكومة وأيّ طاولة حوار معه لأنه سوف يستخدم هذه المشاركة في تغطية سياساته ومشروعه الإسلامي ليس إلّا، غير آبِه بالمصلحة اللبنانية في ظل عجز هذه القوى آنذاك. وكان هدف هذا الطلاق التأسيس لمقاومة سلمية لمواجهة الإحتلال الإيراني المقنع لبنانيّاً على شَاكِلة ما فَعله لقاء قرنة شهوان في مواجهة الاحتلال السوري. وانطلاقاً من هذه القناعة، كان يستعد محمد للذهاب إلى واشنطن قبَيل اغتياله ليعمل على محاولة التأثير في سياسة الإدارة الأميركية من خلال الكونغرس، بهدف ألّا تقتصر المفاوضات مع إيران على الملف النووي إنما لتشتمل أيضاً على مسألة تَمَدّدها في المنطقة، ولا سيما في لبنان.

في يوم تشييعه، جاء في خطبة فؤاد السنيورة: «ما قبل اغتيال شطح ليس كما بعده… سنحرّر لبنان من احتلال السلاح». غير أنّ عكس ذلك حصل: فتوالَت التراجعات من حكومة سلام إلى انتخاب عون، مروراً بحكومة الحريري، فانتخابات الـ2018 التي أهدَت «حزب الله» الغالبية النيابية، فحكومة دياب، وأخيراً تسمية الحريري مجدداً.

بكلمة، سلسلة تطورات أوصَلت لبنان إلى جهنم. بالمختصر، إنّ الثلاثي (الحريري، جنبلاط، جعجع) رفضوا، كلّ على طريقته، السير في المقاومة السلمية من الخارج، وفَضّلوا «المعارضة» من الداخل لتأمين فتات المائدة من السلطة والمال على حساب لبنان الشعب والكيان والدولة.

إنطلاقاً من هذا التشخيص الموضوعي الواقعي لا تصعب الإجابة عن التساؤل: ماذا كان قد يكون موقف محمد لو كان على قيد الحياة؟
الجواب: حتماً، موقفه إلى جانب الشعب الثائر.

لبنان تحت الإحتلال الإيراني، تعاونه طبقة سياسية مارِقة. لا أمل بأيّ إصلاح. لا أمل بتغيير السلطة عبر المسارات الدستورية (تشكيل حكومة، إنتخابات نيابية) لأنّ «حزب الله» له القدرة العسكرية والغالبية النيابية ورئاسة جمهورية حليفة له. وبالتالي، لن يقبل بأيّ تغيير في السلطة لا يُبقي على سطوته عليها. وعكس ذلك تفكير ولّادي. كما لا قدرة لبنانيّاً تحت هذه السلطة الرَعناء بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية والبيئية والاجتماعية والمعيشية والانسانية…

بكلمة، باتَ هناك عدم قدرة لللبنانيين على حكم أنفسهم بأنفسهم.
لبنان قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
الحل الوحيد هو بتدويل الوضع اللبناني، عبر:
1 – وضع القرارين 1559 و1701 تحت الفصل السابع.
2 – وضع لبنان تحت الانتداب الدولي وفق الفصل 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة.
3 – تشكيل سلطة عسكرية-مدنية موقتة تعمل تحت إشراف الإنتداب الدولي، تعلّق الدستور وتَقتلِع رواسب محاصصات الطبقة السياسية المارقة من مؤسسات الدولة كافة.
4 – العودة إلى العمل بالدستور بعد إتمام السلطة الموقتة عملها التطهيري ورفع الانتداب.
هذا برأيي المتواضع ما كان قد يكون موقف محمد شطح لو كان على قيد الحياة.