الياس الزغبي/أرخبيل الحكومة… وكُفر الجياع

85

“أرخبيل” الحكومة… وكُفر الجياع
الياس الزغبي/06 تشرين الثاني/2020

أسوأ البِدع أن تَطرح هذه السلطة العابثة بمصير لبنان نظرية “حكومة أخصّائيين بالمحاصصة”، فتحاول أن توهم الناس بأنها وفت بوعدها في تشكيل “حكومة مهمّات من أخصّائيين” وفقاً للمبادرة الفرنسية، بينما هي في الحقيقة تتقاسم النفوذ السياسي والمالي والحصص والحقائب والمنافع تحت قشرة الاختصاص.

في الواقع، إن أي أخّصائي يسمّيه حزب أو تيّار أو زعيم، ومهما كان عمق خبرته ونجاحه في الحقل الخاص أو العام، سيكون حكماً أداة بإدارة من سمّاه، ويأتمر بتوجيهات من أوصله إلى هذه الحقيبة أو تلك.

وستبقى الحكومة مجرد “أرخبيل سياسي” تتلاطم فيه أمواج المصالح، أو أشبه ب”سلّة سلاطعين” تتعاقص كلّما هزّها موقف أو قرار، على غرار الحكومات السابقة التي شلّها تطاحنها الداخلي، فنامت عن تفاقم الأزمات وزجّت الدولة والمواطنين في المأزق الراهن.

أمّا كيف يمكن تشكيل حكومة والحال هذه، فإنّ هناك مخرجاّ وحيداً: حكومة مستقلّين فعليين لا تعيّنهم الأحزاب وزعماء الطوائف بحجج واهية، مثل حاجتهم إلى ثقة الكتل النيابية، أو حجّة الشراكة والميثاقية، أو حجّة وحدة المعايير.

ولكن، كيف يتم تعيينهم ومن هي الجهة التي تسمّيهم؟
في المبدأ الدستوري، يقترح رئيس الحكومة المكلّف الأسماء وتوزيعها على الحقائب ويقدّمها لرئيس الجمهورية، بدون أي تدخّل من طرف ثالث ورابع وعاشر، شرط أن تكون فعلاً من الوجوه المعروفة والمشهود لها بعدم الالتحاق بهذا الطرف أو ذاك، ويتشاوران فيها ويتوافقان على ما قد تحتاجه من تعديلات، ثمّ يُصدران مرسوم تشكيلها.

وينحصر دور الكتل النيابية في مناقشة الحكومة وبيانها الوزاري في جلسة الثقة، فإمّا تمنحها أو تحجبها فتسقط، كي يُعاد تشكيل حكومة أخرى.

ولا يجوز خرق المبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات من خلال إشراك السلطة التشريعية في إنتاج السلطة التنفيذية، لأن ما يحصل الآن بضلوع الكتل النيابية ورؤسائها في التشكيل يشكّل خرقاً دستورياً خطيراً يتوجّب الإقلاع عنه، ولو درجت العادة سابقاً على هذه الهرطقة.

وقد بدأت المشكلة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري قبل أسبوعين، حين تمّ التسليم ل”الثنائي الشيعي” باقتناص وزارة المال وحصرية تسمية الوزراء الشيعة.

من هنا بدأ الخلل في تشكيل الحكومة، لأن تخصيص فريق سياسي أو طائفي بميزة التسمية والفرض، أثار الأفرقاء الآخرين الذين طالبوا بالتكافؤ والمعيار الواحد.

ولا حلّ لهذا المأزق إلّا بسحب هذه الميزة من الفريق الشيعي، والعودة إلى ثنائية الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، وحصرية حقّهما في التسمية والتشكيل.

وإذا لم تتم العودة إلى هذه الأصول الدستورية والسياسية سيستمر التخبّط، حتّى لو أذعن أيّ فريق للأمر الواقع تحت شعار التضحية لإنقاذ الوضع.

فكلّ ما يُبنى على خلل سيؤدي إلى خلل أكبر، ويضاعف الاحتقانات السياسية والطائفية والمذهبية.

وعلى القوى السياسية أن تدرك هذه الحقائق، وتترك الخبز للخبّاز،
قبل أن يفسد الخمير والعجين …ويكفر الجياع!