شارل الياس شرتوني: الاسلاميون، الارهاب والعدوانية المتباكية على ذاتها

73

شارل الياس شرتوني: الاسلاميون، الارهاب والعدوانية المتباكية على ذاتها
04 تشرين الثاني/2020

مالك شبل: “الاسلاميون يسعون لوضع اليد على الخاص مقدمة لوضع اليد على العام”
عبد الوهاب المؤدب: “الاسلاموية مرض الاسلام الطفولي” 

ان مجرد مشاهدة ردود الفعل حول الاحداث الارهابية في فرنسا والنمسا وما استحثته من انفعالات مصطنعة ومضخمة وغير مطابقة لحقيقة ما جرى، وغير متبصرة في حيثيات الوجود الاسلامي في فرنسا والديموقراطيات الاوروپية، ومن استخدام مبرح من قبل سياسات النفوذ التركية والقطرية والاسلامية على وجه العموم، ينبئنا عن طبيعة الحدث ومدلولاته وخروجه عن حيز الاشكاليات الديموقراطية والاعتبارات السيادية الخاصة بهذه البلدان، سواء لجهة تفسيره ام التعاطي مع مؤدياته.

لا بد من اجراء قراءة واقعية للحدث تبدأ من التثبت من معطياته وتنتهي بمعالجة تردداته المتنوعة.

يفصح الضجيج المفتعل عن مؤشرات عيادية تعبر عن ازمات العالم الاسلامي المعاصر وتردادته النفسية (المرارة، الغضب، كره الآخرين كتعبير عن كره الذات، النرسيسية المفرطة والدفاعات المستنفرة، والمبالغة في ردود الفعل والتعبير، وارادة السيطرة والعدوانية، والبارانويا الفردية والجماعية، التوارد بين عقد الدونية والتعالي… ) كما تظهرها هذه المظاهرات الصاخبة وما يرافقها من تعبيرات مرضية الطابع.

ضف الى ذلك بناء ردود الفعل على معطيات خاطئة ومزورة، كما جرى مع خطاب الرئيس ماكرون الذي اعيد تأليفه وتم تحريفه من خلال الدبلجة، من اجل التعبئة اللاعقلانية وتحفيز اعمال عدوانية مبنية على خطاب الكراهية.

ان المناخات المرضية والمستخدمة من قبل سياسات النفوذ الإسلامية سوف تؤسس لديناميكيات نزاعية تتطلب احتواء ذات مندرجات متعددة، تخرجها من دائرة التشابكات التي تسعى اليها السياسات الارهابية على تنوع فاعليها واستخداماتها.

أ- لقد ذبح مدرس فرنسي من قبل شاب تشتشيني لاجىء يقيم في مدينة تبعد ٨٠ كلم عن مسرح الجريمة بناء على توجيهات اعطيت له من قبل شبكة اسلاموية عاملة في النطاق الجغرافي، على اساس قيام هذا المدرس بشرح مسألة الرسم الكاريكاتوري وعلاقته بالحريات المدنية، متناولا اشكالية الكاريكاتور الذي يتناول الشأن الديني والرموز والشخصيات الدينية التي لم تستثن اية من هذه الموضوعات سواء في المسيحية، ام البوذية، ام الاسلامية، ام اليهودية.

من الطبيعي ان يتناول مدرس في صف التربية المدنية مسائل تتعلق بالحريات العامة وشرح اشكالياتها ومضاعفاتها حول الشؤون العامة، كجزء من التربية على الديموقراطية، وما تتطلبه من وعي لمعنى الحريات العامة والخاصة، والمسؤوليات الاخلاقية والمدنية والقانونية والجزائية التي تترتب عليها، وضرورة تعزيزها كجزء اساسي من الايتوس الديموقراطي الذي لا ديموقراطية دونه، لان النظام الديموقراطي هو النظام السياسي الوحيد الذي يتربط وجوده بمواطنية فاعلة على كل المستويات: المعرفة التحليلية والنقدية للاشكاليات العامة، المشاركة في الحياة العامة، والعمل على اصلاحها انطلاقا من اعتبارات معيارية متنوعة.

من ثم استهدفت كاتدرائية نيس، حيث قتل ثلاثة اشخاص قصدوا الكنيسة للصلاة قبل الذهاب الى العمل (ذبحا وطعنا ) من قبل تونسي دخل البلاد بصورة غير شرعية بقصد العمل الارهابي الذي كلف به، على خلفية خطاب الكراهية والصور النمطية الملقنة حول المسيحيين الكفار، وقسمة العالم بين دار الحرب ودار الاسلام، وما يستدعيه هذا الخطاب من قراءة تفكيكية وتاريخية للنص الديني قائمة على القطع المعرفي بين القيم الروحية في الاسلام والترسبات العائدة للمجتمعات القبلية والصحراوية التي خرجته. (الاب ميشال الحايك)

ب- مشكلة الوجود الاسلامي في الديموقراطيات المعاصرة تعود الى التباس تموضعاته في داخلها لجهة التداخل بين الديني والسياسي، والتأقلم مع واقع التعددية القيمية والدينية والاپستمية التي تحكم علاقاته مع واقع هذه المجتمعات وقيمها المنشئة وتاريخها ومؤسساتها وما تمليه من عمليات تثاقف واستدخال لموجباتها. ان مسائل حياد الدولة تجاه الانظمة القيمية التي تعبر عنها علمنة الفسحة العامة، ومسألة المساواة بين المواطنين على تعدد انتماءاتهم الفكرية، والضميرية، والفنية، والدينية، واشكالية التمييز بين العام والخاص، والحقوق الفردية والجماعية، والحريات العامة والخاصة وما تفترضه من حقوق في مجالات التجمع الارادي، والتعبير السياسي، والفني، والاعتقادي، والنقدي، وحرية اعتماد المسالك الحياتية، تفترض عملية تثاقف تدرجية تبدأ مع التآلف مع مفهوم دولة القانون وموجباتها السلوكية، وتنتهي مع الدخول في منطق الحداثة وما يمليه من استقلالية معنوية وفكرية تجعل من الضمير الفردي الحكم والمنطلق الاساس في عملية بناء الخيارات الحياتية على تنوع موضوعاتها.

مشكلة الاسلام السياسي تكمن في عمله الحثيث من اجل تركيز منعزلات جغرافية وذهنية ورمزية (الحجاب باشكاله، اللحى والجلابيب، مفهوم الحلال التمددي الذي لم يترك حيزا خاصا او عاما الا وصادره، وضع اليد على المناهج الحياتية على تنوع موضوعاتها، وعلى التعليم الديني … ) تؤسس لواقع انفصالي فعلي يستخدم من قبل سياسات النفوذ لغايات انقلابية تستهدف امن هذه الديموقراطيات، وخياراتها القيمية والسياسية والقانونية.

لا تفهم اشكالية الكاريكاتور الا على ضوء مسألة الحريات العامة وما تستحثه من اشكاليات ونزاعات وتحكيمات بين خيارات متعارضة على قاعدة خيارات قيمية وسياسية مشتركة وحقوق وحريات اساسية، تبعد الانتظام السياسي عن واقع تنازع القوى العبثي وارادات السيطرة، وواقع الاستثناء السيادي الذي تسعى تيارات الاسلام السياسي الى فرضه من خلال الارهاب، واصطناع موقع الضحية، والتموضع من خلال الاستراتيجيات الانقلابية التي تعتمدها التيارات الارهابية ومتكآتها الدولاتية والمالية.

ج- ان المطالعة التي قامت بها فاعليات مهنية ودينية وفكرية اسلامية فرنسية والتي نشرتها صحيفة الموند ( ٣/٢٠٢٠ / ١١ تحت عنوان ان الدعوة لمقاطعة فرنسا يجب ان تتوقف) تدعو الى الاطلاع على حقيقة الموقف الفرنسي الذي يقيم تمييزا واضحا بين الاسلام والاسلاميين، والاقلاع عن محاولة تصوير المسلمين على انهم ضحايا المجتمع الوطني الفرنسي لانه كذب وافتراء لا صلة له بالواقع، واخيرا التركيز على عملية التثاقف السياسي وتبني قيم الجمورية والعمل من ضمن موجباتها، فمسألة الحريات لا تتجزأ ويجب التعاطي معها من زاوية اخلاقيات دولة القانون، والخروج من مخارجات الواقع الحالي الذهنية والقيمية والنفسية الى حال من التماسك الاخلاقي والمدني المبني على الشرعة العميمة لحقوق الانسان ومرتكزات دولة القانون.

ان سلسلة الاعمال الارهابية التي نشهدها الساعة ما هي الا تعبيرات فاقعة عن الواقع المرضي بمندرجاته النفسية ومرارته واحقاده ووهاماته، كما تشير اليه يافطة “يا جيوش المسلمين، فتح باريس هو الرد”، وصورة عن متطلبات الورشة الاصلاحية التي تخرج الاسلام المعاصر من مطباته القاتلة التي تقيم على تخوم نزاعية متنوعة تحول دون التواصل مع مكتسبات الحداثة ومع الآخرين.