مهى عون/الأخطار المحدقة بالاعتدال السني في لبنان

323

الأخطار المحدقة بالاعتدال السني في لبنان

مهى عون/السياسة/07 تشرين الثاني/14

مازالت المملكة العربية السعودية تكثف جهودها مشكورة, وتسعى مع الأطراف المعنية في لبنان وخارجه, سيما مع قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي, من أجل إقرار هبة الثلاثة مليارات دولار الملكية الخاصة بتسليح الجيش اللبناني وإيصالها إلى خواتيمها السعيدة. ومن المفترض, كما ترى المملكة, أن تساهم هذه الهبة في حال تسليمها, في مساعدة الجيش على ضبط التطرف والإرهاب المسلح والفلتان الأمني, بدءاً بمدينة طرابلس, حيث لا يمكن الركون طويلاً إلى ظاهرة اختفاء المظاهر المسلحة من شوارعها وأحيائها. وسوف تقود تساؤلات جمة لا بد أن تُطرح حول طريقة تقبل “حزب الله” وتعامله مع هبة ربما تحول الجيش في فترة وجيزة قوة تفوقه عدة وتجهيزاً, بعد أن امتلك حصرية التفوق المسلح على الأراضي اللبنانية, إلى أن من غير المستبعد أن يقوم الحزب أمام الواقع الجديد, وحفاظاً على الصورة الظاهرة على الأقل من الوئام والانسجام القائمين بين مؤسسة الجيش و”حزب الله”, بوضع شروط وضوابط عملانية ولوجيستية على هذه الهبة, كاعتماد-على سبيل المثال- عقيدة مشتركة مع الجيش يكون “المعلن” منها التنسيق من أجل الدفاع عن لبنان وأمنه وسلامة أراضيه, أما “غير المعلن” فطي الكتمان وخفي المقصد والهدف. أما أهداف المملكة من هبتها السخية, فهي أولاً تثبيت الاعتدال السني وتقويته على حساب التطرف, إن في لبنان أو في سائر الأقطار العربية وحيث يستوجب الأمر. ومن البديهي أن ينسحب مفهوم الاعتدال هذا على وجهي التطرف الديني, السني كما الشيعي. إلا أن حساب الحقل قد لا يأتي في لبنان على حساب البيدر, وقد تبقى هذه “الأهداف” مبتورة من إحدى نواحيها, ويتعذر -أو ربما يستحيل- سحب هذا المفهوم على جميع الفرقاء في لبنان بشكل متساو ومتكافئ. وفي سباق مع الزمن, وضمن ستراتيجية استيعابية لـ”حشره” في الزاوية بسبب الهبة السعودية, بادر “حزب الله” على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله, وفي محاولة للهروب إلى الأمام, إلى إعلان الدعم المطلق للجيش اللبناني وللشرعية المتمثلة بالدولة اللبنانية, وإلى التقرب من خصوم الأمس, حيث أشاد بتيار “المستقبل” معتبراً إياه يجسد الاعتدال السني, فجاء تدليسه الناعم هذا شبيهاً بتدليس قفاز مخملي تلبسه يد من فولاذ.

لكن الوقائع على الأرض تشي بأمور مغايرة للصورة الطوباوية المسالمة التي حاول نصر الله رسمها, فالذي ثابر على استفزاز أهل السنة في عرسال وطرابلس, ميدانياً أو سياسياً, وصولاً إلى خلق جبهات حامية الوطيس استجرت تدخلاً متطرفاً من خارج الحدود, لا يمكنه سوى المضي في ستراتيجية تغذية التنافر السني -السني, نتيجة تعمد الجيش ملاحقة المتطرفين السنة في طرابلس وعرسال ومطاردتهم واعتقالهم. وهو اليوم “يحابي” تيار المستقبل ويشيد به ويزكي دعمه ستراتيجية الجيش في عرسال وطرابلس, مدركاً جيداً أنه بهذه الطريقة يضرب عصفورين بحجر, أولهما إعادة تلميع صورته المتداعية داخلياً بسبب تدخله في سورية لمناصرة نظام قاتل وتزايد عدد القتلى في صفوفه, وثانيهما تسجيل نقاط إضافية على الخصوم التقليديين, وخصوصاً تيار المستقبل الذي تدنت شعبيته تدريجياً نتيجة وقوفه مع الجيش اللبناني في حربه الضروس على المسلحين في عاصمة الشمال. فالحزب “الإلهي” الذي يرفع اليوم لواء شعار دعم الجيش والاعتدال السني والشرعية ويشيد بتيار المستقبل, هو في الواقع ينصب فخاً مركباً للطرفين, فمن ناحيةٍ يدفع بتيار الاعتدال السني في لبنان الى حافة الاصطدام مع البيئة السنية الرافضة سياسة الكيل بمكيالين في ما خص حصرية امتلاك السلاح على الساحة اللبنانية, ويستفيد في الوقت ذاته من الوهن الذي يطاول صورة الجيش نتيجة التساؤلات حول اتباعه سياسة صيف وشتاء على سقف واحد. أما الخطورة كل الخطورة, فتكمن في إحداث شرخ سني-سني, قد يؤدي ببعض الشرائح والمراجع السنية إلى الابتعاد عن الاعتدال المطلوب وتقزيم دور تيار المستقبل على الساحة اللبنانية, ما قد يحمله على الانكفاء والتراجع أكثر وأكثر, أمام هيمنة “حزب الله” الذي يحاول الظهور بمظهر الداعم الأوحد للشرعية والجيش. ربما لم تدرك المملكة العربية السعودية عندما قررت منح الهبة الكريمة هذا المدى لتداعياتها, مثل أن يكون الاعتدال وتيار المستقبل في مقدمة الخاسرين ومن جملة الأوراق التي قد يحرقها “حزب الله” في سبيل تجميل صورته وفرض المزيد من الهيمنة على صناعة القرار في لبنان, مع مضيه في ضرب أي اعتدال سني آخر والاسترسال -وبغطاء شرعي- في حربه الضروس على ما يسميه التطرف السني, وربما لأهداف خفية أخرى لم تظهر كل معالمها بعد.

إن المطلوب اليوم أميركياً ودولياً, تغذية التطرف بكل أشكاله ومذاهبه وطوائفه, وفي حين لم يتخط الصراع اليوم مرحلة الصراع السني -السني في لبنان كما في سورية والعراق, فلا يُستبعَد تحوله سنياً-شيعياً في مرحلة لاحقة, عندما يصبح التطرف هو المسيطر عند الفريقين السني والشيعي, ويزاح كل حاجز اعتدال من أمامهما. كاتبة لبنانية –