د. عبدالعظيم محمود/هل يكون أوباما سبب خسارة الديمقراطيين

325

هل يكون أوباما سبب خسارة الديمقراطيين
د. عبدالعظيم محمود/السياسة

04 تشرين الثاني

 حنفي يدلي الأميركيون اليوم بأصواتهم لتحديد من سيمثلهم في الكونغرس, الذي من المقرر أن يبدأ دورته الجديدة في يناير 2015. ويتألف الكونغرس الأميركي من مجلسين هما: مجلس الشيوخ الذي يجري انتخاب أعضائه لفترة مدتها ست سنوات, ومجلس النواب الذي يخدم الأعضاء فيه لمدة سنتين. ويجري في شهر نوفمبر من كل سنة شفعية شغل المقاعد البالغ عددها 435 مقعدا عن طريق الانتخابات, وفي الوقت نفسه, يجري انتخاب نحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ أيضا, وهذه الانتخابات, كونها تأتي في السنوات الشفعية في منتصف فترة الولاية الرئاسية, تعرف بانتخابات التجديد النصفية. ويشجع هذا التوقيت منظمي استطلاعات الرأي والنقاد السياسيين على النظر إلى النتائج باعتبارها استفتاءات على سياسات الرئيس الحالي واتجاهات الناخب الاميركي ازاء انتخابات الرئاسة عام 2016.

وكما هي الحال في جميع الانتخابات الأميركية, توجد مجموعة متنوعة من العوامل التي تؤثر على قرارات الناخبين الأميركيين. وهنا نتناول اهم عامل يطغى على تلك الانتخابات, وهو عدم الثقة بالرئيس الحالي باراك اوباما وبسياساته, سواء الداخلية او الخارجية وتداعيات ذلك على الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه الرئيس. أعيد انتخاب الرئيس باراك أوباما لولاية ثانية على رأس الإدارة الاميركية, واعتبر نصرا جاء مثله بعد الانتخاب الاول مقترنا بحزمة وعود لتنفيذ أجندة تشريعية طموحة على أرض الواقع, بدءا بالصحة والتعليم والهجرة ومراقبة الأسلحة النارية والإصلاحات الضريبية, إلى إحداث الشغل ورفع الحد الأدنى للأجور, من دون إغفال ملف التغيرات المناخية. بعد عام من ذلك دفعت هذه المشاريع ثمن الشلل الذي بلغت شدته مستواها التاريخي بمجلس الشيوخ, بين جمهوريين, وقعوا تحت نفوذ المحافظين المتشددين المنتمين لتيار حزب الشاي, وديمقراطيين طالت غالبيتهم “الفضائح” والاخفاقات المتكررة التي واجهها موقع نظام الرعاية الصحية (أوباماكير), الذي كان يراد منه أن يشكل واسطة عقد الإصلاحات التي وعد أوباما بتركها إلى مجتمع اميركي أكثر تضامنا وأكثر حرصا على المواطنين الأشد احتياجا.وسياسات خارجية لا تاتي بحلول ستراتيجية للمعضلات التي تواجه الامن القومي الاميركي والمصالح الاميركية ولا ادل على خيباته مثل مراهنته على جماعة الأخوان المسلمين الارهابية! فتراجعت الولايات المتحدة الى الخلف! وتجسدت هذه الحصيلة الباهتة في هبوط معدل شعبية الرئيس أوباما في استطلاعات الرأي, وخاصة لدى الجماعات التي تشكل الحجر الأساس لقاعدته الانتخابية, ويتعلق الأمر بالمستقلين والشباب والرجال والنساء ولدى الناخبين البيض. كما لم تسلم شعبيته لدى الاميركيين اللاتينيين من هذا التراجع, وهم الذين صوتوا بكثافة عليه في انتخابات 2012. وحدهم الاميركيون من أصول إفريقية من يبدو أنهم ما زالوا أوفياء للرئيس, ويجمع المراقبون على أن هبوط شعبية الرئيس في استطلاعات الرأي لها “أثر أكيد” في الانتخابات النصفية الحالية, وتبدو حظوظ الديمقراطيين في استعادة السيطرة على الغرفة السفلى (مجلس النواب) منعدمة وفق الأرقام التي تداولتها وسائل الإعلام الاميركية, فيما صار الحفاظ على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ موضع شك كبير .

ويضاعف من تلك المشكلة ان عددا لا بأس به من الديمقراطيين لا يصوتون في انتخابات التجديد النصفي, ويصوتون فقط في الانتخابات الرئاسية, بينما يعاني الجمهوريون بشكل أقل من تداعيات الانتخابات النصفية ومن ثم فقد يمضي الرئيس الاميركي باراك أوباما السنتين الاخيرتين من حكمه كبطة عرجاء في معركة ضد مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون, ولكن أيضا ضد مجلس شيوخ جمهوري. وفي الواقع ان البعض من العقول اللامعة مثل الخبير الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل بول كروغمان حاولوا الدفاع عن أداء أوباما, زاعما تحقيقه عددا كبيرا من المنجزات بما فيها الرؤية الثاقبة والجهود الجبارة لإعادة الاقتصاد إلى الوضع الطبيعي بعد الأزمة المالية المريرة لعام 2008, وإصلاح النظام الصحي والخدمات المالية, والعمل على خلق مناصب العمل الجديدة لمكافحة البطالة, والسياسة البيئية ذات الفوائد الكامنة العظيمة, واستغلال الفرص الجديدة التي تتيحها طفرة الاكتشافات النفطية في الولايات المتحدة, يمكن أن تُعزى جميعاً لأوباما. الا ان محاولات كروغمان لتلميع صورة إنجازات أوباما الوطنية وجدت من يتصدى لها ويتناولها بالانتقاد من أحد أقرب مستشاريه المقربين, وهو ليون بانيتا في كتابه “المعارك المكلفة”. ولاحظ بعض الباحثين انه “لم يحدث منذ عهد ريتشارد نيكسون أن وجه هذا العدد الكبير من الأعضاء ذوي المراتب العالية في إدارة رئيس أميركي مثل هذه الانتقادات وهو لا يزال في البيت الأبيض. ويمكنك أن تدرج في القائمة أمثال بانيتا وروبرت غيتس في كتابه “الواجب”, وهيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة”, الذين كانوا يمثلون الفريق الاستشاري والأمني الأساسي لأوباما, وكلهم وجهوا الانتقادات الساخنة للرئيس.

ولم يتأخر مسؤولون بارزون سابقون في وزارة الخارجية عن كيل الانتقادات, فأوباما أضحى رئيساً منبوذاً وعبئا على حزبه. الموضوع من وجهة نظر علمية بحتة يتعلق بالتساؤل حول وجهة ومدى جذرية التغيرات المتوقعة في سياسة ادارة اوباما تجاه الشرق الاوسط, هل نتوقع انحسار افكار اوباما ومقارباته بشان الشرق الاوسط ومحاولته عدم الانغماس بصورة كبيرة في قضاياه والغامه؟ بل كيف لنا ان نتجاوز مصيدة التعميم حول هذه المجموعة ذائعة الصيت في السنوات الماضية؟ خسر الحزب الديمقراطي انتخابات التجديد النصفي بسبب رفض اغلبية الناخبين الاميركيين للسياسة المتبعة وقناعتهم بان ادارة اوباما عاجزة عن التغيير وعن صناعة افكار ستراتيجية جديدة, وان هذا العجز قد اضحى عجزا شاملا يضرب بنى الادارة الرئيسية . يعود جزء من احساس الناخب الاميركي بعجز الادارة الى طابعها المتردد وغير الحاسم الواضح, لكن ليس هناك رئيس مشلول وبطة عرجاء لان سياساته تجهض لكن خياراته تبقى فاعلة وسياسة الحد الادنى من التوافق قائمة. خبير في الشؤون السياسية والستراتيجية.