الدكتورة/رندا ماروني: لفخامة الرئيس ميشال عون، التخوف في محله//نص كلمة الرئيس عون أمام الديبلوماسيين

236

لفخامة الرئيس ميشال عون، التخوف في محله
الدكتورة/رندا ماروني/17 كانون الثاني/17

الرئيس القوي واسترجاع حقوق المسيحيين، هذه العناوين التي رفعت وعطلت الانتخابات الرئاسية لأكثر من سنتين، تفاجئ اليوم بعناوين مختلفة تناقض في مضمونها الشعارات التي رفعت سابقا.

فاسترجاع حقوق طائفة من الطوائف يتطلب التمسك بالتوزيع الطائفي، هذا هو منطق سير الأمور لدى من يطالب بحصة كاملة ومناصفة حقيقية كما ينص الدستور اللبناني، إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخابي خارج القيد الطائفي تسبقه تشكيل هيئة ﻹلغاء الطائفية السياسية.

وحتى ذلك الحين توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية:

أ: بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين

ب: نسبيا بين طوائف كل من الفئتين

ج: نسبيا بين المناطق

فكيف بمن أطلق الشعارات الحقوقية للطوائف واسترجاع الحقوق ومن أقسم على تطبيق الدستور، أن يعمل على تجاوز بنوده، مطلقا شعار تخوف في غير محله.

إن تطبيق النسبية الكاملة مناقضة للتوزيع الطائفي، أي الانتقال إلى تطبيق قاعدة الديمقراطية العددية من دون الرجوع إلى القواعد المرسومة لهذا الانتقال والمنصوص عليها في الدستور اللبناني بنقلة نوعية فورية.

موقف الرئيس تلاه موقف كتلة الوفاء للمقاومة، تضمن التشديد على استحداث قانون انتخابي جديد على قاعدة النسبية، فهل تصح تطبيق النسبية الكاملة والدائرة الواحدة في الواقع اللبناني الحالي؟

من الممكن أن تطبق النسبية الكاملة إذا توفرت لها الشروط التالية:

1- وجود أحزاب عابرة للطوائف منتشرة على امتداد الوطن، فالأحزاب الموجودة حتى اليوم هي أحزاب لها لون طائفي حيث لم تستطع أن تحل مكان الطوائف كمكون سياسي للمجتمع.

2- العمل على بناء مجتمع غير طائفي ينتمي بالدرجة الأولى للدولة اللبنانية من خلال استحداث قوانين جامعة للأحوال الشخصية ومنع اقتطاع جزء من المال العام لمصلحة الطوائف تستعمل في تنشئة الجيل الجديد تنشئة طائفية.

3- العمل على إنشاء هيئة وطنية تضع مخطط لكيفية الخروج من الواقع الطائفي تدريجيا وإلا تعتبر أي محاولة للانتقال إلى الديمقراطية العددية مخالفة للدستور اللبناني.

4- استحداث قوانين صارمة لحالات التبعية الخارجية التي تؤمن مصالح الخارج على حساب المصلحة الوطنية، حيث وبكل سهولة تستطيع أي دولة خارجية أن تنفذ سياساتها في الداخل اللبناني من خلال تجنيد ودعم أشخاص يصنعون حالات مفتعلة مستجدة داخل الأراضي اللبنانية.

أما ما يتم ذكره عن القوانين المختلطة ونسبه إلى القانون النسبي فهذا لا يمت إلى الحقيقة بصلة حيث ستفصل المقاعد على قياس المفصلين والنتيجة المزيد من الإطباق الطائفي، فيصح عليها الوصف ليس بالقوانين الانفتاحية الجديدة بل بالقوانين الانغلاقية، والمطلوب قوانين فعلا تعطي فرصة حقيقية لمشاركة المهمشين.

نتساءل عن مدى فعالية أي قانون في ظل اللادولة حيث أبطل مفاعيل انتخابات 2009 وتمت مصادرة قرار الأكثرية المنتخبة، كما ونتساءل هل هناك من صفقة ما أتفق عليها قبل الانتخابات الرئاسية تمرر الآن لتطبق قانون الوصاية فيصح قولنا للرئيس إن التخوف في محله.

 

 

 عون أمام الديبلوماسيين: إذا أردتم السلام فعليكم إطفاء النار في مصادر اشتعالها كاتشا: ليكن التوافق في لبنان بداية مسيرة تشمل المنطقة
الثلاثاء 17 كانون الثاني 2017
وطنية – إستقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، ممثلي البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان، لمناسبة تقديم التهاني لرئيس الجمهورية بالسنة الجديدة.
كاتشا
وألقى السفير البابوي وعميد السلك الديبلوماسي المعتمد لدى لبنان المطران غبريللي كاتشا كلمة قال فيها: “صاحب الفخامة، بشعور فرح مميز، يلتقي اعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى لبنان، في القصر الجمهوري، بعد غياب سنتين، ليعبروا لفخامتكم ومن خلالكم الى جميع اللبنانيين، عن أحر تمنياتهم لمناسبة بدء السنة الجديدة 2017.
لقد تمكنتم، فخامة الرئيس، بعد انتخابكم في 31 تشرين الاول 2016، من تسلم اوراق اعتماد غالبية السفراء الحاضرين اليوم هنا، وقد سروا جميعا بلقائكم وتهنئتكم بانتخابكم، الذي وضع حدا للشغور المديد في سدة الرئاسة، وقد اعاق المسيرة الطبيعية للعلاقات بين لبنان وبين عدد كبير من الدول الصديقة في العالم.
وانني اغتنم هذه المناسبة السعيدة، لأجدد لفخامتكم تهاني قداسة البابا فرنسيس الذي وجه رسالة، في غاية التعبير، الى جميع مسؤولي الدول والمجتمع المدني والديني، تحت عنوان: “اللاعنف”: اسلوب سياسة من اجل السلام”.
والى قداسة البابا ينضم كذلك، جميع رؤساء الدول والمنظمات الدولية الممثلة ها هنا، المشاركين في تحمل المسؤولية عينها من اجل الخير العام لكل بلد وللعالم اجمع.
ان الدعوة الى السلام الضروري في كل مكان وعلى المستويات كافة، ترتدي معنى خاصا في الشرق الأوسط، الذي عانى طويلا، ولما يزل، من آلام الحروب المدمرة والنزاعات الجارية في عدد من دول المنطقة، من دون ان نغفل وباء الارهاب المنتشر على المستوى العالمي. إذ ذاك، بمقدورنا ان ندرك كم نحن بحاجة ماسة الى ان نستدعي هبة السلام ونعمل، كل وفق مسؤولياته، من اجل احلال هذا السلام. واليوم، نشارك قداسة الحبر الأعظم دعاءه الوارد في رسالته: “انني اتمنى السلام لكل رجل وامرأة وكل طفل، واصلي لكيما، تتيح لنا صورة الله ومثاله الحاضران في كل أحد، ان نتعرف على بعضنا البعض كعطايا مقدسة تتمتع بكرامة فائقة، لا سيما في حالات النزاعات. فلنحترم هذه الكرامة البالغة الاهمية، ولنجعل من اللاعنف الفاعل اسلوب حياتنا”.
أضاف: “لقد تمكنا هنا في لبنان، وسط وضع اقليمي شديد الاضطراب، من الافادة باستقرار امني بارز، بفضل العمل الممتاز الذي يقوم به الجيش وسائر القوى الامنية، ما جنب الطوائف كافة من الدخول في دوامة العنف. ان الارادة الداخلية الصلبة في البلد، اضافة الى التفاهم الاقليمي والدولي، قد ساعدت في التغلب على بعض المراحل الدقيقة والصعبة، وجنبت وطن الارز، الجميل، من الوقوع مجددا في تجربة سبق له ان عاشها لفترة طويلة في تاريخه الحديث.
لكنه، من البديهي، ان ذلك وحده لم يكن كافيا: لقد كان من الضروري ايضا ضمان الاستقرار المؤسساتي والديموقراطي، الذي يشكل الضمانة الاساسية والطبيعية لنمو البلاد على كافة المستويات، والذي يؤمن الحقوق العائدة الى كل مواطن والى جميع الطوائف وحمايتهم الضرورية. وفي هذا الاطار، إننا كسفراء، نشارك بكثير من الغبطة، ارتياح الشعب اللبناني الذي يعيش استعادة الحياة الطبيعية في مؤسسات الدولة من خلال وجود رئيس جمهورية جديد، وحكومة جديدة نالت ثقة المجلس النيابي، وهي تعمل لاجراء استحقاق الانتخابات التشريعية المتوقعة بعد اشهر عدة.
ان تبني القرار 1701 في العام 2006، وقيام المجموعة الدولية لدعم لبنان في العام 2012، لخير دليل على اهتمام المجتمع الدولي المتواصل بالمحافظة على سيادة لبنان واستقراره واستقلاله، كما على حسن سير مؤسساته العامة”.
وتابع كاتشا: “نحن الحاضرين هنا، جميعا، كما الحكومات التي نمثل، نأمل ان يكون التوافق الواسع في لبنان، الذي اتاح تفاهما بين جميع المكونات والقوى السياسية، بداية مسيرة تشمل قريبا المنطقة بأسرها، من اجل التوصل، في اقرب وقت، الى السلام الذي ينشده الجميع، وعلى وجه الخصوص الشعوب الاكثر معاناة. وفي هذا الاطار، نهنئكم، فخامة الرئيس، على اولى زياراتكم الى الخارج، وقد جرت بروح التفاهم هذا ووفق ارادة الحوار عينها، كوسيلة لتسوية التباينات وطمأنة الهواجس، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح اللاعبين الاقليميين واهتماماتهم.
ولا يسعنا هنا الا ان نشكر بلدكم على تحمله العبء الثقيل في استقباله العدد الكبير من اللاجئين، وإننا إذ نلتزم مواصلة تعاون بلداننا من اجل تخفيف معاناة ملايين الافراد، فإننا نشارككم ايضا الأمل بأن تتيح لهم الاوضاع الاقليمية العودة، في جو من الأمان والسلام، ليعيدوا بناء بلدانهم الكبيرة والتي هي بأمس الحاجة اليهم.
هذا وفي لبنان ايضا، اوضاع جمة بحاجة الى معالجة على مختلف المستويات، وينتظر المواطنون، بفارغ الصبر، حلولا لها منذ سنوات، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الاطار، نتمنى لكم، فخامة الرئيس، وللحكومة الجديدة، عملا مثمرا، مؤكدين لكم صداقتنا المخلصة وتعاوننا، مع علمنا بأنه بامكان لبنان ان يعتمد بالاضافة الى ذلك على شبكة موارد لا تقدر، تتمثل باللبنانيين المنتشرين، بنجاح كبير، في غالبية دول العالم”.
وختم: “فخامة الرئيس، في اطار الثقة المستعادة التي يختبرها لبنان اليوم على مستويات عدة، اسمحوا لي ان اختم كلمتي هذه، مذكرا بأن العام 2017 يشكل الذكرى العشرين للزيارة التاريخية التي قام بها البابا القديس يوحنا-بولس الثاني الى لبنان، وبتوقيعه الارشاد الرسولي: “رجاء جديد للبنان”، حيث ان كلمته الختامية لا تزال آنية، وقد جاء فيها: “هكذا فإن لبنان، هذا الجبل السعيد، بإمكانه ان يزهر مجددا بقوة، ويستجيب لدعوته أن يكون نورا للمنطقة وعلامة سلام آتية من الله”.
فخامة الرئيس، إننا نتمنى لكم شخصيا، ولعائلتكم، كما لمؤسسات الجمهورية اللبنانية، واعضاء الحكومة، ومن خلالكم للشعب اللبناني بأسره، عاما سعيدا”.
عون
ثم تحدث رئيس الجمهورية فقال: “يسعدني أن ارحب بكم، للمرة الأولى في هذا العهد الرئاسي، في القصر الجمهوري، وإني اشكركم على تهنئتكم لمناسبة حلول العام الجديد، وعلى الكلمات الطيبة التي وجهها باسمكم، عميد السلك الدبلوماسي في لبنان المونسنيور غابريالي كاتشا.
وللمناسبة، أتقدم منكم، ومن عائلاتكم ومعاونيكم، بأطيب التمنيات الشخصية، آملا أن تنقلوا إلى رؤساء الدول والمنظمات الذين تمثلون، كما إلى شعوبكم الشقيقة والصديقة، تمنياتي الصادقة لهم بمزيد من الإصرار في السير على دروب الاستقرار والازدهار، على الرغم من كل الصعوبات.
ولا يسعني، سعادة العميد، إلا أن أخص بالذكر هنا قداسة البابا فرنسيس، راجيا أن ترفعوا إلى قداسته كامل احترامنا ودعائنا، ومشاركتنا رجاءه بعالم يعم أرجاءه سلام ترعاه الرحمة ومبادئ العدالة وقيم الحق، وقد دعا اليه قداسته، لمناسبة “اليوم العالمي الخمسين للسلام” في الأول من كانون الثاني من العام 2017، والى بنائه على أسس “اللاعنف”.
نحن نؤمن باللاعنف، وقد اعتمدناه نهجا لنا طيلة ربع قرن حتى أثمر في النهاية وطنا محررا، ونسعى على الدوام إلى أن يبقى السلام مخيما في ربوعه”.
أضاف: “إرادتي، كرئيس لبنان، أن أكرس هذا الموقع حاضنا للصيغة اللبنانية الفريدة، القائمة على التعددية التي أثبتت عبر التاريخ صلابة في مواجهة المحن الداخلية والخارجية، وقدرة في التغلب عليها. فالمجتمع اللبناني يجب أن يكون مثالا تعايشيا حيا، لأن مستقبل العالم، على الرغم مما نشهد من عصبيات، هو في المجتمعات التعددية، بعدما سقطت الأحادية، سواء كانت سياسية أو عرقية أو دينية.
إرادتي هي تأمين الاستقرار، الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، فيطمئن اللبنانيون، أينما كانوا، الى وطنهم، ويعود لبنان ليلعب الدور الإيجابي الذي اعتدتم عليه في الساحة الدولية. وقد بدأنا بوضع الخطط لذلك، وبعضها صار على طريق التنفيذ.
إرادتي هي حماية سيادة الدولة وصيانة الوحدة الوطنية ومنع استجرار الفتن الى ساحتنا الداخلية.
إرادتي هي مؤسسات قادرة وفاعلة وشفافة تعيد ثقة المواطن بدولته، فيتعاون معها، وتكون له المرجع والسند.
لقد شهدت الأشهر الأخيرة في لبنان عودة المؤسسات الدستورية إلى مسارها الطبيعي. فصار لدينا مجلس وزراء حائز على ثقة البرلمان على أساس بيان وزاري جامع، كما أن مجلس النواب باشر بدورته الاستثنائية في معالجة اقتراحات ومشاريع القوانين المتأخرة والملحة، وفي مقدمها الموازنة وقانون الانتخاب. وأولى أولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، ما يوفر الاستقرار السياسي. أما تخوف بعض القوى من قانون نسبي فهو في غير محله، لأن وحده النظام الذي يقوم على النسبية يؤمن صحة التمثيل وعدالته للجميع. وعليه، قد يخسر البعض بعض مقاعدهم ولكننا نربح جميعا استقرار الوطن”.
وتابع رئيس الجمهورية: “أصحاب السعادة، تفاقمت في الآونة الأخيرة المشاكل الاقتصادية في لبنان، في ظل أزمات دولية واضطرابات إقليمية أدت إلى زيادة الحرمان وتوسع الفقر لدى شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني. وقد اتخذنا القرار بالتصدي للتدهور الذي يطال معظم قطاعاتنا الإنتاجية، لكن العقبات التي تعترض مسيرة نهضتنا الاقتصادية كثيرة ومنها تداعيات الأزمة السورية وأبرزها النزوح السوري الكثيف إلى لبنان.
لقد قدم لبنان ما يفوق طاقته في مجال مد يد العون إلى أشقائه، من سوريين وفلسطينيين. لكننا ننوء تحت وطأة استضافة نصف عدد سكاننا، فما من بلد في العالم يمكنه تحمل زيادة 50% من سكانه. إن الكثافة السكانية في لبنان أساسا مرتفعة، وكانت بمعدل 400 شخص في الكيلومتر المربع، وقد صارت اليوم 600، وهذا ما يجعلنا غير قادرين على استنهاض اقتصادنا كما نرجو، لا سيما أن ربع شباب لبنان بات عاطلا عن العمل.
لا يمكن أن يحمل لبنان، وحده، هذا العبء. نناشد دولكم أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، وأن تتحرك من دون إبطاء، حفاظا على مصالحكم ومصالح شعوبكم، لأن تداعيات موجات النزوح الكثيف غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر تهدد وجود جميع الأوطان واستقرارها. وانطلاقا من هنا، نطالب المجتمع الدولي بأن يعترف بخصوصية لبنان ويرفض أي فكرة لاندماجهم فيه، كما نطالب دولكم مؤازرة جهودنا للتوصل إلى الحل الوحيد المستدام لأزمة النازحين السوريين إلى بلدنا، وهو في عودتهم الآمنة إلى بلدهم.
في هذا الإطار، يرحب لبنان بكل مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى حل سلمي سياسي للأزمة في سوريا، ونتمنى أن تأتي جميع المبادرات في سياق واحد، فتنسجم في ما بينها، وتصبح بالتالي كفيلة بإرساء قواعد حل طويل الأمد للصراع في سوريا.
إن السياسات الدولية هي التي أوصلت الوضع في منطقة الشرق الأوسط إلى ما هو عليه، واطفاء الحرائق صار حاجة عملية ومصلحة في آن، لأن النيران بدأت تحرق أصابع من صنعها”.
وقال: “أصحاب السعادة، لقد ذكر قداسة البابا في رسالته، بكلام لأسلافه في اليوم العالمي للسلام: “إن السلام كي يقوم يجب أن يرتكز على القانون والعدالة والمساواة والحرية”، فأين العالم اليوم من هذه القيم؟ وأين المؤسسات الدولية التي يفترض أن تكون هي من يحميها ويعمل على تطبيقها وترسيخها؟
بعد الحرب العالمية الثانية أنشئت منظمة الأمم المتحدة وكان من مقاصدها، وفق المادة الأولى من الفصل الأول من ميثاقها، “حفظ السلم والأمن الدوليين”، “حل النزاعات الدولية وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي”، “المساواة في الحقوق بين الشعوب”، “حق تقرير المصير”، “تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات”…
لقد علق العالم المستضعف آمالا كبارا على هذه المؤسسة ومثيلاتها، لمساعدته على التحرر وحمايته من طغيان القوى التي تحاول السيطرة عليه، فماذا كانت النتيجة؟ وهل استطاعت تلك المؤسسات أن تحترم ما التزمت به؟
بالإضافة الى أرضنا المحتلة، لنأخذ المشهد القريب جدا منا، الملاصق لحدودنا، وأعني المشهد الفلسطيني، ولبنان جد معني به، لما يترك من تداعيات عليه منذ ما يقارب سبعة عقود ماضية.
لقد قسمت فلسطين بقرار دولي من الأمم المتحدة يحمل الرقم 181، الى قسمين، قسم لليهود وآخر للعرب، ولكن الإسرائيليين لم يكتفوا بذلك، بل طمعوا بالجزء العربي أيضا، فطردوا الفلسطينيين منه بعد حرب تطهير عرقي، وثقها الكاتب الإسرائيلي أيلان بابيه Ilan Pappé في كتابه “حرب التطهير العرقي”.
لقد اعتمد الفلسطينيون في حينه مبدأ اللاعنف، ولكن اللاعنف، إذا ووجه بالعنف المفرط من الجهة المقابلة، وبغض نظر يصل الى حد التشجيع من الجهات المراقبة، سينفجر في النهاية عنفا دمويا لا ينتهي، كما حصل في فلسطين.
القرار الأول للأمم المتحدة بشأن فلسطين أشعل حربا، فيما القرارات الأخرى لم تنفذ، فماذا فعلت المؤسسات الدولية حيال ذلك؟ لماذا لا تأخذ قرارا يلزم إسرائيل بإعادة الأرض المتفق عليها للفلسطينيين والاعتراف بهويتهم؟ ولماذا لا يزال الإسرائيليون يسلبون أرض الفلسطينيين حتى اليوم؟ ولماذا يهدمون منازلهم ويحرقون بساتينهم، ويستملكون أرضهم ليبنوا المستوطنات؟ إن إسرائيل اليوم تستغل انشغال العالم بأزمات المنطقة وفشل جهود السلام، من أجل التمادي في سلب حقوق الفلسطينيين والاستمرار في التعدي على سيادة جيرانها، وفرض أمر واقع لن يمكن العودة عنه في المستقبل”.
أضاف عون: “أصحاب السعادة، في السنوات الأخيرة، بدأ مشروع ما سمي “الفوضى الخلاقة” في منطقتنا، فاشتعلت الحروب الداخلية في الدول العربية، وسمي ذلك بـ”الربيع العربي”، فماذا شهدنا من ذلك الربيع؟ هل الربيع يكون بإلغاء معالم الحضارات القديمة التي أسست لحضاراتنا اليوم؟ هل يكون بتهديم الكنائس والمساجد ودور العبادة، وبتحطيم الآثار؟! هل يكون بذبح الأبرياء وتدمير المدن؟! هذا يا سادة جحيم العرب وليس ربيعهم.
ما الذي أنتجته تلك “الفوضى الخلاقة” غير الحقد والكراهية والآلام والضحايا؟ ومتى كانت الفوضى خلاقة؟؟ أين شرعة حقوق الإنسان مما يحصل؟؟
لنا كل الحق في هذه التساؤلات، ونوجهها للدول التي تتجاهل حقوق الإنسان ولا تتذكرها إلا وفق مصالحها، فكلنا معنيون، وكلنا موقعون على معاهدة حقوق الإنسان.
تلك الدول التي تسمي إرهابا كل ما يمس بأمنها، وتسمي “ثورة” كل الإرهاب الذي يخدم مصالحها!
الإرهاب إرهاب أينما ضرب؛ فالسيارات المفخخة، والقتلة المتجولون، والانتحاريون المتفجرون بين الأبرياء، جميعهم من صنع الإرهاب، سواء ضربوا غربا أو شرقا، جنوبا أو شمالا”.
وختم رئيس الجمهورية: “أصحاب السعادة، لبنان ليس في عزلة عن محيطه، وانشغالنا في ترتيب بيتنا الداخلي لم ينسنا خطر النار المشتعلة حولنا. يخطئ كل من يظن أنه ما زال باستطاعة دولة ما، مهما كبر حجمها أو صغر، أن تبقى خارج دائرة الأزمات العالمية وأن تحجز لنفسها مكان المتفرج. إما أن ننجو جميعا بفضل التعاون والحوار أو أن نذهب جميعا ضحية ما يحصل.
إن الإرهاب الذي يعاني منه العالم ليس جديدا علينا، فلبنان من أوائل الدول التي ضربها وأوقع لنا العديد من الشهداء، مدنيين وعسكريين، ومن أوائل الدول التي تصدت له، ولا يزال حتى اليوم في خطوط المواجهة الأمامية ويتلقى النتائج والتبعات.
إن التعاون الأمني والمخابراتي ضرورة حيوية لمكافحة الإرهاب، لكن يبقى أن هذا الإرهاب يتغذى من الأزمات المندلعة شرقا وغربا، وينتشر ويتمدد بالفكر الظلامي التكفيري الرافض للآخر، وينتعش بالدعم المالي واللوجستي والعسكري الذي يقدم له.
لذلك نرسل صرخة إلى العالم، إلى الدول الكبرى، إلى الأمم المتحدة، إلى كل المؤسسات الدولية: إن المسار الصحيح يرسم عبر إرادة دولية راغبة حقا بإنقاذ العالم من الإرهاب وإرساء السلام؛ فإذا أردتم السلام عليكم أن تجدوا حلولا لمشاكل المنطقة، لا تقوم على القوة بل على العدالة التي ترفع الظلم وتعطي الحقوق لأصحابها.
إذا أردتم السلام، فعليكم أن تطفئوا النار في مصادر اشتعالها، فالنار لا تنطفئ بنفسها طالما هناك حطب يوقد لها”.