شادي علاء الدين: ما بعد زيارة عون إلى السعودية: قبول لبناني بالسيطرة الإيرانية

95

 ما بعد زيارة عون إلى السعودية: قبول لبناني بالسيطرة الإيرانية
شادي علاء الدين/العرب/15 كانون الثاني/17

بيروت – لم تنجح زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى السعودية في تحقيق ما كانت الأطراف المشاركة في تركيبة الحكومة تصبو إليه، والمتعلق بعودة الدعم السعودي المالي والسياسي إلى لبنان.

ساهمت هذه الزيارة في إظهار عمق أزمة السياسة اللبنانية بشكل كبير والتي تجعل لبنان بلدا غير قادر على توفير البيئة السياسية والاقتصادية المناسبة التي يمكن من خلالها للسعودية أو لأيّ دولة تقديم المساعدات والهبات، أو الشروع في تفعيل الاستثمارات بشكل لا يتضارب مع مصالحها، أو يهدد أمنها واستقرارها.

من هنا، تكشف قراءة الزيارة وآثارها وتوقيتها أنها كانت مرعية من قبل إيران وحزب الله. لأن إيران تريد تجميد التصعيد مع السعودية في هذه المرحلة تمهيدا للعودة الإجبارية لحزب الله من سوريا، بعد أن بات استمرار وجوده مرفوضا من قبل التحالف التركي الروسي الفاعل، والقائم على أسس ميدانية واقتصادية وسياسية متينة. يضاف إلى ذلك أن وقف إطلاق النار وتطبيق كل بنود الاتفاق التركي الروسي والقاضية بانسحاب كل الميليشيات من سوريا ينسجم مع مصلحة الرئيس السوري بشار الأسد.

تجدر الإشارة كذلك إلى أن كل هذه القوى لم تدّخر وسعا في الفترة الأخيرة في توجيه الرسائل الدموية المباشرة لحزب الله. وقد شهدت الفترة الأخيرة غارات روسية وسورية على مواقع لحزب الله، قيل إنها كانت عن طريق الخطأ.

لكن، هذا الاحتمال أقرب إلى المستحيل نظرا للتنسيق المتواصل لهذه القوات مع بعضها البعض، ومعرفتها المسبقة بأماكن وجود حزب الله وغيره من التنظيمات. كما أن روسيا سمحت مؤخرا لإسرائيل بإطلاق رسالة تحذيرية شديدة اللهجة إلى حزب الله عبر غارة قامت بها مجموعة طائرات قتالية من طراز أف 35، والتي تعدّ الأكثر تطورا في العالم، على مطار المزة، في محيط العاصمة دمشق، واستهدفت شحنة أسلحة موجهة إليه.

لا يستطيع حزب الله البقاء في سوريا إذن كما أنه لا يستطيع العودة إلى لبنان دون تأمين شروط المعادلة التي يسعى إلى تطبيقها، وهي تتطلب أن يكون ممثل الدولة والشرعية والممسك بزمام الاقتصاد.

تظهر كل الأطراف اللبنانية ميلا إلى السير وراء السيطرة الإيرانية على البلد، كما يمثلها حزب الله. وتتعامل معها بوصفها قدرا لا مفر منه. تبني سياساتها انطلاقا من هذا الواقع وتتعامل معه. ومؤخرا أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية عن عدم ممانعته واعتراضه على زيارة الرئيس ميشال عون إلى إيران. وبرّر رأيه هذا بأن إيران دولة قائمة ولم تقتل نصف شعبها. وكان جعجع قد عبر عن رفضه التام لأيّ زيارة رئاسية إلى سوريا لأنه ليس هناك، انطلاقا من وجهة نظره، دولة في سوريا.

اللافت أن السياقات التي عبّر عنها رئيس حزب القوات اللبنانية تردد أصداء تطورات علاقات حزب الله والنظام السوري، حيث يسعى الحزب إلى إحكام سيطرته على لبنان بشكل كامل لصالح إيران على أن يتم إدماج مكونات النظام السوري في تركيبة النفوذ الإيراني بشكل تكون فيه جزءا من هذا النفوذ ولا تستطيع الخروج على قراراته.

حزب الله لا يستطيع البقاء في سوريا كما أنه لا يستطيع العودة إلى لبنان دون تأمين شروط المعادلة التي يسعى إلى تطبيقها وهي تتطلب أن يكون ممثل الدولة والشرعية والممسك بزمام الاقتصاد

كذلك كان قرار الحزب بفرض بعض الأسماء الوزارية في الحكومة مرتبطا بمشروع إحكام السيطرة على الداخل اللبناني لناحية اختيار سليم جريصاتي لوزارة العدل مثلا وهو المعروف بمناهضته الشرسة للمحكمة الدولية، واختيار يعقوب الصراف المقرب منه لتولي وزارة الدفاع من أجل إنتاج سياسة دفاعية تنسجم مع طروحاته، وتمهيدا لفتح معركة خلافة قائد الجيش الحالي.

لا يبقى أمام الحزب من أجل إتمام مشروعه سوى أمرين أولهما تغيير حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، والثاني هو إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين الذي يناسبه تماما، في ظل تعذر إقرار أيّ قانون جديد في المهلة القصيرة التي تفصل البلاد عن موعد دعوة الهيئات الناخبة.

معركة تغيير رياض سلامة

يحتاج حزب الله إلى إحكام السيطرة على القطاع المصرفي اللبناني وعلى حاكمية مصرف لبنان لارتباط هذا الموضوع مع شبكة الظروف التي يمهد من خلالها لعودته السلسة من سوريا. ستضعه هذه العودة أمام استحقاقات مالية واجتماعية ضخمة، لا يمكن لها تغطيتها إلا من خلال تحويل النظام المصرفي اللبناني إلى غطاء يمرّر من خلاله صفقاته غير المشروعة.

ولا يزال القطاع المصرفي اللبناني، ومن خلال السياسة التي ينتهجها حاكم المصرف، قطاعا صامدا إلى حد كبير في وجه سيطرة حزب الله، وحريصا على الانسجام مع معايير القوانين الدولية المرتبطة بمكافحة تبييض الأموال، أو تمويل الإرهاب والتهرب الضريبي.

يتوقع أن يخوض حزب الله في المرحلة القادمة معركة تغيير رياض سلامة أو محاولة الإمساك بقرار حاكمية المصرف. وتفرض متطلبات العودة من سوريا عليه ضرورة تغطية التضحيات الكبيرة التي فرضها على جمهوره، والتي سينكشف حجمها الذي يرجح أنه يفوق بكثير ما يعلنه، بنوع من الإنفاق المالي الكبير والمباشر والذي يتطلب السيطرة السريعة على مالية الدولة اللبنانية.

ترتبط سياسة حاكم مصرف لبنان بضرورة الخضوع لمتطلبات النظام المالي العالمي، الذي يفترض بدوره قيام شبكة قوانين وأنظمة تراعي آلية عمل هذا النظام ومتطلباتها. ولا يمكن للمنطق المالي لحزب الله أن ينجح وأن ينمو في ظل سيادة هذه السياسة وتحكّمها بالشأن المالي في لبنان.

وكانت المصارف اللبنانية قد عمدت إلى إقفال حسابات المؤسسات والأشخاص المرتبطين بحزب الله، والذين طالتهم شبكة القوانين التي طالب النظام المصرفي العالمي لبنان بتنفيذها تحت طائلة العقوبات. وأطلق حزب الله رسالة تحذيرية للمصارف مع تفجير بنك لبنان والمهجر وبادر الحاكم إلى إنشاء حزمة تسويات في محاولة للتوفيق بين إلزامات القوانين الدولية ومخاوف حزب الله، ونجح في لجم الأزمة إلى حد ما.

خطاب النصر الذي يفترض أن يواري به الحزب دماء شباب الطائفة الشيعية المبذولة هدرا في الميدان السوري لا يمكن أن يقوم إلا على أساس إيجاد بيئة مالية ومصرفية واقتصادية تقع بالكامل تحت سيطرته، تصبح فيها إيران، التي أعلنت أكثر من مرة عن رغبتها في الاستثمار في لبنان، هي رب العمل الأكبر في البلد.

وهنا يبرز الفرق بين طبيعة الاستثمارات التي يمكن أن يستجلبها لبنان في ظل سياستين متناقضتين، حيث يمكن أن تستجلب سياسة حاكم مصرف لبنان الحالية والتي سمحت بتجنب الكوارث المالية والاقتصادية استثمارات عربية ودولية، خصوصا إذا ما تم تثبيت الاستقرار المالي ودعمه باستقرار أمني يخلق بيئة مناسبة تسمح له بالنمو والازدهار.

سياسة حزب الله يمكن أن تستجلب استثمارات إيرانية، فقد بات واضحا أن إيران هي بلد ينمو في ظل الحرب والخراب، ويضعف مع الاستقرار والتسويات. لذا قد يكون من السهل تبيان طبيعة هذا الاقتصاد الذي يتناسب مع زمن السيطرة الإيرانية على البلد والذي يتطلب إقصاء رياض سلامة عن المشهد كي تسهل عملية تحويل لبنان إلى مركز لتبييض الأموال، والخروج على النظام المالي والمصرفي الدولي.

لا يزال قانون الستين الانتخابي الذي يعتمد القضاء وليس المحافظة نافذا على الرغم من كل الورشات القانونية ومشاريع القوانين التي قدمتها القوى السياسية اللبنانية. وكانت جميع الأطراف في لبنان قد عبّرت في المرحلة السابقة عن رفضها لهذا القانون، وعن ضرورة التوصل إلى إقرار قانون انتخابي جديد تقام الانتخابات القادمة على أساسه، دون أن يعني ذلك وجود توافق فعلي منجز على أيّ من القوانين المطروحة.

مجموعة القوانين التي قدمتها القوى السياسية كانت تعكس مصالح الطرف الذي قدمها بشكل تكون فيه مفصلة على قياسه. ويبدو الستين وفي ظل الاعتراف العام بدخول لبنان في الزمن الإيراني هو القانون الذي لا يؤمّن إعادة إنتاج الطبقة السياسية وفق خريطة القوى القائمة حاليا، ولكنه القانون الذي قد يحدّ من الخسائر.

سياسة حزب الله يمكن أن تستجلب استثمارات إيرانية، فقد بات واضحا أن إيران هي بلد ينمو في ظل الحرب والخراب، ويضعف مع الاستقرار والتسويات

وتكمن المفارقة في أن إجراء الانتخابات النيابية بناء على هذا القانون أو على أيّ قانون آخر سيعدّل إلى حدّ ما من توزيع النواب على القوى السياسية الكبرى، ولكن الساحة الوحيدة التي لن يطالها أيّ تعديل يذكر هي الساحة الشيعية.

يتوقع أن يكون إجراء الانتخابات على أساس الستين أمرا واقعا وخصوصا مع إعلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن تفضيله له في محاولة لتجنب فرض قانون النسبية الكاملة الذي يريده حزب الله. وقد سهل إعلان جنبلاط الصريح على بعض القوى السياسية الكشف عن عدم ممانعتها إجراء الانتخابات على أساس هذا القانون الذي كان اللبنانيون قد اعتقدوا أنه مات وشبع موتا لشدة ما اجتهدت كل القوى السياسية في شيطنته.

ساحات مضطربة
تتجلى هشاشة الساحة السنية من خلال جملة عناوين عريضة لعل أبرزها ما كشفه الصراع المعلن بين وزير العدل السابق أشرف ريفي ووزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق. لم يتخذ هذا الصراع شكل تنافس سياسي بين شخصيتين سنيّتين، بل عكس نشوء صراع بيروتي شمالي، يشي باحتمال خروج الشمال عن دائرة سلطة تيار المستقبل، وبأن تؤدي الانتخابات النيابية القادمة إلى تقلص كتلة تيار المستقبل النيابية، وخلق كتلة نيابية سنية أخرى.

يرجّح أن تسيطر ثنائية التيار الوطني الحر والقوات على الساحة المسيحية في الانتخابات القادمة، مع ما يتضمنه ذلك من إقصاء مباشر للمكونات المسيحية الأخرى مثل تيار المردة وحزب الكتائب. وكان الخلاف بين القوات اللبنانية وحزب الكتائب قد وصل مؤخرا إلى حدود غير مسبوقة، ما دفع بقيادات الحزبين إلى التدخل المباشر لوقف الحملات الحادة المتبادلة التي يطلقها أنصارهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. كل هذا يقول إن انتصار تحالف التيار الوطني الحر والقوات المتوقع في الانتخابات النيابية القادمة، لن يكون انتصارا مسيحيا يتخذ هيئة تمكين الساحة المسيحية وتفعيل تمثيلها، بل سيكون انتصارا على القوى المسيحية الأخرى، وهو ما من شأنه أن يجعل هذه الساحة أرضا خصبة للخلافات والصراعات.

الساحة الدرزية بدورها تعاني من مشاكل، فعلى الرغم من عدم وجود طرف قادر على منافسة دور الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، يشكل وجود أصوات متعددة الولاءات داخل هذه الطائفة الصغيرة من طلال أرسلان إلى وئام وهاب عامل تفكك يهدد تماسكها. يضاف إلى ذلك اضطرار وليد جنبلاط إلى الدخول في تسويات انتخابية مع أطراف سنية ومسيحية في أكثر من منطقة.

الساحة الخالية من الصراعات مبدئيا هي الساحة الشيعية حصرا وبذلك فان الانتخابات النيابية القادمة في ظل هذا الواقع الشيعي الخاص، ومع شبكة التحالفات العريضة التي يقيمها الحزب مع التيار الوطني الحر وغيره من القوى، ستنتج واقعا نيابيا يحوّل حزب الله إلى السلطة التشريعية الشرعية في البلد. هكذا تكتمل دائرة السحر الأسود، إذا صح التعبير، فيصبح الحزب هو الدولة.

ربما يشكل هذا الهدف التموضع الجديد للحزب فهو سابقا كان يكتفي بأن يكون السلطة ولكنه في المرحلة القادة يريد أن يكون الدولة. بدأ هذا المسار يتراكم مع الإصرار على انتخاب العماد عون وتشكيل حكومة يسيطر عليها عدديا وليس عبر الوصاية على قرارها وحسب، وستكتمل الدائرة مع الانتخابات النيابية التي يرجّح أن تنتج صيغة نيابية تؤمّن له مع حلفائه الأكثرية المباشرة.

إنه الزمن الإيراني الفظ في لبنان، ولا يبدو أن هناك من يبدي اهتماما بانتشال لبنان من السقوط في بئره التي لا قرار لها.