الدكتورعصام خليفة: هل نستطيع حماية دولتنا من لهب النار في الجوار وتحمل كارثة المهجرين وتفاعلاتها

100

الدكتورعصام خليفة: هل نستطيع حماية دولتنا من لهب النار في الجوار وتحمل كارثة المهجرين وتفاعلاتها؟

الجمعة 25 تشرين الثاني 2016

وطنية – قال الدكتور عصام خليفة في مداخلة في مؤتمر “مئة عام على اتفاق سايكس – بيكو، “رؤية مقارنة، هل من خريطة جديدة للمنطقة؟”: “في مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن، في العاصمة الأميركية، قال مدير المخابرات الفرنسية برنار باجوله: “ان الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة وأشك ان يعود مجددا” ولاحظ واقع تقسيم سوريا والعراق وأضاف “لا اعتقد ان هناك إمكانية للعودة الى الوضع السابق”. وعن احتمالات المستقبل اجاب إنه لا يعلم ولكن ما يستطيع تأكيده “ان الشرق الأوسط المقبل سيكون حتما مختلفا عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية”.

لفت الى ان “مدير “السي.آي.ايه” جون برينان ابدى في المؤتمر نفسه وجهة نظر قريبة من وجهة نظر نظيره الفرنسي (صحف بيروت 29 ت1 2015). والمسؤول السابق للمخابرات الألمانية اوغست هانينغ يعتقد “ان علينا التفكير في رسم حدود جديدة للشرق الأوسط”. وان اللاجئين الذين أتوا الى لبنان، في اكثريتهم “سيبقون فيه” (السفير 7 تموز 2015)”.

وسأل خليفة: “ماذا يمكننا ان نلاحظ على ارض الواقع؟.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى الى هندسة منظومة إقليمية تخدم مصالحها وفقا لحساباتها الخاصة”.

وأضاف: “في هذا السياق يمكن ان نفسر:
– سيطرة ايران على قرار المؤسسات الحكومية العراقية اجمالا. ومشاركة قادة الحرس الثوري الإيراني في صوغ خطط تحرك الجيش العراقي، لا بل نلاحظ عبر الصحف قادة عسكريين إيرانيين كبارا (كقاسم سليماني) لمنظمات عسكرية عراقية (كالحشد الشعبي على سبيل المثال لا الحصر).

– تمويل وتسليح ايران ل”حزب الله” في لبنان وانعكاس ذلك على تحرك الحزب داخل لبنان ودوره في الصراع الدموي الخطير داخل سوريا. وهذا الامر يناقض مرتكزات الميثاق الوطني اللبناني الذي قامت عليه الدولة اللبنانية “لا شرق ولا غرب”.

– تدخل إيراني مباشر في الصراع الدموي الكبير الدائر على الأرض السورية بالمال والسلاح والمقاتلين. وقد نقل عن محمد علي شهيدي محلاتي رئيس “مؤسسة الشهيد” الإيرانية والتي تقدم دعما ماليا الى أقارب من يلقون حتفهم خلال القتال لمصلحة ايران في المنطقة، قوله ان عدد قتلى ايران في سوريا “بلغ الفا بعدما كان 400 سابقا” (الحياة 23 ت2 2016). وهناك كلام عن حركات تشييع لمجموعات، وشراء عقارات في المدن السورية المختلفة.

– تدخل إيراني في البحرين وفي اليمن وفي غيرهما من الدول حيث توجد أقليات شيعية.

– في مواجهة السياسات الإيرانية، يبرز دور الكتلة السنية بزعامة السعودية وتركيا. ومع بروز القاعدة، ولاحقا “داعش” و”النصرة” واخواتها، بعد زلزال العراق والزلزال السوري، دخل المستطيل الجغرافي من طوروس الى المحيط الهندي مرحلة المجابهة الدموية بين الطرفين السني والشيعي. وهكذا دخلت السعودية في حرب اليمن، وارسلت قواتها الى البحرين، ودعمت المعارضة السورية بالمال والسلاح.

بالنسبة الى تركيا فان سياسة اردوغان واضحة في طموحاتها التوسعية. لقد اعلن صراحة:

– ان اتفاق لوزان قد سقط من خلال مطالبته بالجزر اليونانية ال12 (صحف 29 أيلول 2016)، وابداء تعاطف الشعب التركي مع الموصل وحلب وكركوك، وقد تقدمت القوات التركية داخل الحدود السورية وأصبحت مسيطرة على اكثر من الفي كيلومتر مربع تحت حجة مواجهة القوى الإرهابية في سوريا بما فيها القوى الكردية (لقد اعتمدت استراتيجية Déstabilisation pour stabiliser) وهي الاستراتيجية نفسها التي اتبعها النظام السوري خلال الحروب اللبنانية المركبة.

– تحاول تركيا ان تستغل انهيار الدولة السورية وضعف الدولة العراقية لاحياء مطالبها التاريخية بتوسيع حدودها الجنوبية نحو خط يمتد من حلب الى الموصل، وبذلك توفر لها حاجاتها النفطية وتبرز نفسها حامية للوجود السني المهدد من القوى الشيعية المدعومة من ايران، وبخاصة حماية الأقليات التركمانية الموجودة في المنطقة.

– لقد صرح اردوغان بأن البعض “أوجد الاعذار حينها عن حماية الميثاق المللي. ولكن الآخرين أرادوا بهذه الحدود ان يحبسونا في هذا المفهوم. لذلك نحن اليوم نرفض هذا المفهوم وهم أرادوا امس، ويريدون اليوم، ان يجعلونا ننسى ماضينا السلجوقي والعثماني. ونحن لا يمكن في العام 2016، ان نتحرك بنفسية 1923”.

وأضاف اردوغان: “هناك اليوم تهديدات جمة علينا في سوريا وفي العراق. ولن ننتظر لتدخل حدودنا بل سنذهب اليها. وبدلا من الانشغال بالذباب سنجفف المستنقع. وسنلاحق الإرهاب حيث هو من تلة الى تلة”.

وتابع خليفة: “واضح جدا عبر هذا النص عزم تركيا على احتلال شمال سوريا وشمال العراق، مع العلم ان ذلك سيؤدي الى تفاعلات بنيوية داخل الدولة التركية حيث يشكل العلويون ثلث السكان بينما عدد الاكراد لا يقل عن 17 مليون نسمة”.

وقال: “ساعدت عوامل داخلية وخارجية مختلفة على تحلل كيانات الدول في المشرق وتفككها الى وحدات طائفية وقبلية ومذهبية، وانهيار مفهوم الحدود وسيادة الدول على اقاليمها الجغرافية. هذا الوضع يصب في مصلحة المشروع الصهيوني الذي يقضم ارض فلسطين، وثمة كتابات كثيرة حوله ابرزها تلك التي وضعها المنظر الصهيوني الأكبر برنارد لويس”.

واضاف: “ان تأثير الموقف الصهيوني على السياسات الدولية (وبخاصة اميركا وروسيا وأوروبا) يبدو واضحا. ان استمرار المأساة السورية بمشاركة روسية فاعلة، وعدم تدخل حاسم من اميركا وأوروبا، لايقاف المأساة، يشارك في تزايد المشاعر الطائفية وتوترها، واذا اسفرت عملية تحرير الموصل والرقة عن تجاوزات طائفية ضد المدنيين، لا سمح الله، فان الموقف الانقسامي سيزداد رسوخا وستتفاقم عملية انهيار الحدود وسلطة القانون في المنطقة”.

وتابع: “لقد اكد قادة الاكراد حقهم في قيام كيان مستقل، على الأقل في العراق، حيث صرح البرزاني بان حدود كردستان نكتبها بالدم. ويبدو ان تحرك الاكراد في تركيا وسوريا وايران، إضافة الى العراق، يحمل إرادة عميقة بإعادة النظر في الحدود من اجل إيجاد دولة جديدة في المنطقة (دولة كردستان). وهذا الامر يساعد في آلية إعادة النظر في خريطة المنطقة”.

وقال: “ان حدود الخرائط الجديدة في مشرقنا العربي تكتب بالدم. وبدل ان يكون ترسيم الحدود وسيلة من وسائل معالجة المسائل، كما يقول Michel Foucher، يبدو ان الغاء الحدود هو المشكلة لان المطروح إعادة تشكل دول المنطقة”.

ورأى ان “ما يجري في مشرقنا العربي، وقلبه سوريا، هو مزيد من الاتجاه نحو التفكك المرتكز على غليان في المشاعر الطائفية والاتنية المتنامية، وهذا الوضع يدخل المنطقة في فوضى مفتوحة قد تهدد السلم العالمي برمته”.

وسأل: “هل نستطيع ان نحمي دولتنا اللبنانية ومجتمعنا واقتصادنا من لهيب النار المشتعلة في الجوار؟ وهل نستطيع ان نتحمل كارثة المهجرين وما ينجم عنها من تفاعلات اقتصادية وامنية؟”.

وختم: “حبذا لو يستشعر أهل السياسة بالاخطار الكبرى المحدقة فيتخلوا عن مطامعهم ومصالحهم الضيقة ويضعوا مصالح الوطن فوق كل اعتبار”.