علي الأمين/تفاؤل العهد وهروب «الحزب» من الدولة/«حارة حريك» و«بعبدا»: تصادم بين وظيفتين

198

«حارة حريك» و «بعبدا»: تصادم بين وظيفتين
علي الأمين/جنوبية/ 24 نوفمبر، 2016

كشف انتخاب رئيس للبلاد وظيفة الفراغ الرئاسي الذي دام لعامين، انتخاب أيّ رئيس يفرض سؤالاً لا مفر منه أيّهما له الأولوية مشروع الدولة أم الدويلة؟ سؤال يستبطن حقيقة أن لا إمكانية لتعايش الدولة والدويلة تحت سقف الدستور..لذا كيف ستعوض الثنائية الشيعية خسارة الفراغ الرئاسي؟
إذا تقدم مشروع الدولة كما بشّر به الرئيس ميشال عون سيصطدم بمشروع الدويلة، وإذا استقوت الدويلة التي يقودها حزب الله وتمددت فسيكون ذلك على حساب الدولة، هذه المعادلة البسيطة هي التي تشغل بال الكثيرين اليوم في لبنان، فيما يطمح الرئيس عون إلى أن ينجز مشروعه من دون التصادم مع حليفه حزب الله ولكن من دون التسليم بوجود ثنائية السلطة في لبنان.

الحل ليس سهلاً رغم النوايا الطيبة، فالأرجح أنّ حزب الله الذي يشرف على مشروع الدويلة ويقودها بنجاح باهر منذ خروج الوصاية السورية، يدرك أنّ مقتل مشروعه هو تثبيت سيادة الدولة في لبنان، لذا لو كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة على سبيل المثال النائب محمد رعد هو رئيس الجمهورية اللبنانية، لكانت التساؤلات نفسها طرحت، ولكان الحذر من حزب الله هو نفسه في ظلّ رئاسة الجنرال عون، الإشكالية لا تكمن في الأشخاص ومدى عشقهم للمقاومة، أو في مدى ذوبانهم في شخص أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الإشكالية تكمن في الوظيفة الدستورية الملقاة على رئيس الدولة.

يبدو الرئيس نبيه بري الأكثر كفاءة في القيام بوظيفة مواجهة هذه الاشكالية، فالثنائية الشيعية في لبنان التي يقودها حزب الله وترعاها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تدرك أنّ الإشكالية التي تواجهها في أنّه ليس لديها إجابة موضوعية ومنسجمة مع الدولة، حول كيف يمكن أن تدار الدولة، لديها كفاءة قتالية، وكفاءة استشهادية لكنّها عاجزة عن الإجابة على سؤال ما هي وظيفة الدولة وكيف تستعاد سلطاتها؟ تكشف الريبة حيال الخطوات المتواضعة التي تلت وصول عون إلى قصر بعبدا، من خطاب القسم إلى استقبالات الاستقلال إلى مسار البحث في تأليف الحكومة، أنّ الفراغ الرئاسي كان النموذج المثالي لهذه الثنائية، فالفراغ يعفيها من الإجابة، وكفيل بتأجيلها وتبديدها.

وظيفة الرئيس برّي اليوم الإستراتيجية وباسم الثنائية الشيعية، تكمن في تظهير عجز الرئيس عون عن حكم البلاد، لذا ستتوالى الإضرابات والإعتصامات، باسم الكهرباء أو الميكانيك، وما أكثر الأزمات الناتجة عن ضعف الدولة وغيابها وتتطلب معالجات وحلول.

الرئيس برّي يستخدم كل ما لديه من حنكة وبراعة في سبيل لجم الزخم الذي يحيط برئيس الجمهورية، وهزّ المناخ التفاؤلي برئاسة عون، وهذا يتطلب المزيد من تظهير العجز لدى الرئاسة، والمزيد من فرض الشروط عليه، وتأخير تشكيل الحكومة إلى أبعد فترة زمنية ممكنة.

ما تشيعه أوساط حزب الله أنّ المشكلة في حجم توزير القوات اللبنانية المبالغ به، وأخرى تقول أنّ أزمة التأليف هي بين الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية، الأرجح أنّ المشكلة أعمق من ذلك وما إبراز اسم القوات اللبنانية إلاّ تغطية على أزمة ثقة من قبل حزب الله تجاه الرئيس ميشال عون.

بالعودة إلى ما ورد أعلاه، وتأكيداً لحقيقة أنّ العلاقة الخشنة بين الرئيس عون والثنائية الشيعية تكمن في العلاقة الخشنة بين مشروع الدولة ومشروع الدويلة. هو تصادم حتمي بين وظيفتين متعارضتين، الفراغ الرئاسي كان وسيلة لمنع التصادم، وقبله كان الإنقسام السياسي الحاد سبيلاً لتفادي هذا التصادم، هل من أرنب سيخرج من جبة السيد نصرالله أو من جيب الرئيس برّي يعوض خسارة الفراغ الرئاسي ويؤدي وظيفته. هذا ما يتوقعه المتشائمون ويتخوف منه الكثيرون.

 

 

تفاؤل العهد وهروب «الحزب» من الدولة
علي الأمين/جنوبية 24 نوفمبر، 2016

مكمن قوة العهد في تفاؤل اللبنانيين بإحداث تطور إيجابي على صعيد تثبيت مشروع الدولة، وفي تراجع الإستثمار الخارجي بالإنقسام اللبناني، وفي إرادة الخروج من دوامة الإستنزاف الإقتصادي والمالي التي أنهكت الدولة. فهل يكفي ذلك لينطلق مسار الحلحلة أم يتحكم التعطيل مجدداً. تبدو عملية تأليف الحكومة مرشحة لأن تمتد لأسابيع، رغم أنّ الخلاف على المقاعد الوزارية بات هامشياً ومحصوراً في نوعية الوزارة التي سيشغلها تيار المردة، كل التسهيلات جرى توفيرها في سبيل الخروج بتشكيلة حكومية تتيح لرئيس الجمهورية ميشال عون أن يتنفس في بداية العهد. لكن رغم التفاؤل الذي يحرص الجميع على بثّه بأنّ لا عُقد مهمة في عملية التأليف، لا من عين التينة ولا من بيت الوسط، ولا حتى من قصر بعبدا إلاّ أنّ ذلك لا يجعل الطريق مفتوحاً أمام تشكيل قريبٍ للحكومة فماذا وراء الستار، ومن يقف على مسرح التعطيل؟ تكفل الرئيس نبيه بري بمهمة القيام بتمثيل الثنائية الشيعية في عملية التأليف،

حزب الله أعلن صراحة أنّ الرئيس بري هو من يمثله، وهذا ما جعل الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، أكثر ليونة حيال مطالب الرئيس بري، فقبل الرئيس عون بتجاوز مسألة المداورة في الوزارات السيادية، وسلم بمنع توزير “قواتي” في وزارة الدفاع، وتخلى عن الوزير الشيعي الذي كان يسعى إلى تسميته من ضمن حصته الوزارية. ومن الواضح أنّ الرئيس رضخ ايضاً لشروط الثنائية الشيعية توزير ممثل عن تيار المردة، استجابة لرغبة السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري.

كل ذلك لن يخفف من وطأة الحذر والتشكيك الآخذ في التمدد على طول جبهة حزب الله وحلفائه تجاه رئيس الجمهورية، فالعرضين العسكريين في القصير وفي الجاهلية، ولا يمكن تفادي الرسائل التي انطلقت منهما عشية الاستقلال. لذا رئيس الجمهورية سيجد نفسه أكثر فأكثر أمام تحديات لا يستهان بها على صعيد مواجهة تضعضع الدولة، واستنزاف اقتصادها، والأهم تجاه الرسالة التي ينتظرها الكثيرون منه في بداية عهده، أمّا أن تقدم دفعاً لخيار الدولة على حساب الدويلة، أو أنّها تجرجر أذيال الخيبة أمام الخروج من دوامة الاستنزاف، وبالتالي بقاء لبنان معلقاً بين الدولة والدويلة.

رئيس الجمهورية ليس في وارد خوض مواجهات يعتقد أنّها تعيق مشروع الدولة، الذي يتطلب مشاركة فاعلة من الجميع، كما ينقل قادة التيار الوطني الحر. ويجزم هؤلاء أنّ الرئيس الجنرال على اقتناع بأنّ حزب الله لن يكون إلاّ سنداً له في مواجهة التردي على المستوى العام لا سيما على صعيد الإدارة العامة أو الأزمة الإقتصادية الإجتماعية، بدءاً بتعزيز دور القضاء واستقلاليته وصولاً إلى تفعيل دور القوى الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية.

الاطمئنان لدى التيار الوطني الحر تجاه دعم حزب الله لخيارات الرئيس الإصلاحية، تنطلق من أن تراجع المخاطر الخارجية على لبنان ولأسباب مختلفة سواء من قبل اسرائيل أو من قبل الجماعات الإرهابية، يجعل من الانكباب على الوضع الداخلي ومعالجة الأزمات أمراً ملحاً لا يمكن إهماله أو تسويفه. وفي هذا السياق تلفت المصادر إلى أنّ ما يعد الرئيس بالقيام به، هو تحقيق مطلب عموم الشعب اللبناني، والخطوات المطلوبة لا يختلف عليها اثنان يريدان الخروج من الدولة المترهلة إلى الدولة القوية. تثبيت مشروع الدولة وتعزيز الوحدة الداخلية وتمتينها، شرط أساسي في مسار الرئاسة العونية على ما تردد أوساط التيار، لكن ذلك لا يكفي ليخفف من الريبة التي تنتاب أوساط قريبة من حزب الله،  فمن شروط نهضة البلد وتماسكه اقتصادياً، هو الانفتاح على الدول العربية وعلى العالم عموماً، وهذا يفرض على لبنان أن يذهب أكثر في تعزيز السيادة ودولة القانون والمؤسسات، وأن يعمل على خلق بيئة سياسية وقانونية جاذبة للأعمال والاستثمار، وهذا واجب أيّ حكومة تسعى لمعالجة الأزمات المتناسلة في البلد.

علماً أنّ عموم الشعب اللبناني اليوم يعاني من ضيق اقتصادي وتراجع في الأعمال وفرص العمل، وحال الانقسام السياسي الذي عاشه لبنان استنفد طاقة المجتمع وحتى القوى السياسية على اختلافها. العجز عن الاستمرار على هذا الحال هو مكمن قوة العهد وفرصته لإثبات أنّ اللبنانيين قادرون على تنظيم حياتهم وتحديثها على شرط التنوع والدولة. وما يعزز فرص العهد أنّ  أحداً في العالم لا يبدو في وارد الاستثمار في الانقسام اللبناني، يبقى أنّ حزب الله الذي لا يجد من يقاتله في لبنان، لكنّه على موقفه بالهروب من استحقاق الدولة والوطن، إلى حماية وظيفة انخراطه في حروب أهلية مشتعلة في أوطان أو دول قريبة وبعيدة.