عمـاد مـوسـى: من يشكّل الحكومة؟

237

من يشكّل الحكومة؟
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/24 تشرين الثاني/16

إبّان تشكيل حكومة الرئيس عمر كرامي الأولى كان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام في أحد مستشفيات باريس، لكنّ ذلك لم يمنعه من متابعة الدور المُناط إليه: أي الإشراف على تشكيل الحكومة اللبنانية. وعندما اتصل به فخامة رئيسنا لنيل موافقته على بعض الأسماء، كان الممرضون يجرّون “شاريو” سيادة نائب الرئيس السوري باتجاه غرفة العمليات. ويذكُر أحد الشهود على تلك المرحلة أن الهراوي ما إنْ أنهى الإتصال مع خدّام حتى أزفّ للحضور الخبر السعيد: قبِل أبو جمال بإعادة توزير جورج سعادة! إنجازٌ عظيم إنتزعه يومذاك رئيس البلاد من القيادة السورية.

كان الهراوي يعرف أن الدستور اللبناني، قبل الطائف وبعده، يُنيط برئيس الجمهورية وحده حقّ إصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالإتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف، ولم يلحظ دستور الجمهورية الأولى ولا الثانية أي دور لرئيس مجلس النواب أو للقوى السياسية وقوى الأمر الواقع في تشكيل الحكومات.

لهذه القوى الحق بعرض مطالبها ومقترحاتها ورغباتها على الرئيس المكلّف كأنْ تطالب بحكومة تكنوقراط أو إكسترا برلمانية أو برلمانية مطعّمة بوجوه جديدة، أو تعلن رغبتها بهذه الحقيبة أو تلك. فإمّا يأخذ رئيس الحكومة بمطالب الكتل قبل تقديم لائحته أو يؤلّف الحكومة بحسب ما يتوافق عليه مع رئيس البلاد دونما حاجة إلى إرضاء الجميع. المعترض على حصته يستقيل ويعارض. ومن كان في المعارضة أساساً من المستهجن أن يكون في السلطة التنفيذية!

إنّ الحكومات الإئتلافية، أو حكومات الوحدة الوطنية هي إستثناء في كل الدول الديمقراطية وليست قاعدة كما كرّسها نظام الوصاية السوري. كذلك لا قواعد مبتكرة لتأليف الحكومات، سوى ما نصّ عليه الدستور اللبناني، وهي غير قابلة لأي نوع من التأويل، وما اجتهادات التيار الوطني الحر قبل وصول مؤسّسه إلى سدة الرئاسة، (تمثيل القوى حسابياً بحسب عديد نوّابها) سوى هرطقة على الطائف، وما فتاوى المرشد الدستوري الأعلى حول قواعد تأليف الحكومات، وما الوقوف خلف حصص الطوائف سوى عيّنة من ضروب حرف الدستور عن مساره وممارسة ضغط على رئيس الجمهورية كي يُبقي قديم الوصاية السورية على قدمه والأبرز بدعة الحكومات الثلاثينية. حكومة الرئيس عمر كرامي التي أبصرت النور عشية عيد الميلاد من العام 1990 كانت فاتحة الحكومات الثلاثينية، وكان بينهم تسعة عشر وزير دولة. الله يبارك. وبمرور الوقت بات “العرف” السوري في لبنان قاعدة. وما تغيّر هو الحاجة إلى صبر طويل للمواءمة بين جشع معظم القوى السياسية.

عن أي قواعد يتحدث الرئيس نبيه بري؟

إذا كان “دولته” المخوّل بتسمية ست أو سبع وزراء، وهم حصة حركة أمل وحزب الله والمردة وحزب أسعد حردان، وإسناد حقائب محدّدة لهم لا تقبل أي نوع من المساومة، وإذا كان حزب “القوات اللبنانية” وتوأم روحه “التيار الوطني” هما المعنيان الحصريان بالمقاعد المسيحية، ووليد جنبلاط بحقائب العقّال… إلخ، فماذا تُرك لرئيس الجمهورية في عملية التأليف؟ وقد لعب في السابق الدور التعطيلي الذي يؤدّيه اليوم الرئيس بري؟ وماذا تُرِكَ للرئيس سعد الحريري غير تعيين وزراء المستقبل؟ وثمة سؤال إستطرادي: من يسمّي شخصيات تشرّف أي حكومة وغير محسوبة على أي تيار، مثل غسان سلامة، ابراهيم شمس الدين، صلاح حنين، مروان اسكندر، نعمة افرام، رياض الأسعد، شارل رزق … أو أن التوزير محصور بالأحزاب والميليشيات العاملة على أرض لبنان بمعزل عن الكفاءة والسيرة والحضور. لا قواعد لتأليف الحكومات في لبنان سوى مسالك الإبتزاز. أما الإحتكام إلى الدستور فكذبة كبار القوم.