الـيـاس الزغـبـي: مكاسب وهميّة

137

مكاسب وهميّة
الـيـاس الزغـبـي/10 أيلول/16

هدير سياسي تحت شعار معركة “الميثاقيّة” لا يُنتج طحيناً، بل فقاعات انتصارات “إلهائيّة” من صنف الانتصارات “الإلهيّة” التي صمّت الآذان.

أسابيع من رفع العقيرة بوَيل “الميثاقيّة” وثبورها، تنتهي إلى البحث عن ثمنٍ ما لإنقاذ ماء الوجه، ولو كان من مستوى رخيص كإلغاء التمديد لضابط مقابل التمديد لآخر!

ومقابل التهليل لتضامن “حزب الله” في مقاطعة جلسة مجلس الوزراء، سقطت حجّة الميثاقيّة. فـ”حزب الله” أعطى بيد إرضاءً شكليّاً لـ”التيّار العوني”، وسحب منه عمليّاً ورقة “الميثاقيّة المسيحيّة”، مصرّاً على بقاء الحكومة كـ”قشرة شرعيّة” لمشروعه غير الشرعي، وعلى طاولة الحوار كغطاء وهمي لهذا المشروع.

ولم يكن هذا السقوط يحتاج إلى لعبة “حزب الله” هذه، بل سقط سابقاً باستنكاف القوى المسيحيّة الحيّة عن دخول متاهته:

فسكوت بكركي شديد التعبير في النأي بنفسها عن المعمعة، وكذلك “القوّات اللبنانيّة”، واعتراض “حزب الكتائب”، في حين كان حضور القوى المسيحيّة الأُخرى جلسة مجلس الوزراء ردّاً بليغاً، والموقف العلني للمرشّح سليمان فرنجيّة أشدّ بلاغة، رغم خطأه في الغياب عن الجلسة كرمى لـ”حزب الله” فقط، على قاعدة امتناعه عن حضور جلسات انتخاب الرئيس للسبب نفسه!

منذ الخميس الفائت انكشفت حقيقة التجارة بورقة “الميثاقيّة” وسقط شعارها، أسوةً بكلّ الشعارات السابقة المتهاوية تباعاً على مدى ثلاثة عقود. ولم يُثمر أيّ شعار مكسباً حقيقيّاً للمسيحيّين، ولا حتّى كرسيّاً رئاسيّاً لصاحب الشعارات.

والعطب يكمن في صدقيّة صاحبها، وليس في رفض الآخرين. فحين يتبيّن، مرّةً بعد مرّة، أنّ الشعار المرحلي ليس سوى مطيّة للوصول، ويمكن الانقلاب عليه واستنباط سواه إذا لم يخدم الغاية، تزداد علامات الاستفهام حول مدى جديّة رافعه وصدقيّته، ويزداد عدد المتحفّظين، والرافضين وصوله.

إنّ حرق الشعارات منذ 1988 إلى اليوم، وأبرزها شعار “سيادة، حريّة، استقلال” بتسليم القصر الجمهوري ووزارة الدفاع للاحتلال السوري، وشعار “إلغاء المليشيات” بتطبيقه فقط على الميليشيات المسيحيّة ثمّ الانحراف نحو التحالف مع ميليشيا “حزب الله” والنظام السوري نفسه، وشعار “محاربة الفساد” بخوض غماره على أوسع مدى في منافع السلطة، وصولاً إلى شعار “الحقوق والشراكة والميثاقيّة” بخطاب هابط يوجّه اللعنات عشوائيّاً ويبثّ السمّ الطائفي… كلّ هذا أدّى إلى نتائج عكسيّة مغلّفة بأرباح وهميّة.

قد يكون أصحاب هذا الأداء أحسّوا بنشوة الربح أو “النصر” بتجميدهم الحوار وتعطيلهم المؤقّت للحكومة، لكنّها نشوة من يتلذّذ بلعق دمه. فلا المسيحيّون بلغوا مرتجاهم، ولا اللبنانيّون شيئاً من حقوقهم في حلّ مشكلاتهم العالقة.

والأسوأ أن يركب هؤلاء رؤوسهم نحو تنفيذ وصيّة “الاقتراع بالأقدام” حين تتوقّف العقول عن العمل. إذذاك، لن يجدوا معهم أحداً، لا من الذين تضامنوا معهم صوريّاً في مجلس الوزراء، ولا من الساكتين على تخبّطهم وهوسهم حتّى إشعار آخر.

فالتعطيل لا يمكن أن يكون مكسباً أو انتصاراً، وإلاّ، فإنّ كاسر مزراب العين هو أعظم المنتصرين!

وهزّ الاستقرار الأمني باللجوء إلى “الأقدام” ليس مرغوباً فيه، على الأقلّ من طرفَي الحوار الثنائي الذي يمثّل جبهتي الصراع الإقليمي الخطير، إضافةً إلى المرجعيّات الدوليّة التي تصفّي حساباتها خارج لبنان، وليس على حسابه، حتّى الآن.

وليس خافياً أنّ نتائج التشنّج السياسي الذي تسبّب به فريق المرشّح العوني، ارتدّت سلباً على حظوظه الرئاسيّة، وليس العكس. فلا “تيّار المستقبل” بات أقرب إلى الاقتناع به، ولا نبيه برّي ووليد جنبلاط مرتاحان إلى أدائه السلبي، ولا المسيحيّون المتحفّظون على سلوكه يسلّمون بترئيسه.

فضلاً عن الرقابة العربيّة والدوليّة التي لا تطمئنّ إلى مرشّح لرئاسة الجمهوريّة يريد الوصول بأيّ ثمن، ولو بالمشاكسة والمكاسرة.

وهكذا تكون كلّ هذه السلبيّات من باب انتقام اليائسين، وندب المحبطين، وحرب الطواحين.
والخلاصة العامّة، أنّ ما اعتبروه انتصاراً أو مكسباً سياسيّاً، لم يكن سوى سراب خادع.
فالحكاية هي نفسها منذ 28 سنة.

والمشكلة أنّه ما زال هناك من يريد التجريب بالمسيحيّين، ومن يقبل الخضوع للتجربة… والاختبار.