ميشال هليّل: الاستراتيجية المسيحية

150

 الاستراتيجية المسيحية!
ميشال هليّل/النهار/15 آب 2016

بعض الزعماء المسيحيين والمحبوبين والشعبيين، ينام مطمئناً كأنه في بعبدا، هو ينام لأن لا أحد في بعبدا، القصر فارغ والرئيس غائب والسيدة الأولى غير موجودة، وما يزيده طمأنينة أنّ دارته كالقصر، وفيها أسوار وأضواء، وأنه كالرئيس يسهر ويستقبل ويودّع، وأنّ زوجته وحاشيته في تألق وبروز، كالسيدة الأولى.

والزعماء المسيحيون المحبوبون والشعبيون هم أيضاً استراتيجيون، يدعون الى انتخاب رئيس ولا ينتخبونه، يدافعون عن عمل المؤسسات ويعطلونها، يطالبون باحترام الدستور ويحتقرونه… ليس هم من يحتقرونه، إنما الذين يرفضون الاستراتيجية المسيحية. استراتيجية الشخص، أمر يحصل عادة في المسرحيات حيث يبرّأ الجميع، وتُحاكم المواسم المشبوهة كالبندورة. وفي هذه المسرحية يُبرّأ الجميع، لذلك الجميع ينام، المسيحيون ينامون، يهتمون بكل الأشياء والمطلوب واحد، ينشطبون في كل الاتجاهات والاتجاه واحد، يتحدثون عن كل الأمور والأمر واحد، أمر اليوم وغداً وبعد غد، انتخاب رئيس ، فالتغيّب عن الانتخاب كالتغيّب عن القداس، لا تعوّضه الصلوات ولا التضرعات ولا الشموع، ذرائعهم باطلة، وحججهم باطلة، وكل ما يقومون به هو باطل، كالصنم، كالشبح، كالشخص.

المسيحيون خارج بعبدا هم خارج لبنان، المسيحيون من دون بعبدا، من دون كرامة، المسيحيون بلا بعبدا، بلا رأس. بعبدا رأسهم ورأسمالهم، قصرها معتّم وكل منازلهم في ظلام، كرسيها فارغ، وكل مقاعدهم فراغ، حديقتها مهجورة، وحدائقهم من يباس ومن أشواط ومن أمراض، هي الروح التي تحيي أرواحهم، والجسد الذي يضم أعضاءهم وهي أيضاً القلب.

واذا كانت بيروت عاصمة لبنان، فإنّ بعبدا هي عاصمة الجبل، ومنذ زمن بعيد، فالحكم العادل وأحياناً الظالم يخرج من بعبدا، وحقوق اللبنانيين مسلمين ومسيحيين تصونها بعبدا، والشرعية الدستورية لها عنوان وحيد هو بعبدا، وحين يرتفع العلم فوق بعبدا يرتفع لبنان، وحين يكون منكساً يكون كل لبنان في حداد، ولن تنفع الاعلام الاخرى ولا الرايات البديلة، ولا شعارات المغالين.

ولبنان لن يخلع ثوب الحزن إلاّ حين يرتدي الرئيس وسام بعبدا، ويفتح الباب، ويُشعل الأضواء، ويجلس مبتسماً على كرسيه، فتنشر أخباره الصحف، وتملأ صوره الادارات، وتصدح الحناجر، وتردّد الأصوات: صار لنا رئيس، صارت لنا جمهورية… من بعبدا. فالأمر لا يحتاج الى استراتيجية، ولا الى خطط دفاع أو خطط هجوم، يكفي أن يلاقي النواب المتغيّبون الذين في أكثريتهم من المسيحيين، زملاءهم الذين في أكثريتهم من المسلمين، ليتم هذا الحلم الذي اسمه رئيس وينتهي الكابوس الذي اسمه الشخص، أو المنقذ أو القائد أو المخلص أو الأسطورة، أو المارد، والذي ترافق لعنته كل محطة من تاريخ لبنان. بعض الزعماء سيكون قلقاً خارج بعبدا، لكن لبنان سينام، وسينام اللبنانيون مطمئنين تحت أضواء القصر، وحلم الرئيس.