ايلي الحاج: تعطيل النظام في لبنان منذ جمال باشا انقلب على المعطّلين كل الأحزاب على قلق وأكثرها حزب الله والمستقبل والتيار

164

تعطيل النظام في لبنان منذ جمال باشا انقلب على المعطّلين كل الأحزاب على قلق وأكثرها “حزب الله” و”المستقبل” و”التيار”
ايلي الحاج/النهار/15 آب 2016

ولا حزب أو تيار في لبنان مرتاح هذه الأيام. حتى الحزب المتوهم أن قوته كافية لتغطية سيطرته على مقدرات هذه البلاد يظل قلقاً من احتمالات انقلاب الظروف وبقية اللبنانيين عليه. قبله لم يكونوا مرتاحين. مماليك وعثمانيون احتلوا لبنان والمنطقة العربية سنوات طويلة ولطالما شغلتهم قاعدة أثبتت رسوخها، أن شعب لبنان لا يوفر تحالفات داخلية وخارجية لقلب الأوضاع رأساً على عقب على القوة المسلحة أو الدولة المسيطرة عند أول فرصة. هذا ما حصل لاحقاً للفرنسيين من بعد العثمانيين، ولـلفصائل المسلحة الفلسطينية ثم للإسرائيليين والسوريين من بعدهم. في عز ضعفه لا يستكين أي فريق لبناني عندما يشعر بأنه مغلوب وغير قادر على مواجهة من يعتقدون أنهم غالبون. قراءة هذه الثابتة في تاريخ هذه البلاد توجب على “حزب الله” وجمهوره التروي والتحسب لتقلب الأيام والظروف، عالمين ولا شك بأن قرار الحزب تعطيل العمل بالنظام اللبناني عن تصور وتصميم لجأ إليه قبلهم الحاكم العسكري التركي أحمد جمال باشا بذريعة الحرب عام 1914، ومراراً عطل العمل بالدستور الحكّام الفرنسيون والمفوضون السامون والعامّون زمن الانتداب. أما في زمن ما بعد الاستقلال حتى اندلاع حرب 1975 فظل الدستور محترماً على رغم الصراعات والقلاقل. وبالطبع كان يلزم تلزيم “اتفاق الطائف” للنظام السوري بعد الحرب، وسيطرة “حزب الله” على البلاد وعجز القوى الأخرى عن مواجهته بعد الانسحاب العسكري السوري عام 2005، كي يصبح الدستور اللبناني أثراً بعد عين. ولكن السيطرة على لبنان مسألة خطيرة جداً، وحري بـ”حزب الله” المستند إلى قوة المشروع الإيراني للمنطقة أن يحفظ عبارة “لو دامت لغيرك لما آلت إليك”. ولا شك أنه فاعل ولذا يكتفي بتعطيل النظام -عملياً وإن من دون إعلان- وبمساعدة من أحد القادة المسيحيين الطامحين، ولا يفرض الحزب نظامه إلا حيث يكون ويقتضي الحال، منصرفاً إلى حرب الإستنزاف الهائلة والمفتوحة التي يخوضها في سوريا. فلبنان ليس الآن وقته بالنسبة إليه. أما بقية الأحزاب والتيارات فمرد عدم ارتياحها يتنوع.

“تيار المستقبل” على أبواب مؤتمره العام الاستثنائي في 16 و17 تشرين الأول المقبل مهدد ليس بأزمته المالية فحسب، وقد تكون الأهون، بل بتحديات هائلة من داخله وخارجه. ولعلّ وزير العدل الجنرال أشرف ريفي يمثل بالنسبة إليه ما مثله سمير جعجع بالنسبة إلى حزب الكتائب أواسط الثمانينيات. اضطر جعجع ورفيقه آنذاك إيلي حبيقة إلى الانتظار حتى وفاة مؤسس الكتائب ورئيسه بيار الجميّل كي يقدما على انتفاضتهما المسلحة ذات 12 آذار 2005 ولو بقي “الشيخ بيار” حياً إلى اليوم لما كانا تجرآ عليها، “فبكلمة منه كان قادراً أن يمحونا” سيقول جعجع لاحقاً في تقويم لتلك الحقبة.

ليس أمام الجنرال ريفي من ينتظر رحيله كي يضرب ضربته التالية عند أول انتخابات بعد تجربة طرابلس، فـ”تيار المستقبل” مؤسسات وسياسات في أوضاع لا يحسد عليها. وقد يكون “التيار الوطني الحر” الأقرب إلى تجربة حزب الكتائب أواخر أيام الشيخ بيار المؤسس، فكل عناصر التشظي والتنافسات الشرسة تتجمع فيه. ذات يوم صرّح الشيخ بيار أن “خليفتي من بعدي الدكتور إيلي كرامة”. كان المقصود أن يحفظ الموقع الأول في الحزب لنجله الرئيس أمين الجميّل حتى انتهاء ولايته في بعبدا. الوزير جبران باسيل ليس الدكتور كرامة صحيح، لكن المعترضين عليه ما عادوا يخفون اعتراضاتهم القوية علناً وبشراسة. وهيبة الجنرال ميشال عون على حزبه لا تقارن كما يبدو بهيبة الشيخ بيار. كانت الثمانينيات زمن المشاريع السياسية والتحضيرات للمرحلة التي ساد فيها صعود الرئيس رفيق الحريري ورؤيته المختلفة إلى لبنان. اليوم ينازع أشرف ريفي “المستقبل” في بيروت والمناطق بعد الشمال على الحريريين، كما تحددت هويتهم السياسية بعد الاغتيال و”انتفاضة الاستقلال” وأيضاً بعد 7 أيار واندلاع الثورة السورية. أما حزب الكتائب فيستعد مع سامي الجميّل ورفاقه لزمن آخر مختلف عن السابق، ربح ما ربح وخسر ما خسر منذ تأسيسه عام 1936، كأنه في زمن تأسيس من جديد