أسعد البصري: خطاب الأمير تركي الفيصل إلى الشعب الإيراني ومفتاح الجنة

272

خطاب الأمير تركي الفيصل إلى الشعب الإيراني ومفتاح الجنة
أسعد البصري/العرب/27 تموز/16

1 – بتاريخ 9 يوليو 2016 ألقى الأمير المستنير تركي الفيصل كلمة في غاية الأهمية أمام المعارضة الإيرانية في باريس. ذكرهم فيها بالحديث الشريف الذي يمجد سلمان الفارسي، وقال “فإذا كان لأحد أن يمسك الثريا فهم الفرس بلا شك”، وذكر أمجاد الثقافة الشرقية الفارسية من ابن سينا وعمر الخيام والفردوسي والغزالي وغيرهم، كما قام بتحية علنية لشهداء مجاهدي خلق.

إن انتقاد مفهوم ولاية الفقيه والخميني بمثابة امبراطورية منعزلة وعدوانية، لا يعني كراهية الشعب الإيراني لأنه نفسه أول ضحايا الخميني. وقال الأمير الفيصل إن دول الخليج لم تدعم صدام حسين في إعلانه الحرب على إيران طيلة سنتين، الا أنه بعد إصرار الخميني على احتلال العراق وقفت دول الخليج لحماية العراق.

وقال الأمير إن الثريا تبدو بعيدة اليوم عن الشعب الإيراني بسبب العزلة السياسية، يستطيع الإيرانيون الفخر بتاريخهم وتراثهم، ويكن العرب عظيم الاحترام والتبجيل للثقافة الإيرانية. لقد ارتدى الخميني العمامة السوداء تعبيرا عن فخره بالنسب العربي، وارتداها خامنئي بل وارتداها حسن نصرالله، ولكن ذلك لا يبيح تدخل القيادة الإيرانية في الشؤون العربية.

والمهم تأكيد الأمير الفيصل أنه لا يجب أن يستمر الشعب الإيراني في المعاناة والذل في ظل اعتقاد خامنئي وروحاني أنهما استطاعا تدبر أمرهما مع الشيطان الأكبر، وتفاءل قائلا للمعارضة الإيرانية: كفاحكم ضد النظام الخميني سيبلغ مرماه عاجلا وليس آجلا. هذه الكلمة كانت مؤثرة عالميا، فهي تؤكد عمق العلاقات بين العرب والفرس، وأن الصراعات السياسية لا يجب لها أن تتحول إلى كراهية بين الشعوب والثقافات.

في المناظرة الشهيرة بين القنصل الإيراني في بلجيكا ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل بضعة أيام، وبعد عرض الوزير السعودي للتاريخ العدواني والإرهابي للسياسة الإيرانية بالأدلة والتواريخ والوقائع، ومن ضمنها دعم وإيواء زعماء القاعدة فقد قال “نتمنى ونطمح أن تكون إيران الدولة العظيمة والأمة العظيمة جارا عظيما لنا”، وأضاف أن يد العرب ممدودة لكم بشرط تغيير سياستكم. وإذا تريد أن لا تكون إيران عرضة للانتقاد من قبل المسؤولين السعوديين، فتصرفوا بطريقة لا تعرضكم لهذا الانتقاد.

2 – لقد كنت أفكر بكل هذا في المطعم الإيراني شمال مدينة ڤانكوڤر الذي أرتاده يوميا تقريبا. الطعام لذيذ ورخيص والموسيقى هادئة، حتى أنها تضعك في قلب الشرق. تشعر بسلام عظيم هنا، بطء ولطف شرقي في العيش، على النقيض من إحساسك في المطاعم الكندية حيث السرعة والقلق وغياب الروح.

في هذا المكان الفارسي الإيراني (المجوسي) أشعر بثقافتي وجمالها وبعظمة الشرق، بلا مبالاته وبطئه وانتصاره على الزمن. من المؤسف أن لا ندرك بأننا حضارة واحدة وثقافة واحدة. أقصى الغرب الكندي، في آخر العالم، وعلى الجهة الأخرى من المحيط الهادئ، يدرك العربي والإيراني بوضوح معنى الثقافة الشرقية والانتماء إليها. إنها روح تحط، وعندها موقف من الزمن والفكر والعالم.

شيء مؤسف أن يتحول الصراع السياسي إلى كراهية بيني وبين أخي الفارسي. يجمعنا وجع النهاوند وحسرة الشرق، والطمأنينة الشرقية العجيبة التي أراها في عيون السيدات الفارسيات. سيدات حين يجلسن، وحين يتكلمن وينهضن. سيدات حين ترمقهنّ بفضول، يرمقنك بعيون باسلة تحفر صدرك، كأنهن يصورن حياتك كلها بنظرة واحدة.

نحن مع السياسة السعودية التي هي ضد الكراهية بين الشعوب، لا أتمنى أن تجوع طفلة في شيراز على الإطلاق. بكل أسف الطائفية لا تمزق الثقافة فقط، بل تمزق الروح وتردم الينابيع وتلغي الحقيقة.

3 – رجل غير متعلم من قرية نائية أصبح رئيسا في العراق وقام بشيء رهيب. تسفير الأسر الفارسية العراقية العريقة. آلاف الأسر تم نهب أموالها وبيوتها ورميها على حدود إيران في ليلة ماطرة، ثم أعلن الزعيم حربا غريبة على إيران كلفتنا مليوني قتيل.

والنتيجة هي هذا العراق الكئيب، تهجير السنة وحرق بيوتهم. نبش قبر صدام حسين عدة مرات. زعيم لا يعرف بأن أعظم خليفة مسلم عرفه التاريخ هو المأمون؛ متفلسف كبير أمه فارسية. هل يظن صدام حسين بأنه أعظم من المأمون؟ كيف يأمر بتطليق الضباط العراقيين من زوجاتهم الفارسيات؟ الفارسية أم المأمون وأم زين العابدين، النحر الذي عشقه هارون الرشيد وقبله الحسين بن عليّ.

لقد كان هناك خطأ في الثقافة متبادل تحول إلى أحقاد مدمرة، وفي النهاية هذا الاحتماء بالرجل الأبيض من الطرفين. الرجل الذي ليس عنده سوى الصواريخ وصفقات الأسلحة. ربما يكون الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب؛ مليارديرا وصاحب شركات قمار ومتع جنسية وزوجته عارضة إغراء.

كيف يحدث هذا التمزق في الشرق؟ الغرب لم يقدم دليلا على رغبته في المساعدة. يستوعب اللاجئين المعزولين بجدار الثقافات والمغتربين في ضميرهم المحطم. اللاجئ الذي رفض شفاعة القبور في بلاده سيقبل المثلية الجنسية عن طيب خاطر هناك.

الخميني حرض على العزلة والكراهية. البارحة تعلن الفنانة السورية ميادة الحناوي عن إصدار نشيد بعنوان “حشد الله” بدعم من ولاية الفقيه. حزب الله وحشد الله وأناشيد ميادة الحناوي وجوليا بطرس. هذا التخريب الذي تقوم به سياسة ولاية الفقيه في إيران وخارجها يجب أن يتوقف.

4 – وما هي عظمة العراق في التاريخ؟ أليس الرشيد والمأمون؟ أليس إخوان الصفا والمعتزلة وأبونواس وبشار بن برد وألف ليلة وليلة وابن المقفع وكليلة ودمنة؟ أليس كتاب الأغاني للأصفهاني؟ ذلك التلاقح الفريد بين العرب والفرس.

إن الصراع الطائفي في العراق خسارة حقيقية لفرصة كان يمكن لها إعادة المجد لبغداد، فكراهية العربي واحتقار الفارسي تحولا إلى صراع طائفي شامل. البغدادي في مواجهة مع سليماني، الإسلام العربي بنسخته المتوحشة صار وجها لوجه أمام الإسلام الفارسي، إسلام المدن والأساطير والأضرحة والغناء.

هذه المعركة عبثية وستنتهي بفتح طريق واسعة للإسلام العثماني في المنطقة، إسلام المتصوفين والأولياء وأبي حنيفة، إسلام الإمبراطوريات والحروب. الأمير المستنير تركي الفيصل يذكرنا برباعيات الخيام وبالمصاهرات بين الشعوب، تلك المصاهرات التي كان أولها زواج سيدنا الحسين من ابنة كسرى، وليس آخرها زواج الأميرة فوزية بنت الملك فؤاد من الشاه.

5 – الشاعر العراقي الذي أفاق في منتصف الليل وقال لها “يجب أن نفترق أَيَّتُها المجوسية”. فقالت لماذا نفترق أيها العربي؟ ست سنوات من عمري معك هل الطعام الإيراني رديء إلى هذه الدرجة؟ هل ثيابي مشوهة الألوان؟ هل العطور التي أصبها على جسدي كل مساء لم تعجبك؟ هل أشخر في الليل؟ هل البيت ليس نظيفا؟ هل رأيتني تعيسة وكئيبة؟ هل هذا الفراش الذي أسقطتك منه حين دغدغتك برموش عيني ليس مريحا؟ هل عينايا أكبر من أحلامك؟

– لأنكِ أجمل من اللازم وعينيك سوداء كبيرة، لأن يدك ناعمة وصوتك كخرير السواقي وكلامك رائق ونكهة لعابكِ خرافة وطعامك لم أذق مثله. بيتك قطعة فنية وثيابكِ ما يراه الحالم في أحلامه، لقد أيقظت اللمس والذوق والنظر والشمّ والسمع والفؤاد، لم يعد بإمكاني أن أكتب، لقد غادرني الصوت بسببك، صرت سعيدا وتافها كما ترين. البارحة رأيت أشعة الشمس تتسلل من الشباك وتسقط على وجهك النافر بالدم، أصغر مني بكثير وعيناك تلمعان بالحياة، وحين أعانقك يشتعل خدك كرغيف ساخن. هذا لا يُطاق.

سأرحل أَيَّتُها المجوسية الرافضية اللعينة “لا شيعة بعد اليوم”.

– أيها العربي الغادر هل هذه جريمة؟ هل تريد هدمي لتقف على أطلالي وتبكي كأسلافك الحمقى؟ أليست السعادة هدف الإنسان؟

– لا السعادة ليست هدفي، ماذا تريد؟ المجد. وأي مجد يناله قروي من عائلة فقيرة أكبر من حبيبة تُشعِلُ البخور في غرفة نومه، وتضحك في سريره؟ أنت ولدي الذي أُنجبه كُلَّ مساء. شهقة الوجود التي أشهقها باسمك، هذا هو مجدك الوحيد.

– رفعت رأسها كما كان قورش يرفع رأسه وهو يبطش بالقبائل، ارحل أيها العربي وسأبكيك، سأخونك مع حبيب من شيراز، ولكن من أين لي برجل يقول ما تقول؟ كيف لك هذا الفؤاد الذي يرفع الأرض إلى النجوم؟ نحن الفارسيات حين نعشق لا يعود بإمكاننا أن نكره، أعطني المفتاح وارحل إلى جهنم.

– تفضلي هذا “مفتاح الجنة”.