محمود بري: عونيون ينتفضون على عونيين

172

 عونيون ينتفضون على عونيين
محمود بري/المدن/الجمعة 22/07/2016

قال لي العوني العارف الذي لا يملك حيلة لردّ ما يعتبره “القدر” الآتي: “الظاهرة في سبيلها إلى التشتت والتشرذم. غداً سيقول الناس إن التيار كان ظاهرة سياسية استثنائية، وانتهت”. يتابع مغالباً شعوراً ملتبساً بين الغيظ والأسى: “ارجو ألا يكون الجنرال حاضراً يومها”.

ويزعم العارف أن بداية الإنهيار قد قٌرِعَ جرسُها من خلال مقدّمات بسيطة ستُفضي إلى تمرّد كبير، وأّنّ وسيلتها العملانية تتمثّل بسلوكية رئيس التيار، المهندس جبران باسيل، الذي لم يضع إصبعه في مسألة إلّا وتسبب بمشكلة.

من هذه الجُزئيّة يمكن فهم سلسلة الصدامات التي اعتملت في جسم التيار خلال المدة الأخيرة، وتحديداً منذ “تعيين.. وليس انتخاب” باسيل رئيساً له. الانتخابات البلدية الأخيرة شكّلت مناسبة لتظهير جملة المشاكل الأساسية التي كانت مدفونة في تربة التيار وقد طفتْ على السطح وراحت تتفاعل وتتفاقم مثل أيّ غُدّة سرطانية.

“يزعل” أحد أقرب المقرّبين الأساسيين في محيط الجنرال ميشال عون، وهو العميد المتقاعد انطوان عبد النور المسؤول عن أمن عون جملةً وتفصيلاً، ويهجر دارة الرابية بعدما أفنى فيها السنوات العشر الأخيرة من عمره متقلِّداً المهمة الأخطر والأكثر حساسية في التيار، وهي أمن وسلامة رئيسه ورمزه، فلا يتحرك ميشال عون ولا يسأل عمن كان رفيق دربه منذ عقود. يجري تجميد عضوية أحد أبرز كوادر التيار، “القيادي” زياد عبس، وتُقطع عليه طريق الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، ولا يرف جفن للجنرال. تتراكم الاختلافات والخلافات داخل التيار، ورئاسة التيار (جبران باسيل) تمضي في سبيلها بعنجهية وتردّ بخشونة عبر بيانات رسمية قاسية وقمعية النبرة، وميشال عون كأنّه في الصين.

يُقال إن “الرئيس” باسيل لا يطيق صفة “قيادي في التيار” التي تُطلقُ على غير شخصية بارزة من ناشطي التيار، كأنما الكلمة موجّهة ضدّه شخصياً وتقطع عليه “سَكرة” تفرّده بصفة لا يراها تصحّ لغيره ولا تتناسب مع أيِّ سواه. ومن هنا البداية. من غير المنطقي بالطبع ردّ الأزمة الناشبة والمتصاعدة في التيار إلى مجرّد نزوات شخصية، إلّا أن ناشطاً عونياً آخرَ عبّر لنا عن رأيه (مشترطاً هو الآخر عدم ذكر إسمه) فقال إن ما يجري هو نتيجة “نزوات” باسيل ومُركّب الإستعلاء عنده الذي يستهدف كل من “يلمع نجمه” من غير بطانته.

من الطبيعي أن يشعر عبس وبعض المقرّبين من رفاقه (نعيم عون إبن شقيق الجنرال، المحامي طوني نصرالله ورئيس هيئة بيروت جورج طشاجيان وسواهم) أنهم تلقّوا ضربة قوية وغير متوقّعة من بيت جنرالهم. لكنها كمثل هكذا نوع من الضربات، ستعمل على تقوية “ضحاياها” وليس على إطفاء شُعلة معارضتهم. بعض المتابعين انتظر قرار فصل نهائي بحق عبس وطرده خارج صفوف التيار، الأمر الذي لم يحصل كتابياً، إلّا أن البيان الذي نشره التيار إثر إذاعة القرار، جاء يعبّر عمّا هو أكثر من “تجميد عضوية”. والأنكى أن كل عضو في التيار بات يعلم علم اليقين أن مسارعة جبران باسيل لـ”تعطيل” عبس، إنما يندفع فيها انتصاراً (وربما انتقاماً) لنائب رئيس الحزب الوزير السابق أنطوان صحناوي الذي اجتاحته جماهيرية عبس في منطقته الخاصة (الأشرفية) فخسر مرشحوه في انتخابات الأقضية منذ أشهر لصالح مؤيدي عبس.

لكن انكشاف سلسلة المواجهات بين باسيل والناشطَين في التيار الذي بات هو رئيسه (زياد عبس ونعيم عون وغيرهما..)، وافتضاح تفاصيلها على صفحات التواصل الاجتماعي، قَلَب هذه الصورة ونزع ورقة التوت. فلا عبس هو الذي “كسر مزراب العين” ولا نعيم عون هو “عدو التيار رقم واحد”، بل إنه لم يسبق أن سُجِّلت مخالفة ذات شأن بحق أيٍّ من الرجلين اللذين حافظا على ولاء استثنائي للجنرال والتزام حريص بالشعارات التي أطلقها، ورافقاه كلاهما عن كثب منذ بدايات الصعود والإرتقاء وما زالا في الطليعة. ومجرّد صدور انتقادات على لسانيهما من نوع “النهج التفرّدي والإقصائي للقيادة”، يعني أن الأمور بلغت حدّ الخطر بالفعل، وأن النزق والتفرّد اللذين “طفش” بموجبهما الجنرال عبد النور، وتسببتا بتجميد عضوية ناشطين مشهود لهم، ليست زوبعة في فنجان ولن تنتهي على خير. قرار تجميد العضوية وقطع طموح ناشط بمواصفات عبس لا يمكن أن يمرّا بسلام على وحدة التيار وتماسكه، ولاسيّما أن بيان الحزب الذي أعقب قرار التجميد، جاء موغِلاً في “كسر العظم”، وأخرج قسماً لا يُستهان به من الناشطين عن طورهم، فكسروا بدورهم قانون الصمت وراحوا يتطاولون على الرئاسة، يشفع لهم أنها (يعني رئيس التيار باسيل شخصياً) ظهرت بمظهر من يتعامل مع حقوق الأبناء الشرعيين للتيار وأصحاب “التاريخ النضالي”، بطريق الكيدية الإستعلائية العدوانية الممجوجة، الأمر الذي حوّل الفضاء الإفتراضي إلى ساحة معركة حامية الوطيس بين العونيين والعونيين.

ترافق ذلك مع أخبار تفيد أن التيار يمر بأصعب مرحلة منذ تأسيسه، وتأخذ أزمته الداخلية منحى خطيراً يدفع بقيادات بارزة فيه إلى تقديم استقالاتهم وربما تأسيس تيار سياسي مستقل. وسرعان ما يعلن المحامي فادي بركات انسحابه من المنافسة الحزبية الداخلية على الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي التيار الوطني الحر في قضاء كسروان، بينما يُشاع عن اجتماعات تنسيقية تُعقد بين كوادر وناشطين من وراء ظهر الرئاسة، وأن خُططاً توضع لتحركات ضاغطة، ما يُبرز صورة انقسام عمودي واضح بلا رتوش أصاب التيار في منطقة “عظام الرقبة”، ولا يني يتوسّع بلا توقف، مُدلِّلاً على حجم الامتعاض داخل الصفوف العونية.

مقابل ذلك تصعّد الرئاسة متحدّثة في بيانات رسمية عما تسمّيه “اتجاه التيار إلى تطهير نفسه ممّن لا يلتزمون بنظام الحزب”، وأن “المشكلة ليست بين حزبيين في التيار بل بين بعض الحزبيين والتيار”(…). هكذا تتجمع بدايات “تسونامي” اعتراضية حيث يطالب نعيم عون وزياد عبس وطوني نصرالله ان تكون مجريات المحاكمة الحزبية علنية، ويمكن لمحازبين وناشطين حضور جلساتها، وهم بانتظار الجواب على طلبهم ليبنوا على الشئ مقتضاه”