لوسي بارسخيان: جمهورية القاع: مقاومتان وإستراتيجيتان دفاعيتان

142

جمهورية القاع: مقاومتان وإستراتيجيتان دفاعيتان
لوسي بارسخيان/المدن/الأربعاء 20/07/2016

لن يمر عيد مار الياس على بلدة القاع هذه السنة كما سائر أعيادها. فسلسلة التفجيرات الإنتحارية التي شهدتها ساحة البلدة، بالقرب من تمثال شفيعها، لم تولد مشاعر الخوف والغضب والحزن والحذر فحسب، بل ولدت إنقساماً سياسياً، تكشف نقاشاته أن أهل القاع ليسوا موحدين في مواجهة “الارهاب” المتربص على أبوابها. للمشكلة أبعاد تتخطى التفجيرات والانتخابات البلدية التي اسقطت تفاهمات “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” ووضعتهما في المواجهة. فقد وصلت إلى النظرة التقييمة لما استعادته البلدة إثر التفجير، عن ذكرى مجزرة عام 1978، التي يتهم البعض رئيس البلدية بشير مطر (القوات اللبنانية)، بتهيئة أرضية مشابهة لتكرارها في سنة 2016. في وقت يؤكد مطر أن زمن “الذمية” وطلب “حماية المحيط” انتهى، و”قد آن الأوان لإستعادة الحقوق المهدورة، إن لم يكن بقوة الحق، فبكل الاشكال الممكنة”. فالخلاف هو امتداد للإنقسام السياسي في البلد، بين فريق يتحدث عن “مقاومة لبنانية” رسمية من خلال البلديّة (رئيس المجلس، القوات اللبنانيّة)، وفريق يتحدث عن مقاومة شعبية متحالفة مع “حزب الله” (الوطني الحر والحزب السوري القومي). بداية الإنقسام “القاعي” تمثلت بعريضة مناهضة للأداء السياسي لرئيس البلدية، تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وقعها ممثلون عن “الوطني الحر” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” والنائب مروان فارس ومخاتير ورؤساء بلديات سابقين وفعاليات. النقطة الأبرز في العريضة ما جاء في بندها الثاني، الذي يشدد على “أن موقف البلدية السياسي لا يعبر عن الوجه السياسي الفعلي لبلدتنا، التي هي جزء من النسيج العام لمنطقة بعلبك الهرمل”. وترفض العريضة مقولة “أمن المجتمع المسيحي أو الأمن الذاتي والتسلح المنظم، من أي جهة كانت”. وتؤكد على “حماية الجيش اللبناني والقوى الأمنية ودعم التنسيق الأمني القائم مع المقاومة، لحماية بلدتنا”. في استطلاع للأسباب التي استدعت خروج هذا الإختلاف في النظرة الإستراتيجية لحماية البلدة إلى العلن قبل أن تجف دماء شهدائها الخمسة إثر التفجيرات، يشرح منسق “الوطني الحر” في البلدة أنيس خوري لـ”المدن أن “الملاحظات على المجلس البلدي منذ تسلمه مهماته، تركزت على خطاب رئيس البلدية المتفرد والمتطرف والموجه ضد حزب الله والمقاومة. فيما نحن بحكم الموقع الجغرافي لبلدتنا لا يمكن أن نكون ضد بيئتنا، لأن ذلك يؤثر على وجودنا في المنطقة”.

ويرى خوري أن “المقاومة وقفت إلى جانبنا خمسة أعوام حتى صمدنا في قريتنا. والكل يعرف موقع القاع الخطر على الحدود المفتوحة على القلمون، حيث لا يمكن مواجهة المدافع بالكلاشينكوف. ومن هنا، قلنا إنه عندما يطلق رئيس البلدية المواقف السياسية في هذا الاتجاه، فلينسبها إلى حزبه، لأنه لكل منا توجهاته السياسية ولا يمكن أن نقبل بأن ينسب توجهاته إلى البلدة عموماً”. ينفي المعارضون عند الحديث عن مواقف رئيس البلدية أن يكون اعتراضهم على ما اعقب التفجيرات من مظاهر للأمن الذاتي، بل يعتبرون أنفسهم جزءاً من هذا الأمن في مواجهة أي اعتداء على البلدة. إلا أنه، وفق وديع ضاهر أحد الذين شاركوا في إعداد العريضة، “ما ليس مقبولاً لدى القاعيين هو خطف قرارها السياسي، وصبغها بما لا يشبهها، وخصوصاً عندما عممت صورة لنائب قواتي أتى من خارج المنطقة ليحمل السلاح في القاع”. وإذ يذكر ضاهر بأن “العنتريات التي يقومون بها أدت في سنة 1978 إلى تهجير القاع”، يعتبر “أن الامر تخطى الإطار الاستعراضي، إلى الصورة التي نعطيها لأهل المنطقة بأن القوات عادت إلى القاع لتحمل السلاح. بينما نحن ضد الأمن المسيس والمجير لأحزاب من خارج المؤسسات الرسمية، ولا نقبل بغير الجيش لحمايتنا. وهناك تنسيق بين الجيش والمقاومة في الجرود الجبلية ببيان حكومي ونحن نؤيده”.

يستغرب مطر هذا الكلام، ويرد: “كيف يكون أحدهم ضد الأمن الذاتي المنظم وفي الوقت نفسه هومع الأمن المنسق مع المقاومة”. مع ذلك يؤكد لـ”المدن” أن الإجراءات التي ستلجأ إليها البلدية بعد مشاورات مع أبناء المنطقة الذين طالبوه بما هو أكثر حزماً على الصعيد الأمني، منوطة بصلاحيات البلدية، ولا تتخطى الإطار القانوني الذي تسمح به هذه الصلاحيات بالنسبة إلى تنظيم الشرطة البلدية وتدريبها وتركيب الكاميرات وغيرها”.

يذكر مطر بأن “القوات اللبنانية فريق موجود في القاع منذ زمن. وفكر القوات فكر الدولة والتمسك بالمؤسسات التي تعطي البلدية الحق بحفظ مجتمعها أمنياً واجتماعياً وإقتصادياً”. ويسأل: “كيف تضر القاع وبلديتها بالعلاقة مع المحيط الشيعي، إذا دافعت بقوتها عن أرضها ومنعت انتقال الإرهاب إلى الهرمل أو النبي عثمان أو غيرهما؟ هم يريدونا ضعفاء وأن نصرخ ونستنجد بغيرنا، وأن نعتمد دائماً على من يحمينا. وهذا الخلاف الأساسي بيننا، لأننا لا يمكن ولا نسمح بأن نكون مستتبعين لا بالفكر ولا بالإرهاب”.

بالنسبة إلى مطر، “لا تراجع عن خطط البلدية بتركيب الكاميرات وتأهيل الشرطة البلدية لمواجهة الظروف الأمنية الطارئة، وتنظيم النزوح السوري وغيرها من الإجراءات التي يؤكد التنسيق في شأنها مع الجيش اللبناني”. ويشير إلى “أننا بدلاً من أن ننتظر الإرهابي عل باب الكنيسة، سنهجم على مكان إحتمائه بخطة من الأمن الاستباقي والأمن الإجتماعي والإقتصادي والمعيشي والتربوي والثقافي، تصب في مصلحة الأمن الوطني. وإذا إضطررنا إلى غير ذلك، لن نسمح لهم بأن يكرروا فعلتهم في القاع”. ويطالب “بإنشاء ثكنة عسكرية كبرى في منطقة مشاريع القاع، حيث تجمعات السوريين، لما يحفظ سلامة السوريين واللبنانيين، إذا ما وقع خلل أمني آخر في البلدة”.