علي الحسيني: حزب.. التعطيل والتضليل

112

 حزب.. التعطيل والتضليل
علي الحسيني/المستقبل/20 تموز/16

سنتان وثلاثة أشهر تقريباً مرّت على الفراغ الرئاسي في البلد، والتعطيل قائم ومستمر إلى أن يُفرج «حزب الله» عنه، بالرغم من أن جميع المؤشرات تدل على أن الحزب المحكوم بالسير في هذا الموضوع وغيره بحسب البوصلة أو الخريطة الإيرانية، مُستمر في نهج ضرب المؤسسات وتجاهل وجود الدولة وعدم الإكتراث للنتائج السلبية التي تنعكس على البلد كلّه، من جرّاء إصراره على التحكّم بلبنان بأي طريقة في سبيل تأمين التغطية الكاملة لإرتكاباته خارج الحدود والحفاظ على سلاحه الذي أصبح هو أيضاً، لزوم ما لا يلزم. جرياً على عادته وعند كل استحقاق يعمل «حزب الله» على التهويل والاستخفاف بعقول اللبنانيين، مرّة من خلال تحويره وتزويره الوقائع وتضييعهم في متاهات لغته التخوينية والتحريضية والتهجمية، ومرّات تحت إدعاءات حرصه على البلد ومؤسساته، مع العلم أنه وبمجرّد استعادة عقارب السنين القليلة الماضية، يتبيّن أن الحزب ارتكب مئات المحرّمات والمعصيات بحق لبنان واللبنانيين وآخرها إستمراره في تعطيل أهم المؤسسات (رئاسة الجمهورية) والتي لا يقوم البلد إلا من خلالها، وذلك من خلال إصراره على الفراغ وعدم الذهاب إلى إنتخاب رئيس حتى لو كان حليفه او ضمن خطه السياسي. لا يُقيم «حزب الله» ضمن حساباته، أي وزن لموقع رئاسة الجمهورية ولا لأي موقع رسمي آخر وهو الذي اعتاد عدم احترام الدستور وخرق القرارات وتجاهلها والإنقلاب على تعهداته و»طاولات الحوار»، وهو غالباً ما أطاح ما تبقى من آمال اللبنانيين في تحقيق الاستقرار الوطني والأمني والاقتصادي والمعيشي، لكنّهم ظلّوا حتّى الساعة، متمسّكين إلى أقصى الحدود بوطن سيد حر ومستقل وبدولة مدنية واحدة حصرية على كامل الأراضي، وبالعيش المشترك والحفاظ على السلم الأهلي، وذلك رغم كل المعوقات والحواجز المتعددة التي يضعها «حزب الله» في طريقهم وطريق قيام الدولة.

على الرغم من شعوره أنه أصبح مُحاصراً في أكثر من مكان في ما يتعلق بإنتخاب رئيس للبلاد وذلك بعد المبادرات المتعددة التي قُدمت لتسهيل الإنتخاب وأبرزها مبادرتا الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع، والإحراج الشديد الذي سببته له هاتان المبادرتان، إلا أن الحزب البارع في فبركة الحقائق وحرفها عن مسارها الطبيعي، راح يتهم منذ يومين تيّار «المستقبل» ورئيسه بتعطيل الإنتخابات الرئاسية، ليأتي الرد بالامس على لسان كتلة «المستقبل» التي لفتت في بيانها أمس إلى أن «كتلة حزب الله عادت الى الاستهزاء بذكاء اللبنانيين من خلال ترداد الادعاءات والاتهامات المغرضة والمرفوضة، ظنا منها أنها قد تبدو في أعين البعض أنها صحيحة. ومن جهة ثانية، فإنها ليست سوى محاولة بائسة لإلباس تيار المستقبل ثوبا ليس له«. مرّة يرفض «حزب الله« حصول انتخابات رئاسية قبل الانتخابات النيابية، ومرّات يذهب إلى حد التهويل على اللبنانيين في حال اعتماد هذا الخيار، ومرة يدعو إلى «سّلة متكاملة». مرّة يدعو المسيحيين إلى الإتفاق على قانون إنتخاب جديد للسير به قبل أن يعود بعدها وينقض مطلبه الأول ويُطالب بالنسبيّة، ومرّة يدعوهم لاختيار شخصية والسير بها إلى رئاسة الجمهورية على أن يُلاقيهم هو في نصف الطريق. لكن حتّى اليوم لم يمد الحزب يده لا إلى حليفه الأولّ النائب ميشال عون، ولا الى حليفه الثاني النائب سليمان فرنجية، إنما يده تمتد فقط لإطالة عمر التعطيل وإغراق البلد بالفوضى والمتاهات، في سبيل الإبقاء على سلاح الفوضى، وتحقيق حلمه التوسعي عند الحدود اللبنانية السورية والحفاظ على مصالح حليفه الإيراني.

أمس أكد جعجع أن «ليس الرئيس سعد الحريري من يعرقل ويعطل إنتخاب رئيس، بل حزب الله هو من يعرقل الانتخاب. فنحن اعتبرنا أن تبنينا لعون يعني فك الحصار عن الرئاسة من قبل الحزب، ولكن ما حصل كان مغايراً«. كلام لا يحتاج إلى تقويل ولا إلى توضيح، فإذا أردنا تفسيره في العمق، سوف يتأكد أن الفراغ أو الشغور الرئاسي هو أفضل هديّة يُمكن أن يحصل عليها الحزب في هذه الفترة، فلا مراقبة لتجاوزاته في الداخل خصوصاً في ما يتعلّق بإستباحته للمؤسسات الرسمية واخضاعها لوصايته وسلطته، ولا من يُرشد سلاحه إلى وجهته السابقة بعدما تخطّى بُعده الاستراتيجي المُفترض وتحوّل من راصد على الحدود الجنوبية إلى عابر يومي باتجاه الأراضي السورية وعلى عينك يا دولة«. تتوالى التأكيدات التي تدل على تحمّل «حزب الله» مسؤولية تعطيل الإنتخابات الرئاسية ومنعه إجراءها تحت أي من الظروف بالإضافة إلى مسؤوليته عن الخروق التي تحصل في البلد واستمراره على ضرب المناصفة بين اللبنانيين والمسيحيين. وفي هذا الصدد يقول رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل في حديث تلفزيوني: «ليس الرئيس الحريري من يتحمّل تعطيل إنتخاب رئيس، بل حزب الله هو الجهة المُعطلة، فالحزب والتيار الوطني الحر، يأخذان الوطن رهينة من خلال عدم إنتخاب رئيس للجمهورية ومنع استكمال بناء المؤسسات«. ويؤكد الجميل أنه «يجب أن يكون الرئيس المسيحي جالساً على طاولة تطوير النظام السياسي في لبنان، وأوّل خوف على الموقع المسيحي في لبنان هو استمرار ازمة الرئاسة، فكيف يرضى الفريق المعطّل بالفراغ؟«. من فمه دان «حزب الله» نفسه أمس وذلك من خلال إقراره بفمه بأنه من يُعطّل إنتخاب رئيس. يقول وزيره في الحكومة محمد فنيش في تصريح «من حقنا تأييد ترشيح عون للرئاسة، ومن حقنا الدستوري عدم تأمين النصاب عندما نرى ان تياراً سياسياً ينسجم موقفه الرئاسي مع موقف السعودية«. ومن خلال هذا الكلام، يتأكد أن الحزب يُمارس سياسة كيديّة تعطيلية لا تمت إلى الأصول السياسية المُتبعة في البلد، ومن هنا يتأكد أنه كما لـ»حزب الله» إسقاطات في العسكر والإنجرار إلى جبهات الموت، كذلك يبرع في تفريغ البلد وتطويع أبنائه ترهيباً وترغيباً وهو الطامح للذهاب إلى «دوحة 2» لتحقيق سلّته المتكاملة. من الواضح أنه يُمكن لـ»حزب الله» أن يتحوّل بين ليلة وضُحاها إلى «ملاك» يحرس مؤسسات الدولة، وفي طليعتها «رئاسة الجمهورية« المؤسسة التي كان له الفضل في تفريغها من قوتها بعدما حوّلها إلى مُجرّد بازار يسعى من خلاله إلى تحقيق بعض المكتسبات في معاركه السياسية والتي يمكن تحويلها الى عسكرية في حال وجد نفسه مضطراً لذلك على غرار انقلابه في أيار العام 2008. فمن لا يعرف سياسة الحزب جيّداً، وجب عليه أن يُدرك بأنه مستعد لأن يحرق البلد بمن فيه خدمة للمشروع «الإلهي» وتحت بند «الواجب الجهادي».