حامد الكيلاني: رسالة دولة الولي الفقيه إلى فرنسا

184

رسالة دولة الولي الفقيه إلى فرنسا
حامد الكيلاني/العرب/20 تموز/16

يوم بعد آخر، تتوفر القناعات ثم تترسخ، بأن المستفيد الأكبر، هو نظام الولي الفقيه الإيراني، من التفجيرات والأعمال الإرهابية وابتكارات القتل والجرائم والإبادات والمجموعات الميليشياوية الطائفية، ومن بينها القاعدة وداعش أو غيرهما من الجماعات المتشددة التي لا تنتمي مذهبيا أو عرقيا إلى النظام.

37 عاما من حكم الملالي ومنذ اليوم الأول لوصول خميني إلى إيران قادما من باريس وإطلاقه الإسلام عنوانا لدولته في 12 فبراير 1979، بدأت رحلة عذابات وفوضى إيران والمنطقة، العربية عموما والعراق خاصة، وامتدت إلى العالم؛ كان رداء التديّن عنصر جذب لتأييد الثورة الإيرانية على الشاه، حتى من الذين يدركون غايات ومخاطر شعار تصدير الثورة المعلن، لكنهم استمروا في مواقفهم إلى أن تناوشتهم نيران التدخلات السافرة في بلدانهم وشؤونهم الداخلية، فتداركوا انحيازا لشعوبهم ومصيرهم. بعضهم احتاج عقودا ليستيقظ من غفوته، وآخرون استمرأوا البقاء تحت ظل ولاية الفقيه، إما نتيجة للدعم المادي أو للاستقواء على المنافسين وهؤلاء معظمهم من الحركات السياسية الدينية وزعماء طوائف استمالتهم طهران إلى مشروعها خدمة لمصالحهم، أو من المنتمين عقائديا وهؤلاء لا يغادرون تبعيتهم إلى الملالي إلا بزوال النظام الإيراني الحاكم، إن كانوا في مناصب سياسية متقدمة كما هو حاصل في حكومات ما بعد الاحتلال في العراق، أو كما في حالة حاكم سوريا الذي ربط مصيره بالمشروع الإيراني واستقوى به في إطالة أمد نظام حكمه.

تاريخ ولاية الفقيه في محصلته يتماهى مع تاريخ ولاية الأمير الروماني فلاد تييس الذي ذاعت شهرته في الأدب العالمي برواية الكاتب “برام ستوكر” وعُرِف بالكونت “دراكولا” مصاص الدماء بفظاعاته ووحشيته ورموزه التي تستهوي الكتاب وصناع السينما والمتاحف وأنفاق الموت في مدن الألعاب، لغرابة هذه الشخصية الدموية وتفننها في صناعة ماركة تعذيب خاصة بها، يتم تداولها وتقترب من ممارسات رعب داعش والميليشيات، ماركة “الخازوق” ضد مناوئيه أو من يرغب بإهانتهم وتعذيبهم ولبث الصدمة في الآخرين.

تاريخ جرائم نظام ولي الفقيه لا يقل بشاعة أيضا من أفعال الكونتيسة المجرية إليزابيث باثوري مخترعة فكرة “حمام الدم” لأنها كانت تستحم بدم ضحاياها ظنا منها أن ذلك يعيد نظارة شبابها المفقود في سلسلة من تصرفات وأمراض نفسية لا حصر لها.

لكن مهما استعرضنا من سادية وجنون وبشاعات لأفراد بنزعات إجرامية، فإن عدد الضحايا لن يصل إلى حجم ما تصنعه الحروب والفتن والدسائس وبث الفرقة بين الشعوب وبين أبناء الشعب الواحد وانتهاز الولاء الطائفي والديني كورقة رابحة في إشعال فتيل التعصب لتحقيق مآرب سياسية وسلطوية وماضوية تبتغي إعادة أمجاد إمبراطوريات زائلة واستحضار دوافع قديمة للانتقام والثأر.

في جرد سريع ومختصر لارتكابات النظام الحاكم في إيران، تتأكد لنا ضرورة إدانته في كل المحافل الدولية وعدم تبرئته أو تجاهله في حساب أي تحقيق لجرائم الإرهاب الجماعي؛ فمنذ توليه السلطة أعدم أكثر من 120 ألف شخصية إيرانية غير مرغوبة؛ اغتيالات متعددة وفي دول العالم المختلفة لشخصيات قيادية إيرانية، أهمها “بختيار” آخر رئيس وزراء في حكم الشاه بهلوي، وأين؟ في العاصمة الفرنسية باريس وقتل معه رجل أمن وامرأة فرنسيان؛ تصفيات لزعماء أكراد وبلوش وأذريين وتركمان وأحوازيين؛ تفجيرات في العديد من مدن العالم أبرزها تفجير بوينس آيرس بالأرجنتين عام 1994 وذهب ضحيته العشرات من القتلى والمئات من الجرحى؛ تفجير مطار سيمون بوليفار في كراكاس لإجبار الحكومة الفينزويلية على طرد اللاجئين الإيرانيين المعارضين، وقبلها في عام 1992 تفجير مطعم ميكونوس في برلين؛ أما التفجيرات في العراق ولبنان، فلا يمكن تعدادها هنا وحبلها على الجرار؛ انتهاكات للبعثات الدبلوماسية في الداخل والخارج، وتطول القائمة. في عام 2006 تأكد، بما لا يقبل الشك، التعاون الوثيق بين النظام الإيراني وحركة طالبان الأفغانية، وقبل أيام قليلة فقط تسربت وثائق تدعم حقيقة العلاقات بين الجانبين، رغم الاختلال المذهبي بينهما، وهذا مع مواقف أخرى يزيل الغموض حول شبكية جذور الإرهاب في المنطقة وانتشارها عالميا وتخادمها في النتائج والمصالح والغايات والنيات؛ وما يقال عن طالبان ينطبق على القاعدة لتواجد قيادات منها في إيران، تتحرك بأوامرها خلايا تناط بها عمليات إرهابية كما كشفت نتائج التحقيق في تفجير الخُبر عام 1996 وتفجيرات الرياض عام 2004.

يحيلنا هذا إلى علاقة نظام الملالي بداعش، فلولا داعش ما كان بإمكانهم التمدد في العراق وسوريا واستغلال الظروف الدولية المعقدة في المنطقة لصناعة هذه الخلطة العجيبة من الشعوذة والدجل، لتمرير أساليب رخيصة تحت عباءة قاتمة نسجتها السلطة، لكنها في الحقيقة لا تمثل سلطة دولة معاصرة، إنما دولة لا نتجنى عليها عندما ندعوها “دولة دراكولا” فهي لم تترك موبقة إلا وارتكبتها بحق شعوب إيران أولا، والشعوب المحيطة بها ثانيا.

ما نصل إليه، أن التحقيقات الجنائية والاستخباراتية والأمنية، بما يخص الهجوم على المصطافين في مدينة نيس الفرنسية والذي أودى بحياة 84 من الضحايا من مختلف الجنسيات بينهم 10 من الأطفال وأكثر من 200 جريح؛ التحقيقات لزاما عليها ألا تغفل أبدا خيوط الشك في تورط نظام الملالي في أي عمل إجرامي وإرهابي، مهما كانت الجهات التي تدعي مسؤوليتها عنه، ومنها داعش الذي يتبرع له العالم مجانا بالعمليات الإرهابية، وهو، أي داعش، يعتبر ذلك جزءا من برنامجه الترويجي في الترويع والصدمة وكسب العناصر بما يعرف بالخلايا النائمة والحقيقة هم من غير المنتمين تنظيميا إلى داعش، وبهذا سيكون كل المنتحرين في القريب العاجل دواعش.

جريمة إرهاب نيس، من التبسيط والتسطيح أن تنسب لخلل اجتماعي أو تعاطي مخدرات؛ هي جريمة لغرض سياسي لا ينبغي التفريط بدوافعه المباشرة، ودفعها دون مبرر إلى أحضان الهلوسة والرغبة في إلحاق الأذى بالآخرين لأسباب ذهنية.

مع كل مؤشرات استهداف فرنسا بالذات في يوم عيد ثورتها وموسم السياحة، وتكرار الجرائم الإرهابية، ووجود جاليات من المهاجرين من شمال أفريقيا، كنتائج حتمية للاحتلال الفرنسي وتعميم الثقافة الفرنكفونية وعوامل أخرى؛ لكن علينا ألا ننسى دور المعارضة الإيرانية على الأرض الفرنسية، والمؤتمر الأخير لائتلاف مجلس مقاومتها وأبرزهم منظمة مجاهدي خلق، وما أفرزه إجماع المشاركين والضيوف من شخصيات عربية ودولية مهمة، والتي أكدت مخاطر التوسع الإيراني وتغذيته للإرهاب والنزاع الطائفي وإيقاد حرائق الكراهية في ظل واقع الصراع الدولي المتفاقم.

إيران قابلت المؤتمر بالشجب والرفض واستدعاء السفير الفرنسي وتسليمه رسالة احتجاج شديدة اللهجة وصدرت عن مسؤوليها تهديدات لدول أخرى؛ كما سبق لفصائل الميليشيات التابعة لها، أن تبادلت التهاني المعلنة على لسان شخصيات من داخل إيران، ابتهاجا بالإرهاب الذي ضرب فرنسا في السنتين الأخيرتين، وكذلك الانتقادات والإدانات الإيرانية للمواقف الفرنسية تجاه جرائم ومجازر وإبادات النظام الحاكم في سوريا ضد الشعب السوري. إيران ومخاوفها من المعارضة دفعتها مرارا إلى تجنيد الأفراد لاختراق المعارضة داخل فرنسا وبأساليب استخباراتية تتعلق بتعاون مع جهات عراقية للنيل من بقايا المعارضة في معسكر “ليبرتي” الذين قتل منهم 25 شخصا قبل أيام من مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية. جريمة الدهس في مدينة نيس، ربما وهو الأرجح مدرسة لإطلاق إرهاب مفتوح، خارج نطاق سيطرة الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية أو سواها باستقصاءاتها التقليدية التي تعتمد أجهزة الكشف عن الأسلحة والمتفجرات أو أنوف الكلاب المدربة.

إرهاب يشبه إلى حد بعيد تنفيذ تبليغات أو طلبات توصيل الوجبات السريعة؛ جريمة نيس، رسالة، من رسائل متتابعة لفرنسا، خوفا من تكرار سيناريو معارضة إيرانية، ما قبل 12 فبراير 1979.