قاسم يوسف: إدفع الجزية يا نديم قطيش

212

إدفع الجزية يا نديم
 قاسم يوسف/بيروت اوبزارفر/17 تموز/16

أخطأ نديم قطيش. لا يختلق عاقلان حول هذه الخلاصة. وهو خطأ يندرج في إطار الذهاب عميقًا ضمن اللعبة التي يتقنها ويحترفها، حيث أن المقاربة المتسرّعة للمتحرك التركي لا تستوي مع طريقته التقليدية والساخرة في تناول التطورات الناجمة عن أساس ثابت. بمعنى آخر، التوتر السنيّ الشيعيّ على مستوى المنطقة لا يحتمل أي خروج مماثل في لحظة شعر فيها الجميع برهبة موصوفة ووجل غير مسبوق.لكن كبوة نديم تندرج حصرًا ضمن الإطار السياسي والتوقيت الخاطئ، وهو توقيت لا يحتمل أي نوع من الترف الفكري أو المناقشات الهادئة. فكل الأصابع على الزناد، والأنظار مشدودة نحو محصلة واحدة: إما أن ننزلق بلا قيامة إلى الأبد، وإما أن نخرج من المخاض بأقل الخسائر، أو لنقل بأفضل الممكن. لا مجال هنا لرأي آخر يقارب النزعة الاستبدادية أو دروس التاريخ والجغرافيا، ولا مجال أيضًا لتهكم سياسي بارد أو مشتعل. اللحظة أشبه بإصبع متفجّر، والكبسولة تتراقص في يد الجميع.

كانت الردود مفهومة ومتوقعة، رغم عنفها وخروجها المستفيض عن المألوف. لكن اللافت تجسّد في دخول مجموعات مُنظّمة ومسؤولة على خط الاستهداف والتحريض المُمنهج، ما بدا وكأنه محاولة مبيّتة لتعرية الرجل إنطلاقًا من غايات تتخطى إطار الأزمة الراهنة، وتتعداها إلى شخصنة الأمور وتصفية الحسابات الضيقة. وهذا ما بات واضحًا ولا لبس فيه، ودون ذلك شواهدٌ كثيرة لا مجال لتشريحها الآن.شكّل نديم قطيش، ضمن فترة لا بأس بها، رأس حربة في مشروع المواجهة، وساهم في صناعة رأي عام عبر مساحة بسيطة تفوّقت على كامل المنظومة الإعلامية لتيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار. وهذا ما انعكس بشكل مباشر على حياته وأمنه الشخصي، حيث اضطر، ولا يزال، إلى ترك لبنان والانتقال للعيش في بلد آخر بعيدًا من عائلته. كل ذلك لم يشفع له. فبدل أن يسارع البعض إلى تطويق الانفجار ولملمة الشظايا، أوغل خنجره عميقًا في خاصرة الرجل، وكأنها اللحظة التي انتظرها منذ أمد طويل.

ما هي الرسالة التي يجب أن نفهمها ويفهمها الجميع؟ هل تحوّل نديم اليوم إلى غريب يغرّد خارج السرب، وبالتالي لا بد من رجمه وكبحه وتذكيره مع مطلع كل صباح بالمعزوفة المذهبية المقيتة. هل يستحق المؤتمر العام كل هذا الصراخ والضجيج بعد صمت يُشبه صمت القبور؟ وهل بالفعل تكمن المصلحة في انتهاج خطاب شعبوي يدغدغ ظمأ الجمهور ويسوقه نحو الأمكنة الخاطئة؟ ثم ماذا عن التعددية والرأي الآخر والوفاء؟ هل ذهبت كل هذه القيم أدراج الرياح؟ أين كبار القوم من هذا العبث، وهل هناك بالفعل من أعطى الضوء الأخضر للدخول بقوة على خط التحريض وإثارة القلاقل؟

بالأمس ناصرت إيلي الحاج دون أي معرفة مسبقة بشخصه، شعرت بأنه أخطأ في التوصيف وفي التوقيت، لكن ذلك لا يستأهل الرجم أو الاختيار بين القتل وفرض الجزية، كذلك هي الحال مع نديم، الجميع يعرف بأن علاقتنا الشخصية ليست على ما يرام، لكن ذلك لن يحول دون رفع الصوت والقول بشكل مباشر: نعم. نديم أخطأ، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمه بحجر.