علي الحسيني: الإيرانيون يحرّمون على حزب الله المال النظيف/وسام سعادة: العالم يضيّع وقته بغضّ الطرف عن الباسدران على امتداد الشرق الأوسط

145

الإيرانيون يحرّمون على «حزب الله».. «المال النظيف»
علي الحسيني/المستقبل/04 تموز/16

وكأنه لا يكفي إيران بأنها الدولة التي ترزح تحت خط العوز والإنهيار الإقتصادي منذ عشرات السنين، حتّى أتى كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ليصب الزيت على النار ويُشعل غضب الإيرانيين بكلامه الأخير حول التمويل المادي الذي يتلقاه حزبه من إيران، وهو الأمر الذي اعتبره جزء كبير من الشعب الإيراني، أنه استفزاز لهم خصوصاً أنه جاء في وقت تدور فيه صراعات قوية بين الشعب والحكومة على خلفية سياساتها الإقتصادية والإجتماعية المُتبعة في البلاد، والدعوات المتكررة إلى القيام بإصلاحات سواء داخل الجامعات أو المؤسسات أو من خلال التظاهرات شبه اليومية في الشوارع والمدن والتي غالباً ما يسقط خلالها ضحايا في صفوف المواطنين.

بعد أيّام على كلام نصرالله خلال ذكرى أربعين مصطفى بدر الدين والذي قال فيه: «نحن وعلى المكشوف نقول للعالم كله نحن يا خيي على رأس السطح موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، وطالما يوجد في إيران فلوس يعني نحن لدينا فلوس«، خرجت الإنتقادات من كل حدب وصوب لما لهذا الكلام من وقع خطير على السياسة المالية المتبعة في لبنان وعلى علاقته بالمجتمع الدولي خصوصاً وأن الحزب قد صُنّف كمنظمة إرهابية ويخضع لعقوبات مالية ومراقبة مصرفية من الداخل والخارج، لكن الإنتقاد الأبرز جاء على لسان الضابط السابق في «الحرس الثوري الإيراني« محمد مهدوي فر والذي توجه الى نصرالله بالقول «تأكد بأنك في تصريحك هذا؛ قمت برش الملح على جراحنا نحن الشعب الإيراني. وأنا أسألك هنا كعالم دين، إذا كان الشعب الإيراني غير راض عن الأموال التي تذهب إليكم من خزينة بيت المال، هل يجوز شرعا لك أن تحصل على هذه الأموال؟«.

من المعروف أن المال الإيراني الذي يصل إلى «حزب الله» عن طريق إيران وتحديداً من «الولي الفقيه» شخصيّاً، هو مال يتم جمعه عن طريق النذور و«الخمس» و»الزكاة» والذي وبحسب الأصول الشرعية، يجب أن يذهب إلى الفقراء والمُحتاجين، وإلى «السادة» بحسب المفهوم الديني داخل الأجنحة المُتشددة في ايران، ومن هنا تتضاعف الإشكالات بين الحزب والشعب الإيراني الذي يرى بأن هذا المال يؤخذ من دربه لكن ليس هناك من جهة حكومية تُشرف على طريقة صرف هذه الأموال سوى مكتب أو ديوان «الولي الفقيه»، إذ انه لا يدخل ضمن سيادة الدولة ولا مؤسساتها المصرفية ولا اجهزة الرقابة فيها. وبدوره يوظفها «الولي الفقيه» لصالح المجموعات والأحزاب وحركات «المقاومة» في العالم، وفي طليعتها «حزب الله» الإبن الشرعي لـ»الثورة الإيرانية»، وذلك تحت شعارات «مقدسة» وواجبات «دينية» و»جهادية».

من المؤكد أن هذا المال الذي سبق لنصرالله أن وصفه بـ»الطاهر» و»النظيف»، لا يُصرف في موقعه الصحيح، فعوض أن يُصرف على الفقراء وأصحاب العوز والمرضى وعلى جزء كبير من رجال الدين في إيران أو العالم الإسلامي كما هو الحال في معظم الدول العربية، يقوم حُكّام إيران بتسليح جماعاتهم ودعمهم من خلاله، وبفتح جبهات حرب دائمة وتمويلها كما هو الحال في اليمن والعراق وسوريا التي يُقدّر بأنها تُكلّف إيران سنوياً ما لا يقل عن ثلاثين مليار دولار، وهذا ما دعا منذ فترة عمالاً ايرانيين متقاعدين من شركة «فولاذ أصفهان«، إلى تنظيم تظاهرة كبيرة طالبوا خلالها الحكومة، بحل المشاكل الاقتصادية الداخلية، ورددوا هتافات تدعوها للاهتمام بأوضاع العمال بدلا من التورط في سوريا.

يتعاطى «حزب الله» مع قضاياه أو أزماته المالية، على غرار الطريقة التي سار عليها في حربه السورية. سبق للحزب أن نفى تلقيه أموالاً من الخارج وبأنه يتكل في هذا الشق على مؤسساته الخيرية والإجتماعية وتحديداً «هيئة دعم المقاومة» ومؤسسة «لجنة إمداد الخميني»، وهذا النفي، ينطبق بداية على الحرب السورية وهو الذي لم يعترف بمشاركته بها، الا بعد مرور أكثر من عام على تدخله وذلك بعدما فاحت «روائح» إرتكاباته والإبادات الجماعية التي شارك في إرتكابها مع جيش النظام السوري والميليشيات العراقية. وحتى اليوم، فبعد مرور خمسة أعوام على إنغماسه في هذه الحرب التي لم تزده إلا خسائر، ينفي «حزب الله» ضلوعه في أي من المجازر التي تُرتكب بحق السوريين الأبرياء، في وقت يقوم بمُحاصرتهم وتجويعهم وتشريدهم من ديارهم وإجبارهم في معظم الاحيان على بيع ممُتلكاتهم كما حصل في «مضايا» و»الزبداني» أو إحتلالها كما حصل في «القصير».

اليوم وإنطلاقاً من هذا المال، يتحضر «حزب الله» مجدداً لمعركة حلب. في أحياء الضاحية الجنوبية، ثمة من يتحدث عن الشُبّان الذين تم استدعاؤهم مجدداً لإرسالهم إلى ريف حلب الجنوبي خصوصاً بعد الخسارات المتتالية التي لحقت بالحزب والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية والأفغانية. يقول هؤلاء أنه تقرر إستدعاء فرق متعددة مثل: «الرضوان» و»النصر» و»عزيز» و»بدر» من الجنوب، و»عمّار» من بيروت، وكتيبة «حيدر» من البقاع. وتُعتبر هذه الفرق من «القوّات الخاصة» في الحزب أي النخبة، ويعقد الحزب عليها أمالاً كبيرة لتغيير سير المعركة هناك وقلبها لصالحه، لكن وعلى الرغم من قوّة هذه الفرق، إلا أن الخوف بدأ يتسلل إلى قلوب جمهور الحزب وأهالي عناصره على وجه التحديد لأن المعطيات الميدانية بحسب المتواجدين على أرض المعركة في حلب، تشي بسقوط ضحايا كُثر لأسباب كثيرة، منها، أن حلب مدينة تفوق لبنان مساحة بعشرات المرات، بالإضافة إلى أن حدودها مفتوحة على أكثر من جهة.

«الراسخون» في علم «حزب الله» و»دهاليزه» السياسية والعسكرية، يؤكدون أن نصرالله أصبح يستشعر بدايات تململ وربما أكثر من ذلك لدى جمهوره الذي بدأ بالفعل يتساءل عن جدوى سياسات الحزب وعن ضريبة الدم التي تطال أبناء الطائفة الشيعية في حرب كل هدفها الحفاظ على بشّار الأسد. وهؤلاء أصبحوا على قناعة اليوم، أن الحزب انخرط في مقلب آخر غير الذي ادّعاه لنفسه على أن مقاومته تُعنى في الأصل بالنضال والقتال من أجل الحريّة، فبرأيهم أن أهمّ ما في المقاومات ليس سلاحها ولا عديدها ولا ترسانتها الصاروخيّة، إنما عدالة قضيّتها وتفوّقها الأخلاقي. وبمجرد دفاعه اليوم عن قاتل كان أمر والده حافظ الأسد بقتل لبنانيين ومنهم عناصر من «حزب الله» نفسه، فهذا يدل على فقدان معنى المقاومة وتحوّلها إلى فيلق للدفاع عن نظام ظالم ومستبدّ. وثمّة من في داخل «حزب الله»، بدأ يروّج منذ أيّام قليلة، لفكرة أن دعم حركات «المقاومة» في العالم التي تدعمها إيران، إنما تستمد دعمها المالي من مقام «الامام علي الرضا» في مدينة «مشهد» في إيران، وهو مقام يدر يومياً ملايين الدولارات من خلال تبرعات الطائفة الشيعية في العالم، لكن هناك من يسأل «حزب الله» ومن ورائه الإيراني، عن أحقيّتهم في تطويع هذا المال لصالح «مشاريع الموت» التي يمولونها ويقودونها على مساحة الوطن العربي، وعن «شرعة» التسليح المُستمر ودماء الشُبّان التي تُسال يوميّاً في سوريا؟.

 

العالم يضيّع وقته بغضّ الطرف عن «الباسدران» على امتداد الشرق الأوسط
وسام سعادة/المستقبل/04 تموز/16

يضيّع العالم وقته، طالما ظلّت المنظومة العسكرية الأمنية الأيديولوجية، العابرة للحدود، والتي هي أيضاً شبكة مالية ضخمة، والتي اسمها «الحرس الثوري الإيراني»، منظومة يميّع الخوض في مسألتها بوصفها مشكلة عارمة قائمة بذاتها، إما لإدراجها على هامش البحث في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية والايرانية ـ الغربية، كما لو كان «الحرس» مسألة تقنية أو جهازاً تنفيذياً، وإما لتناولها بالمفرّق، ايرانياً وعراقياً وسورياً ولبنانياً ويمنياً وخليجياً، والحكم عليها بإيجابية نسبية هنا وبسلبية عاطفية هناك، في حين يطرح «الحرس الثوري» نفسه كـ «وحدة جهادية»، كحرس شاهنشاهي وأممي في وقت واحد، وبشكل يزداد حدة وضراوة في هذه اللحظة بالذات، بما هي لحظة تقرير «الأنسب» لخلافة المرشد علي خامنئي. بيد أن تحاشي الخوض في مسألة «الحرس الثوري الإيراني»، وأشكال تمدّده وتفرعنه في بلدان المشرق العربي، يعني أيضاً تحاشي التقدم أي خطوة جدية على صعيد معالجات كافة الملفات الملتهبة والعالقة. لا حلول في اليمن والعراق وسوريا ولبنان من دون مقاربة دور «الباسدران» وتمدّده، وإدارته للمعارك ونسج الرابطة في ما بينها، ونقل مقاتلين من جبهة إلى أخرى، وتشجيعه على فتح جبهات جديدة.الافراج عن أرصدة ايران المالية ان كان يصب في حساب الحرس لن يخدم أبداً لا أمن المنطقة ولا أمن العالم.

أما تنظيم «الدولة الاسلامية»، فإن كل الرهانات على إضعافه بمساعدة «الحرس» أدت الى تقوية هذا الحرس أكثر مما أدّت الى اضعاف تنظيم «الدولة». لاكتفاء بالمقارنة بين أساليب وصنائع «القاعدة» و»داعش» وبين منظومة «الحرس الثوري الايراني» بتشعباتها وامتداداتها كثيراً مع تدفع مراكز البحث ودوائر التقرير الغربية والأميركية لترجيح خطورة النموذج الأول، «غير المنظورة دركات أعماله»، لا سيما في حالة تنظيم الدولة، على النموذج الثاني، الحرسي، التراكمي، التمدّدي. ولا شك ان هذه المقارنة لها ما يبرّرها لو كان من الممكن الفصل بين الأمور هكذا، وجعلها معلّقة في الفضاء، لكن الواقع ليس هكذا، الواقع تفاعلي بين هذين النمطين من «التشكيلات الجهادية العابرة للحدود»، بحيث ان إضعاف واحدة بتقوية الاخرى يعود فيقوي هذه وتلك، في حين ان استراتيجية إضعاف شاملة لكل هذه التشكيلات، هي التي يمكنها ان تضعف كل واحدة منها. إضعاف «داعش» يمرّ بإضعاف «الحرس الثوري»، وبتقليل تدخله في البلدان العربية، ودعم من يعمل على تقنين تدخله هذا، من خلال إنتاج تسويات يمنية وعراقية وسورية ولبنانية تضمن جدياً هذا الأمر. أما توهّم تقوية «الحرس» لإضعاف «داعش»، او العكس، فهذه هي الاستراتيجية الغربية الكارثية التي اعتمدت بشكل أو بآخر منذ الثورة الايرانية والاجتياح السوفياتي لأفغانستان، باختلاف المراحل والمنعطفات، استراتيجية «تجميل» التطرف السني في مواجهة التطرف الشيعي، ثم تجميل التطرف الشيعي في مواجهة التطرف السني، والتعويل على القومية العربية في مواجهة ايران، ثم التعويل على التوسعية الايرانية في مرحلة ما بعد اقتلاع نظام صدام، للتشارك معها في ادارة الحال العراقية، ثم للتشارك معها في مواجهة الظاهرة الداعشية، الامر الذي ساهم في استعصاء وانتشار هذه الظاهرة، في مسلسل رعب كوكبي متواصل، يضرب أنى استطاع، ويتبنى كل صاحب هوس تدميري على هذه المعمورة. العالم يضيع وقته طالما ظل يتعامل بخفة مع «سندبادية» رأس الحرس الثوري، المتنقل على جبهات القتال والتناحر المشرقية، المزمجرة مرة بوجه العرب السوريين ومرة بوجه أكراد العراق، المتدخل باليمن وبمعظم بلدان الخارطة، مع حالة خاصة في لبنان، البلد الذي يغلّب فيه «حزب الله» باسدرانيته على كل ما عداها، في شخصيته وفي تجربته من عناصر. فمشكلة الحزب ليست «ايرانيته» بالمجرد، وليست حتى موالاته لولاية الفقيه، بل ان الجهاز القابض عليه هو جهاز عضوي في «الحرس الثوري»، تماماً مثلما ان هيمنة «الحرس» على دمشق هي مشكلة لا تقل كارثية عن كارثة النظام السوري نفسه.