د. سوسن الأبطح: انغماسيون لاغتيال المباهج/ديانا مقلد: تمويل حزب الله يزعج الإيرانيين

181

انغماسيون لاغتيال المباهج
د. سوسن الأبطح/الشرق الأوسط/04 تموز/16

شاء عشاق الخراب أن يستبقوا احتفالات الصيف اللبناني، التي تبدأ بعد العيد مباشرة، بهجمات وحشية متتالية تشلّ الموسم، وتزرع الرعب في قلب كل من تسول له نفسه القدوم إلى لبنان، أو حتى الخروج من بيته. ثمة ما يشبه التنافس الشرس بين إرادة الحياة والرغبة الجامحة في اغتيالها. الهجومان الكبيران اللذان نفذهما ثمانية انتحاريين على بلدة القاع الحدودية مع سوريا حاولا ضرب عصفورين، على الأقل، بحجر واحد. استهداف بلدة ليست بعيدة عن موقع «مهرجانات بعلبك الدولية» التي تحتفل بستينية انطلاقتها من القلعة الرومانية الأثرية، وتفتتح بعد أيام بعمل غنائي استعراضي ضخم لـ«فرقة كركلا» يفترض أن يجتذب آلاف الزوار إلى بعلبك، وتوجيه رسالة دموية إلى أهل البلدة ذات الأغلبية المسيحية بأنهم مهددون في أرضهم وبيوتهم وأماكن عبادتهم. مخططان إجراميان آخران تم كشفهما بشكل استباقي، ليسا بعيدين في روحهما عن جرائم القاع. واحد كان يهدف إلى ضرب الضاحية في ليلة القدر، حيث أكبر تجمع بشري ممكن، والثاني كان يرمي إلى الهجوم على مرفق سياحي كبير كان ينتظر انطلاقة «أوبرا عنتر وعبلة» في إحدى صالاته الفارهة، حيث سيجتمع لها على المسرح أكثر من 140 فنانًا بين مغنى وراقص وعازف وممثل. تطور الحسّ التخريبي للمتطرفين الإرهابيين الذين كانوا يقنعون بملهى صغير أو دكان أو مقهى على قارعة طريق، وصاروا يبحثون عن المسارح والمتاحف والأماكن الأثرية، ليس إجلالا منهم لأهمية الفن في حياة الشعوب، بل انتقامًا ممن يحاربون البؤس بالابتكار، ويتغلبون على اليأس بأمل التجديد والبحث عن الفرح بالإبداع. ومع الانتحاريين بأحزمتهم المفخخة، جاء الانغماسيون بقنابلهم ورشاشاتهم ليجعلوا الموت أكثر رعبًا وبشاعة.المطارات وجهة الباحثين عن الاكتشاف، لذلك هوجم بلا رحمة مطار بروكسل، ومثله «أتاتورك» الذي شهد سيناريو أعنف وأبشع، وهو المطار الثاني في العالم من حيث عدد المسافرين الذين يصلون إلى 42 مليون مسافر سنويًا. وقبلها ضرب الإرهاب «شارع الاستقلال» في إسطنبول، محجة السياح الأجانب ومكان تسكعهم، وكذلك سالت الدماء، في أكبر وأهم الساحات في المدينة، بالقرب من المسجد الأزرق وآيا صوفيا. ويقال إن المخربين نفذوا ما يزيد على 50 عملية إرهابية في تركيا خلال سنة ونصف أودت بحياة 200 شخص، وهو ليس بالقليل لأحد أكثر بلدان المنطقة ازدهارًا، وسادس وجهة سياحية في العالم أجمع، يصل مدخولها من زوارها إلى 35 مليار دولار سنويًا.

تمكن الإرهابيون من خفض عدد الزوار الأجانب إلى حدود غير مسبوقة في تركيا. والسياحة رئة الاقتصاد لبعض البلدان، مثل مصر التي استهدف الأجانب فيها في منتجعاتهم، ومثلها تونس التي تحاول بالكاد أن تنفض عنها غبار الأسى. وتبين أن الربيع العربي البائس نهش 8 مليارات دولار من مداخيل السياحة العربية في عام 2011 وحده، وليس لك إلا أن تترحم على عشرات المليارات التي أهدرت من حينها، بعد أن أصبحت سوريا واليمن وليبيا والعراق مجرد بلدان تحصي النشرات الإخبارية أعداد ضحاياها. لا تزال فرنسا تحاول التخلص من كابوس هجمات العام الماضي دون جدوى. البلد الذي كان يتطلع إلى 100 مليون سائح بعد ست سنوات لم يعد قادرًا على الاحتفاظ برقم 16 مليون، الذين ارتادوه العام الماضي. ثمة مخاوف من خسارة 500 ألف وظيفة بسبب تراجع عدد الزوار إلى النصف. لا ننسى أن إنذارات عدة كانت قد تسببت بإغلاق «برج ايفل»، وأن الهجمات كانت شديدة الاستعراضية والوحشية وهي تطال رواد «مسرح باتاكلان» وهم يحضرون حفلا غنائيًا، وشارعا للمقاهي ولتجمع الساهرين الشباب. أهل الخراب لم يعودوا يبحثون عن طائرات ومراكز تجارية وقطارات فقط، بل صاروا أكثر خبثًا وحقدًا على طلاب الفرح والمتع، وتحقق لهم ما أرادوا، وهم ينجحون بنشر روح النكد في العالم.

السائح جبان ولا يريد غير الاسترخاء. لذلك، وبعد الهجوم المريع على مطار «أتاتورك»، ألغى كثيرون رحلاتهم ليس فقط إلى تركيا، وإنما إلى وجهات كثيرة أخرى لا تبدو لهم آمنة ومريحة، مثل فرنسا أو ألمانيا. وبينت دراسة أجريت من قبل وكالة دولية للسياحة لمعرفة توجهات المسافرين هذا الصيف بعد كل ما سمعوه ورأوه، أن أقل من نصفهم بقليل يتابعون الأخبار بعناية قبل تحركهم، ويتأثرون بالمناخ العام، وأن 15 في المائة منهم ألغوا سفراتهم كليا، وفضلوا البقاء حيث هم، أو الاستجمام في محيط قريب، وأن ربع الراغبين في السفر غيروا وجهتهم بالكامل إلى أماكن يعتبرونها أكثر أمنًا. والدول التي تحولت إلى ملجأ واستفادت فعليًا من الحقد الإرهابي هذه السنة، هي إسبانيا وإيطاليا، وبشكل خاص البرتغال وإندونيسيا وتايلندا. وإذا كانت بعض البلدان تعترف بالأرقام والإخفاقات، فإن لبنان الذي يعاني الحروب من سبعينات القرن الماضي، لم يلغ لغاية اللحظة مهرجانًا أو حفلاً، ويقول أهله إن لهم ملء الثقة بالجيش اللبناني، وبإرادتهم الصلبة، ويشجعون السياح على الالتحاق بهم إلى مباهجهم الصيفية العامرة التي وصلت إلى ما يقارب 100 مهرجان، وصار لكل بلدة احتفالاتها. الحرب ضروس بين المصرّين على تجاهل التهديدات للانتصار عليها والراغبين في كسر إرادة الفرح. لعبة عض الأصابع على أشدها هذا الصيف، والغلبة لمن يصبر أطول ويحتمل ويسجل النقاط. ومع شعب يقاوم العنف منذ أكثر من أربعين سنة، على الأرجح، سيذهب الانغماسيون إلى الجحيم.

 

تمويل حزب الله يزعج الإيرانيين
 ديانا مقلد/الشرق الأوسط/04 تموز/16

الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن التمويل الإيراني المباشر لحزبه، ذكرني بهتافات ملأت سماء طهران قبل سبع سنوات. فحينها لم يكن هتاف «الموت للديكتاتور» الوحيد الذي صدح في الشوارع ضمن حركة احتجاج عام 2009، قبل أن تسحقها بقسوة قوات الأمن. فقد ردد حينها المتظاهرون شعارات تتعلق بالحريات والعيش بكرامة، ومن بين ما رفع عبارات «لا غزة ولا لبنان، حياتي لإيران». كانت تلك شرارة الرفض العلني المحلي الأول للدعم المالي والعسكري لحزب الله ولحركة حماس. يقال إن المرشد الإيراني علي خامنئي قد غضب شخصيًا من تلك الشعارات تحديدًا، وكان هذا أحد العناوين التي أرادت حركة القمع الشديدة التي مورست أن تضبطه. وفعلاً تم قمع حركة الاحتجاج فقتل من قتل، واعتقل المئات، وأعدم العشرات وفُرض تعتيم كبير ومنعت وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، وبات أي عمل إعلامي خصوصًا الإلكتروني خاضعًا لرقابة مشددة. واليوم يأتي الكلام المباشر لنصر الله عن تمويل الحزب من إيران، خاتمًا جملته بـ«طالما تملك إيران المال فنحن نملك المال» ليعيد إلى الأذهان احتجاجات الأمس والمعاني التي حملتها في هذا الوقت بالذات الذي يعيشه الداخل الإيراني. فقضية تمويل حزب الله السخي من قبل إيران، ومعه مجموعات مسلحة أخرى كحركة حماس ومجموعات المقاتلين اليوم في سوريا، وما تستنزفه من أموال إيرانية، في حين يعاني الإيرانيون من ضغوط اقتصادية أتت متزامنة مع قضية ضجّ بها الرأي العام الإيراني، وهي حجم ارتفاع مرتبات موظفي الدولة الكبار. فقد تم تسريب قسائم دخل لمجموعة من موظفي الدرجة الأولى، والتي أظهرت تضخمًا كبيرًا، مقارنة بمعدل مرتبات موظفي القطاع العام. أعادت هذه القضية التي انشغل بها الرأي العام الإيراني الأنظار إلى الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشعب، والتي يصعب أن يتم عزل كلام نصر الله عن تمويل مباشر، وهو حتمًا ضخم من إيران، عن سياقها. صحيح أن لمس ذلك ليس سهلاً في بلد يحظر النقاش الحر، ويمنع وسائل التواصل الاجتماعي، لكن تعليقات بدأت تطفو خصوصًا في أوساط المعارضين في الخارج أو في أوساط من تمكنوا من خرق الحظر الداخلي، ووضع تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو ما هو متاح منها. وهنا لا بد من التوقف عن المباهاة التي كرّرها نصر الله في أسبوع واحد حول «السخاء» الإيراني، وهي مباهاة لا تنسجم مع النتائج الهزيلة التي حققها الاتفاق النووي لطهران لجهة إحداث انفراجة بين النظام وبين العالم، خاصة على الصعيد الاقتصادي. فالشركات العالمية لم تتوجه إلى طهران، والعالم ما زال حذرًا من اقتصاد تمسك به زمرة أمنية، وتوزع ريوعه على جماعات مثل حزب الله. تمويل حزب الله سيبقي الاقتصاد الإيراني خارج الدورة الاقتصادية الطبيعية، وهذا أمر لن يتمكن القمع الإيراني من ضبط آليات الاحتجاج عليه مهما خنق الإعلام.