إيلـي فــواز: بدر الدين

168

بدر الدين
إيلـي فــواز/لبنان الآن/18 أيار/16

ستبقى عملية اغتيال مصطفى بدر الدين غامضة لبعض الوقت، كما هو واضح من التناقض والارتباك في الروايات التي تكلّم عنها حزب الله ووسائل اعلامه، على عكس رواية اغتيال عماد مغنية مثلاً التي كانت واضحة تماماً في تفاصيلها.
طبعاً هذا لا يخفّف من حجم الخسارة التي مني بها حزب الله. فبدر الدين ليس شخصاً عادياً في هيكلية حزب الله، إنْ من خلال الخبرات التي راكمها على مدى سنين عمله العسكري والمهمات الخطيرة التي أُوكلت اليه، أو على صعيد العلاقات التي نسجها مع رجالات نظام الامام الخميني وذلك قبل اندلاع الثورة في ايران وقبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982.
علاقة بدر الدين بدأت مع الايرانيين المناهضين للشاه والموالين للامام الخميني الذي وجدوا في لبنان ملاذاً آمناً في سبعينيات القرن الماضي. إذ إن لبنان كان قد بدأ يفقد سلطته على كامل أراضيه خاصة بعد دخول الجماعات المسلّحة الفلسطينية هاربة من جحيم الأردن، ما شكّل مكاناً آمناً للتدريب والتنظيم والتخطيط للعمليات، خصوصاً وأنّ فيه بيئة شيعية كبيرة كان يقودها الإمام موسى الصدر وقد ساعدت المعارضة الايرانية وقتها.

عمل رجالات الإمام الخميني حينها على تكوين حزب شيعي يبايعه. ومن بين أولئك المسؤولين الذين تولّوا الملف كان جلال الدين الفارسي المقرّب من آية الله حسين علي منتظري الذي كان يدير مكتب حركات التحرير الذي كان نواة للحرس الثوري الايراني، وحجة الاسلام علي أكبر محتشمي، الذي أصبح سفيراً لإيران في سوريا، ويُعتقد انه الرأس المدبّر وراء تفجير مركزي المارينز والمظليين الفرنسيين في بيروت، بالاضافة الى محمد صالح حسيني احد مؤسسي الحرس الثوري الايراني.

بدر الدين وعماد مغنية التقيا من دون أدنى شك برجالات الامام الخميني في لبنان وجُنِّدا على أيديهم. من هنا تأتي أهمية الرجل في خبراته وعلاقاته، وليس زيارة قاسم سليماني العزائية لعائلة بدر الدين سوى اشارة الى أهمية الرجل ومكانته لدى النظام الإيراني.
يدخل هذاالاغتيال ضمن الحرب المفتوحة بين اسرائيل من جهة، والحرس الثوري الايراني وحزب الله من جهة ثانية، وله أبعاد عدّة. فهو يأتي بعد سلسلة اغتيالات لقيادات مهمة في حزب الله، ما يعني انه ثمة اختراق مخابراتي كبير من أجهزة استخبارات عالمية، لعلّ أبرزها الموساد.
كما يتضح يوماً بعد يوم تدنَي قدرات حزب الله الاستخباراتية وفشله في حماية أهم كادراته، وبالتالي اهتزاز تلك الصورة الحديدية التي لطالما سوّقها في مخيّلة العامة، خصوصاً بعد انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان.

ويأتي هذا الاغتيال ايضاً في ظل حملة من قبل الولايات المتحدة الاميركية لتجفيف منابع المال لدى الحزب وحثّ كل شركة او فرد يتعامل معه على قطع كل العلاقات التجارية او المالية، حتى لا يقتص منه النظام المالي العالمي تماما كما حصل مع ال سرحان وشركة “فياتك” التي بفعل العقوبات الاميركية عليها اصبحت خارج السوق اللبناني.
سوريا تبدو اليوم كمستنقع يبتلع كل القوى التي تحارب من اجل السيطرة عليها. صحيح ان الرئيس الأميركي باراك اوباما يعمل جاهداً من اجل تثبيت نفوذ ايران فيها، ولكن من الواضح أن المنطقة لا تخضع لإرادة الرئيس الاميركي بالكامل. فهناك دول فاعلة لا ترضى بهذا النفوذ بحالته اليوم، وستحارب من أجل إفشاله بجميع الوسائل الممكنة.
المنطقة أمام خيارين: إما تغيير في السياسة الاميركية وهو أمر مستبعد أقلّه على المدى المنظور حتى بوجود ادارة جديدة العام المقبل، وإما الاستمرار في حروب استنزاف طويلة.

في الحالتين عودة حزب الله رافعاً راية النصر كما حلم بدر الدين يوماً، تبدو اليوم اكثر من اي وقت مضى من المستحيلات.