محمد قواص: مسيحيو لبنان وكليمنصو الجديد/العرب: مازق ‘المستقبل’: كيف تدين حزب الله وتبقي على الحكومة/العرب: الحكومة اللبنانية المتراخية أول المعنيين بالإجراءات الخليجية

285

مسيحيو لبنان وكليمنصو الجديد
محمد قواص/العرب/04 آذار/16

عمل المسيحيون اللبنانيون على حماية أنفسهم داخل كيان جاهدوا لنيله وانتزعوه من براثن الدول العظمى المتقاتلة. انتقلوا من متصرفية تسللت من وراء ظهر السلطنة العثمانية، باتجاه دولة مستقلة رسموها مع الفرنسيين، بما يكفل لهم ولكيانهم ولفكرتهم ديمومة وأمانا. كان بإمكانهم أن يختاروا دولة مسيحية خالصة نقية، فأبوا ذلك، وكان بإمكانهم أن يستسلموا لقدرية أن يكونوا جزءا من كيان أكبر لوّحت به الثورة العربية الكبرى، فأبوا ذلك أيضا. عام 1919، في قصر فرساي، سأل رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جورج كليمنصو وفدا من مسيحيي لبنان عما يريدون؟ دفعوا بالخرائط، ورفضوا أن تُضم دمشق إلى دولتهم العتيدة، “كونها عاصمة سوريا”، فكان أن استسلم جورج كليمنصو لمزاج الوفد، ورُسمت على طاولة خارطة لبنان الحالي.
التقيت الدكتور فارس سعيد مؤخرا في الرياض من ضمن المشاركين بمهرجان الجنادرية. أفرج الرجل عن قلق مسيحي، وعن حرص على طبيعة الكيان. في مواقفه السياسية ما يعكس نضجاً لا يتأثر بنزق “الحرتقات” السياسية الراهنة، بل إن في خطابه عبق انبهار بالتاريخ. وفي موسم العصبيات، تحت عناوين الخوف، يدافع فارس سعيد عن هذه الخلطة اللبنانية بصفتها الوصفة الصحيحة للدفاع عن مناعة الوطن. وحين تسأله عن سرّ ذلك النضج وذاك الاختلاف، يقول لك الكثير عن تيار تاريخي لدى مسيحيي لبنان في اعتماد تلك المقاربة المعتدلة الوسطية التي تعتبر الوجود المسيحي أصيلا عريقا من خلال تواصله واعتباره امتدادا لهوية المنطقة. يسألُ فارس سعيد المسيحيين هذه الأيام ماذا لو أتاكم كليمنصو هذه الأيام وسألكم ماذا تريدون فبماذا تجيبون؟ مناسبة السؤال أتت ضمن خطاب ألقاه في خلوة سيدة الجبل الأخيرة. في السؤال تحرّش حاذق بالوجدان المسيحي، ذلك أن المسيحيين “أم الصبي”، وأنهم يتحملون مسؤولية “اقتراف” نشوء الكيان اللبناني، وربما يتحملون، أيضا، قسطاً خفيا من المآلات الراهنة له.
دافع المسيحيون بالكلمة والفكرة والتميّز والسلاح عن لبنانهم. ولبنان بالنسبة إليهم هو تلك الفكرة التي أرادوها استثناء متقدما في هذا الشرق. ظنوا لوهلة أن بإمكان الفكرة في عجينتها الفلسفية أن تصمد أمام تبدل الطبائع وتغير الأحوال في نفس هذا الشرق الذي لا يستقر على حال. وحين بدا لهم أن الفكرة اللبنانية التي يقدّسونها باتت أصغر من لبنان الذي ارتضوه ورسموه، راحوا في “ساعات التخلي” يبشرون بتقطيع الكيان على مقاس الفكرة، حتى لو كان ثمن ذلك تقسيما وتفتيتا. عرف المسيحيون خلال الحرب الأهلية حلقات دراماتيكية نبهت العقل المسيحي إلى الهاوية التي يسيرون نحوها. خاض المسيحيون آنذاك حروبا داخلية، مسيحية مسيحية، تحت مسميات مختلفة، على النحو الذي بدا فيه أن إثم التقسيم يتمدد داخل الجسم المسيحي نفسه، بحيث يصار إلى الانتحار من أجل تحويل الفكرة إلى مقدس يولّد دكتاتوريات لا تشبه التجربة اللبنانية منذ النشوء. لا يمكن للمسيحيين إلا أن يعتبروا أنفسهم استثناء في محيط طاغٍ. المسيحيون العرب هم أقلية في الكمّ مقارنة بالمسلمين، وبالتالي لا يمكن تجاهل هذا الثابت خجلاً من متحوّلات هذه الأيام. صحيح أن عقائد المنطقة العروبية والقومية السورية واليسارية الاشتراكية الشيوعية قد “شوّهت” نقاء الفكرة المسيحية التي أسست للبنان أوائل القرن الماضي، بيد أن سقوط تلك العقائد حرر المسيحيين من براثن الأيديولوجيا وأعاد للفكرة المسيحية بريقا، ربما تجلّى في ما وسمه البابا يوحنا بولس الثاني من أن لبنان ليس بلدا، لبنان هو رسالة.
يتأمل مسيحيو “الخلوة” العالم وقد تغير. في ورقة سعيد ما يفصح عن ذلك؛ عالم معولم بقيادة واشنطن، فشل النظام العربي، بروز التطرف ما بين ولاية الفقيه والخلافة، دخول الإسلام كناخب في أوروبا، بروز تيار مدني أفرج عنه “الربيع العربي”، إطلالة دول إقليمية غير عربية على شؤون العرب، بروز دور جديد للرياض، تقدم روسيا في المنطقة العربية، والعودة من جديد إلى مقاربة المنطقة من خلال إثارة موضوع الأقليات.. إلخ. هي محطات تذكّر المسيحيين بأنهم ما باتوا يقطفون ثمار حروب كبرى، بل أنهم يعيشون في زمن الحروب العبثية التي قد تفتك بهم وجودا وحضورا، أو الاثنين معا.
يدرك المسيحيون بوعي أن الشراكة مع المسلمين باتت ضرورة وليست قدرا، وأن لبنان الذي أرادوه مسيحي العبق بات بلدا مخصّبا بفضاءات متعددة، لكنه شديد الالتصاق، وربما الانبهار، بالفكرة المسيحية للبنان. وفي الانقسام الحالي المتناسل من الصراع السني الشيعي، يذهب المتخاصمون للتلطي خلف درع مسيحي يطهره من ذنب “الزنى” مع ما يُبث من خارج الحدود. وإذا ما اعتبر البعض أنه بات للسنّة مسيحيوهم، وأصبح للشيعة مسيحيوهم، فإن العاقل يلاحظ كم أن المسيحيين يجاهدون للحفاظ على كيانهم بمقاربة الأمر الواقع لا الخضوع له. ربما أن تعويل المسيحيين على ضرورات التعايش مع المسلمين داخل البلد الواحد، يعود أيضا، إلى تمسك المسلمين بالمناصفة، التي نصّ عليها اتفاق الطائف، ليس منّة بل حاجة إلى الحفاظ على استثنائية لبنان وفرادته في هذا الشرق الكبير. وربما أيضا بات المسيحيون مدركين أن خلافات الأغلبية في هذا الشرق ورواج الفتن داخلها لن يكون مناسبة تحمي الأقلية وتؤجل الشرور ضدها. بدا أن الفتنة السنّية الشيعية التي تأخذ أشكالا متباينة في المنطقة، وأشكالا مؤذية في لبنان، أضحت شأنا مسيحيا بامتياز. نعم هو شأن مسيحي بات يهدد أمن المسيحيين والمسيحية في لبنان. بات على المسيحيين أن يدلوا بدلوهم لإنهاء تلك الحالة والتخلص من خبثها. لم يعد من الفطنة أن ينأى المسيحيون بنفسهم عن فتن الآخرين ويكتفون بتأملها عن بعد. في أعمال خلوة سيدة الجبل ما يوحي بذلك ويؤسس لمنطق آخر في مقاربة أمر الكيان اللبناني. المتشائمون يتحدثون عن اندثار للمسيحيين في الشرق، ليس بسبب العنف والحروب والفتن فقط، بل أيضا بسبب تبدل الأحوال وابتعاد القناصل واختلاف أولويات العالم، وربما أيضا لأن هذا الشرق لم يعد يروق في يومياته لمسيحييه، وهم يزحفون كل يوم باتجاه الغرب.بيد أن ذلك التشاؤم لا يتأسس إلا على سوداوية متسرعة، لا على أسٍّ متين، ذلك أن المسيحيين في هذا الشرق، لا سيما في لبنان، يستمدون قوتهم، وفرادة ما أنجزوه، من عبق هذا الشرق، وبالتالي سيكون تمسكهم بالبيت الأصيل جزءا محوريا من مسيحيتهم. أهم ما خرج عن خلوة سيدة الجبل هذا العام سؤال “هل نستطيع خوض معركة النهوض بلبنان والدفاع عنه”؟ وكان الجواب بسيطا “نعم!.. بالتأكيد”. وفي ما خرج عن خلوة سيدة الجبل ما يفيد أن تأملا عقلانيا بات ضروريا لتحضير المسيحيين لتوفير الأجوبة الناضجة في حال أتاهم كليمنصو جديد يسألهم: ماذا تريدون؟

مازق ‘المستقبل’: كيف تدين حزب الله وتبقي على الحكومة
العرب/04 آذار/16
لم يحن الوقت بعد
بيروت – قالت مصادر سياسية لبنانية إن تصريحات وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بشأن “حزب الله” إنما تعبر عن طبيعة المأزق السياسي اللبناني وتأثيرات الضغوط السعودية المتصاعدة على “تيار المستقبل” بما يعكس التوجه السعودي الجديد للتعامل مع الملف اللبناني.
وأوضحت أن المعادلة التي تتحكّم في الوضع اللبناني من الدقّة بمكان وهي أقرب إلى المفارقة التي يجد “تيّار المستقبل” نفسه فيها بسبب القناعة التي لدى رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري بأن الوقت غير مناسب لسقوط حكومة تمّام سلام قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وأعربت المصادر عن اعتقادها أن الهدف الأوّل للحريري والفريق المحيط به الذي يضمّ وزير الداخلية نهاد المشنوق يتمثّل في المرحلة الراهنة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقالت إن التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية وعدم سقوط الحكومة الحالية جعلا الحريري و”تيّار المستقبل” الذي يتزعمّه يتحفّظان، كمشاركين في الحكومة، عن وصف “حزب الله” بأنّه “إرهابي” في الاجتماع الذي عقده وزراء الداخلية العرب في تونس.
ولم يتردد المشنوق في بيان أصدره عقب الاجتماع بالتذكير بعمق المأزق اللبناني في المواءمة بين تيار سياسي ينتمي إليه يواجه “حزب الله” والجلوس في حكومة واحدة مع الحزب، وبدا وكأنه يذكّر السعودية بأنه و”تيار المستقبل” في مواجهة مفتوحة مع “حزب الله” وإيران في لبنان.
وكشفت أن “تيار المستقبل”، الذي عليه التعامل مع التوازنات الدقيقة للوضع الداخلي، يدرك تماما طبيعة “حزب الله” والأدوار التي يلعبها في غير بلد عربي، لكنّ الأولوية في لبنان حاليا هي لمنع امتداد الحريق السوري إليه من جهة وتفادي مواجهة مباشرة ذات طابع مذهبي مع “حزب الله” من جهة أخرى.
وذكرت أنّه على الرغم من القناعة التامة لدى الحريري بأنّ “حزب الله” تولّى تنفيذ عملية اغتيال والده في الرابع عشر من فبراير 2005، إلّا أن واجبه في المرحلة الراهنة يدعوه إلى تفادي صدام مباشر مع الحزب المتورّط في الحرب السورية إلى أبعد حدود، والذي يسعى إلى تكريس الفراغ السياسي والأمني على كلّ المستويات. ويستهدف الحزب من الفراغ السياسي الذي يعمل من أجله إلى إقامة نظام جديد في لبنان يكون بديلا من ذلك الذي قام بعد اتفاق الطائف على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
وكان وزير الداخلية اللبناني أيّد في الاجتماع السنوي لوزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس كلّ القرارات الصادرة عن الاجتماع باستثناء أنّه تحفّظ على العبارة التي تشير إلى أن “حزب الله” حزب “إرهابي” وذلك من منطلق أن ليس في الإمكان إدانة الحزب من وزير يجلس مع وزراء في غرفة واحدة لدى انعقاد جلسة للحكومة.
وأشارت في هذا المجال إلى أنّه يجدر التركيز على الفارق الواضح بين موقفي وزير الخارجية جبران باسيل من جهة ومواقف المشنوق من جهة أخرى. ولاحظت أن باسيل، المتحالف مع “حزب الله”، رفض في القاهرة الموافقة على بيان وزراء الخارجية العرب الذي يدين الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد اثر إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر، وهو مواطن سعودي أدين في قضيّة إرهابية.
وأشارت إلى أن وزير الخارجية اللبناني تمسّك في القاهرة برفض إدانته إيران حتّى عندما طرح عليه أحد وزراء الخارجية العرب بشكل مباشر حذف العبارة المتعلقة بـ”الإرهاب” الذي يمارسه “حزب الله”. أما وزير الداخلية اللبناني، فقد وافق على كل ما ورد في البيان الصادر في تونس طالبا تفهّم وضع لبنان، نظرا إلى أنّ “حزب الله” يشارك في الحكومة، لكنّه يمنع بالقوّة انتخاب رئيس للجمهورية.
وأشارت إلى أن آخر العراضات المسلّحة لـ”حزب الله” في بيروت كانت قبل أيّام قليلة عندما عرضت شبكة “أم. بي. سي” السعودية برنامجا فكاهيا ظهر فيه شخص يقلّد شخصية الأمين العام للحزب حسن نصرالله. وشوهد عشرات المسلّحين يجوبون شوارع بيروت على درّاجات نارية وهم يسدون الشوارع ليلا ويطلقون شعارات تحرّض على التقاتل المذهبي.
واعتبرت الأوساط السياسية اللبنانية أنّ لا مصلحة حاليا في مواجهة مباشرة مع “حزب الله” تؤدي إلى استقالة الحكومة، علما أن “تيّار المستقبل” يعرف قبل غيره مدى تورّط هذا الحزب في الإرهاب داخل البلد وخارجه.
ولم يتردد الحريري في القول الأربعاء الماضي تعليقا على موقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية إن ممارسات “حزب الله” صنّفته “إرهابيا” مضيفا “لن أدع الفتنة تحرق البلد، والموضوع السنّي ـ الشيعي خط أحمر بالنسبة إلي، ولكن إذا كانت هناك أطراف تريد تخطي هذا الخط، سيكون هناك كلام آخر” وذلك في إشارة واضحة منه إلى أنّ موعد استقالة حكومة تمام سلام، وهي “حكومة ربط نزاع” مع “حزب الله”، لم يحن بعد.

الحكومة اللبنانية المتراخية أول المعنيين بالإجراءات الخليجية
العرب/04 آذار/16
بيروت – تشهد العلاقة بين السعودية ولبنان توترا غير مسبوق في تاريخ البلدين بعد سلسلة إجراءات اتخذتها المملكة ضد لبنان، بدأت بتعليق هبة بأربعة مليارات دولار للجيش اللبناني، وصولا إلى إعلان حزب الله تنظيما إرهابيا، في قرار لقي تأييد مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب، باستثناء وزيري داخلية العراق ولبنان.
لا شكّ في أن القرار السعودي يأتي في سياق التغييرات التي تشهدها السياسة الخارجية السعودية، ويأتي منسجما مع توجهاتها الأخيرة، المتمثلة في التخلي عن سياستها المحافظة والتدخل بقوة، عند الضرورة، في الملفات الإقليمية.
وانقسمت المواقف والقراءات بشأن هذه القرارات، منها من يرى أن الموقف السعودي ردّ واضح من الرياض على طهران يدفع ثمنه اللبنانيون.
ويدعم هذا الرأي خبراء ومحللون غربيون يسعون إلى تغطية المشكل الأكبر المتمثّل في تعطّل الحياة السياسية في لبنان بسبب سيطرة حزب الله، المدعوم من إيران، على مفاصل القرار وانقسام الحكومة والمؤسسات السيادية في الدولة، بحصر القرار السعودي، في “الصراع السعودي الإيراني”، واعتباره “فصلا جديدا من فصوله”، على حد تعبير وكالة الأنباء الفرنسية، فرانس برس.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن الباحث اللبناني وضاح شرارة قوله إن التطورات الأخيرة بين السعودية ولبنان التي توجت بقرار صدر عن مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، “جزء من النزاع الإقليمي بين السعودية وإيران”.
ويردّ خبراء وسياسيون لبنانيون وخليجيون على هذا الرأي مؤكّدين أن تلك الإجراءات، وإن كانت جزءا من الردّ السعودي على تدخّلات إيران في دول المنطقة، إلاّ أنها ليست ضدّ لبنان، كما عنونت بعض وسائل الإعلام الغربية تقاريرها، بل ضدّ الممارسات التي تبقي لبنان مقيّدا وعاجزا حتى على انتخاب رئيس للدولة.
وشدّد الخبراء على أن الموقف السعودي معنيّة به بالأساس الحكومة اللبنانية، والإجراءات المعلن عنها هي وسائل ضغط على الحلفاء والحكومة المتراخية أكثر مما هي ضغط على حزب الله، الذي يدين بالولاء ميليشيا إيرانية ولاءه لطهران، التي صنعته ودعمته وتمدّه بالمال، الذي تمكّن من خلاله من تكوين ترسانة إعلامية وثقافية ضخمة، ساعدته على التأثير في المعادلة اللبنانية أكثر من السلاح العسكري.
ويدعم الخبراء هذا الرأي بأن الخلاف مع حزب الله قائم منذ سنوات، ولو كان القرار الخليجي والعربي يخصّ حزب الله فقط، لاتخذ عندما أوردت تقارير المحكمة الدولية أسماء لأعضاء في حزب الله، وظهرت شكوك حول تورّطه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، مثلا.
القرار السعودي محاولة لحث الفرقاء اللبنانيين على لعب أدوارهم وتحقيق التوازن ومنع بيروت من أن تصير حامية إيرانية
يقول المحلل السياسي والسفير اللبناني السابق في واشنطن عبدالله بوحبيب “اللبنانيون غير قادرين على خوض حرب السعودية في المنطقة”. ويضيف “هناك خلاف سني شيعي في المنطقة، لكن لبنان يحتاج إلى التوازن، وكل اللبنانيين يدركون ذلك”، معتبرا أن “الوحدة الوطنية تبقى أهم من التضامن مع أي بلد صديق في الخارج”.
وهو الأمر الذي تطلبه أيضا السعودية، ومختلف دول المنطقة، التي تعتبر أن موازين القوى اختلّت في لبنان لصالح حزب الله، ومن خلفه إيران، ووجب التدخّل واتخاذ القرار المناسب لحثّ مختلف المشاركين في صناعة القرار في البلاد على الوقوف في وجه من عرقل 36 مرة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
وبالتالي، يرى الخبراء أن القرار السعودي، لم يكن معناه كما روّج البعض “من ليس معنا فهو ضدّنا”، بقدر ما كان محاولة لحثّ الفرقاء اللبنانيين على لعب أدوارهم وتحقيق التوازن لاسترجاع بيروت ومنعها من أن تصير حامية إيرانية تكمّل ببغداد ودمشق، كما سبق وصرّح أكثر من مسؤول إيراني.
وتنقسم الحكومة اللبنانية بين كتلتين سياسيتين كبيرتين إحداهما مدعومة من السعودية (قوى 14 آذار)، وأخرى من إيران (حزب الله وحلفاؤه)، ما يجعلها عاجزة عمليا عن اتخاذ أي قرار.
وتأخذ الرياض على لبنان امتناعه عن التصويت على بيانين صدرا عن اجتماعين لوزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي دانا هجمات تعرضت لها مقار بعثات دبلوماسية سعودية في إيران على أيدي محتجين على إعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
وتأخذ على حلفائها في لبنان مواقفهم السلبية تجاه تصريحات ومواقف الوزراء المحسوبين على حزب الله؛ ففيما ينغمس السياسيون المدعومون من السعودية في خلافات وانقسامات داخلية، يعمل حلفاء حزب الله، وإيران على التغلغل، في مفاصل الدولة اللبنانية، خصوصا الجيش المدعوم ماليا وعسكريا من السعودية.
المشنوق يراوغ
أثار موقف وزير الخارجية جبران باسيل، المتحالف مع حزب الله، في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي من السعودية انتقادات واسعة من خصومه داخل لبنان؛ وبالمثل أثار موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في تعقيبه على تصنيف نظرائه، خلال مؤتمر وزراء الداخلية العرب الثالث والثلاثين، حزب الله منظّمة إرهابية جدلا، حيث رأى المراقبون أن في تصريحه إشارات لوم واضحة للسعودية.
حلفاء حزب الله وإيران يعملون على التغلغل في مفاصل الدولة اللبنانية
وقد قال خبراء إن موقف المشنوق لا يبتعد كثيرا عن موقف وزير الخارجية جبران باسيل، في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، بفارق أن المشنوق غلّف تحفظه عن تصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا بتأييد بيان وزراء الداخلية العرب الذي تضمن الإدانة الكاملة لإيران وحزب الله كمصدر لزعزعة السلم في المنطقة.
كما لا تختلف كلمة وزير الداخلية اللبناني، وفق الخبراء عن سياق التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، وغيره من اللبنانيين من حلفاء السعودية، والتي لم تعد تجدي نفعا، في وقت تتساءل فيه الرياض: كيف يحمي الجيش اللبناني المدعوم سعوديا قوافل ميليشيا حزب الله الذاهبة إلى سوريا، وكيف تدعم، ماديا ومعنويا تيار المستقبل الذي يصرّ على مواصلة التحاور مع حزب الله رغم أن هذه الخطوة لم تؤت أكلها وزادت من تعميق الأزمة السياسية في البلاد.
وعلّق النائب أمين وهبي على كلمة المشنوق، قائلا في تصريحات لـ”العرب” إن وزير الداخلية اللبناني وافق على إدانة إيران وحزب الله بشأن التسبب بضرب الاستقرار في المنطقة، ولكن في ما يخص وصف حزب الله بالإرهابي فإن موقف الوزير ينسجم مع كونه يشارك حزب الله في حكومة واحدة ويجري حوارا معها.واعتبر النائب اللبناني أن أي لبناني مسؤول كان سيتصرف كما تصرف الوزير المشنوق.
حكومة عاجزة
قال سياســـيون ومحللـــون لبنانيون إن الســـعودية لم تعـــد تقبل بمن يؤيـــد مواقفها لفظيـــا ثـــم ينتظر منها هـــي أن تتحرك في الســـاحة اللبنانيـــة، وإن الدعـــم السـعودي سيكون مرهونا في المستقبل باتخاذ خطوات واضحة وعدم الاكتفاء بالدعم الكلامي.
وعجزت الحكومة اللبنانية إلى حد الآن عن اتخاذ خطوات ملموسة لإقناع السعودية بالعودة عن إجراءاتها الأخيرة. واتضح أن الأطراف المحسوبة على السعودية ليس في يديها ما تقدمه سوى التصريحات الإعلامية والاعتذارات الشخصية.
لكن هذه الاعتذارات والتصريحات لم تعد تجدي نفعها والمطلوب من الحلفاء اليوم هو تقديم استحقاقات واقعية وميدانية، لأن القرارت الصادرة بشأن لبنان الغاية منها بالأساس تحفيز القوة السنية في الحكومة، فإيران ترغب في تعزيز الدعم لوجود حزب الله في لبنان من خلال إظهار أن الحزب قادر على دعم الشعب اللبناني بوسائل فشل زعماء السنة في القيام بها.
الســـعودية لم تعـــد تقبل بمن يؤيـــد مواقفها لفظيـــا ثـــم ينتظر منها هـــي أن تتحرك في الســـاحة اللبنانيـــة
تيار المستقبل مثلا، الممثل الرئيس للسنة في لبنان، يعيش انفصاما فمن جهة متمسّك بالحوار مع حزب الله المصنّف إرهابيا من قبل السعودية، ومن جهة أخرى حريص على الحفاظ على المساعدات التي تقدّمها السعودية لتيار المستقبل وحلفائه، دون أن يكون لهذه المساعدات تأثر إعلامي وسياسي قوي، فمواقف المؤسسات الإعلامية التي تتبع قوى 14 آذار ليست أفضل حالا من مواقف سياسييها.
والاعتراف بهذه الحقيقة أربك تيار المستقبل وأغضب حلفاء السعودية، وغيرهم ممن يريد أن يبقى الحال في لبنان على ما هو عليه، وأن يبقى حزب الله هو الوحيد محلّ اتهام داخلي وخارجي، وتتحمّل قوى 18 آذار كل المسؤولية بشأن تدهور الوضع في لبنان.
لذلك لقي الموقف السعودي، رغم صعوبته على اللبنانين، تأييدا في الداخل قبل الخارج، لأنّه ببساطة يوحجه رسالة مفادها “هذا التراخي والموقف الملتبس صار لهما أن ينتهيا”، وهذا لن يكون إلا في صالح لبنان الشعب والدولة.
من هنا، استعاد الخبراء والكثير من اللبنانيين الذين يحمّلون حزب الله مسؤولية الغضب السعودي ويتخوفون من أن يكون القادم أصعب، ما جاء في بيان ئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إبان اندلاع الأزمة قبل حوالي أسبوعين، مشيرين إلى أنه كان أجدى بحكومة دولة لبنان وضع أصبعها على الجرح، والتوجه إلى وزراء حزب الله بعدم اللعب بمصير اللبنانيين.