سامر فرنجيّة: محاكمة ١٤ آذار (٢٠٠٥ – ٢٠١٦)/ثريا شاهين: الاستحقاق الرئاسي إلى الرفّ دولياً والحريري يعمل لجعله أولوية

258

محاكمة ١٤ آذار (٢٠٠٥ – ٢٠١٦)
 سامر فرنجيّة/الحياة/21 شباط/16

«تؤكد المعارضة أن الممارسات الإرهابية لهذا النظام ومن يقف وراءه لن تثنيها عن حماية الوحدة الوطنية ومقـــومات العيش المشترك التي طالما ناضل الشهيد الكبير في سبيلــها، وهي تدعو كافة اللبنانيين والأوفياء لسيادة الـــبلـــد واستقلاله وحريات الديموقراطية إلى الوقوف صفاً واحداً دفاعاً عن هذه الأهداف، والتعبير عن غضبهم ورفضهم القاطع لكل محاولات تكريس الوضع القائم وتأبيد الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد».هكذا لخصت «المعارضة» الوضع بعد اغتيال رفيق الحريري في شباط (فبراير) ٢٠٠٥. وبعد هذا البيان، تظاهر الآلاف ونجحوا في إرغام الجيش السوري على الانسحاب من لبنان بعد أكثر من خمس عشرة سنة من «وجود» ه.بعد أحد عشر عاماً على هذا البيان، أقيم مهرجان «وداعي» في البيال، تخلّلته «لطشات» كلامية سخيفة، ومطالبات بوساطة لحل النزاعات الداخلية، وتناحر على أي من مرشَّحي نظام «الممارسات الإرهابية» هو الوريث الفعلي لشهداء ١٤ آذار: مرشح التوافق الطائفي أو مرشح توافق الترويكا. لم يبق من بيان «المعارضة» إلّا «الترف السياسي» الذي ندّد به الحريري، وهو يشنّ هجومه على «الفرس» باسم «الاعتدال». بعد أحد عشر عاماً من الاغتيالات والتخبطات والتحوّلات، انتصرت «الممارسات الإرهابية» على «المعارضة» التي باتت جزءاً لا يتجزأ من «الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد».

لم يعد خفياً أن قوى «١٤ آذار» انتهت بعد مسيرة طويلة من الإخفاقات والأخطاء، كان آخرها مهزلة انتخابات الرئاسة. وليس سراً أيضاً أن «حزب الله»، على رغم مأزقه العسكري، بات المنتصر بحكم أنه اللاعب الوحيد والأخير في النظام اللبناني. وقد يكون مشروعه محكوماً بالفشل على المدى البعيد، على رغم وعود نصرالله بانتصارات «هائلة وضخمة»، بيد أنّ «المدى البعيد» بات من الكماليات التي لم يعد يقوى عليها مَنْ يعيش في منطقتنا. فوِفق جون مينارد كينز، «على المدى البعيد، سنموت كلنا». ولم يكن الاقتصادي البريطاني يحسب أن موت البعض سيكون قتلاً وتهجيراً وغرقاً وجوعاً. ذاك أنّ مشاريع الحروب الأهلية المتفجرّة تلغي فكرة المدى البعيد أصلاً، ليبقى «حزب الله»، فوق الركام والحطام المتزايدين.

يطرح هذا الواقع سؤالاً عن حتمية هذا الفشل وأسبابه. فهل كان من الممكن لهذا التحالف، لولا أخطاؤه، أن يكبح بعضاً من اندفاعة «حزب الله»، أو أنّ هذا المشروع كان محكوماً بالفشل في ظل الاغتيالات والتفجيرات والعنف مما ساد تلك المرحلة؟ أو بكلام أوضح، هل أخطأنا عندما حاولنا تحميل هذا التحالف من السياسيين العاديين دوراً سياسياً غير عادي كمقاومة «حزب الله»؟ربّما أخطأ رهاننا، وكان محكوماً بالفشل في وجه دولة «حزب الله» وعنفها، هي التي تتطلب معارضة أكثر تنظيماً وذكاءً وسياسةً.فأحدٌ ممن رفعوا شعارات ١٤ آذار لم يكن يجهل حقيقة ما تمثله، لكن الموقف آنذاك كان قائماً على سندين: موقف أخلاقي من القتل والعنف «يعلّق» تلك الحقيقة، ورهان سياسي على أن «العبور نحو الدولة» قد يأخذ طرقاً مختلفة، بعضها ملتوٍ وطويل. سقط الجزء الثاني من الرهان، وبات واضحاً أنه ما من عبور إلى الدولة عبر ممثلي ١٤ آذار الذين يشكّلون اليوم إحدى العقبات الأساسية لأي عبور من «الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد». فكما ظهر مع سائر الملفات السياسية والاقتصادية، باستثناء مسألة السلاح، وقف دائماً ممثلو ١٤ آذار عقبة في وجه كل إصلاح يمكن أن يشكّل مدخلاً إلى الدولة. بل ربّما، في ظل الارتباطات الخارجية أو المصالح الاقتصادية أو ضعف الرؤية السياسية التي طبعت ممارسات أحزاب ١٤ آذار، كان هذا الرهان ساذجاً من أساسه.يمكن الهروب من هذا التقويم من خلال المطالبة بالعودة إلى «اللحظة الأصلية» لـ١٤ آذار، حين كانت هناك «معارضة» «تدعو كافة اللبنانيين والأوفياء لسيادة البلد واستقلاله وحريات الديموقراطية إلى الوقوف صفاً واحداً دفاعاً عن هذه الأهداف». غير أنّ هذه اللحظة كانت مجرّد لحظة حاولنا على مدى عشر سنوات إعادة إحيائها، غالباً ضد قوى ١٤ آذار، قبل أن تكون ضد «حزب الله» أو النظام السوري. واليوم، ليس من عودة إلى تلك اللحظة، لا لأن «حزب الله» منتصر فحسب، بل لأنّ من ورث هذه اللحظة استبدلها بـ «الترف السياسي».

غير أن الاعتراف هذا لم يضعف الرهان. فأن يخسر سياسيو ١٤ آذار الهالة التي أحاطت بهم نتيجة تعرضهم للاغتيالات، لن تجيب عن الشق الأخلاقي من الرهان، أي: ما العمل في وجه طرف مسلح وفي وجه منظومته الأمنية والفكرية وحروبه الإقليمية؟ أن يتم إعلان فشل ١٤ آذار كإجابة عن هذا السؤال لا ينفي السؤال وصلاحيته، وهو الذي لم يعد حكراً على قوى ١٤ آذار كما بات اليوم موجهاً للجميع، أأرادوا أم لم يريدوا الإجابة عنه. وهذا سؤال يتطلب مواجهة حقيقة أننا بتنا محكومين من حزب شريك في حرب دموية في سورية، حزبٍ تمكّن من تعطيل كل سياسة في لبنان من خلال سلاحه، وهو قادر على التحكّم بمصير البلد من دون منازع. أما الانتخابات الرئيسية، فليست سوى دليل على هذه السيطرة المطلقة، حيث يتنازع الحلفاء على «فتافيت» الحزب، وهو لا يرضى بذلك.يمكن تعليق الإجابة عن هذا السؤال وانتظار «المدى البعيد» حيث نهاية المشاريع الحربية للحزب. غير أن هذه التحوّلات قضت أيضاً على مقولة «العبور إلى الدولة»، التي لم تعد تصلح عنواناً سياسياً، وعلى الحدود والسيادة، التي لم تعد تضبط السياسة. بات التمسُّك بالمحكمة الدولية والانتخابات و «الطائف» والدولة محاولة لإحياء مفردات سياسية لم تعد تلتقط الواقع، وفولكلوراً سياسياً مثله مثل «إرث الرئيس الشهيد». وفشل ١٤ آذار هو، في هذا المعنى، إشارة إلى نهاية مرحلة من الخطاب السياسي قامت على مركزية الدولة، وإن كان البديل غير واضح بعد. أما سيطرة «حزب الله» فقد تكون آخر محاولة للسيطرة على النظام اللبناني، وقد ينتهي الاثنان معاً.

 

الاستحقاق الرئاسي إلى «الرفّ» دولياً والحريري يعمل لجعله أولوية
  ثريا شاهين/المستقبل/21 شباط/16

يحاول الرئيس سعد الحريري إحداث خرق داخلي في موضوع الاستحقاق الرئاسي يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، وفقاً لأوساط سياسية بارزة.وتفيد هذه الأوساط أنه بالنسبة إلى ترشح النائب سليمان فرنجية، فإن ما يتم طرحه هو مشروع تسوية لإدارة الازمة من اجل تمرير المرحلة الراهنة بأقل ضرر ممكن على البلد. وكل همّ الحريري هو كيفية تخفيف الضرر على لبنان. لكن من غير المعقول الاستهتار بالاستحقاق الرئاسي من جانب الفريق الآخر، حيث ان كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لم يتناول على الاطلاق أي شيء حوله، كما ان بيان الكتلة النيابية للحزب لم يأتِ أبداً على ذكر هذا الاستحقاق.وتشير الأوساط الى ان الحريري يرى وجوب خلق أجواء لحصول ضغط داخلي لإجراء الانتخابات الرئاسية. والآن بات كل الرأي العام يشعر بوجوب حصول هذا الاستحقاق، والذي بات يحظى بأولوية داخلية في النقاش. فضلاً عن ذلك، ان الحريري يقوم بأقصى جهد للتنبيه على مخاطر استمرار الشغور والفراغ، وهو يسعى لتكوين كرة ثلج ايجابية للبننة الاستحقاق تهيئة لجلسة 2 آذار للانتخابات. والحريري يمثل فريقاً من اللبنانيين، وفي الوقت نفسه هناك مسؤولية كبيرة على الآخرين، لذا فهو يبذل جهداً مميزاً في هذا الاتجاه. والأنظار باتت متجهة الى مدى اقتناع الآخرين بلبننة الاستحقاق، وتجنب ازدياد الامور تعقيداً. الجميع لاحظ التداعيات، لا سيما وقف المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني، لذا آن الأوان للعودة إلى ترميم الوضع الداخلي.مصادر ديبلوماسية تؤكد ان كل هذا المسعى هدفه ان يكون الاستحقاق أولوية داخلية يمكنها ان تفرض نفسها على أولويات الدول، حيث ان الملف الرئاسي لم يعد أولوية، وهو كان كذلك في السابق، لكن عندما جرى تحرك سياسي داخلي في شأن طرح اسم المرشح النائب سليمان فرنجية حصل اهتمام دولي بالموضوع بشكل ان الدول عموماً لا تمانع في أمر يتفق حوله اللبنانيون. كما جرى اهتمام عقب اعلان «القوات اللبنانية» دعم ترشيح النائب ميشال عون. لكن حالياً عاد الملف ليراوح مكانه في انتظار التطورات السورية وفي أي اتجاه ستسلك، في ظل قرار وقف اطلاق النار الذي اتخذ في مؤتمر ميونيخ والذي لا يبدو انه سيتحقق. وفي هذا الوقت تنصب الاهتمامات الدولية لمنع فلتان الامور، والحفاظ على الاستقرار اللبناني.الملف اللبناني يميل دولياً الى ان يكون موضوعاً على الرفّ. وتفيد المصادر أنه بكل بساطة لا يوجد حل لأن إيران نفسها ليس لديها قرار بتسهيل حصول الاستحقاق الرئاسي. وتكشف المصادر انه من الصحيح ان إيران وروسيا لديهما الموقف نفسه من الصراع السوري. لكن روسيا هي مع انتخاب رئيس، وانها تقوم باتصالات مع إيران في كل المناسبات حول ضرورة تسهيلها الحل، لكن الاخيرة لم تُبدِ استعداداً لذلك، كما انها لم تُبدِ استعداداً لتعديل بعض مواقفها من الكثير من الاوضاع اللبنانية.روسيا تريد حصول الانتخابات وتريد رئيساً مسيحياً، وتعطي اهمية لهذا الاستحقاق المسيحي، انطلاقاً من حرصها على مسيحيي الشرق. وبالتالي في الموضوع اللبناني، يختلف موقف ايران عن موقف روسيا، لكن ايران لا تتجاوب معها.في سوريا، إيران تستفيد من التدخّل الروسي، لأن الطرفين في الخط نفسه. لكن على المدى البعيد، هناك مصالح مختلفة، لكنها آنياً تلتقي. إلا ان روسيا لن تلجأ الى مشكلة مع إيران على خلفية الملف الرئاسي اللبناني. روسيا، في المرحلة الحالية، يهمها وحدة الدولة السورية، بينما إيران مهتمة فقط بسوريا «المفيدة» أي المنطقة العلوية، وهي تحتاجها لربط سوريا بالمناطق الشيعية اللبنانية. وبالتالي، كل هذا الجو للقول إن الروس لا يريدون الضغط على إيران، لأن لبنان ليس أولوية لدى أي طرف دولي، والامل يبقى في أن يستمر شبه تفاهم أو توافق ضمني على استقرار الوضع الأمني، وعلى عدم انهيار الوضع السياسي. الروس يشجعون ويدعون إلى انسحاب المرشح النائب ميشال عون تحديداً لفسح المجال امام مرشحين آخرين. موسكو أيّدت المبادرة المتصلة بترشيح فرنجية للرئاسة وتدعو للتجاوب معها وتأييدها. ولكن التجاوب الروسي مع هذه المبادرة لم يصل الى ان تحصل مشكلة من أجله.الملف اللبناني ليس أولوية حتى لدى الأميركيين. كل الدول مشغولة بسوريا واليمن والعراق، انها ملفات كبيرة ولها تأثير جيوسياسي، وانعكاساتها على المنطقة والعالم اكثر بكثير من وجود رئيس في لبنان أو عدمه. لكن بالنسبة إلى العديد من القادة اللبنانيين الوطنيين، فإن انتخاب رئيس هو أولوية.