حازم الامين: عن الحزب النووي والبعثي/حسام عيتاني: لبنان ونهاية الهبات/علي نون: في أثمان المقاومة

223

 عن «الحزب» النووي… والبعثي
حازم الامين/الحياة/21 شباط/16

في دفاعه عن نفسه أمام قاضي التحقيق اللبناني، قال المُتهم المُفرج عنه ميشال سماحة أن المتفجرات التي كانت في حوزته كانت مُعدة لتفخيخ الحدود اللبنانية – السورية منعاً لعبور الإرهابيين من لبنان وإليه!
علينا أن لا نُستدرج إلى الضحك، ذاك أن 25 عبوة ناسفة كانت ستحمي حدوداً يبلغ طولها نحو مئتي كيلومتر! ثم إن «حزب الله» كان سبق ميشال سماحة إلى القول أنه ذاهب للقتال في سورية ليستبق وصول الإرهابيين إلى لبنان. وهو قول لم تقطعه حقيقة استدراج قتال الحزب في سورية، عشرات التفجيرات في لبنان.
نعم، ما أشهره سماحة في وجه قاضي التحقيق ليس قرينة ركيكة من ذلك النوع الذي يُشهره متهمون مُدانون ومقبوض عليهم بالجرم المشهود. ما أشهره هو جوهر أيديولوجي يعتقد بأن الرواية مُحكمة البناء ولا يمكن دحضها! أليس الهدف النهائي حماية نظام «البعث» في سورية؟ إذاً، كل ما يقال ليعزز هذه المهمة صحيح. غازي كنعان انتحر، ورستم غزالي مرض ومات، و «حزب الله» يقاتل في سورية ليحمي لبنان، وميشال سماحة نقل عبوات ناسفة في سيارته ليحمي بها الحدود اللبنانية. هذا هو تماماً معنى أن تكون بعثياً. أن تُصدق ما قاله سماحة لقاضي التحقيق، وربما أن لا تصدق ولكنْ أن تؤمن بما لا تُصدقه، أو أن لا تؤمن به، ولكن أن تقول أنك مؤمن به. أي أن تملك وعياً نافياً المنطق والواقع من دون أن يكون خيالاً جامحاً، هو وعي الخاضع وغير المؤمن. هذا الوعي هو تماماً ما جعل المُصفّقين لكشف الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله قدرات الحزب النووية، يصفقون له من دون أن يُخضعوا كلامه لميزان الممكن وغير الممكن. «حزب الله» يمكنه أن يُحدِث تفجيراً شبه نووي في حيفا… فلنصفق ولنعلن الخبر محذوفاً منه تعبير «شبه» ليصبح «حزب الله النووي»!
ليس جنون عظمة ما أصاب هؤلاء، إنما هذيان الأشقياء. ولا شك في أن نصر الله حين أشهر سيفه «النووي» لم يكن يُلوح به في وجه إسرائيل، إنما أراد مخاطبة الجموح الشعوري للمأخوذين بهذا الكلام، وهذا ما عنيناه بالوعي البعثي حين يتولى إزاحة العقل وإحلال الخرافة مكانه. فميشال سماحة ليس كاذباً، إنما تُبيح الأيديولوجيا (وهي هنا حماية النظام) رواية ركيكة يجب أن تُصدق. وإذا كان لرواية سماحة، بعد أن ننزع عنها قشرتها «الأيديولوجية الرثة»، بعد كوميدي، فإن قصة «حزب الله» النووي لا تخلو أيضاً من مفارقات تساعد في ترشيق الخيال. فالحزب النووي جزء من بلد عاجز عن معالجة نفاياته وعن انتخاب رئيس! البلد قادر على إنتاج حزب نووي وعاجز عن القيام بالمهمات البديهية التي تتولاها الدول حيال مجتمعاتها وجماعاتها! ثم إن الحزب النووي أعلن أنه نووي، وهو ما لم تفعله القوى التي تُصبح عادة نووية. كشف أهدافه للعدو. مصانع الأمونيوم قرب مدينة حيفا، ما دفع رئيس بلدية حيفا إلى شكره على كشف أهدافه. وحدد عدد القتلى، وهناك تفصيل صغير لم ينتبه إليه، وهو ربما يُعالجه في الخطاب اللاحق، وهو أن بين القتلى الثمانمئة ألف المحتملين، حوالى 35 ألف عربي، والأرجح أن هؤلاء سيكونون من الفرقة الناجية. وفي سياق ترشيق الخيال، ما الذي يمنع واحدنا من دعوة الحزب النووي إلى حصار السراي الحكومية في لحظة انعقاد إحدى جلسات مجلس الوزراء، وأن يفرض حلاً لقضية النفايات؟ القاضي الذي أفرج عن ميشال سماحة سيجد في فعلة الحزب مخرجاً منطقياً، والصحيفة التي رأت في عبارة نصر الله، «انفجاراً شبه نووي»، كشفاً عن قدرات الحزب النووية، ستجد في خطوة من نوع محاصرة الحزب مجلس النواب لمنع انتخاب رئيس، خطوة لحماية السلم الأهلي. هذا هو معنى أن تكون جزءاً من مجتمع بعثي. فالبعث هنا ليس أفكاره، على رثاثتها طبعاً، إنما تلك التجربة التي حكم فيها آل الأسد سورية مدة نصف قرن تقريباً. أي أن لا تنكر المدينة والجماعة على الدولة أفعالها الهذيانية، لا بل أن ينتظم المجتمع في هذه الأفعال وأن يجعلها جزءاً من المقبول، وغير باعثة على الذهول. لقد سبق إعلان سماحة أن متفجراته تهدف إلى حماية الحدود واقعة ممهدة لقبولنا إعلانه هذا، هي واقعة الإقراج عنه. ذاك أن الإفراج انطوى على تكذيب ما رأيناه في الفيديو وما سمعناه يقوله لعميله حينذاك. الكذبة أقوى مما عاينته أعيننا، وليس مهماً أن نُصدقها، بل المهم أن نقبلها ونُمارسها. البعث بهذا المعنى يتعدى الرطانة العفلقية إلى وظائف إفسادية نفسية. وهو أيضاً يتعدى الدولة التي أنشأها ليصبح نموذجاً في العلاقة بين السلطة ومحكوميها وبين السلطة وعبيدها. إنها العلاقة بين الصحيفة وخطاب نصر الله النووي، وبين سماحة والقاضي الذي أفرج عنه. اليوم لدينا في لبنان نموذج خضوع جديد للسلطة. إنه الفراغ في رئاسة الجمهورية. مرشحان قريبان من «حزب الله»، والأخير «لا يريد الفراغ» لكنه لا يريد أن يتوجه إلى مجلس النواب لينتخب أحد حليفيه! علينا أن نُصدق أن «حزب الله» لا يريد الفراغ، وعلينا أن نُصدق أن ميشال سماحة أراد حماية الحدود، وأن نصدق أن الحزب صار حزباً نووياً، كما صدقنا أن غازي كنعان انتحر ورستم غزالي أتاه مرض نادر وغريب. هذا هو الطريق الصحيح لأن يكتمل البعث فينا.

 

لبنان ونهاية «الهبات»
حسام عيتاني/الحياة/21 شباط/16
لا تنقص أنصار «حزب الله» والتيار الوطني الحر السينيكية للتقليل من أهمية قرار الرياض وقف مساعداتها للجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان. الحزب سارع إلى إصدار بيان تبرأ فيه من مسؤوليته عن القرار فيما تفتق ذكاء «التيار» عن سيناريو يعيد القرار إلى تطورات داخل السعودية.
الخفّة في التعامل مع مصالح لبنان ليست جديدة على هاتين القوتين اللتين انخرطتا في الترويج لتحالف الأقليات والاستثمار في مناخ الكراهيات الطائفية والمذهبية السائد اليوم. ومعروف أن الحزب والتيار شككا في جدية الهبة السعودية وبلغ الأمر ببعض المتحدثين المقربين من الحزب الزعم أن الدفعة الأولى من المساعدات المخصصة للجيش، والتي وصلت العام الماضي، غير صالحة للاستخدام لأن صواريخ «ميلان» المضادة للدروع «مستها الرطوبة» في مخازن الجيش الفرنسي…
غني عن البيان أن «حزب الله» ينظر بريبة إلى بناء الجيش اللبناني لاعتباره أن إتمام عملية بناء قوات مسلحة تابعة للدولة سيسحب منه ذريعته الأثيرة بالدفاع عن لبنان في وجه أي عدوان إسرائيلي ممكن. وهي المهمة التي تطورت في الأعوام الماضية لتشمل صد محاولات الجماعات التكفيرية العمل في لبنان، وذلك من ضمن رؤية الحزب للبنان كورقة وساحة للاستراتيجية الإيرانية لا أكثر. وما تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية رغم التنازل الكبير الذي قام به الطرف الآخر بتبني مرشحَّي الحزب (ميشال عون وسليمان فرنجية)، إلا عينة على تصور الحزب لما يجب أن يكون عليه الوضع في البلاد: فراغ وتفكك في المؤسسات وهيمنة حزبية على المفاصل الأمنية والسياسية الرئيسة تغذيها لغة التخوين والتهويل.
ويمكن إيجاز موقف «حزب الله» والتيار الوطني الحر من تعزيز قدرات الجيش الوطني، بسؤال يشبه الأحجية عن أسبقية البيضة أو الدجاجة: مَن يدافع عن لبنان ما دام الجيش ضعيفاً؟ (الجواب يجب أن يكون «المقاومة»، طبعاً) وكيف نبني جيشاً بمساعدة أميركا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، مصدر الخطر الأكبر على بلدنا؟ العجز المفترض والمفروض عن الخروج من هذه المعضلة الزائفة، هو الملعب الذي يؤدي فيه الحزب المهمات الموكلة إليه.
بيد أن هذا نصف الصورة. فما كان لوقف المساعدات السعودية والإجراءات المتوقعة التي ستشمل عدداً من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج أن يكون على هذا المقدار من الخطر لولا إضاعة السياسيين اللبنانيين، بانتماءاتهم وولاءاتهم المختلفة، فرصاً تاريخية لإعادة تحديد وظيفة هذا البلد ودوره في المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية كلّها.
والحال أن لبنان فوّت منذ انتهاء حربه الأهلية مناسبات لن تتكرر لصوغ هويته ونظامه ووظيفته في المنطقة. ولأسباب عدة تتراوح بين سيادة رؤية أحادية الجانب إلى الاقتصاد والوصاية السورية والاحتلال الإسرائيلي أجزاء من أرضه، وتداخل هذه العوامل معاً، سقط في امتحان التحديث بالمعاني السياسية والاقتصادية والثقافية وسعى سياسيوه إلى إحياء أجواء ما قبل الحرب الأهلية مستندين إلى اتفاق الطائف الذي شاب وضعه قبل تطبيقه نواقص كبرى حالت وما زالت تحول دون تشييد مجتمع متعدد يرتفع فوق منطق المحاصصة الطائفية. ناهيك عن تغير العالم تغيراً كبيراً بين 1975 و1990.
تراكم تلك الأخطاء التي لا يحتكر المسؤولية عنها معسكر واحد من معسكرات الانقسام والصراعات الطائفية، أصبح اليوم جبلاً يعيق التقدم نحو أي تسوية كبرى بين اللبنانيين تقوم على تعريفهم لبلدهم ولما يريدون منه وما هي وجهة سيره ودوره في المنطقة وحروبها المتفاقمة ومعنى أن يكون المرء لبنانياً اليوم. جبل يضاف إلى جبال النفايات التي يتفرج السياسيون عليها أملا في استخراج الأرباح والمكاسب الفئوية الضيقة منها.

في أثمان «المقاومة»
علي نون/المستقبل/21 شباط/16
ليست الخطوة السعودية تجاه لبنان إلا اضافة مؤلمة على حقيقة يعرفها اللبنانيون منذ العام 2000: تَحرَّرَ جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، لكن الكيان الوطني كله صار أسيراً لأجندة ممانعة إيرانية سورية لا تجد في وطن الأرز سوى ملعب لنفوذ أصحابها، وصندوق بريد لرسائلهم الاقليمية والدولية، وساحة للدلالة على تمكنهم من مجاراة الدول «الكبرى» التي تقاتل بغيرها دفاعاً عن حالها، وتخوض حروبها خارج أرضها، وتعتمد سياسة «الأذرع الطويلة» للتأكيد على بأسها وقدراتها.
ومنذ ذلك الزمن، واللبنانيون يتعايشون مع تلك الحقيقة، ومع واحدة من خلاصاتها القاسية نظرياً وعملياً: كل «مقاومة» في التاريخ تقوم على معطى نبيل يقول انها تفدي أرضها ووطنها وناسها، وتدفع الدم والأرواح في سبيل ذلك، إلاّ «مقاومة» «حزب الله»، ذهبت بعد العام ألفين الى العكس: صارت الأرض والأرواح والدماء والناس والدولة والوطن في خدمتها وفداء لها! وصار القياس الذي يعتمده الخطاب التعبوي للحزب يقوم على وضع «مصلحة المقاومة» قبل وبعد وفوق أي مصلحة أخرى، أيًّا يكن شكلها وطبيعتها وفحواها!
ذلك، الأساس الذي حكم أداء هذه المنظومة في الشأن المحلي كما في الشأن الخارجي المتصل بالنزاع مع إسرائيل، أو بالتماهي (التام بالمناسبة) مع نزاعات وسياسات وأهداف سقفها الاقليمي المزدوج الإيراني الأسدي بداية.. ثم الإيراني تحديداً. وهذه، كما هو معروف، امتدت إقليمياً ودولياً وتضمنت ما تضمنته في السياسة والاقتصاد والأمن والإرهاب!
لم يكن غريباً بعد ذلك أن تتفرع عن ذلك الأساس، متفرقات مدمّرة. كأن ينخرط «حزب الله» في «مهمات» خارجية تمتد على مساحة تصل أميركا الجنوبية بجنوب شرق آسيا، والبحرين بالعراق واليمن بسوريا.. وأن تصل مستويات التزامه بالمصلحة الايرانية، الى حدّ تبنّيها تماماً ومن دون سؤال، أو حرَج، بل من دون التوقف عند مفارقة تقول ان «بعض» السلطة الايرانية لا يجاريه في عمق ذلك الالتزام!
و»قصته» مع المملكة العربية السعودية خصوصاً ومع دول الخليج العربي عموماً ليست سوى تكثيف لذلك المعطى: فتح باب العداوة معها لاعتبارات إيرانية محضة. وذهب في الغلو الى حدود الافتعال والانفعال. وحوّل الوظيفة المفترضة لـِ «مقاومته« بالدفاع عن لبنان، الى الدفاع عن سياسات إيران وأهدافها وطموحاتها.. وصولاً الى النقر على المعطى المذهبي بطريقة سافرة وعن سابق دراية تأكيداً لالتزامه الأثير بما قررته قيادتها في سبيل ترسيخ كونها «دولة محورية« قادرة على ملء شيء من الفراغ الذي أحدثه سقوط الاتحاد السوفياتي!
.. والغريب انه استساغ الغرابة والشطط وسوء الحساب. بدءاً من تحويل نفسه الى «قوة احتلال» في سوريا وضد أكثرية شعبها، وهو الذي يدّعي مقاومة الظلم والظالمين، وصولاً الى دخوله في أجندة فتنوية من خلال الافتراء على السعودية وقيادتها وشعبها، وهو الذي يدّعي وصلاً بـ»الأمة» ووحدتها ومصالحها العليا!