رندة تقي الدين: الأسد تحت الوصاية الروسية الإيرانية/داود البصري: مذبحة إيرانية عظمى في بر الشام/طارق الحمد: سوريا.. استعادة الأراضي ليست انتصارًا

296

الأسد تحت الوصاية الروسية الإيرانية
رندة تقي الدين/الحياة/10 شباط/16

من سيتولى كتابة «إنجازات» بشار الأسد في سورية منذ تولى الرئاسة ووعد بالإصلاحات والتغييرات والتحديث؟ كيف ستكون رواية المؤرخ المأجور الذي سيكتب كيف قتل الأسد مئات الآلاف ممن يصفهم بـ «الإرهابيين» وأكثرهم أطفال ونساء، وكيف هجّر ٤ إلى 5 ملايين سوري وحاصر المدن وترك سكانها يموتون جوعاً؟ كيف سيروي المؤرخ المأجور أن سياسة معلمه كانت لمكافحة «إرهاب» في بلد سلّمه للجيشين الروسي والإيراني والميليشيات الشيعية و»حزب الله»؟ الشاهد الحقيقي على إرث بشار الأسد وجماعته سيكون الشعب السوري المهجر والكوارث الإنسانية التي يشهدها العالم من نزوح وغرق في البحر لمحاولة الهرب من قصف القنابل الروسية وقنابل جيش النظام. صحيح أن بشار الأسد يستعيد حالياً مدناً خسرها عندما كانت طائراته وحدها تقصف شعبه. ولكن بأية حال يستعيدها؟ ربما كي يبقى حكمه تحت وصاية روسيا وإيران و»حزب الله». إن سياسة أوباما الكارثية إزاء سورية التي وصفها معلق صحيفة «نيويورك تايمز» روجيه كوهين بـ «سياسة أميركا المعيبة في سورية» سلمت سورية لروسيا بوتين لأن أوباما أكثر اهتماماً بصفقة مع روسيا مما هو مهتم بما يحصل في سورية. أما وزير خارجيته جون كيري المعروف بتفاؤله الساذج فهو يعتقد أن كل الأمور ستحل إذا أقنع الجميع بالجلوس إلى طاولة المفاوضات على رغم اشتعال النيران على الأرض وتجويع السوريين وقصفهم بقنابل بلد نظيره الثعلب الروسي سيرغي لافروف. لقد دمر جورج بوش العراق وأدخل إيران إليه وأوباما سلم سورية لبوتين والعراق لإيران التي استولت على القرار اللبناني أيضاً عبر «حزب الله». صحيح أن روسيا وإيران تمكنتا من إبقاء الأسد ولكن ما هو مستقبله؟ فهو لا يسيطر حتى على منطقته العلوية إذ إن بقاءه مرتبط بأسياده الروس والإيرانيين، وربما أكثر بالروس لأنهم الأقوى في المعادلة.إن كارثة الشعب السوري انهالت على أوروبا عبر تدفق اللاجئين. والأوروبيون غاضبون من الحليف الأميركي الذي لا يبالي بالكارثة الكبرى التي تهدد أوروبا والتي ستنعكس على الولايات المتحدة عاجلاً أو آجلاً. فإرث أوباما معيب في ما يخص سورية. فبوتين أقنع أوباما في عام ٢٠١٣ بأنهما سيتحركان معاً لمنع الأسد من استخدام السلاح الكيماوي وبعدم التحرك لقصف مواقع قوات الأسد مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. فتراجع أوباما وفي المقابل خدعه بوتين وتدخل بقواته الجوية لإبقاء الأسد واستخدامه كورقة قوة في تعامله مع الأوروبيين والأميركيين. وعلى رغم مصاعب روسيا الاقتصادية يعتقد بوتين أنه تمكن بفضل تراجع أوباما من عودة الهيمنة في الشرق الأوسط إلى أجل غير محدد حتى يأتي رئيس أميركي جديد يهتم في شكل أكبر بهيبة بلده المتدهورة على الساحة الدولية التي تجعل المراقب يتساءل: أي رئيس هو الأسوأ، جورج بوش أم أوباما؟ وهل تستمر كارثة الإدارات الأميركية المتتالية بوصول دونالد ترامب أو تيد كروز إلى الرئاسة؟ ربما لم نرَ الأسوأ بعد.

 

مذبحة إيرانية عظمى في بر الشام
داود البصري/السياسة/10 شباط/16

حجم الفجيعة الإيرانية في الخسائر البشرية في معارك الشمال السوري وتحديدا ريف حلب، فاق كل التصورات والتقديرات، وخرج عن كل السياقات، وتحولت لكارثة حقيقية حلت بالجسم العسكري الإيراني المتورط في إدارة المعارك والتدخلات الإيرانية في دول الشرق القديم؟ فمشاهد توافد الجنائز والصناديق الخشبية التي تضم أجساد مقاتلي الباسيج (تعبئة المستضعفين) والحرس الثوري الإيراني المتساقطين في معارك الميدان السورية أعادت للأذهان الشعبية الإيرانية ذكريات سنوات الحرب العراقية- الإيرانية المرة، وحيث كانت الحشود البشرية الإيرانية تتساقط كالجراد في جبهات الحرب حينذاك. اليوم يتكرر المشهد بوحشية مفرطة في ظل التمدد العسكري الإيراني في عمق الشرق القديم. وهو تمدد له محاذيره وأثمانه وتداعياته أيضا، ففي جبهة حلب الشمالية وحدها خسر الإيرانيون خلال أسبوع من القتال ضد قوى المعارضة السورية في ريف حلب الغربي أكثر من 35 ضابطا من ضباط الحرس بعضهم برتب متقدمة وقيادية، ليضافوا للمئات من العناصر الذين تساقطوا على امتداد جبهات الحرب الداخلية الشرسة، حالة استنزاف فريدة وواضحة لقوات الحرس الثوري الإيراني في بر الشام تعبر عن تورط سياسي وعسكري كبير في النزاع السوري ، وعن وصول التدخل الإيراني في الشأن السوري لحافات ونهايات كارثية، لكون المعركة الإيرانية في الشام هي فعلا (معركة المصير الواحد) للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني في الشرق، وهي معركة خاسرة لكونها في مواجهة الشعب السوري الحر الذي اختار خيار المواجهة والذي تتآمر عليه مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في محاولة إخضاعه وإركاعه وفرض شروط الذل والمهانة عليه وكسر إرادته وقهر عزيمته. التاريخ يحدثنا بالنتائح الحتمية لأي تدخل خارجي في شأن شعب حر قرر تمزيق القيود والأغلال وانطلق بثورته العارمة التغييرية ليعانق الحرية الحمراء المقدسة! الإيرانيون في مأزق حقيقي وفخ قاتل، فخطوطهم العسكرية وتوسعهم في الشرق قد طالت كثيرا ، وخسائرهم تعدت كل الحسابات خصوصا وأنهم فقدوا قيادات تاريخية مؤسسة للحرس الثوري كالجنرال حسين همداني وغيره فضلا عن غياب وغموض مصير قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي أصيب قبل شهور في حلب أيضا، لتضاف كل يوم أسماء ورتب جديدة تعمق حجم الخسائر الإيرانية المروعة التي دخلت فعلا في دائرة الخطر وأضحت تمثل تحديا واضحا للقيادة الإيرانية التي ساهمت في إطالة عمر النظام السوري قبل أن تتدخل الآلة الحربية الإرهابية الروسية. وهو تدخل يؤكد حالة التحالف الستراتيجي بين النظامين في إدارة عمليات الإرهاب في الشرق القديم، أو في الحفاظ على المصالح والوجود. والمعضلة الكبرى إن التورط العسكري الإيراني لم يشمل فقط المؤسسة الثورية الإيرانية بل أضاف لجدول الخسائر الميليشيات الطائفية اللبنانية (حزب الله) وهو البندقية الإيرانية في العالم العربي والذي خسر الآلاف من عناصره والمئات من قيادييه الميدانيين فضلا عن سمعته و مكانته السابقة ، وكذلك العصابات العراقية والأفغانية والباكستانية حتى تحولت الأرض السورية لمصيدة حقيقية ومنطقة قتل لفئران العصابات الإيرانية في الشرق. معالم المستقبل القريب واضحةوصريحة، فالجهد العسكري الإيراني لم يعد مقتصرا على تغطية مناطق معينة في سورية كريف دمشق مثلا. بل تحول ليكون مشاركة قتالية أشبه بقوات احتلال في مختلف المناطق السورية وهو ما يعمق من الخسائر البشرية ويوصلها لدرجة عدم الاحتمال في ضوء التبرم الشعبي الإيراني الداخلي ووصول الاحتقان الداخلي الإيراني لحافات انفجارية معلومة وواضحة، وبرغم الإعتماد الإيراني على الجهد العسكري الروسي لتخفيف الضغط على القوات الإيرانية، إلا أن الروس يضربون من الجو ولا وجود بري واضح لقواتهم حتى الآن، بينما الإيرانيون يقاتلون بريا ويلتحمون بشكل مباشر مع مقاتلي المعارضة السورية المسلحة مما يجعلهم هدفا دائما ومركزيا للاصطياد وحيث تتساقط القيادات العسكرية الإيرانية تباعا في حرب الاستنزاف السورية المؤدية للهلاك والاضمحلال والتلاشي، وثمة حقيقة ميدانية لافكاك من أسرها يعيش هواجسها الإيرانيون كل يوم تتمثل في كون الفشل في مغامرتهم السورية يعني النهاية الحقيقية لكل مشاريع النظام الإيراني التبشيرية والتصديرية وبما سيؤدي لانكفاء وتراجع سينعكس حتما على الوضع الداخلي الإيراني المتدهور. الإيرانيون اليوم أمام خيارين لاثالث لهما وهما إما التعايش مع حالة النزيف البشري اليومي القاتل وتحمل الأعباء الكارثية لحرب الاستنزاف التي يخوضونها، أو تحمل مسؤولية الانسحاب العسكري التام من الميدان وبشكل فضائحي وعبر هزيمة مدوية تعمق وتكرس أزمات النظام الإيراني الداخلية المتراكمة، هزيمة الثورة السورية أمر مستحيل مهما بلغت خسائر الشعب السوري وقواه الحرية الذي يقاتل اليوم قوى جبارة إرهابية عظمى مثل الروس البغاة الطغاة، الإيرانيون في مصيدة حقيقية وأمام خيارات محدودة ومكلفة ولكن تساقط الجنرالات الإيرانيين وأتباعهم من العملاء في الشرق قد أكد حجم هزيمتهم المفجعة التي ستظهر نتائجها المباشرة قريبا ، وما النصر إلا من عند الله ، ولن تهزم إرادة الحرية السورية المضمخة بدماء الشهداء الأحرار.. إنها الهزيمة الإيرانية المدوية والنهائية في الشرق.

سوريا.. استعادة الأراضي ليست انتصارًا
طارق الحميد/الشرق الأوسط/10 شباط/16

ينصب الحديث الآن في سوريا على المناطق التي يستعيدها النظام الأسدي بدعم جوي روسي، ومقاتلين من الميليشيات الشيعية على الأرض، وتحت قيادة إيرانية، فهل نجح الروس؟ وهل كسر الأسد الطوق تماما؟ وهل هذا يعني أن الروس والإيرانيين هم من يحددون قواعد اللعبة الآن؟ الإجابة: غير صحيح، بل ووهم.بعد سقوط نظام صدام حسين بسرعة مذهلة عام 2003 ظهر في العراق أبو مصعب الزرقاوي، عام 2004. وقاد إرهابا بشعًا هناك حتى تمت تصفيته في 2006. واعتقد البعض أن الإرهاب بالعراق إلى أفول حتى عادت «القاعدة» تطل من جديد، وتم تأسيس مجالس الصحوات السنية العراقية عام 2006، واستنجد بها الأميركيون لطرد «القاعدة» من الأنبار، وديالي، ونينوى، ومحافظة صلاح الدين، وحتى ببغداد، وطار الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن للقاء مؤسس مجالس الصحوة حينها عبد الستار أبو ريشة، والذي اغتيل لاحقا حيث كان لقاؤه بوش بمثابة جعله هدفا للتصفية، وخصوصا عندما اعتقدت حكومة المالكي أنها استطاعت كسر شوكة «القاعدة» مرة أخرى. إلا أن ما حدث كان العكس، وخصوصا بعد إعلان الانسحاب الأميركي من العراق، وذلك بعد وصول الرئيس أوباما للحكم، ومنذ عام 2009 تحديدا، والبعض يقول قبل، بدأت ملامح تشكل تنظيم داعش بالعراق، وحتى ظهر أبو بكر البغدادي رسميا مؤخرا، وسقطت الأنبار، وغيرها، بيد «داعش» التي باتت على مقربة من العاصمة بغداد، حتى هب التحالف الدولي بقيادة أميركا وقام بقصف «داعش» وتأخير تحركها نحو بغداد، ثم تمددت «داعش» إلى سوريا، واحتلت ثلثها، وباقي القصة معروفة. حسنا ما المراد قوله هنا؟ المراد قوله: إنه بمقدور الروس، وإيران، ومعهما الأسد، استعادة أراض بسوريا من المعارضة أو «داعش»، لكن ذلك لا يعني انتصار طالما أن الأراضي تستعاد والبشر تهجر، وتقتل، وتقمع، وتجوع، وتقصف. فطالما أن لا حلول حقيقية لمصدر الأزمة، وهو بشار الأسد، والدعم الإيراني له، فإنه لا حلول، وكما حدث في العراق، فمقتل إرهابي يعني ظهور آخر ما لم تحل المشكلة جذريا. وقمع البشر، وتكريس الطائفية، يعني أن لا استقرار، كما يعني أن على الجميع توقع مزيد من المتطرفين بقادم الأيام، والأعوام، ناهيك بأزمة اللاجئين، فاستعادة الأراضي لا تعني استعادة القلوب. المعركة مختلفة تماما، وهذا ما لا يعيه الروس، ولا يقدر عواقبه الأميركيون، ولا يبالي به الأسد بالطبع، ومثله إيران، ولا يتنبه لذلك حتى بعض المدافعين عن الأسد بمنطقتنا. ومن هنا فإن الدرس المستفاد ليس من كتب التاريخ، بل مما نرى، ورأينا، في العراق الذي تحول إلى مستنقع طائفي، ولم يعرف الهدوء منذ 2003. وذلك بسبب غياب الحلول الجذرية، وهذا ما سيحدث في سوريا سواء استعاد الأسد قرى، أو حلب نفسها. استعادة الأراضي شيء، وتطمين القلوب، وإقناع العقول شيء آخر.