الخوري اسكندر الهاشم: على المسيحيّين أن يبقوا متناحرين للسطو على حقوقهم/اميل خوري: الانتخابات الرئاسيّة خلطت الأوراق في 8 و14 والانتخابات النيابيّة المقبلة قد تغيّر التحالفات

269

على المسيحيّين أن يبقوا متناحرين للسطو على حقوقهم
الخوري اسكندر الهاشم/النهار/5 شباط 2016
لا يحق للمسيحيين أن يجتمعوا أو يتضامنوا وخصوصاً الموارنة منهم، فهذا أمرٌ غير ميثاقي وغير وطني ولا يجوز غض النظر عن هذا الامر الفظيع، لأنّه يلحق الأذى بما تبقى من الوطن والدولة. على الموارنة أن يبقوا متخاصمين منقسمين، وعلى الآخرين السطو على حقوقهم وشل قدراتهم، بهذا يستقيم الوطن والميثاق. يحق للطوائف الإسلامية اللبنانية الكريمة أن تقدّم من تشاء وترغب إلى السلطة والادارة من دون أن يكون لأحد الحق في الاعتراض أو إبداء الرأي، أمّا إذا تعلّق الأمر بالمسيحيّين، وتحديداً بالموارنة، فعلى الآخرين أن يقرّروا عنهم أو على الأقل أن يشتركوا في تقديم الأسماء بعد غربلتها، وإلا ستكون الاعتراضات مدوّية ومجلجلة. اتفق الآباء الأوائل مسلمين ومسيحيين على جعل لبنان وطناً للجميع موزّعين الحصص على كل طوائفه ومجموعاته، وهذا ما سمّوه الميثاق الوطني أو الصيغة، وكان القصد من ذلك إبراز وجه لبنان الإنساني الجامع وإظهار الطوائف اللبنانية حلقات متضامنة ومتجانسة في بناء مجتمع مركّب ومتعدّد تحت سقف الحرية والعدالة والأخاء. الآباء الأوائل عملوا جادين على إرساء التوازن بين الجماعات وجعل لبنان أنموذجاً متقدّماً لما تكون عليه المنطقة العربية من دون أن يخرجوه من التضامن مع محيطه، عاملين على إبقائه صلة وصل بين المتخاصمين العرب، جاعلين وحدة وطنهم واستقراره وأمنه خطاً أحمر. لم يكن الميثاق لعبة سخيفة ولم تكن الصيغة متخلفة عن ركب التطور والتقدم، لقد أكّد صنّاعها أنهم أذكياء بما يكفي، وأن نظرهم يذهب الى البعيد لأنّهم أدركوا جيداً واقع حال هذه المنطقة وما تحتويه من عصبيات ونزاعات وروح قبلية متجذرة، وهذا كلّه يشكّل عائقاً أساسياً للتقدّم والتطوّر واللحاق بركب الدول التي تعطي أبناءها ما يستحقونه من رعاية وعناية. إنّ الشلل الحاصل في البنية السياسية الوطنية يعود بمعظمه إلى اللحاق بعصبيات هذه المنطقة وعدم إيلاء الشأن الوطني ما يستحقه من معالجة واهتمام. لم تستطع اسرائيل هدم الصيغة اللبنانية، بالرغم من محاولاتها الجادة والمستمرة، لكن استطاع بعض اللبنانيين ضرب هذه الصيغة من الداخل يوم تناسوا أن لوطنهم الحق في الحياة، وأنّ لأبنائه الحق في العيش الكريم وبسلام. إنّ تدمير الميثاق والصيغة تم بأيدٍ لبنانية خرجت عن المواثيق والأعراف وقيم العدالة والسلام وأرست قواعد سلوك لا تليق حتى بقطّاع الطرق والخارجين عن القانون. لقد اُهمل البيت الوطني واُهملت حقوق أبنائه في الصحة والسعادة والتعليم، وتحوّل هذا البيت مكبّاً لكل شذاذ الآفاق ومخيماً فسيحاً يرتاده الأقربون والأبعدون من دون رقيب أو حسيب، ناهيك عن العروض المغرية لشراء مدنه وجباله وسواحله. إنني لا أطالب بعودة صلاحيات ونقل سلطات من هنا إلى هناك، انني أشدّد على عودة الممارسة السياسيّة والوطنية الى نطاق الاخلاق والأسس الإنسانية، إلى معاملة الناس بالعدل والاحترام، إلى الكيل بمكيال واحد، إلى إعطاء الدولة الحق في مزاولة مهنتها كأم وراعية ومعلمة، إلى وقف السرقات والنهب المنظّم الموصوف، إلى ردع التعدّي على قوانينها وأنظمتها، الى مراقبة مناهج الدراسة في مدارسها، إلى ابعاد المذهبية والطائفية عن موظفيها وأمنييها.
ليس المسيحيون أم الصبي، جميع طوائف لبنان وجماعاته هم أيضاً أم الصبي. لا يمكن ربط لبنان بمصير المنطقة المحيطة به، ثم القول علينا العمل على قيامة الوطن والدولة. هذا أمر مستحيل وعلى العقّال في المجموعات اللبنانية المسلمة، خصوصاً، اقناع المتطرّفين بأنّ الضرر كبير خاصة بعد فتح شهيّات الدول الكبرى وقتل كل المبادرات الرامية الى إخراج هذه المنطقة من آتون النار والدمار. الضرورة ملحّة في جمع أقطاب لبنان لإرساء قواعد لعبة جديدة، طموحها الأول وقف انهيار الدولة والوطن، وإعادة تصويب اللعبة القاتلة باتجاه إحياء نقاط القوة وهي كثيرة. نحن لا نتوهّم مطلقاً أن الرئاسة الأولى ستستعيد الوطن وتوقف سرقة الدولة، لنا مع رؤساء الجمهورية تجربة مرة، فمعظمهم اغفل القسم وغيّب الإصلاح ولم يعر اهتماماً بأبناء طائفته. وبالرغم من هذه التجربة المرّة نبقى على موعد مع رئيس يضع برنامج عمل ويشرك اللبنانيين باعادة ترميم واعادة بناء الثقة وطرح الموضوعات الملحّة بكل جدية وشجاعة، فإن نجح كان الأمر خيراً، وإن لم ينجح فيترك حتماً بصماته، الى أن تأتي نخبة سياسية يسكنها الله ويسكنها هاجس الإنسان. حينها تكون قيامة الدولة والوطن.

الانتخابات الرئاسيّة خلطت الأوراق في 8 و14 والانتخابات النيابيّة المقبلة قد تغيّر التحالفات...
اميل خوري/النهار/5 شباط 2016
إذا كانت الانتخابات الرئاسيّة قد خلطت الأوراق بحيث انها فرّقت أصدقاء وقرّبت بين أخصام، فان الانتخابات النيابية المقبلة قد تغيّر التحالفات، وما الخلاف على قانون جديد لها سوى بداية الصراع على السلطة، إذ أن كل حزب وكل تكتّل يحاول أن يكون القانون في مصلحته ويؤمّن له الفوز بأكثرية المقاعد كي يستطيع التحكم برئيس الجمهورية وبتشكيل الحكومات وبالمصادقة على المشاريع التي يريد في مجلس النواب. إن قانون الانتخابات النيابية سواء تم إقراره قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها هو الموضوع الأهم. ويحاول “حزب الله” ومن معه، نظراً إلى أهميته أن يربط بين الاتفاق عليه والاتفاق على رئيس الجمهورية. حتى إذا ما جاء هذا القانون في مصلحة الحزب ومن معه، يسهل عندئذ انتخاب الرئيس ويفعل العكس إذا لم يكن مقبولاً منه. ذلك أن قانون الانتخاب سيعيد تكوين السلطة وهو ما لا يستطيعه مجرد انتخاب رئيس. لذلك فإن “حزب الله” ومن معه يهتم بقانون الانتخابات النيابية أكثر من اهتمامه بانتخاب رئيس للجمهورية بدليل أنه أبدى استعداده للتخلّي عن سلّة المطالب إذا ما انتخب الرئيس الذي يريد أن يضمن عندئذ الحصول على هذه السلة، ولا يتخلّى عنها إذا انتخب رئيس غير مقبول منه، لا بل لن يسهل انتخاب هذا الرئيس ويعود إلى المطالبة بانتخابات نيابية قبل الرئاسية لأن نتائجها هي التي تقرر أي رئيس يصلح للبنان، وتقرّر شكل الحكم والنظام فيه. والسؤال المطروح هو: هل يظل “حزب الله” ومن معه يماطل في انتخاب رئيس للجمهورية الى أن يتم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات وإقراره في مجلس النواب، حتى إذا كان مقبولاً منه سهّل انتخاب أي رئيس لأنه يراهن عندئذ على الفوز بأكثرية المقاعد النيابية، وهي الأكثرية التي تحكم تطبيقاً للديموقراطية العددية التي تصبح مقبولة ولا تعود ثمة حاجة إلى تطبيق الديموقراطية التوافقية.
أما السؤال الآخر وهو مهم: كيف ستكون التحالفات الانتخابية في ضوء القانون الجديد إذا ما تم التوصّل إلى اتفاق عليه ولم يفرض استمرار الخلاف عليه تمديداً ثالثاً لمجلس النواب وربما رابعاً إذا ظل كل حزب يريده أن يكون على قياسه وليس على قياس الوطن؟
الواقع أن التحالفات القائمة حالياً قد لا تصلح لخوض انتخابات نيابية، ليس على اساس قانون جديد فحسب، بل على أساس ما تكون عليه صورة الوضع في المنطقة. هل تكون على أساس تسوية شاملة للأزمات فيها، أم تكون صورة لتوتّرات شديدة تطيل أمد الحروب فيها وقد لا يستطيع لبنان أن يظل بعيداً من تداعياتها؟ إن الانتخابات النيابية المقبلة قد تجرى محلياً بين طرف يريد إقامة دولة قوية لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، وطرف يريد دولة لا تلغي السلاح خارجها إلا بعد تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبعد القضاء على التنظيمات الارهابية بمختلف أشكالها وهوياتها. هذا محلياً، أما عربياً وإقليمياً وكان لا يزال الصراع قائماً بين المحاور في المنطقة، فإن أحزاباً قد تعيد النظر في تحالفاتها الحالية وفي تموضعها. فـ”التيار الوطني الحر”، مثلاً، لا يستطيع أن يظل متحالفاً مع “حزب الله” ومع “القوات اللبنانية” في آن واحد بل عليه أن يختار بين هذا التحالف أو ذاك واعتماد سياسة خارجية واحدة في أي تحالف يختاره. فالتقارب بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في موضوع الانتخابات الرئاسية شيء والتحالف في الانتخابات النيابية التي قد ترسم نتائجها وجه لبنان شيء آخر. فإذا لم يكن للناس رأي في الانتخابات الرئاسية لأنها تخص القادة والنواب كوكلاء عنهم، فإن لهم رأياً في الانتخابات النيابيّة عندما يؤيّدون لوائح لها سياستها ولوائح لها سياسة أخرى، ولا يمكن تشكيل لوائح واحدة لأحزاب لا يجمعها خط سياسي واحد. لذلك لا بد من الانتظار لمعرفة هل تجرى الانتخابات النيابية قبل الرئاسيّة إذا استمر تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسيّة، وأي قانون جديد ستجرى الانتخابات النيابية على أساسه؟ هل ستتغيّر صورة الوضع في المنطقة فيتوقف صراع المحاور بتسوية ما، أم أن هذا الصراع سيستمر ويزداد حدّة ويكون له انعكاس على الداخل اللبناني بحيث تقوم تحالفات على أساس مواقف جديدة سواء من السياسة الداخلية أو من السياسة الخارجية؟ وهل تعود الأكثرية النيابيّة التي تنبثق من الانتخابات المقبلة هي التي تحكم والأقلية تعارض، أم تظل الأقلية تشارك الأكثرية في الحكم باسم الديموقراطية التوافقية التي لا تمكّن أحداً من أن يحكم من جرّاء الخلافات بين الأفرقاء حتى على الأمور الصغيرة تطبيقاً لسياسة النكايات والكيديّة وليس خدمة لمصلحة الوطن.