عبدو شامي: 14 آذار انتحرت وأوصت بالجمهورية لـ8.. وعون وفرنجية يتصارعان على التَرِكة

815

14آذار انتحرت وأوصت بالجمهورية لـ8.. وعون وفرنجية يتصارعان على التَرِكة
عبدو شامي
01 شباط/16

إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه فسوداوية سنة 2016 تُعرَف من شهرها الأول.

عالميًا، شهد 16 كانون الثاني عودة الدولة الإرهابية الأولى في المنطقة إيران الى حضن الأمم المتحدة من بابها الأميركي العريض مع دخول الاتفاق النووي الجيو-سياسي حيّز التنفيذ، فرُفعت العقوبات الدولية وبدأت الوفود الرسمية الأوروبية تزور طهران لحجز حصتها الاقتصادية في السوق الإيرانية الواعدة. بدوره، بدأ الرئيس الإيراني يجوب أوروبا كحمامة سلام تنشد الأمن في العالم، فوقّع مع إيطاليا عقودًا بقيمة 17مليار يورو، واحتشمت له روما فسترت تماثيلها العارية خشية أن يقع نظره عليها فتخدش حياء مَن أرسل إرهابييه ليهتكوا أعراض النساء في سوريا قتلا واغتصابًا وتعذيبا… ثم عرّج على الفاتيكان فاستقبله البابا بالترحاب مع أن لحيته تقطر دمًا من جرائم إيران في المنطقة… وكانت له محطّة مميزة في فرنسا رافعة لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، ومَن أرفق بالإنسان وحقوقه من ذاك “الإصلاحي” الذي فاق منسوب الإجرام في عهده ما شهده عهد سلفه المتشدّد “نجاد”، سواء نسبة الإعدامات التي بلغت رقمًا قياسيًا عام 2015، أو حجم الإرهاب وإراقة الدماء التي سفكها الحرس الثوري وميليشاته الشيعية في سوريا والعراق… مع ذلك لابأس أن تضحي فرنسا بما ترفعه من مبادئ طالما أن الغلّة الباريسية شملت توقيع شركة “توتال” عقداً يقضي بشراء 150الفاً الى 200ألف برميل من النفط الإيراني يومياً، وتعهد إيران شراء 118 طائرة “آيرباص” بقيمة تتجاوز 25 مليار دولار.

في سوريا، شهد كانون الثاني مضاعفة الوحش الروسي حجم إرهابه بضوء أخضر عالمي، فكثّف ضرباته على المعارضة المعتدلة والمدنيين مع انتصاف مهلة الستة أشهر التي قطعها على نفسه لقلب المعادلة العسكرية لصالح الأسد. وبالفعل، بدأ النظام المجرم بفعل خطة الأرض المحروقة الروسية يقضم مناطق الثوار المحرّرة ويحَصِّن حدود دولته العلوية، ولذا لم يجد حرجًا كي يكون الحاضر الأول والوحيد على طاولة مفاوضات “جنيف3” بعد تغير موازين القوى سائلاً المجتمع الدولي بكل سخرية: “مع من نتفاوض؟” ما ينذر ببداية نجاح جهود الحرب العالمية الثالثة لإجهاض الثورة الممنوعة، خصوصًا أن مسار التفاوض الذي تفرضه كل من روسيا وأميركا على المعارضة من شأنه أن يُبقي سفّاح العصر رئيسًا الى أجل غير مسمى.

كانون الثاني لبنانيًا لا يقل سوداوية عما كان عليه عالميًا وإقليميًا، فالسادس عشر منه شهد فضيحة وفتنة إخلاء المحكمة العسكرية سبيل المجرم ميشال سماحة وعودته الى منزله متعهدًا بمواصلة عمله السياسي! أما الثامن عشر فكان شاهدا على احتفال القوات اللبنانية في معراب بالمصالحة مع الجنرال ميشال عون وبإعلان الدكتور سمير جعجع ترشيحه العماد عون لرئاسة الجمهورية؛ وإذا كانت المصالحة بعد مراجعة الماضي الأليم مطلوبة وطنيًا ومسيحيًا، فترشيح عون مرفوض رفضا باتًا وبكافة المعايير والمبادئ الوطنية والـ14آذارية وحتى المسيحية، هذا رأينا بكل صراحة وتجرّد وانسجام مع المنطق الذي رفضنا على أساسه ترشيح الحريري لسليمان فرنجية، فمن يرفض هذا لا يمكن أن يقبل بذاك إذ كلاهما من صلب فريق 8آذار والمساهمة بإيصال أي منهما الى الرئاسة الأولى محض استسلام وتسليم لمشروع الحزب الإرهابي وتفريط بدماء شهداء ثورة الأرز وتضحياتهم.

أما البنود العشرة السيادية التي تلاها الحكيم وأعلن ترشيحه عون على أساس التزامه بها، فمن المستحيل أن نصدق أن الرجل الذي عوّدنا في مقاربته الأمور على المنطق والحكمة والحنكة وقوّة الحجة وبُعد النظر وعُمق التحليل… هو مقتنع فعلاً بأن عون موافق عليها أو أنه سيلتزم بها حال وصوله -لا قدّر الله- الى الرئاسة، لا سيما بندَي السياسة الخارجية وتنقل المسلحين عبر الحدود؛ فالحكيم نفسه شكّك في بعضها من خلال قوله للجنرال أثناء تلاوتها غامزًا من جهة جبران باسيل: “بدك يعملا” و”قلّو”! وإذا أضفنا الى ذلك تنكّر المنسق العام لتيار عون “بيار رفول” في 25/1 للنقاط العشر من خلال تفسيره مصطلحاتها بحسب قاموسه الفارسي لا سيما عند فرزه المسلحين بين ما يسمى “مقاومة” وإرهابيين، وأضفنا كذلك تأكيد الحزب الإرهابي في 29/1 مضيّه في ترشيح عون رغم احتفالية معراب وبنودها، فلا يبقى عندنا أي شك في أن النقاط العشر لا تعني ولا تلزم إلا الدكتور جعجع وحده وعون منها براء، وأن ترشيح عون ردة فعل قواتية تغلّبت فيها الكيدية على الثبات على المبادئ ردًا على ترشيح الحريري فرنجية وعلى طعناته السامة والغادرة المستمرة.

الحزب الإرهابي غير مستعجل أبدا ولا مربك فهو يعيش اليوم أحلى أيامه مبتهجًا بأمرين، ابتهاج برئاسة الجمهورية المحتلة التي سيسلّمها الى أحد اثنين من أدواته انحصرت هوية الرئيس بأحدهما، وابتهاج بانتحار تحالف قوى 14آذار الذي كان على هشاشته عائقًا أمام إتمام الحزب الإرهابي مشروعه في الهيمنة على الدولة.