زهير قصيباتي: الفخ في جنيف والصِّفر المكعَّب/رندة تقي الدين: روحاني في باريس/روزانا بومنصف: لا يصدّقون أن لا استراتيجية أميركية واضحة واشنطن في سوريا تقترب من الموقف الروسي

236

الفخ» في جنيف والصِّفر المكعَّب
زهير قصيباتي/الحياة/27 كانون الثاني/16

الروس والأميركيون يحرصون على «مبادئ» في إدارة ملف الحروب السورية، على الأقل هذا ما اجتهد الرئيس فلاديمير بوتين للإيحاء به، وبَذَلَ الجانب الأميركي جهداً دؤوباً لتبديد انطباع حول «عصا» روسية قيل إن وزير الخارجية جون كيري لوّح بها للمعارضة السورية في الرياض. لا جديد في دفاع بوتين عن «القيادة الشرعية» في دمشق، ولا تبدُّل في حديث واشنطن عن «فقدان» الرئيس بشار الأسد «شرعيته». وإذا كان الاشتباك الروسي- التركي عشية مفاوضات جنيف انعكاساً للتأزُّم المستمر بين موسكو وأنقرة، كما دفاع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن مشاركة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري في المحادثات، فالمضحك هو إصرار الكرملين على انه لا يتدخَّل في الشأن السياسي لسورية. نكتة ثانية سوداء في نفق النكبة السورية، أن يتحدى لافروف مَنْ يجد دليلاً على قتل الطيران الحربي الروسي مدنيين، خلال غاراته التي تعتمد نهج الأرض المحروقة… تدكّ أبنية سكنية، لكنّ صواريخها تميِّز بين «الإرهابيين» الدواعش والأطفال والنساء الذين يلتحفون ركام وطن.
كان هدف الوزير قبيل ساعات من حسم الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة قرارها في شأن الذهاب إلى جنيف، افتعال عقدة جديدة في وجه الهيئة، موجّهاً في آن رسالة أخرى لا تخلو من تهديد مبطّن: التسوية تريدها موسكو نهائية. فإذا انطلق قطار المفاوضات بمن حضر، أمكن الروس اتهام الهيئة بعزل نفسها، وبرفضها إيجاد حل لمآسٍ عمرها خمس سنوات… وأمكنهم أيضاً تقديم وجوه معروفة متَّهمة بعلاقة مع النظام السوري، بأنها الممثل الشرعي للمعارضين الذي سيتقاسم مع الحُكم تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية».
حقل الألغام أمام الهيئة لا يبدأ ولا ينتهي عند تمثيل حزب الاتحاد الديموقراطي، أو قبول بدء التفاوض في ظل محاصرة النظام مدناً منكوبة والغارات التي يتباهى بها الجيش الروسي، والتخلّي عن وقف النار أولاً. ومهما فعلت واشنطن أو كيري، فالشبهة الكبرى لدى فصائل معارضة عديدة هي أن التوافق الروسي- الأميركي في زيوريخ، عشية رحلة كيري إلى الرياض، يعزّز القلق من احتمالات جر الهيئة التفاوضية العليا إلى «فخ» في جنيف، حيث السقف الأعلى قبول التعايش مع نظام الأسد في «حكومة وحدة»، ومصير الرئيس مؤجل، وأي إصلاح لا يمر إلا بموافقته. قد يكون من المبالغة، بعد توضيحات المبعوث الأميركي مايكل راتني ملابسات ما حصل خلال اجتماع كيري والمنسق العام لهيئة المعارضة رياض حجاب، اتهام الوزير بـ «تواطؤ» مع لافروف الذي يدرك ما هو «منصف» وما هو «مجحف» في تشكيلة وفد الهيئة الى جنيف… ورغم تطمين كيري المعارضة إلى استمرار دعمها ولو فشلت المفاوضات، فالسؤال محوره امتناع واشنطن عن تقديم أي ضمان لمن كان يُفترض أن يعدّوا لهيئة انتقالية في الحكم، كاملة الصلاحيات. هكذا بات مصير الأسد «شأن السوريين»، واقتلاع «الإرهاب» في بلادهم مهمة الروس، ولو سقط في غارات «السوخوي» عشرات من القادة الميدانيين الذين يقاتلون النظام. إذاً، بات التوافق الأميركي- الروسي، بعد زيوريخ يشمل مصير الأسد الذي لم تَعِد موسكو بمنحه اللجوء، ولا النظام طلبه. وإذا كان السوريون قاتلوا خمس سنوات وضحّوا بربع مليون شخص، وملايين شُرِّدوا، فكيف تستقيم «جنيف 3» وما بعدها، بعد ستة أشهر، وخصم المعارضة باقٍ بقوة هراوة بوتين وصواريخه؟ كم من السوريين مرشّحون للإبادة بالصواريخ والبراميل، قبل أن يطمئن سيد الكرملين إلى انتصاره على «داعش»… من سورية إلى أفغانستان وجورجيا؟
لعل كيري المتعب بجولات الاتفاق النووي الإيراني، والتطبيع الأميركي- الكوبي، وعناد بغداد الذي ضيَّع الموصل في عتمة ليل، طلب من سيرغي «الرأفة» بالمعارضين السوريين بعد إقناعهم بـ «البديل المرعب» للتفاوض… في «قفص» جنيف الروسي مزيد من الغرف للوفود، وستة أشهر كافية لتفتيت أي منها. رغم كل ذلك، موسكو «لا تتدخل» في السياسة، يقول بوتين منتشياً بتفويض أميركي عابر للقارات. وهو حتماً لا تقلقه برامج واشنطن لتدريب المعارضة، ولا مرارة إيران التي سحب منها بساط الشام إلى حين. في أزهى فصول جنيف، حال المعارضة أنها مهما فعلت لن تمرّر أي بند إلا إذا قبله النظام السوري، وبافتراض تنازلها عن ورقة مصير رأسه. أي مفاوضات إذاً؟ ستة أشهر أخرى كم ستكلّف من القتلى الأبرياء، ودمار مدن، وتقطيع ما تبقى من أوصال وطن، بعدما تنقّل من احتلال إلى احتلال؟ الكرملين لم يقل كلمته النهائية، وليس بين السيناريوات المحتملة أن ينجز مهمته مع «داعش»، ويعيد سورية المنكوبة إلى أحضان إيران «المنتصرة» في حضن التطبيع مع الغرب. جمهورية المرشد تتبادل الغزل مع «أعداء» الأمس، وتبني أساطيلها. تشتري طائرات «الشيطان»، فيما نشتري النعوش، ولا نحصي… في سورية كما في العراق.

روحاني في باريس
رندة تقي الدين/الحياة/27 كانون الثاني/16
تفتح فرنسا صفحة جديدة مع إيران بعد الاتفاق النووي. وتتطلع إلى علاقات اقتصادية قوية. هذا ما قاله مانويل فالز رئيس الحكومة الفرنسية في جولته في الشرق الأوسط في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. اليوم يصل الرئيس حسن روحاني إلى فرنسا بعد أن أعلن وزير النقل الإيراني أن بلاده عازمة على شراء 114 طائرة من طراز «آرباص». وتستقبل أوساط شركة «آرباص» هذه المعلومات بحذر، خصوصاً أن هناك منافسة شديدة مع صناعة الطائرات الغربية منذ أن رفعت العقوبات الاقتصادية الأوروبية وبعض الأميركية عن إيران منذ نحو أسبوع. فالكل يعلم أن لإيران احتياجات ضخمة من الطائرات المدنية الجديدة. والسوق الإيرانية واسعة فالشعب الإيراني يفوق عدده 81 مليون شخص، والبلد يعاني من نقص في جميع القطاعات بسبب العقوبات. زيارة الرئيس الإيراني إلى كل من روما وباريس تمثل انتقالاً نوعياً في العلاقات الأوروبية مع هذا البلد الذي فتح له باراك أوباما باب الغرب الواسع. واضح أن الغرب يراهن على نجاح الجناح الإصلاحي في إيران الممثل بروحاني. لكن الجناح المتشدد الممثل بالمرشد الأعلى و «الحرس الثوري» يعمل على منع ترشّح عدد من الإصلاحيين لانتخابات المجلس النيابي الجديد كي يبقى الجناح المتشدد مسيطراً على الحكم في إيران. إن من سوء حظ الدول التي تعاني من سياسة إيران التخريبية في سورية ولبنان والعراق واليمن والبحرين، أن يفتح الغرب أبوابه واسعة لبلد سياسته الهيمنة والتدخل في شؤون الآخرين وتهديد أمنهم. سمعنا أيضاً أن شركة «بوينغ» تعتزم بيع إيران طائرات على أن تعيد الولايات المتحدة فتح خطوط الطيران أمام شركة الطيران الإيرانية إلى الولايات المتحدة. إن من المحزن أن شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية (MEA) ممنوعة منذ 1985 من الطيران إلى الولايات المتحدة بسبب عملية إرهابية قام بها «حزب الله» ذراع إيران في لبنان، فيما يسمح لإيران التي خطفت رهائن أميركيين وقتلت عدداً منهم في طهران، أن تعاود طيرانها إلى الولايات المتحدة. كذلك تدعم إيران «حزب الله» في حربه في سورية لحماية نظام بشار الأسد والولايات المتحدة تشكك وتحاول تعطيل القطاع المصرفي اللبناني في حين أنها قيد رفع العقوبات عن العمليات المصرفية الإيرانية. أي سياسة هي هذه للسيد أوباما؟ هل يعتبر أن «حزب الله» حالة لبنانية مستقلة لا علاقة لها بإيران؟ لبنان بلد صغير لا يهم أوباما وليس في حجم السوق الضخم الذي سيفتح أمام التجار الأميركيين لدخول بازار طهران الذي ينتظرهم بحرارة. فزيارة روحاني فرنسا لن تغير في سياسة إيران، لا بالنسبة إلى سورية ولا في لبنان وأزمة الرئاسة فيه، وهو ملف سلمته إيران بثقة لذراعها اللبنانية «حزب الله» الذي لا يريد انتخاب رئيس قبل وضوح الرؤية بالنسبة إلى ما سيحصل في سورية.
إن زيارة روحاني ستكون مهمة لباريس من حيث الحصول على عقود ولو أن التعامل مع الإيرانيين على الصعيد التجاري صعب جداً، خصوصاً في ضوء سعر برميل النفط الذي وصل إلى 30 دولاراً. وتحرير الأموال الإيرانية في الخارج لن يكون لمصلحة الشعب الإيراني، ولكن لمصلحة مقاتلي «حزب الله» في سورية والحوثيين والأوساط العراقية التابعة للتأثير الإيراني. وليس مصادفة أنه عشية زيارة الرئيس الإيراني فرنسا كتبت كبرى المجلات الأسبوعية الفرنسية مقالات معادية للصداقة الفرنسية – السعودية وتقارب الرئيس هولاند مع دول الخليج. فالرأي العام الفرنسي مقتنع بأن دول الخليج هي التي تمول «داعش» في حين أن «داعش» ظهر بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق لإطاحة صدام حسين، ثم استخدم بشار الأسد هذا التنظيم وغذاه إلى أن أصبح التهديد الأكبر له. وهذا الرأي العام الذي يظهر في الصحف الفرنسية من شأنه أن يضغط على المجموعة الحاكمة في باريس التي تستعد لسنة انتخابية رئاسية في 2017 وتحتاج إلى إعجاب الناخبين. ولا بد من أن زيارة روحاني فرنسا تخدم هدف الأوساط السياسية التي تريد أن تظهر أنها متوازنة وأن علاقاتها ليست فقط مع دول الخليج.

لا يصدّقون أن لا استراتيجية أميركية واضحة! واشنطن في سوريا تقترب من الموقف الروسي
روزانا بومنصف/النهار/27 كانون الثاني 2016
سارعت الديبلوماسية الاميركية الى توضيح ما نقل عن اللقاء الذي عقده الوزير جون كيري لدى زيارته الرياض ولقائه وفد المعارضة السورية فيها، والذي أظهر تراجعا في الموقف الاميركي لمصلحة التقاء هذا الموقف أكثر مع المنطق او المقاربة الروسية من موضوع المفاوضات. وقد صدر بيان عن المبعوث الاميركي الى سوريا مايكل راتني حمل جملة توضيحات تظهر وجود مغالطات في ما نقل على نحو بدا مفيدا وفق بعض المتابعين الديبلوماسيين. والمحصلة التي تمثلت في الحصول على توضيحات او ضمانات مكتوبة وعلنية كانت جيدة بالاستناد الى البيان، نظرا الى الخشية التي اثارها، وهو ما يمثل تراجعا في الموقف الاميركي من التطورات السورية. والتراجع الذي شهده الموقف الاميركي من موضوع الرئيس السوري بشار الاسد على الاقل، واضح، وقد تدرج من وجوب رحيله وصولا الى فقدانه الشرعية ثم الى تقرير السوريين مصيره واحتمال ترشحه للانتخابات المقبلة على نحو يظهر اقترابا أكثر للموقف الاميركي من موقف روسيا على هذا الصعيد، خصوصا انه تم الاخذ بشروط موسكو ايضا في شأن وفد المعارضة الذي يدور في فلكها واعتباره استشاريا للموفد الدولي ستافان دو ميستورا. وهؤلاء المتابعون يخشون في الواقع تغييرا في الموقف الاميركي في ضوء جملة عناصر، من أبرزها أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية محددة لها في سوريا على عكس ما تقوم به روسيا. وهناك ما دأب الرئيس الاميركي باراك اوباما على التعبير في شأنه طيلة السنوات الخمس الماضية من ان الموضوع السوري لا يكتسب اهمية كبرى بالنسبة اليه، وهو لا ينوي الانخراط فيه، باستثناء رغبته في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية. كما يخشى هؤلاء ان اوباما قد يحتاج في السنة الاخيرة من ولايته الثانية الى ان يختتمها بإنجاز يقول فيه ان مسارا للعملية السياسية السورية بدأ في الاشهر الاخيرة من عهده، وهو ما قد يدفعه الى مسايرة روسيا في طموحها لقيادة المسار السياسي وفق ما يناسب مصالحها واهدافها في سوريا. فالاداء الاميركي من الموضوع السوري لا يوحي الثقة، حتى لأبرز الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة لجهة التمسك بموقف صلب من الاساس في وجه الشروط الروسية أمام وفد المعارضة. اذ ان مجرد تخصيص وزير الخارجية الاميركية الجزء الاكبر من زيارته للرياض من اجل ايصال رسالة من هذا النوع الى المعارضة السورية يعني وجود خطأ جوهري انطلاقا من تنكب كيري بنفسه هذه المهمة، بدلا من التصدي للارادة الروسية في فرض شروطها على تشكيلة المعارضة. والمآخذ الاوروبية على الموقف الاميركي هو الحجم المتزايد من التنازلات، فيما تفتقد اوروبا القيادة الاميركية من جهة وعدم قدرة اوروبا في ذاتها على قيادة سياسة مختلفة أو أكثر صلابة في الشرق الاوسط. والواقع أن عددا من وزراء الخارجية الاوروبيين لم يخفوا تأييدهم لوفد المعارضة الذي تألف في الرياض وعدم مسايرة شروط موسكو، أكان ذلك مسايرة للراعي المعنوي لهذه المعارضة، أي المملكة السعودية، أم اقتناعا بأحقية أن تشكل المعارضة وفدها من دون أن يفرض الخارج، أي خارج، شروطا عليها، خصوصا متى كان كروسيا، باعتبارها طرفا منخرطا في الحرب وليس وسيطا حياديا. والمشكلة وفق ما تظهر لهؤلاء المتابعين هي عدم استيعاب الاوروبيين كما دول عدة في منطقة الشرق الاوسط اختلاف الدور الاميركي في شكله الجديد مع ادارة اوباما، على رغم مشارفة الولاية الثانية لهذا الاخير على الانتهاء. ولا يزال هؤلاء جميعهم يحاسبون الولايات المتحدة او ينتقدونها بناء على ما هو متوقع منها. فمع أن هناك دراسات كثيرة تحدثت عن ذلك، فضلا عن ان محطات عدة أثبتت ان اميركا التاريخية ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست هي نفسها اميركا التي لم تعد ترى مصالح كبيرة لها في المنطقة، اللهم باستثناء بعض المصالح كـأمن اسرائيل في الدرجة الاولى والعلاقات الجيدة مع المملكة السعودية. فمنذ تراجع الولايات المتحدة عن قيادة الغرب في محطة بارزة أكثر ما تجلت إبان الحملة الغربية لدفع معمر القذافي الى التنحي والرحيل، وسرى ما بات يعرف بالقيادة الاميركية من الخلف، لا يزال ذلك قائما. والتسليم لروسيا في سوريا، أيا تكن طبيعة الاتفاق في ما بينهما، وان كان يتضمن ان تتخلى روسيا لاحقا عن بشار الاسد او تدفعه الى الرحيل بغض النظر عما إذا كانت روسيا ستلتزم ذلك او تبدله على الطريق الى الحل السياسي، فإن ما يبدو واضحا على الاقل ان الادارة الاميركية لا تزال تعتمد الاسلوب نفسه، بمعنى ان سوريا غير مهمة بالنسبة اليها، خصوصا بعد نزع السلاح الكيميائي الذي كان يمكن ان يهدد اسرائيل. وسوريا نفسها لم تعد تشكل أي تهديد، فيما تعول الادارة الاميركية على انتخابات ايران لكي تأتي بالفريق الاصلاحي، على أن يساهم وصول هذا الاخير في هدايا معينة بعد حين تضمن أمن اسرائيل، أكان الأمر يتناول اسلحة “حزب الله” أم سوى ذلك