راغدة درغام: انعكاسات الاتفاق النووي على سياسات إيران/عبد الكريم أبو النصر: أوباما رفض الصفقة الإقليمية مع إيران/بهاء أبو كروم: عن عقوبات إيران وآمال العرب

278

انعكاسات الاتفاق النووي على سياسات إيران
راغدة درغام/الحياة/22 كانون الثاني/16

مرَّ رفع العقوبات الدولية عن إيران كأنه لم يحدث واكتفى مجلس الأمن الدولي بإضفاء الشرعية التلقائية على خلاص طهران من العقوبات بموجب الاتفاق النووي الذي صادق عليه بختم الإذعان. رفع الحظر عن الممتلكات الإيرانية يعني أن إيران ستحصل على حوالى 150 بليون دولار وقريباً على استثمارات موعودة قيمتها 50 بليون دولار في السنوات الخمس المقبلة. هذا يعد بنمو يعادل وفق تقدير الخبراء، حوالى 5 في المئة مما ينشل إيران من أزمة اقتصادية ويمكّنها من تنفيذ مشاريعها الداخلية والخارجية حتى في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً. تدخّل روسيا العسكري المباشر في سورية أدى إلى ارتياح نسبي للميزانية الإيرانية مع أن غالبية ميزانية طهران في السنوات الماضية لأهداف التوسّع الإقليمي أتت من الخزانة العراقية أثناء حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. الآن، وبعد رفع العقوبات الدولية عن طهران، سيتمكن «الحرس الثوري» من استكمال مشاريعه الإقليمية بهامش ارتياح اقتصادي كبير وسيتمكن أيضاً من خوض المعركة الداخلية مع ما يسمى صفوف الاعتدال في إيران براحة أكثر. فهو المستفيد الأول، اقتصادياً، فيما تيار الاعتدال الذي يترأسه الرئيس حسن روحاني بشراكة ديبلوماسية مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف وشراكة سياسية مع الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني يرتاح انتخابياً في الجولة الانتخابية الشهر المقبل. إدارة الرئيس باراك أوباما تراهن على تأثير الرخاء الاقتصادي الإيراني إيجاباً في تيار الاعتدال الذي لا يخرج أبداً عن حكم الملالي في طهران، وهي تتمنى أن يؤثّر ذلك سلباً في طموحات الهيمنة الإقليمية التي يتولاها تيار التطرف الذي يمثله «الحرس الثوري». هذه التمنيات، لو تحققت، لن تكون آنية. وبالتالي، لن تؤثر في مسيرة السياسة الإيرانية – الروسية في سورية الداعمة لنظام بشار الأسد وبقائه في السلطة. إنها تمنيات لن تفضي إلى حل الميليشيات الشيعية العاملة في سورية والعراق، ولا إلى حشد الدعم السني الضروري لمحاربة «داعش» وأمثاله في البلدين. وبالتالي، هناك حاجة للتفكير عملياً بوطأة رفع العقوبات عن إيران على النزاعات الإقليمية وكذلك على مصير حرب القضاء على «داعش». فإذا ارتأت واشنطن أنها ليست في وارد ما من شأنه أن يؤدي إلى اهتزاز العلاقة الجديدة التي بنتها مع طهران، فالثمن الآتي أضخم مما تتصوره، وقد تدركه بعد فوات الأوان. فالصفحة الجديدة في العلاقة الأميركية – الإيرانية باتت واقعاً يتطلب التدقيق البنّاء والمساءلة بثقة وشفافية وواقعية كي تكون هذه العلاقة مفيدة للطرفين وللعالم. الرضوخ هو استثمار في مصلحة قوى التطرف السنّي والشيعي على السواء وليس هناك ما يبرر الآن أن يبقى الإرضاء والانبطاح سياسة دائمة بعد رفع العقوبات. هناك فرصة، ربما، في أعقاب التوازن الذي قد تكون إدارة أوباما أرادته في علاقاتها مع السعودية وإيران – للاتزان والاضطرار إلى توازنات إقليمية جديدة.
العلاقة السعودية – الإيرانية ليست حالياً في طور التفاهم والمصالحة بل إن التصعيد الإعلامي يترك بصماته على شتى ملفات النزاعات الإقليمية. القاسم المشترك الجديد هو تأثّر البلدين بانخفاض أسعار النفط إلى دون الثلاثين دولاراً للبرميل. هناك من يعتقد أن الرياض ترفض تخفيض الضخ لأسباب تتعلق باحتياجاتها القومية وأن لا داعي لها لتخفيض الإنتاج لمصلحة روسيا وإيران لاسيما وأنهما في تحالف واضح على المستوى الثنائي وفي بقع الصراعات، بالذات في سورية. وهناك من يعتقد أن أحد أهم أسباب إصرار الرياض على الإبقاء على مستوى الإنتاج هو تكبيل إيران وروسيا اقتصادياً كي لا تتمكنا من الإنفاق الهائل على حربهما في سورية.
السياسات النفطية لا تتوقف عند العلاقة السعودية – الإيرانية ولا عند المزاحمة الجديدة في عالم النفط التي أتت على أيدي ما يسمى «بثورة الشايل» أي النفط الأميركي الصخري الغزير الذي أثّر جذرياً في السياسات الأميركية. بالطبع هناك اعتبارات أخرى، من متطلبات السوق، إلى حال الاقتصاد في الصين إلى إنفاق الدول المصدرة للنفط على حروب تخوضها مباشرة أو بالنيابة.
إنما ما يعتقده بعض خبراء النفط هو أن هبوط الأسعار سيضطر الأعداء التقليديين إلى وضع العداء جانباً للعمل معاً من أجل إنقاذ اقتصاد كل منهم، شاؤوا ذلك أم أبوا. يقول هؤلاء أن لا مناص من التفاهم لأن ذلك هو ما تقتضيه المصالح، وأن هامش التفاهم لن يتوقف على التسعيرة النفطية المرجوة وانما سيضطر المتنافسين إلى التفاهم سياسياً على المسائل العالقة إقليمياً.
قد لا يُطبَّق هذا المنطق على «الحرس الثوري» في إيران لأن تفكيره مقنّن في مشاريع الهيمنة الإقليمية وتصدير الثورة وهو يعتقد أنه تمكّن من المكابرة في زمن العزل والعقوبات، فما بالك في زمن رفع الحظر وتدفق الأموال؟ إنه يُطبَّق على قوى الاعتدال التي تريد رفع مستوى النمو الاقتصادي وإرضاء الناس وتنفيذ الوعود بالازدهار بدلاً من تنفيذ مشاريع التدخل العسكري وإنماء الميليشيات وفرض الهيمنة المكلفة في نهاية المطاف.
من هذا المنطلق، إن الصراع داخل إيران بين ملالي الاعتدال وملالي التشدد ليس هامشياً بالذات على عتبة الانتخابات في 26 شباط (فبراير) والتي تتزامن مع ضرورة التفكير بإفرازات أسعار النفط على الاقتصاد. من هذا المنطلق، أيضاً، من الضروري التمهّل في إجراءات فك الحظر عن الأموال المجمّدة ومشاريع الاستثمار. فللتوقيت تداعيات.
الأجدى بصنّاع القرار، بالذات على مستوى وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، استغلال الفسحة المتاحة للاستفادة من اضطرار كل من السعودية وإيران للتفاهم واختزال الخلافات بصورة عملية وواقعية. هذا يفيد روسيا والولايات المتحدة وكلاهما الآن منتج للنفط.
أما إذا كانا قد قررا أن انخفاض أسعار النفط ضروري لمصالحهما للسنوات القليلة المقبلة، فالأمر يختلف تماماً، ولا داعي لهما لرعاية تفاهم أو مصالحة سعودية – إيرانية. عندئذٍ، على الدول الشرق أوسطية المنتجة للنفط التفكير في خياراتها إن كانت في إطار جدوى تخفيض وتيرة النزاعات الإقليمية في الحروب بالنيابة، أو في إطار البديل عن الاعتماد الكلي على النفط.
هناك رأي لافت لخبراء الاقتصاد والتكنولوجيا في القطاع الخاص لاسيما من هم في مجال الإبداع التقني والاستثماري. رأيهم أن انخفاض أسعار النفط يعجّل، اضطراراً، الإصلاحات الاقتصادية الضرورية كي لا يكون النفط الأساس الوحيد في سياسات وواقع الدول في الشرق الأوسط، بالذات الدول العربية الخليجية.
فادي غندور، مؤسس شركة «ارامكس» وملهم الشباب الذين يحلمون بشركات ناشئة قال لمجلة «المعرفة وارتون» في جامعة بنسلفانيا أن عدة قطاعات تعاني من انخفاض أسعار النفط والغليان السياسي وعجز الميزانيات، فيما «مشهد الشركات الناشئة في المنطقة يتحرك في الاتجاه المعاكس». رأيه أنه «مع انخفاض أسعار النفط، تتخذ اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي الإصلاح الاقتصادي بجدية أكثر وتواجه التحديات الاقتصادية بصورة رصينة وواقعية».
الرصانة والواقعية ضروريتان لدى تقويم إفرازات الاتفاق النووي الإيراني وتأثير رفع العقوبات عن إيران داخلياً وكذلك في طموحات التوسع الإقليمية التي يتبناها «الحرس الثوري»، إن لم تكن الحكومة الإيرانية برمتها بقيادة المرشد علي خامنئي. النحيب والاندهاش لن يجديا مهما كان ذلك محقاً. استغراب كيف سوّق الرئيس الأميركي باراك أوباما صفقته المدهشة مع ملالي طهران فيما إيران ماضية في مشاريعها الإقليمية خارج حدودها، تفرض رؤيتها على العراق والميليشيات، تحرّض في اليمن، تتدخل عسكرياً في سورية كطرف في حرب أهلية وتشهر دعمها لبشار الأسد رئيساً دائماً. ففي وجه وضوح هذه السياسات، لا مناص من الرصانة والواقعية في تقويم عواقب وإفرازات هذه السياسات لتبني استراتيجيات تتعاطى مع الأمر الواقع إما للتعايش معه اضطراراً أو للانقلاب عليه بصبر وحنكة وطول نفس.
الاعتماد على رئيس أميركي يحل مكان أوباما ليكون الوصفة السحرية لمعالجة الداء انما هو من صنع الأوهام والتمنيات. صحيح أن المرشحين الجمهوريين يتحدثون بلغة تحميل أوباما مسؤولية الصفقة الإيرانية الخطيرة على الأمن القومي والمصالح الأميركية، كما يقولون، إلا أنهم لن يسرعوا إلى الانقلاب على الصفقة النووية ولا على العلاقة التهادنية مع ملالي طهران. هذا بات واقعاً. ما قد يفعلونه هو الضغط على طهران للكف عن السياسات التوسعية، إنما هذا لن يحدث لسنة على الأقل، ومع حلول ذلك الموعد وكما يقول المثل الشعبي يكون «الذي ضرب هرب، والذي مات مات».
لذلك إن المطلوب ليس فقط تخفيض التدخل العسكري في مناطق النزاع مثل سورية واليمن وانما أيضاً وقف التصعيد السياسي والإعلامي والديبلوماسي بين السعودية وإيران. فلا يجوز حرق السفارات ولا يجوز استخدام وزير خارجية إيران لغة كتلك التي استخدمها في صحيفة «نيويورك تايمز» مهما كانت اعتباراته الانتخابية.
ما يجب أن ينصب الاهتمام عليه هو كيفية إيقاف الحرب في سورية واليمن وإيقاف التدهور في مناطق هشة مثل ليبيا والعراق ولبنان. «داعش» عدو للسعودية كما هو عدو لإيران. الانتخابات الإيرانية قد تولد زخماً للاعتدال، انما هذا الزخم يحتاج مشاركة الرأي العام الإيراني لنقله إلى إجراءات ويحتاج أيضاً إيضاح الدول العربية المجاورة لهذا الرأي العام ان ما تعارضه هو التطرف والتدخل في الدول العربية، وما تريده هو وقف التصعيد المذهبي ووقف استنزاف الاقتصاد عبر الحروب أو عبر أسعار النفط.
ليكن هناك خطاب سياسي يدق عصب الضمير وعصب الرغبة بالحياة التطبيقية والازدهار. أطفال ونساء ورجال مضايا صورة حيَّة عن جرائم حرب ترتكبها الدول الداعمة لإجراءات النظام السوري بتجويع شعبه كأداة حرب. صورة يجب أن تدق ضمير الرأي العام في إيران. القاعدة الشعبية الإيرانية تريد الازدهار ما بعد التقشف الذي فرضته العقوبات والسياسات التوسعية في حروب إيران في سورية واليمن وفي صناعة الميليشيات.
لعل كلفة الحروب بالنيابة وتدهور أسعار النفط يكونان خيراً لمنطقة الشرق الأوسط وأجيالها التي تتطلع إلى حياة طبيعية بدلاً من السقوط في دوامة الإنهاك والاستنزاف.

 

 من حقيبة النهار الديبلوماسية أوباما رفض الصفقة الإقليمية مع إيران
عبد الكريم أبو النصر/النهار/22 كانون الثاني 2016
“أخذ الرئيس باراك أوباما من إيران برنامجها النووي المتطوّر الذي يمنحها القدرة على امتلاك السلاح النووي وأنجز معها، وبالتعاون مع زعماء فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا، اتفاقاً ينهي طموحاتها ويجعلها تكتفي ببرنامج نووي للأغراض السلميّة يعمل في ظل رقابة دولية صارمة طويلة الأمد. لكن أوباما رفض في المقابل عقد الصفقة السياسية – الاستراتيجية الكبرى مع إيران التي تمنحها دوراً إقليمياً مميّزاً وتجعلها شريكة لأميركا في المنطقة وتعزّز نفوذها على حساب الدول الخليجيّة والعربية الحليفة لواشنطن وتغيّر موازين القوى لمصلحة طهران”. هكذا اختصر مسؤول أوروبي في باريس شارك في المفاوضات النووية الإيرانية الدولية حقيقة الوضع. وقال ان التطوّرات الأخيرة أبرزت الأمور الأساسية الآتية:
أولاً: إن ما حدث هو انتصار للإرادة الدولية، إذ إن أميركا والدول الخمس الكبرى الأخرى في مجموعة الست أرغمت القيادة الإيرانية، من طريق فرض عقوبات دولية بالغة القسوة عليها ومفاوضات شاقة معها، على تقديم تنازلات جوهرية والرضوخ للمطالب الدولية المحددة، الأمر الذي جعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكّد رسمياً أن ايران اتّخذت كل الاجراءات المطلوبة منها ممّا يسمح بتنفيذ الاتفاق النووي الموقّع معها في تموز الماضي. وهذا يعني عملياً أن إيران أزالت أو ألغت كل المكوّنات والمواد في برنامجها النووي التي يمكن أن تسمح لها بانتاج السلاح النووي. وسيخضع البرنامج النووي الإيراني لرقابة دولية صارمة ومشدّدة تمتد بين 15 و25 سنة ينفّذها المفتّشون الدوليون الذين يملكون حق زيارة وتفقّد كل المنشآت والمواقع النووية التي يريدون. وتطبيق هذه العملية يعني أن إيران فقدت استقلالها النووي.
ثانياً: بعد تنفيذ إيران التزاماتها المطلوبة دولياً، أعلنت الدول الكبرى قرار رفع العقوبات المرتبطة ببرنامجها النووي عنها، ممّا يسمح لها باستعادة أموالها المجمّدة وتصدير نفطها بحريّة. لكن الإدارة الأميركية أعلنت رسمياً أنها ستواصل فرض العقوبات المرتبطة بدعم إيران الارهاب و”حزب الله” وببرنامجها الصاروخي وبنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخصوصاً في سوريا واليمن وبانتهاكات حقوق الإنسان. وهذا القرار يمنع الكثير من الشركات الأميركية وعدداً من الشركات الأوروبية والدولية من العمل في إيران خوفاً من تعرّضها لعقوبات أميركية.
ثالثاً: إن إيران خسرت في هذه الصفقة أكثر ممّا حقّقته أو ستحقّقه من ارباح ومكاسب، إذ انها أنفقت على برنامجها النووي ذي الطابع العسكري نحو 100 مليار دولار، وتكبّدت في سبيل الاحتفاظ به خسائر تتجاوز 200 مليار دولار، هي حصيلة العقوبات الدولية المفروضة عليها. والأموال المجمّدة التي ستستعيدها إيران بعد تنفيذ كل الخطوات المطلوبة منها تراوح بين 30 ملياراً و50 مليار دولار. وهذا الرقم ضئيل ومحدود مقارنة بالخسائر التي تكبّدتها قبل أن تتخلّى عن طموحاتها النوويّة التسلحيّة، ومقارنة بحاجات إيران إلى أكثر من 500 مليار دولار في السنوات المقبلة من أجل إصلاح وتطوير منشأتها الصناعية والنفطية والمدنية وقطاعاتها المتنوّعة وتحسين الظروف المعيشية القاسية للإيرانيّين.
وأوضح المسؤول الأوروبي “أن إيران لم تحقّق بعد توقيعها الاتفاق النووي أي مكاسب على صعيد دورها الإقليمي ونفوذها في المنطقة، إذ انها لم تنجز أي اتفاق مع أميركا والدول الغربية الرئيسية يتعلّق بأي من القضايا الإقليمية الأساسية، بل إن الخلافات كبيرة بين الإيرانيين والغربيين. الواقع أن أميركا والدول الغربية الرئيسية تتبنّى استراتيجية معادية للسياسات الإيرانية في المنطقة ومتطابقة أو منسجمة مع سياسات الدول الخليجية والعربية المعتدلة في ما يتعلّق بسوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين وأمن الخليج وقضايا أخرى. والإدارة الأميركية ترفض أن تتقاسم النفوذ مع إيران في المنطقة بل تتعامل معها على أساس انها “دولة ذات توجّهات خطيرة ترعى الارهاب وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وتتدخّل سلباً في شؤون الدول الأخرى”، وعلى هذا الأساس تتعاون أميركا مع الدول العربية الحليفة لها من أجل “مواجهة وإحباط خطط القيادة الإيرانية وأعمالها المهدّدة للأمن والاستقرار في المنطقة”.
وخلص المسؤول الأوروبي إلى القول: “إن أميركا لن تسمح لإيران بفرض هيمنتها على منطقة الخليج وتهديد دولها جديّاً. والمواجهة الأميركية – الغربية مع إيران ستتواصل بأشكال ووسائل متنوّعة بعد إنجاز الاتفاق النووي ما لم تغيّر قيادتها سياساتها الإقليمية الخطيرة وتعمل على إقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة. وهذا الواقع دفع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي إلى القول: “إن التفاوض مع أميركا محظور لعدم جدواه ولأنه يلحق بإيران أضراراً لا تُحصى”.

 

عن عقوبات إيران وآمال العرب
بهاء أبو كروم/الحياة/22 كانون الثاني/16
إذ يظهر عادةً أن صراعاً خفياً وقد يكون علنياً أحياناً، يدور بين وجهتين لإيران، وجهة الثورة ووجهة الدولة، فالواقع الثوري في إيران تشوبه تساؤلات عدة، وهو فعلياً لم يعد قائماً. فالقادة الثوريون الذين ينتمون إلى الجيل الأول تسترعيهم اهتمامات تتعلّق بثنائية الثروة والسلطة، وبالتالي فالأصحّ القول أن إيران التي تبحث عن الثروة اليوم هي إطار من التشعبات المذهبية التي لم تعد تمتّ الى الثورة بصلة، أو في أحسن الأحوال هي ثورة بالذاكرة، ومن دون ثوار حقيقيين، بخاصة بعدما تصالحت مع الولايات المتحدة وهادنت إسرائيل.
وإذا افترضنا أن كل ثورة يلازمها، حكماً، خطاب تعبوي ومسار أيديولوجي، فإن المتبقّي لهؤلاء يقتصر على بضع مواد تتعلق بالتنافس السني – الشيعي والصراع مع العرب والموقف من المملكة العربية السعودية. حتى أن التنافس الذي خاضته إيران مع السعودية بهدف قيادة العالم الإسلامي، أصبح في «خبر كان» بعدما شكلت المملكة تحالفاً إسلامياً ضم غالبية الدول الإسلامية وأدى إلى عزلة إيران عن العمق السني للإسلام، وهذا ما لم تعرفه إيران عندما شرعت بمفاوضاتها مع الغرب. لكن أفول المنحى الثوري لا يصبّ بالضرورة في مصلحة فكرة الدولة، وهناك كثير من المؤثرات التي تعبئ الفراغ الناجم عن هذا الأفول، سيما وأن إيران واحدة من الدول التي نجحت في تجربة التعايش بين توجهات متناقضة في ظل سلطة واحدة تتكون من مستويات عدة. وهذا الأمر ربما يحمي إيران ولا يلزمها الذهاب إلى خيارات داخلية حاسمة، بخاصة أن المحيط بإيران حالياً هو عالم متحرك من الصراعات أو التوازنات غير المستقرة.
طبعاً، التنازع بين اتجاهات السلطة يعكس المأزق الداخلي والانقسام حول أولويات المجتمع الإيراني، وهذا النقاش يعكسه التيار الذي ينتمي إلى الثنائي روحاني – ظريف ويهتم بإبراز التلازم الذي يقيمه بين سريان الاتفاق ورفع العقوبات وبين صورة إيران المسالمة، والتي تلتزم قواعد الديبلوماسية وحسن الجوار والعلاقات الإيجابية مع العالم. وهو تلازم حتمي لا يحمل التأويل ولا يتيح لإيران الاستفادة من هذه الفسحة في ما لو ذهبت في اتجاهات معاكسة. ويدعم هذا التوجّه تجربة المتشددين الفاشلة في إدارة الشأنين النووي والخارجي، اللذين أديا إلى تفاقم الأزمة المعيشية للمواطنين واستنزاف القدرات الإيرانية في الخارج، وبالتالي فإن روحاني الذي نجح في إدارة الدفة طيلة الفترة الماضية بتغطية مطلقة من المرشد علي خامنئي وتوصّل إلى رفع العقوبات، لا بد أن يُكافأ باستكمال ما بدأه والإشراف على «المرحلة الانتقالية».
طبعاً، الكل ربما يتفاءل بالمسار الإيراني الذي يعبر عنه الثنائي روحاني – ظريف، إلا العرب الذين خبروا ولا يزالون نوايا إيران وأفعالها في المنطقة. لكن دعنا نتطلّع إلى الوجه الآخر للاتفاق الذي يكمن في التساؤل التالي: هل أن هناك تفاهماً إقليمياً تمت صياغته بين طهران والولايات المتحدة على هامش الاتفاق النووي؟ وما مصير هذا النوع من التفاهم في حال حصوله بعدما تجاوزته الأحداث؟ أي بعد التدخل الروسي في سورية والموقف السعودي المتصاعد الذي أدى إلى قطع العلاقات مع إيران وتشكيل تحالفات وتكتلات عربية وإسلامية لمواجهة تدخلاتها، وهل أن إيران قادرة على ترجمة التزاماتها في مسألة كهذه، وهل الولايات المتحدة قادرة على ذلك بعدما تراجع دورها في المنطقة؟. طبعاً الإجابة عن هذه التساؤلات تبقى رهناً بالأيام والأسابيع المقبلة، لكنْ بات من الواضح أن تقدّم إيران باتجاه الاتفاق يرافقه تراجع في القدرة الإيرانية أمام عدد من الوقائع والتطورات في المنطقة والعالم. ولا شك في أن الداخل الإيراني يتجه إلى تحديد توجهاته في انتخابات شباط (فبراير) المقبل، وفي حال ظهرت ملامح انفراجات اقتصادية ملموسة من المواطنين فذلك يساعد روحاني على تظهير نجاحاته التي تتعلق بتحسين المستوى المعيشي للإيرانيين، وهو أنجع من إحصاء عدد العواصم العربية التي تخضع لنفوذهم. لكن مع العقوبات على طهران أو من دونها، فالدور الإيراني في المنطقة لا يزال مطلوباً من الغرب، وحدوده تصل إلى تقاطعات مع المصلحة الغربية في كثير من الأحيان، سيّما أخيراً بالنسبة إلى مسألة الإرهاب والدور الذي تدّعيه إيران في ذلك. طبعاً الغرب يُطرَب لكل من يدّعي محاربة التطرف السني، لذلك لم نسمع صوتاً يدين التدخل الروسي في سورية وقصفه المدنيين، وعلينا أن نعترف بأن لدى الغرب قناعة تذهب إلى حد تفضيل التطرف الشيعي على مثيله السني، وبغض النظر عن صحتها فهذه نظرية عبّر عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، حتى أن مرشحين في المعركة الرئاسية في الولايات المتحدة ينخرطون في هذا النقاش ويهللون للتدخل الروسي في سورية انطلاقاً من هذه الزاوية. هذا الأمر بالتحديد كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى اتفاق الغرب مع طهران. طبعاً العرب يقفون أمام عالم تسوده التواطؤات على مصالحهم ويدفعون أثماناً غالية نتيجة لذلك، لكن آمالهم هذه المرة تذهب في الاتجاه الصحيح لأنها تنطلق من الإرادة التي عبروا عنها في وضع الحد لتدخلات إيران.