نديم قطيش: أحزاب الله الكثيرة/عبدالباسط سيدا: سقوط حزب الله الأخلاقي المدوّي هذه المرة/حازم الأميـن: حزب الله أيضاً يريد فرنجية

272

أحزاب الله الكثيرة
نديم قطيش/المدن/الخميس 21/01/2016
أصعب الإمتحانات، إمتحان الإعتراف بالآخر. الاعتراف برأيه بموقفه بمقاربته، في الإطار العام للحرية الناظمة للعلاقة بين الافراد وبين المجتمع والدولة. يصير أكثر صعوبة في المجتمعات التي تكون الحرية فيها إدعاء، أكثر منها قيمة متجذرة. وأحسب أن اللبنانيين، لفرط ما يتغنون بالحرية ويغنون لها، هم الأكثر إنكشافاً ورسوباً في إمتحانها الصعب والدائم. الحرية لا تقبل الإنتساب اليها مرة واحدة والى الأبد. هي إستحقاق يومي، ونبتة بالغة الحساسية، لا تحتمل المغامرة بقطع الغذاء عنها. تزداد الإمتحانات صعوبة، في اللحظات السياسية اللبنانية الحرجة، وهي كثيرة، لا سيما في مواسم الإنقلابات وتبديل المواقع في اللعبة السياسية. يكفي أن ينتقد صحافي من الثامن من آذار “مجموعته” السياسية ليقع على عنقه نصل التخوين، والارتشاء، وقلة الإيمان بالقضية. الصحافي المناهض هو خائن اصلاً، ينبغي تجريده من كل المواصفات حتي البشرية. فهو حشرة لم يحن آوان سحقها. يظن المرء أن هذه صفة توتاليتارية، لا تصيب لوثتها، “أحرار وديموقراطيي” الرابع عشر من آذار وإنتفاضة الاستقلال. فهؤلاء مقاتلون من أجل الحرية، أو هكذا يفترض، وحساسياتهم تجاه هذه القيمة عالية، أو هكذا يفترض، غير أن ما يفاجىء هو كم أن قيمة الحرية عندهم “سريعة الذوبان”. يكفي أن تختلف مع “زعيم” ضمن الحركة الاستقلالية راهناً او سابقاً، لتنهال عليك لغة الشتم والتشكيك والتخوين والطعن. حفلة كاملة من البذاءة الفكرية والسياسية! تنتقد وليد جنبلاط، فتقوم دنيا ولا تقعد للمساس بعمود السماء! تختلف مع الدكتور سمير جعجع في موقف او قراءة، فيهيج غوغاء مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الصحافيين المحترفين، نازعين عنك تاريخك ومنطلقات موقفك وحيثياته، كأن لا دافع لك الا راتب، او منفعة، او موقع!! ما هذه الدهماء التي تنتحل صفة الحرية والاحرار!! الفارق الذي انا بصدده بسيط. ما يحكم أصالة انتسابك للحرية هو قدرتك على التزام القيم نفسها والنزاهة نفسها حيال من تختلف معهم في الموقف السياسي. القبول بالاخر وإحترامه، لا يعني القبول به وإحترامه في جنة الاتفاق السياسي. فهذا قبول واحترام لا جميل فيهما. الامتحان الصعب الذي يرسب فيه كثيرون اليوم، هو قبول الاخر وإحترامه، في جحيم الاختلاف السياسي. الفهم المبتسر للحرية وتقديسها بين متفقين، هو نفاق ومداهنة ولحمة قبلية سرعان ما يكتشف ضعفها في منطقة الاختلاف السياسي.
ما أكثر أحزاب الله في لبنان وما أقل أحراره!

 

سقوط «حزب الله» الأخلاقي المدوّي هذه المرة
عبدالباسط سيدا/الحياة/22 كانون الثاني/16
ستظل لعنة مضايا تلاحق «حزب الله» ورعاته إلى أبد الآبدين. ستظل صرخة الجياع من أطفالها ونسائها وشيوخها تمثّل الكابوس المرعب لأولئك الذين باتوا أسرى أحقادهم المرضية. ستظل تلك الصرخة الدليل الدامغ الأقوى الذي يؤكد أن كل شعارات «المقاومة والممانعة» والادعاءات الإعلامية بخصوص المواجهة مع إسرائيل لم تكن سوى مسرحيات هزيلة، كان الغرض منها التستّر على الكبائر بأدوات ما بعد النفاق، وما بعد بعد النفاق. كان السوريون يدركون أبعاد لعبة «المقاومة والممانعة» منذ اليوم الأول. لكن المشكلة أن التحالف غير المقدس بين أقطاب الشرّ تمكّن لمدة من الزمن، وفي غفلة منه، من تسويق صورة خادعة مضلّلة بخصوص الحزب المعني، حتى ذاب الثلج وبان المرج، وتبيّن لناسنا الطيبين أن الحزب الذي كان يدّعي أنه حزب المقاومة هو في جوهره حزب مبني على أساسٍ طائفي بغيض، أنهك المنطقة بالتشارك والتضايف مع «داعش»، وسلّمها لفوضى عارمة ستستمرّ على مدى عقود عجاف قادمة. هذا ما لم تتضافر جهود العقلاء من مختلف الأطراف، لوضع حدٍ مطلوب للحالة اللاعقلانية الغرائزية التي تعيشها منطقتنا راهناً. «حزب الله» يجوّع أطفال مضايا ونساءها حتى الموت، والحجة الأقبح من الذنب أن كفريّا والفوعا تعانيان الحصار ذاته من قبل الآخرين، لأنها حجة لا تسندها الوقائع ولا شهادات المحايدين. لكن يبدو أن الحزب المعني الذي أعلن نفسه وصياً على الشيعة السوريين، ووليّ أمرهم، والمدافع عنهم، والضامن لوجودهم، يعتمد نهجاً وقائياً خاصاً به، فهو الذي يحدد طبيعته وقواعده وكأنه هو الذي حافظ على الشيعة السوريين في كفريا وغيرها، ومكّنهم من أداء شعائر مذهبهم على مدى ألف وأربعمائة عام، وهم الذين يعيشون وسط محيط سني يشملهم من جميع الجهات. واللافت هنا أن الحجة المتهافتة هذه تذكّرنا بتلك التي تمترس خلفها الحزب المعني في بداية الثورة السورية، ليبرّر إرسال قواته لقتل السوريين. وكانت الحجة حينئذ أنه فعل ذلك حماية لمقام السيدة زينب، وبقية الأماكن المقدسة لدى الشيعة.
حصار «حزب الله» لمضايا خطوة في إطار استراتيجية ايرانية مستمرة منذ عقود، تستهدف إحداث تغييرات ديموغرافية، تحسباً أو سعياً لتحوّلات في الجغرافيا السياسية للمنطقة. وهي خطة تُمكّن النظام الإيراني من تجاوز جملة الاستحقاقات في الداخل الإيراني، التي تتصل بحقوق الشعوب الإيرانية من كرد وعرب وبلوش وآذريين وغيرهم، واستحقاقات أخرى تتمحور حول تطلعات شباب إيران ونسائها، ورغبتهم في الاندماج مع محيطهم الإقليمي وعصرهم. «حزب الله» يفرض الجوع على الأطفال والنساء. وبشار الأسد يضرب السوريين ببراميل البارود، براميل الحقد الدفين، وبالأسلحة الكيماوية، ويمارس القتل الجماعي في المعتقلات. والحرس الثوري الإيراني يشارك بقواته وعبر أدواته وعملائه في قتل السوريين وتجويعهم. وبوتين يضرب السوريين بكل أنواع الأسلحة المجرّبة وغير المجرّبة. كل ذلك من أجل انتزاع الاستسلام من السوريين والسوريات، وهو أمر لم ولن يكون أبداً.
مضايا لم تكن الأولى والوحيدة التي استخدم النظام وحلفاؤه سلاح التجويع ضدها، ولكنها أصبحت الرمز. سلاح التجويع استخدمه النظام منذ البداية ضد مختلف المناطق السورية. استخدمه في داريا والمعضمية وغوطة دمشق وحمص وغيرها من المناطق. أما أهداف هذا السلاح فمتعددة منها: فرض الاستسلام أو الانسحاب على المقاتلين، وإحداث تغييرات ديموغرافية، إلى جانب تمهيد الأرض لدخول المافيات المرتبطة بالنظام على الخط، حتى تتحكّم بإدخال المواد الغذائية والأدوية بأسعار خيالية، هذا مع العلم أن كميات كبيرة من هذه المواد دخلت، وتدخل، سورية عبر برنامج المساعدات التابع للأمم المتحدة، وهي تُسلّم في معظمها للنظام وأتباعه، على أمل أن تكون عوناً للسوريين، لكنها تغدو سلاحاً ضدهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه كالجزيرة مثلاً، تعاني وضعاً مأسويا نتيجة الارتفاع اللامعقول في أسعار المواد الغذائية والطبية، الأمر الذي يؤدي إلى سوء التغذية المزمن بخاصة بين الأطفال، كما ينتشر ما يمكن أن نسميه المجاعة الصامتة. وهذا ما يضغط على السكان، ويرغمهم على اعتبار الهجرة الخارجية الخيار الأقل ضرراً. الشعب السوري يعيش محنة قاسية نتيجة التناغم بين وحشية النظام وحلفائه ورعاته وسلبية المجتمع الدولي ونفاقه. لكن شعبنا العزيز تمكّن بفعل تضحياته وثباته، وتمسّكه بحقه المشروع في الحرية والعدالة والكرامة، من إسقاط سائر الأقنعة، لتظهر قباحات أصحاب شعارات المقاومة الخلبية والممانعة الادعائية من أسرى النزعة المذهبية على حقيقتها، وليظهر نفاق كل من كان يتشدق بالقيم الإنسانية التخديرية، وبأهمية دعم تطلعات الشعوب ومساعدتها لتعيش عصرها، وتضمن مستقبلاً أفضل لأجيالها القادمة. إنها أيام صعبة نعيشها لا ننكر ذلك، ولكن تجربة السنوات الخمس علّمت السوريين كثيراً، وصقلتهم على رغم كل العذابات والمرارات ومشاعر الإحباط. فسورية ستبقى، وشعبها سيبقى ليبني وطنه من جديد، وطناً خالياً من الاستبداد والإرهاب.

 

حزب الله أيضاً يريد فرنجية
حـازم الأميـن/لبنان الآن/22 كانون الثاني/16
القول بأن سعد الحريري هو أول من تلقّى صفعة ترشيح سمير جعجع لميشال عون صحيح، إذا ما اقتصر معنى الصفعة على دلالاتها المعنوية، إذ أن الخسائر غير المعنوية في حالة الحريري هي من نوع “تكسرت النصال على النصال”، و”من بلع سليمان فرنجية لن يغص بميشال عون”. لكن البحث الجدي بالخسائر والأرباح بعد واقعة الترشيح يجب أن يبدأ من حزب الله، ذاك أن الأخير هو القوة الجدية الأولى في لبنان، وهو من يملك تصوراً لوظيفة لبنان في ظل الفراغ، وأيضاً في ظل رئيس. والحزب لا يرى مهمة للبنان خارج وظيفته الإقليمية المتمثلة الآن في القتال إلى جانب المشروع الإيراني في سوريا. أي حدث أو متغيّر لبناني سيتولى الحزب تقييمه من هذا الموقع. الدفع نحو هذا الحدث أو المساهمة في إعاقته أو منعه يتم من خلال تقييم ما إذا كان سيساعد أم سيعيق المهمة والوظيفة الإقليمية. وبهذا المعنى يبدو الفراغ الرئاسي هو الوضع النموذجي الذي يُنشده حزب الله في لبنان. الفراغ يستنزف أي نقاش يمكن أن تحتضنه المؤسسات السياسية والأمنية الرسمية حول وظيفة الحزب القتالية في سوريا، وما يُمكن أن تستدرج هذه الوظيفة من مخاطر وويلات. والرئيس مهما كانت هويته سيكون مطالباً بإجابات محلية وإقليمية ودولية حول هذه الوظيفة، هذا على الأقل، أما على الأكثر فربما تعرض الرئيس لضغوط تتطلب مواقف أكثر صلابة حيال هذا الخلل الكبير المتمثل في حقيقة أن حزباً لبنانياً مشاركاً في السلطة يقاتل في سوريا. تربط حزب الله بميشال عون علاقة استثنائية من دون شك، فعون أمن للحزب ما لم تؤمنه له أي قوة. وأما وقد وقعت الواقعة، ورشح جعجع عون، فإن الرئاسة كاستحقاق ربما طرقت باب الحزب وربما وجد الأخير نفسه أمام استحالة الاستمرار في الفراغ. وفي هذه الحالة، وإذا أراد المرء أن يجري جردة حساب للمصالح، فإن فرنجية يُمكنه أن يُمثل مصالح الحزب أكثر مما يمكن أن يُمثلها عون. فرنجية سيكون رئيس مع حصة تمثيلية مسيحية أقل من عون، وهو شريك في القرار بموجب موقعه الرئاسي لا بموجب حجمه في المجلس النيابي. وبهذا المعنى سيكون فرنجية أقل تحرراً من القيد التحالفي الذي سيقيده به الحزب، فيما عون، لو صار رئيساً، فصفته التمثيلية الواسعة تملي على الحزب قبولاً بشروط الرئاسة ومراعاة أكبر لمعطيات “السيادة” التي يُمثل الرئيس صورتها أمام المجتمع الدولي، كما أن عون سيكون قد وصل إلى بعبدا بموجب صفقة مع جعجع عنوانها النقاط العشرة التي عرضها بيان الترشيح، وهي في كثير من بنودها غير مريحة لحزب الله. هذا قبل أن تصل المقارنة إلى حقيقة أن فرنجية راسخ أكثر من عون بعلاقته بالنظام السوري، ويُمثل امتداداً فعلياً لسلطة هذا النظام في دمشق. كل هذا لا يعني أن حزب الله سيصوت لفرنجية، لكن تصويته لعون لن يكون آخر المطاف الرئاسي. فتوزيع الأدوار بين الحزب ورئيس المجلس النيابي نبيه بري كفيل بإعفاء الحزب من تجرع كأس الابتعاد عن الجنرال، والحزب ينتظر أيضاً هدايا من الخصوم في هذه المعركة. من تيار المستقبل الذي سيصوت لحليفه الضمني سليمان فرنجية، ومن وليد جنبلاط. وربما حاز الحزب على هدية ثالثة من حزب الكتائب. هنا تكمن أهمية الخطوة التي أقدم عليها سمير جعجع. أي في إعادة فرز المواقع، وفي تحديد من يملك المصلحة في استمرار الفراغ الرئاسي.