مي عبود ابي عقل: لماذا لا يريد حزب الله رئيساً للجمهورية الآن/علي حماده: لحريري وجعجع موعدان قريبان/اميل خوري: تنازلات 14 آذار لحزب الله جعلتها تضحّي بشعبيتها ولا تضحّي بلبنان

256

تنازلات 14 آذار تلو التنازلات لـ”حزب الله” جعلتها تضحّي بشعبيتها ولا تضحّي بلبنان
اميل خوري/النهار/12 كانون الثاني 2016
منذ خروج القوات السورية من لبنان و”حزب الله” ومن معه يضع قوى 14 آذار بين خيارين مرّين: سيئ وأسوأ. فإما يكون رئيس الجمهورية مقبولاً منه أول لا يكون رئيس. إما تكون الحكومة حكومة “وحدة وطنية” وإن كاذبة ويكون له فيها الثلث المعطّل باسم “الشراكة الوطنية” لكي يتحكّم بالقرارات التي تتخذ وبطريقة تنفيذها، أولاً تكون حكومة، ولا انتخابات نيابية إذا لم يكن القانون الذي تجرى على أساسه مفصّلاً على قياس الحزب وحلفائه، فكان التمديد لمجلس النواب مرتين وهو أبغض الحلال…
هذه السياسة التي يتبعها “حزب الله” ومن معه منذ عام 2005 جعلت لبنان يعيش في وضع شاذ. فلا النظام الديموقراطي العددي أمكن تطبيقه بحجة أن الطائفية تمنع ذلك، ولا بدعة “الديموقراطية التوافقية” كانت هي البديل لأنها فرضت الاجماع عند اتخاذ القرارات المهمة، فكان الشلل.
أما قوى 14 آذار فكانت تواجه أحد خيارين: إما القبول بما يريده الحزب وتقديم التنازلات تلو التنازلات حرصاً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات وترسيخ للعيش المشترك والسلم الأهلي، وإما الفراغ الشامل الذي يبدأ بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب. وباستمرار تقديم هذه التنازلات تضحي 14 آذار بشعبيتها كرمى للبنان وتحد نفسها دوماً بين خيارين صعبين ومرّين: إما التسليم بما يريده “حزب الله” ومن معه، وإما مواجهة فراغ شامل يعطّل العمل في كل مؤسسات الدولة. ولأن “حزب الله” هو الحاكم الفعلي والآمر الناهي بقوة سلاحه أياً يكن رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، فإنه لم يعترف بنتائج الانتخابات النيابية عام 2005 ولا عام 2009 لأن الأكثرية التي فازت بها جاءت لـ14 آذار. وقد اعتبر الحزب أن هذه الأكثرية هي نيابية وليست شعبية، فحال هذا التفسير اللادستوري دون تمكين 14 آذار من انتخاب رئيس للجمهورية من صفوفه ومن تشكيل حكومة من أكثريته، ولا أحد يعرف ما اذا كان الحزب ومن معه سيعترف بنتائج انتخابات نيابية قادمة إذا جاءت نتائجها مرة أخرى في غير مصلحته، فيكرر المطالبة بتطبيق “الديموقراطية التوافقية” في انتخاب رئيس الجمهورية وفي تشكيل الحكومات، وإلا كان الفراغ الشامل وهو ما تخشاه قوى 14 آذار حرصاً منها على وحدة لبنان وتجنباً لدخول فوضى عارمة اليه تذهب به الى المجهول. والسؤال المطروح هو: الى متى تظل قوى 14 آذار مضطرة الى تقديم التنازلات تلو التنازلات وكذلك التضحيات من أجل لبنان حتى وإن أصبحت هي الضحية؟
الواقع أنه ما دام السلاح في يد “حزب الله” فلا رئيس جمهورية يستطيع أن يحكم ولا حكومة يمكن تشكيلها إلا بشروط الحزب، ولا انتخابات نيابية إذا لم تجرَ على أساس قانون يرضى به الحزب وحلفاؤه، ولا مشاريع مهمة يمكن أن تمر في مجلس النواب إذا لم تحظَ بموافقة الحزب، ولا قرارات وزارية يمكن تنفيذها من دون موافقته أيضاً بدليل ما حصل في 7 أيار 2008 وما حصل قبل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وما حصل لسياسة “النأي بالنفس” ولـ”إعلان بعبدا”. هذا الوضع الشاذ لن يتغيّر ما لم يتم التوصل الى اتفاق على موضوع السلاح خارج الدولة إما بوضع استراتيجية تجد حلاً له كأن يصبح في كنف الدولة وبإمرتها، وإما انتظار التوصل الى تسوية للأزمات في المنطقة، ولا سيما في سوريا، ليصبح حل مشكلة هذا السلاح ممكناً. وفي الانتظار ليس على قوى 14 آذار سوى التمسّك بسياسة الصمود ومراقبة التطورات في المنطقة لأن الوقت ليس وقت مواجهة أو تصدٍ لأن فيهما خراب لبنان، وقد يكون ثمة من يريد ذلك تحقيقاً لأهدافه في إقامة لبنان جديد وجمهورية جديدة ودستور جديد. وليس سوى الاستمرار في الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ولو لتقطيع الوقت الى أن يأتي الحل الشامل لمشكلات لبنان وعلى رأسها مشكلة السلاح من خلال تسويات في المنطقة يصنعها الخارج.
الى ذلك، يمكن القول إن المرحلة التي يمر بها لبنان شبيهة بتلك التي مرّ بها في الماضي، فكان انتخاب الياس سركيس هو الرجل المناسب لإدارتها، فصبَّ اهتمامه على معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد لأن الميليشيات كانت هي الممسكة بالأوضاع الأمنية والعسكرية. فلتتفق القوى السياسية الأساسية في البلاد إذاً على انتخاب الياس سركيس آخر في هذه المرحلة التي هي مرحلة إدارة أزمة لا مرحلة حلها في انتظار أن تتبلور صورة الوضع في المنطقة ويعرف لبنان مكانه ومكانته فيها ما دام ليس في إمكان هذه القوى الاتفاق على رئيس حلول للأزمة.

الحريري وجعجع موعدان قريبان
علي حماده/النهار/12 كانون الثاني 2016
اشتعال المواجهة السياسية والاعلامية والعسكرية بالواسطة بين المملكة العربية السعودية وايران بلغ الذروة، وسيبدأ بالانخفاض ليستقر في ما بعد عند مستوى الحرب بالوكالة في سوريا واليمن واجزاء من العراق، فيما يبقى لبنان ساحة مواجهة اعلامية محدودة الافق لا تتجاوز حدود المواقف السياسية بين طرفي النقيض السني والشيعي، اي “تيار المستقبل ” و “حزب الله”. فالخيار الوحيد المتاح لبنانيا في هذه المرحلة هو “تنظيم الخلاف ” بين المكونين الكبيرين في البلد. وتنظيم الخلاف معناه الاعتراف بوجود خلاف لا يمكن حله راهنا، وتأكيد وضع سقوف للخلاف بحيث لا يتجاوز حدا معينا يصير معه خطرا حقيقيا على استقرار لبنان، وعلى تفاهمات “التهدئة ” التي ادت الى ولادة الحكومة الحالية، واطلاق جولتي الحوار الجماعي والثنائي. ما يؤكد السيناريو المشار اليه، ان يوم امس الاثنين كان يوم “الحوارين”، الجماعي ظهرا، و الثنائي (“تيار المستقبل ” مع “حزب الله”) مساء، في الوقت الذي كان يمكن ان يشتعل البلد على الارض على خلفية اكثر من حادثة اقليمية، او محلية سياسية. ما حصل ان الاطراف اللبنانيين مجمعون على “التهدئة”، ولا يرى اي طرف من زاويته اي فائدة من تفجير الارض. حتى الطرف الاقوى عسكريا وامنيا يعرف ان قوته محدودة متى اشتعلت الارض، و خصوصا انه مثخن بالجراح السورية بأكثر من الف وخمسمئة قتيل، و قد فشل فشلا ذريعا في قلب المعادلة الميدانية في سوريا في مواجهة الثوار. هذا الواقع يجعل من السجالات السياسية والاعلامية موضع تنفيس الاحتقانات في ظل “تهدئة ” لم يحن بعد اوان اسقاطها. في هذا السياق يحضر الاستحقاق الرئاسي الذي بدأ يتلبنن اكثر مع اطلاق سعد الحريري مبادرته الرئاسية عبر ترشيح النائب سليمان فرنجيه، والرد الآتي من سمير جعجع بإستعداده لاعلان تأييد انتخاب ميشال عون للمنصب نفسه. و الحال ان الاستحقاق الرئاسي سيشهد زخما كبيرا مع قرب اعلان الحريري رسميا ترشيح فرنجيه، وفي المقابل اعلان جعجع ترشيح عون. و سيكون المشهد “مثيرا” من حيث اختلاط الاوراق الداخلية حتى ان “حزب الله” الذي اعتقد لوهلة انه يمسك بكل الاوراق في لبنان، يكاد يرى نفسه في موقع من تجاوزته اللعبة الداخلية بـ”بهلواناتها ” السياسية. ولن يطول انتظار اللبنانيين لخروج كل من الحريري وجعجع على الاعلام للاعلان رسميا عن ترشيحهما فرنجيه وعون لسدة الرئاسة، وهذه ايجابية كبيرة اذا كان من شأنها فتح ابواب مجلس النواب المغلق بقرار من “حزب الله”. اما التذرع بـ”السلة الكاملة” للتسوية فقد لا يعود ينفع لعرقلة الاستحقاق الرئاسي. يستفاد مما تقدم ان “التهدئة ” مستمرة، لان جميع الاطراف مقيمون في غرفة الانتظار الاقليمي، من “حزب الله” الذي يكابر لحرف الانظار عن هزيمته المدوية في سوريا، الى قوى 14 آذار التي تعيش حالة متقدمة من التفسخ مع ضياع القضية. ان المرحلة المقبلة يمكن ان تشهد توسيع الهامش اللبناني في اللعبة السياسية المحلية. فهل يصح هذا السيناريو المتفائل ام نشهد تطورات مفاجئة تقلب الطاولة رأسا على عقب؟

لماذا لا يريد “حزب الله” رئيساً للجمهورية الآن؟ الأولوية للصراع الإقليمي والداخل ممسوك
مي عبود ابي عقل/النهار/12 كانون الثاني 2016
يقف “حزب الله” وراء العماد ميشال عون بصفته مرشحه لرئاسة الجمهورية. لكن بعد مرور 18 شهرا على شغور المنصب الاول في البلاد، لم يحقق الحزب حلم حليفه في الوصول الى قصر بعبدا، رغم ان الجميع يعرفون ويدركون ويلمسون قدرته على تنفيذ ما يريده في هذا البلد، من دون رادع او الرجوع الى اي جهة او حليف محلي. والسؤال البديهي: هل يريد “حزب الله” فعلا انتخابات رئاسية في لبنان؟ الوقائع تشير الى العكس. فكل ما في البلد يقع عمليا تحت سيطرة الحزب مباشرة او بواسطة حلفائه. الرئاسة الاولى معطلة، والسياسة الخارجية التي يفترض ان تكون بتوجيه من رئيس الجمهورية، يمسك بها الحزب عبر الوزراء الشيعة سابقا، واليوم عبر حليفه “التيار الوطني الحر”، فينتهج سياسة النأي بالنفس حين تلائم توجهاته، أو الامتناع عن التصويت في اي مؤتمر يدين الحزب، بحجة الحفاظ على الوحدة الداخلية. في الحكومة يمرر الحزب ما يريده ويخدم مصالحه متجاوزا حلفاءه، كالتمديد لقائد الجيش جان قهوجي، ويساندهم في تعطيل جلساتها عندما يشاء، كما حصل في التعيينات الادارية، ومثلما هو حاصل الآن. في المجلس النيابي لا خوف بوجود ضابط الايقاع الرئيس نبيه بري، لا جلسات ولا نصاب رغم الدعوات الفولكلورية الى انتخاب رئيس. اما في التشريع فلا همّ ان يكون البرلمان مشلولا وانجازاته صفرا ، المهم فقط ان يمدد النواب لأنفسهم رغم اعتراض رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وحتى حليف الحزب العماد عون، و”بلا وجعة راس” من انتخابات وزملاء جدد مشاكسين، وتغيير في موازين قوى في المجلس. أمنيا يعرف الجميع نفوذ الحزب في المؤسسات العسكرية والامنية، وتنسيقه وتعاونه معها في كل ما يعتبر انه يشكل خطرا عليه، ويجتمع كوادره الامنيون سرا، واحيانا علنا، مع المسؤولين الامنيين الرسميين لمقاطعة المعلومات التي اثمرت فعلا القبض على العديد من الارهابيين والمتهمين باعتداءات وتفجيرات طاولت المناطق التي يسيطر عليها، فيما لم تصل الى اي خيط في اعمال امنية واغتيالات طاولت شخصيات من اطراف آخرين.
“حزب الله” منهمك اليوم بحربه في سوريا التي بدأها بحجة الدفاع عن مقام السيدة زينب في دمشق، ثم تطورت الى الدفاع عن النظام بذريعة محاربة الارهاب ومنع تسلل الارهابيين الى لبنان الذين تسللوا الينا رغم ذلك، وأصبح واضحا انها تأتي اليوم تنفيذا لأجندة اقليمية، وتحديدا ايرانية، وجر “حزب الله” لبنان اليها من دون ان يسأل شركاءه في الوطن رأيهم وفارضا عليهم تبعاتها، كاسرا بنفسه معادلة “الشعب، الجيش، والمقاومة” فذهب وحده من دون ان يسأل لا الشعب ولا الجيش ولا حتى حليفه الاول العماد عون الذي سبق له ان قال في حديث الى “النهار” :”حزب الله لم يستأذني قبل الذهاب الى سوريا، لكنني اتفهمه”. وبذلك ادخل “حزب الله” لبنان في الصراع الاقليمي الايراني- السعودي الذي يتجاوز طاقته ويتخطى قدرة اهله على التحمل، وربط مصير شعب وبلد بكامله بمصالح دول اخرى تمسك بورقة رئاسة الجمهورية اللبنانية، وتنتظر نتيجة الحرب السورية العالمية لتقايض بها في زمن التفاوض، ولن تتخلى عنها بسهولة.
داخليا الأمن ممسوك في المبدأ بفضل مظلة دولية ترعاه. ولتمرير الوقت، وبدعم من “حزب الله” يقوم في البلد حواران تحت سقف الحزب وشروطه: لا كلام في تدخله في سوريا ولا في السلاح، الاول بين مختلف الافرقاء اللبنانيين برئاسة بري، عوض رئيس الجمهورية، والثاني ايضا برعاية بري، بين الحزب و”تيار المستقبل”، ولم يفهم احد بعد حول ماذا يدور هذا الحوار.
رغم تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، فإن مرحلة الشغور، مع كل ما رافقها من فوضى وبدع دستورية وأزمات سياسية وملفات اجتماعية واقتصادية ومعيشية، اظهرت اهمية وجود رأس للدولة، يعيد الانتظام اليها والى مؤسساتها، ويرعى مصالح بلده وشعبه حصرا كونه مؤتمنا على الدستور واقسم يمين الحفاظ عليه.
الا ان انتخاب رئيس للجمهورية لا يبدو مناسبا “الطرف الاقوى” في البلد اليوم، وسيقلب الاوضاع في لبنان رأسا على عقب، ومعه تستعيد الدولة مؤسساتها، وتتغير الحكومة التي يسيطر على مفاصلها، وتحصل تعيينات جديدة في مواقع اساسية مرتاح اليها حاليا، وغيرها من التغييرات البنوية في الدولة. صحيح انها لن تحصل في كل الاحوال من دون موافقته او على الاقل برضاه، لكن لماذا المخاطرة؟! وهذا يدل على ان ليس شخص الرئيس هو المهم، وإلا لماذا لم يؤيد حتى سليمان فرنجية الذي لطالما اعتبره البعض المرشح الحقيقي والاساسي للحزب، بل المحافظة على هذه المكتسبات في انتظار انقشاع الجو السوري، وامكان اضافة مكتسبات جديدة عبر “مؤتمر تأسيسي” يمهد له بتأن وينتظر اللحظة المناسبة. وحتى ذلك الحين يبقى “الستاتيكو” القائم راهنا هو الافضل لـ”حزب الله”، والتلطي بـ”الوقوف وراء ما يقرره العماد عون في الموضوع الرئاسي”، والذي تناهضه غالبية الافرقاء، هو الذريعة الانسب.