ساطع نور الدين: مضايا: إنحدارات لبنانية/بتول خليل: نفي العار.. معركة حزب الله الخاسرة

361

نفي العار.. معركة حزب الله الخاسرة
بتول خليل/المدن الأحد 10/01/2016

نفي العار.. معركة حزب الله الخاسرة تكشف الحملات المضادة لتلك المتضامنة في مواقع التواصل نزعة مخيفة لنزع الإنسانية حتى عن المدنيين
مع محاولات التملّص من تبعات فرض الحصار على مضايا تحولت وجهة “المقاومين” نحو معركة نفي العار وإنكاره، فيما تواصل وسائل إعلام حزب الله، وعلى رأسها قناة “المنار”، البحث والتنقيب عن صور مفبركة، منسوبة إلى مضايا، وراجت في مواقع التواصل، مع السعي إلى دحضها بالدليل ضمن ما أطلقت عليه “حملة التضليل الإعلامي”، واعدة بأنّ “الرد الموثق من داخل مضايا قريب”، علّ “إنجازها” في هذا الإطار، يشيح بأنظار العالم عما يحصل في تلك البلدة، ويحقق بعضاً من التعويض عن انتكاسات عسكرية على الأرض.
ففي مقدمة نشرة أخبارها المسائية، السبت، وضعت “المنار” حملات التضامن مع أهالي مضايا في إطار “التحريض ونكء جراح السوريين”، قائلة إنّه “رغم كل الدلائل والوثائق فإن الكذب عندهم ما زال سلاحاً، لكن نجاح محاولات تلميع صور المسلحين أمر محال”. على أنّ قيام “المنار” وغيرها من وسائل الإعلام بإثبات عدم دقة مجموعة من الصور المتداولة في مواقع التواصل حول ما حلّ بالمدنيين في مضايا، إثر الحصار المفروض عليهم، ومنها صور الطفلة مريانا يوسف مازح، التي تبيّن انها ليست سورية، بل من جنوب لبنان وتعيش في بلدة طيرفلسية الجنوبية، واستُغلت صورتها في هذه القضية بعدما سرقت من حساب أحد أفراد عائلتها في “فايسبوك”، لا يعني بأي شكل من أشكال المنطق، بأن الحصار والتجويع غير قائم، وأن ما يتسرب من حقائق ومعلومات ليس إلا من نسج خيال “المتآمرين الأشرار”.
حسناً فعلت “المنار” وغيرها من وسائل الإعلام بكشفها مصدر الصور وزمانها ومكانها الحقيقيين، لكن يبدو أن ما فاتهم هو القول إنّ سنوات الصراع السوري لطالما كانت زاخرة بصور ولقطات مفبركة، تطلقها وتروّج لها جهات ناشطة في وسائط التواصل الاجتماعي، إما لضرب التضامن مع قضية معينة، أو الدفع نحو التشكيك في أحقيتها. لكن الوقائع عادت وأثبتت في كثير من الأحيان أن إنكار الحدث وإحاطته بالفبركة والتزييف لا يلغي وجوده وحصوله. وليست الخدمات التي تطلقها كبريات الشبكات الإخبارية، أبرزها “مراقبون” التابعة لـ”فرانس 24″، سوى منصة أثبتت سنوات عملها الطويلة، أن أكبر الأحداث وأهمها في سوريا وخارجها، رافقتها حملات تضليل لمآرب سياسية أو عسكرية أو دعائية، واستغلتها الأنظمة القمعية وداعموها أسوأ استغلال.
وفي حين ترى وسائل إعلام حزب الله أنّ “آخر الحملات التي يجري تسويقها بقوة في مواقع التواصل، تحت عنوان حصار مضايا، وتقودها قنوات داعمة للإرهابيين في سوريا، تندرج في سياق الكذب المبرمج لتشويه الحقائق بغية كسب الرأي العام والتأثير في المنظمات الحقوقية والدولية زوراً لحثها على التحرك”، تشير أيضاً إلى أن الصور المتداولة مستعادة من صور أخذت سابقاً في اليرموك ودير الزور وغوطة دمشق والمعضمية. وهي بذلك، من حيث تدري أو لا، تقرّ، وسط كل هذه المعمعة لنفي التهم عن حزب الله، بإجرام النظام الذي يسانده الحزب بالسلاح والدم وبأسلوب عسكري يسير به بشروط النظام وقواعده. فيما تعكس “زلة اللسان” هذه حجم وثقل الخسارة من الناحية القيمية بعد الغرق في عار تجويع المدنيين، حيث صار الدفاع عن النفس والتبرير ونقل المعارك لجبهات الإعلام ومواقع التواصل هاجساً لرد تهم “الحصار والسقوط الأخلاقي”، الذي فرضته وطأة سقوط مقاتليه في الجبهات الأمامية.
ولما يدرك حزب الله أهمية النفي وتصويب الخطاب الإعلامي نحو كل ما يقلل من شأن قضية مضايا، لما قد يستتبعها من عواقب قانونية وأخلاقية يمكن أن تترتب عليه لاحقاً إثر الممارسات بحق المدنيين، قد تصل إلى حد اعتبارها “جرائم حرب”، فإنّ السؤال عن موقف الحزب من تلاعب حليفه النظام السوري وفبركته لكثير من الصور والحقائق منذ لحظة انطلاق الثورة السورية، يصبح ملحاً اكثر من أي وقت. فكيف يمكن تفسير تسريبات تكشف فبركة التلفزيون السوري لاعترافات تتهم ثواراً بارتكاب جرائم غير أخلاقية لا تتوقف عند الاغتصاب. وماذا يمكن القول عن عشرات الصور المسربة التي عرضها مطلع العام 2014 فريق من المحققين في جرائم الحرب وخبراء في الطب الشرعي، تظهر جثثاً لمعتقلين سوريين تم قتلهم بطريقة وحشية على يد النظام السوري، بعد تعذيبهم وتجويعهم حتى الموت. وهل صار إنكار الواقع فعلاً ملازماً لمواقف الحزب والنظام، بعد وضع الصور والمعلومات، حول استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة ورمي البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين والمجازر في حمص العام 2012، والتي وصفها الأمين العام لحزب الله بـ”شوية إطلاق نار واشتباكات” وغيرها من الفظائع والانتهاكات، في إطار “الافتراء والكذب الذي لا أساس له من الصحة”!
وضمن أسلوب ازدواجية التعاطي مع قضايا السوريين، يصدر حزب الله مؤخراً بياناً حول إعدام الشيخ السعودي نمر باقر النمر، يرى من خلاله أن “السلطات السعودية أعدمته لأنه صدع بالحق وجهر بالصواب وطالب بالحقوق المهدورة لأبناء شعب مظلوم، محكوم بالجهل والاستبداد ومسلوب الحقوق والثورات”، ويعتبر أن إعدامه “سيبقى وصمة عار تلاحق هذا النظام الذي قام على المجازر والمذابح منذ نشوئه وحتى الآن”. وفي حين يرفع الصوت عالياً بشأن مظلومية الشيخ النمر، فإن الحزب نفسه، الذي يدين “نظام القتل والمذابح” يحكم اعتباطياً بإعدام الآلاف من السوريين. لكن الأدهى من ذلك، هو ما يظهره قسم من جمهوره ومناصريه من تقدم بالعدواة للشعب السوري، وكأنه يلحق بتوصيف بشار الأسد لمعارضيه بـ”القوارض والسحالي والجرذان”، حيث تكشف الحملات المضادة لتلك المتضامنة في مواقع التواصل نزعة مخيفة لنزع الإنسانية حتى عن المدنيين. وليس إطلاقهم هاشتاغ متضامن_مع_حصار_مضايا، وإرفاقه بصور لموائد طعام وصور هياكل عظمية وتعليقات ساخرة، سوى مزايدة رخيصة باللاانسانية وتماهٍ مباشر مع من فقد صوابه العسكري والأخلاقي.

 

مضايا: إنحدارات لبنانية
ساطع نور الدين/المدن/الأحد 10/01/2016

حصار مضايا هو بلا جدال شأن داخلي لبناني اكثر مما هو استثناء سوري. المؤكد أنه دشن تمريناً جديداً على تبادل الأحقاد والكراهيات السنية الشيعية، في واحدة من أخطر مظاهر الفتنة المذهبية اللبنانية، التي لا تزال، لحسن الحظ، تعتبر ان سوريا عنوانها ومبررها الرئيسي. وحسب علم النفس، فانها ظاهرة صحية لبنانية، تطلق المشاعر المكبوتة وتحدد أصحابها وتعريهم وتردهم الى أصولهم وهوياتهم المذهبية الموروثة، التي باتت عنواناً للمجاهرة وحتى المفاخرة بمواقف هذيانية، لم يعد كثيرون يجدون حرجاً في تحويلها الى مادة للنقاش العام، مع انها ثقافة ولغة وصور معتوهين او متخلفين عقلياً أو أولاد شوارع. مضايا ليست حالة سورية خاصة. سيرة الحرب في سوريا لم تكن سوى فصول متلاحقة من عمليات حصار المدن والبلدات والقرى والتنكيل بسكانها المدنيين وتجويعهم من أجل إجبار الثوار من بينهم على الاستسلام. والخريطة السورية حافلة بالبلدات والاحياء التي سلمت او هادنت تحت وطأة الحصار والجوع، وإكتشفت ان الشكل الحالي من الصراع مع النظام ليس الأنسب ولا الأجدى، بل الأسوأ على الاطلاق، لانه كان ولا يزال السبب الرئيسي لسقوط هذا العدد المخيف من القتلى والجرحى السوريين، ولتشتت هذه الجموع المليونية في بقاع الارض قاطبة.
ولعل عدم تحويل حصار مضايا وغيرها من المدن والبلدات السورية المطوقة من قبل قوات النظام وحلفائه، او من قبل فصائل المعارضة، الى حافز للبحث في ابتكار أساليب جديدة للصراع تحيّد المدنيين وأماكن سكنهم قدر المستطاع، بدلا من استدراج النظام وحلفائه الكثر، وآخرهم الروس لجعلها أرضاً محروقة وغير صالحة للسكن، هو أحد أهم وأكبر مآزق تلك الحرب وطرقها المسدودة على طرفيها وعلى جميع المتورطين فيها…وإن كانت بورصة الدم تضيف هذه الايام رصيداً جديداً في حساب النظام، بحيث تبدو معها فرصة التوصل الى وقف شامل لاطلاق النار خيالاً بعيداً، ويصبح معها خيار التوصل الى هدنٍ موضعية طموحاً واقعياً، يخفف من الاكلاف الانسانية والاخلاقية على الجميع. وهي معضلة سورية لا يمكن تجاهلها مع اقتراب موعد التفاوض في جنيف بين الفرقاء السوريين، ومع تزايد الضغوط على المعارضة السورية لكي تلتحق بقاعة المفاوضات من دون مطالبها الدنيا المتواضعة وأهمها تخفيف الحملة الجوية والصاروخية للنظام وللروس، وفك الحصارات الخانقة على المدنيين في اكثر من بقعة سورية، وإطلاق جزء من المعتقلين والمعتقلات.. حصار مضايا بهذا المعنى هو تفصيل سوري صغير في تلك اللوحة الدموية، لكنه في المقابل مرتكز رئيسي للمشهد اللبناني الذي إستعاد في الايام القليلة الماضية الكثير من العناوين الجوهرية للصراع الاهلي، السني الشيعي تحديداً، بحيث بدت تداعيات التوتر السعودي الايراني هامشية بالمقارنة مع الخلاف الرئيسي حول سوريا، والذي لم يكن يوما يقبع خارج الحدود او يلتزم بها. عدا عن انحطاط المشاعر والغرائز والعصبيات اللبنانية، فان مضايا استدعت حزب الله الى الاعلان الصريح والرسمي، الاول من نوعه، انه يحاصر وحده تلك البلدة، رداً على حصار بلدتي الفوعة وكفريا. المعروف ان الحزب كان وربما لا يزال شريكاً في حصار الكثير من المدن والبلدات السورية وحتى المخيمات الفلسطينية. لكنه كان على الدوام ينكر، وأحيانا يدين مبدأ الحصار، وينسبه الى طرفي الصراع السوري. هذه المرة أعلن مسؤوليته، وقرر تحمل التبعات التي يعرفها السوريون جميعا، ويجهلها اللبنانيون بمعظمهم، او يميلون الى تجاهلها. الحرب السورية قذرة، أيا كانت وجهة النظر إليها. تورط حزب الله فيها لم يكن بالأمر او الإملاء الخارجي الايراني. الحافز المذهبي كان ولا يزال قوياً جداً. هذا على الاقل ما تكشفه طبيعة الجدل اللبناني حول حصار مضايا، والذي وصل الى حد الجنون، ما دفع بعض الحالمين إلى تجديد المطالبة بخروج الحزب من سوريا.. في الوقت الذي يعلن عن إنخراط جديد، وإنحدار إضافي، لا يقل خطورة عن الإنحدارات التي بلغها جمهوره. التعبير عن المشاعر مفيدٌ نفسياً، لكنه مرعبٌ سياسياً وأمنياً وإجتماعيا.