خيرالله خيرالله: نهاية 2015.. بداية لتاريخ جديد للمنطقة/داود البصري: كتائب حزب الله وحكومة بغداد وخطف القطريين

402

نهاية 2015.. بداية لتاريخ جديد للمنطقة
خيرالله خيرالله/العرب/نُشر في 30/12/2015

تنتهي السنة 2015، تماما كما بدأت. تنتهي بالإرهاب بأبشع صوره المتمثل في عملية تبادل سكاني من منطلق مذهبي في سوريا. تنتهي السنة وسط خوف كبير من 2016. كانت نهاية 2015 بداية تاريخ جديد للمنطقة وفتحا لصفحة جديدة عنوانها التطهير المذهبي برعاية دولية. ما شهدته السنة الماضية ينبئ بسنة حبلى بالأحداث المرعبة، خصوصا في سوريا التي تحوّلت “ساحة” اختبار وتجارب لكلّ الأسلحة، خصوصا بعدما بدأت إيران تمارس لعبة التطهير المذهبي، فيما يعتقد فلاديمير بوتين أن هذا البلد صار الحقل الأفضل لفعالية الأسلحة الروسية وتنفيذ مناورات بالذخيرة الحيّة تطلق على ناس حقيقيين.
من أعجبته 2015، سيغرم بـ2016 التي ستكرّس وجود مجموعة من الدول العربية الفاشلة في المنطقة ودولة واحدة ما يزال في الإمكان إنقاذها. هذه الدولة الممكن إنقاذها هي لبنان. سيكون مطلوبا إنقاذ لبنان في 2016، على الرغم من دخول المنطقة مرحلة جديدة هي مرحلة التطهير المذهبي العلني وعلى الرغم من أن الثمن الذي سيتوجب دفعه سيكون غاليا. ما نشهده حاليا في سوريا، في الزبداني وفي كفريا والفوعة تحديدا، تطوّر في غاية الخطورة يعطي فكرة عمّا ينتظر الشرق الأوسط، كما يعطي فكرة عن وجود قوى خارجية تعمل على تفتيت دول الإقليم، على رأسها سوريا. هناك تهجير لسنّة من مناطق محدّدة تشكّل امتدادا لنفوذ “حزب الله” في لبنان وتهجير لشيعة في مناطق سورية معيّنة معرّضة لمجازر، وهناك انتقال لـ”داعش” من منطقة إلى أخرى بموافقة النظام، ممثّلا بالقيمين عليه في موسكو وطهران طبعا، ورعايته. تكشّفت أخيرا لكلّ من لديه أدنى شك في ذلك العلاقة العضوية بين النظام السوري و”داعش” وكلّ ما شابه “داعش” وإرهابه. في كلّ مكان حلّ فيه “الربيع العربي”، باستثناء المغرب والأردن.. ومصر إلى حدّ ما، ظهرت دول فاشلة وهشاشة الكيانات القائمة. انكشف علنا الواقع الذي كانت تغطيه بالقوّة والقهر أنظمة معيّنة سواء أكان ذلك في ليبيا أم سوريا أم تونس، التي ليست قصة نجاح كما يظنّ بعضهم، وقبل ذلك في العراق حيث كانت بداية الزلزال. لا تزال ترددات الزلزال العراقي تتفاعل بقوّة منذ الحملة العسكرية الأميركية في آذار ـ مارس 2003 التي انتهت بإسقاط النظام. يصعب حصر 2015 بحدث واحد. هناك مسلسل لا يزال في بدايته تخلله وصول الرعب إلى باريس. بدأت السنة باغتيال عدد من أفراد أسرة تحرير “شارلي إيبدو” في باريس وانتهت بمجزرة داعشية في قلب العاصمة الفرنسية.
لم يعد هناك من يستطيع إحصاء عدد حلقات المسلسل الذي شمل عمليات تطهير في العراق. كان التركيز فيها على السنّة العرب وشنّتها ميليشيات مذهبية مدعومة من إيران.. وتهجير مئات الآلاف من السوريين في اتجاهات مختلفة، من بينها أوروبا. ما نشهده حاليا أكبر مأساة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، في ظلّ إدارة أميركية اختارت دور المتفرّج عن سابق تصوّر وتصميم. تستمرّ المأساة على خلفية توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني والتدخل العسكري الروسي في سوريا. يثير التدخل الروسي الكثير من الأسئلة، خصوصا أن لا أفق له في المدى البعيد باستثناء إغلاق الأراضي السورية وموانئها في وجه الغاز الآتي من الخليج.. والانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي. ماذا تريد روسيا في سوريا في وقت بات واضحا أن نظام بشار الأسد صار في مزبلة التاريخ وأن إيران تعمل جاهدة من أجل وضع قسم من الأراضي السورية تحت وصايتها، عبر ربطها بدويلة “حزب الله” في لبنان وذلك من منطلق مذهبي ليس إلا؟ هل تجيب 2016 عن هذا السؤال في وقت استطاع رجب طيب أردوغان، على الرغم من أخطائه الكبيرة وخطاياه المرتبطة بفكره الإخواني، استعادة الكثير من عافيته وطموحاته إثر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية ثمّ إسقاط سلاح الجو التركي لقاذفة “سوخوي” روسية اخترقت أجواء بلده؟
لا تبشّر خاتمة 2015 بالخير. يبدو الآتي أعظم، لا سيّما أنّ هناك غيابا تاما للضوابط من أيّ نوع كان وانفلاتا إلى أبعد حدود للغرائز المذهبية. في أساس الغياب للضوابط إدارة أميركية قرّرت اتخاذ دور المتفرّج على الأحداث في الشرق الأوسط من جهة والمشروع التوسّعي الإيراني من جهة أخرى، وهو مشروع يقوم أساسا على الاستثمار في كلّ ما هو مذهبي في الشرق الأوسط وصولا إلى اليمن الذي يصعب أن تقوم له قيامة يوما.
هل يستطيع لبنان حماية نفسه وتحصينها في مواجهة الحريق الكبير الذي ينهش جسد المنطقة من جهة والرغبة الأميركية في التمتّع بمشاهدة الشرق الأوسط يتآكل من الداخل؟ بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم، لا بدّ من قول الأشياء كما هي. لعلّ أوّل ما يمكن قوله إنّ الطريقة التي تصرّف بها “حزب الله” بعد اغتيال الأسير السابق سمير القنطار في سوريا لا تبشّر بالخير، لا لشيء سوى لأنّ ليس ما يشير إلى أنّ الحزب، الذي تقف خلفه إيران، على استعداد لتعلّم شيء من دروس الماضي القريب. إنّه مستعد، من دون إعارة أي أهمية لمصالح لبنان، لمتابعة الانغماس في الوحول السورية والغرق فيها إلى ما لا نهاية. يفعل ذلك تحت ذرائع مضحكة مبكية من نوع “المقاومة” و”الممانعة” فيما حليفه الروسي على تنسيق تام في كلّ المجالات مع إسرائيل. يشمل هذا التنسيق حتى إبقاء بشار الأسد في دمشق كي يمكنه استكمال المهمة الموكولة إلى النظام الأقلوي الذي أسس له والده منذ ما قبل العام 1970، تاريخ احتكاره للسلطة في سوريا وتجييرها كلها لشخصه ولطائفته بغطاء من سنة الريف. في نهاية 2015، لاح في الأفق اللبناني بريق أمل. لاح خيار انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل فراغ مستمر منذ الخامس والعشرين من أيّار ـ مايو 2014. في السنة 2016، سيظلّ السؤال الذي سيطرح نفسه بقوّة هل فوّت لبنان تلك الفرصة؟ هل كانت هناك فرصة بالفعل؟ في كلّ الأحوال، كشف ما مرّ به لبنان في نهاية 2015 أن الهدف الإيراني ليس تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل تغيير النظام أيضا. تريد إيران بكل بساطة ضمانات بأنّ لبنان سيبقى تحت وصايتها، بعدما فقدت وحدانية وصايتها على النظام السوري. يأتي التغيير في التركيبة الديمغرافية لسوريا والذي يرمز إليه تهجير سنّة الزبداني منها، ليؤكد أن 2016 سنة كلّ المخاطر على لبنان واللبنانيين. الزبداني ليست بعيدة عن لبنان وتهجير أهلها عبر بيروت وبإشراف دولي لا يدلّ سوى على دخول الأزمة السورية، ومعها المنطقة، مرحلة جديدة أشدّ خطورة على مستقبلها من أي وقت.

 

كتائب «حزب الله» وحكومة بغداد وخطف القطريين
داود البصري/السياسة/30 كانون الأول/15
اتصالات صامتة تجري، ومساومات حاسمة تدور ، وملفات تشهر ، ومفاوضات غامضة لتنفيذ مطالب صعبة تجري بتؤدة من أجل ضمان إطلاق سراح آمن لعدد من المواطنين القطريين الذين اختطفوا من بادية السماوة العراقية منتصف شهر ديسمبر. لقد كان واضحا منذ البداية من أن من يقف خلف تلك العملية الإرهابية الخسيسة عناصر إرهابية مرتبطة بالنظام الإرهابي الإيراني وهي تحديدا جماعة وعصابة (كتائب حزب الله العراق) التي تضم عددا من العصابات الطائفية الإرهابية وكتائبها وتفرعاتها التي تمارس القتل والإرهاب في سورية والعراق. وتسرح و تمرح من خلال اختراقها التام لأجهزة الدولة العراقية. وخضوعها المباشر لأولياء أمرها في طهران من خلال الحرس الثوري وعناصره المنتشرين في المدن العراقية، لقد كانت عملية اختطاف الصيادين القطريين عملية مبرمجة ومعدة بدقة شديدة، ومستندة لمعلومات لا يمكن أن تصدر أو تتوافر إلا من خلال أعلى المستويات الحكومية ، خصوصا أن من بين المخطوفين عناصر من المخابرات العراقية التي لم تتمكن من توفير الحماية الأمنية للقطريين، وأضحوا مخطوفين مع ضيوفهم. والمثير للسخرية أن الحكومة العراقية مافتئت تعلن بأنه لا يمكن الوصول لمكان المخطوفين، رغم معرفتهم بمن خطفهم. وهم طبعا من جماعات الحشد الطائفي ومن أوساط وزارة الداخلية أيضا التابعة لهم، أي أن حاميها حراميها بكل امتياز! فالميليشيات الطائفية العميلة لإيران هي المهيمنة على كل مفاصل الدولة الأمنية. ولا أدري كيف يثق العرب و الخليجيون حقيقة بحكومة العبادي أو بالحكومات العراقية المستندة للأحزاب الطائفية وهي العميلة تاريخيا ومنهجيا ومبدئيا لإيران، وبعضهم يرى أن طاعة الولي الفقيه في إيران مقدمة على طاعة و مصلحة الوطن العراقي ذاته. كما هي حال «حزب الله» المسؤول الأول عن خطف القطريين. المفاوضات صعبة خصوصا أنها تتجاوز الشروط المادية الباهظة، لتدخل في صميم أمور بعضها لا علاقة له بدولة قطر ، فالميليشيات الطائفية العراقية الإيرانية مثلا تعيش حالة انهيار نفسي كارثية بسبب خسائرها البشرية في المعارك الجارية في الأرض السورية، وقد قدمت أعدادا كبيرة من القتلى ضمن صفوفهم أو ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، التي وقعت في المستنقع السوري بفخ قاتل، باتت معه تستنزف قياداتها ومواردها، ما اضطرهم للانسحاب من المواجهة المباشرة مع الثوار السوريين. الميليشيات العراقية تطالب بإطلاق سراح أسراها الذين وقعوا في قبضة جبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى. وهي عملية ليست سهلة بالمرة، في ظل حالات التشابك العسكري والسياسي القائمة في الجبهة السورية، ولكن الطلب الأخطر والأشد حساسية هو ذلك المتعلق بمصير شيخ الفتنة في السعودية، والمحكوم بالإعدام لأفعاله الإرهابية المدعو نمر باقر النمر، فإطلاق سراحه ليس بالأمر الهين ولا المقدور خصوصا وأنه يتعلق بالسيادة السعودية، والمملكة تاريخيا معروفة بعدم خضوعها وإنحنائها لأي جماعات إرهابية ولأي شروط مهما كانت الحال. وهذا ما يفسر الصمت الكبير المحيط بملف المخطوفين، كما أنه يزيد أيضا من احتمالات مخاطر مستقبلية محتملة على أمن المختطفين، ويطرح أكثر من علامة استفهام وتساؤل وترقب أيضا.
الحكومة العراقية من خلال أحزابها الحاكمة والمتورطة بشكل مباشر في الجريمة تعلم بمكان وجود الخاطفين والمخطوفين، وتمتلك كل أدوات إدارة الأزمة وتعذرها بصعوبة الوصول إليهم يشكل فضيحة أخلاقية وقانونية لحكومة متورطة في الإرهاب بشكل مباشر ، وإعدام المخطوفين رغم كونه أمرا واردا إلا أنه مستبعد في الوقت الراهن بسبب مواقف ديبلوماسية عدة وبسبب خشية النظام الإيراني المتورط هو الآخر من نتائج ذلك الفعل إن تم! لذلك فالقضية ستظل تراوح في مكانها و ستحل المساومات المالية كبديل عن المساومات السياسية والأمنية ، وستنتهي العملية في نهاية المطاف بنهاية غامضة يختفي معها الخاطفون ويتحرر المختطفون، ولكنني لا أعتقد بأن مطالب الخاطفين ستنفذ! لكونها غير منطقية أولا إضافة إلى أن دولة قطر لا يمكنها التحكم بالمواقف السيادية لدول أخرى، فمطالب الخاطفين تعجيزية بالمطلق.
المهم إن الحكومة العراقية تتحمل وحدها مسؤولية الحفاظ على حياة المخطوفين ، فهي تعرف الخاطفين جيدا ومنهم بطبيعة الحال الإرهابي أبومهدي المهندس ورفاقه في حركة بدر، التي يقودها الحرسي العميد هادي العامري، الخاطفون هم من يدير المفاوضات من المنطقة البغدادية الخضراء، والمهزلة السلطوية في العراق حولت البلد لمرتع للإرهابيين القابعين في صفوفها القيادية أصلا.. حكومة بغداد هي المسؤولة عن حماية أرواح المخطوفين وإنهاء الموضوع بأسرع وقت ممكن.