روزانا بومنصف: الرفض غير العلني لترشيح فرنجيه يمدِّد للتسوية هل يمكن الداخل أن ينسف الموافقة الخارجية/شبلي ملاّط: مقاربة دستورية للتعطيل الرئاسي

330

الرفض غير العلني لترشيح فرنجيه يمدِّد للتسوية هل يمكن الداخل أن ينسف الموافقة الخارجية؟
روزانا بومنصف/النهار/9 كانون الأول 2015
تجزم مصادر سياسية بأن رفض القوى المسيحية الاساسية دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه لموقع الرئاسة الاولى لن يعيد عقارب الساعة الى الوراء في اتجاه احتمال تعزيز فرص وصول أحد المرشحين الاربعة الآخرين، وخصوصا العماد ميشال عون، بل ان هذا الرفض سيفتح الباب أمام احتمالين: أحدهما هو “مودرة” ترشيح فرنجيه في ظل تحفظ او رفض ضمني اعلامي وسياسي لم يخرج حتى الآن على نحو علني ومباشر، إن على لسان العماد عون أو على لسان الدكتور سمير جعجع. وهو أمر قد يفتح الباب أمام ارجاء طويل ومن دون أفق للانتخابات الرئاسية، مع تحمل الافرقاء المسيحيين دون سواهم المسؤولية المباشرة عن عرقلة انتخاب رئيس، باعتبار ان الذرائع المتصلة بالخارج تكون قد استنفدت في ظل الكلام على عدم ممانعة من الخارج الاقليمي والدولي في حال الاتفاق بين اللبنانيين. والاحتمال الآخر هو امكان الدفع نحو مرشح توافقي متى تم رفض فرنجيه، باعتبار ان فرص من صنّف نفسه من ضمن الاربعة الاقوياء قد انتهت صلاحيتها ولم تعد متاحة، ولا بد من الذهاب الى خيار ثالث في وقت ما. وهذا الرفض المسيحي، في حال حصوله، سيحرر الآخرين من حتمية التزام التصنيفات التي وضعتها مجموعة الاربعة مع البطريرك الماروني في بكركي في ظل أسئلة كبيرة. هذه الاسئلة تعني في الدرجة الاولى “حزب الله” الذي يمكن ان يفقد فرصة من يتمنى، أو يحلم بوصول فرنجيه لقاء التزامه اخلاقيا مع العماد عون واستحالة تركه، بالمنطق الاخلاقي، ما لم يقتنع الزعيم العوني نفسه بالتراجع عن تمسكه بالوصول الى الرئاسة وحده من دون سواه. كما تعني هذه الاسئلة العماد عون نفسه لجهة ما إذا كان سيفوت على حليفه الشيعي فرصة ذهبية تتمثل في وصول فرنجيه، على رغم معرفته باستحالة وصوله شخصياً في اي لحظة الى الرئاسة الاولى، خصوصاً ان كلام الحزب على التزامه اخلاقيا مع العماد عون يفترض ان يدفع بالاخير الى مراجعة حساباته على هذا الصعيد لكونه سيهدر فرصة ذهبية لحليفه الابرز. فإذا كان الرفض سيؤدي الى اطالة أمد الشغور من دون وجود فرصة حقيقية تسمح بوصوله، او اذا كان سيؤدي الى امكان وصول شخصية وفاقية من خارج نادي الاربعة، فإن هناك حسابات يتعين عليه القيام بها، وخصوصا أن لا انتخابات رئاسية ممكنة او محتملة من دون موافقته، وهو ما يجعله في واجهة تضييع فرصة انتخاب رئيس، بل رئيس من المحور الذي ينتمي اليه، وليس “حزب الله” او ايران في هذه المرحلة. والاسئلة الاخرى التي تبرز راهنا تتركز عمّا إذا كان الرفض المسيحي او عدم الموافقة المسيحية على دعم ترشيح فرنجيه يمكن ان يدفعا الدول الاقليمية الى اعادة النظر في دعمها التسوية التي ستوصل هذا الاخير. فما يقال عن دعم اقليمي ودولي للتسوية، لا يتعدى اطار عدم الممانعة من هذه الدول اذا كان هناك توافق داخلي، اي ان الباب مفتوح أمام احتمال تراجع دعم هذه الدول إذا كان الرفض الداخلي قوياً وحازماً ونهائياً. ومع التطورات التي يمكن أن تطرأ على غرار الهجوم الجديد لـ”حزب الله” ضد السعودية تحت عنوان وقف بث “المنار”، فإن عامل الوقت الذي يحذر منه البعض يندرج في اطار الخشية من ان يراهن الرافضون على الوقت وما يمكن ان يحمله من أجل اعادة خلط الاوراق، خصوصا ان الاولويات الاقليمية الملحة تمنع إيلاء لبنان الاهتمام الكافي مجددا على نحو قد يساعده على الخروج من أزمته. وإذا كان عون يراهن على أن يتعب الجميع من التعطيل ويسلموا له بالرئاسة، فإن جعجع كان يتوقع على الاقل، بعدما كان مرشحاً قوياً ومدعوماً من فريق وازن، ان تمر الرئاسة عبره وفق ما تلقى من وعود في هذا الصدد. وما حصل أن تسريب اللقاء الذي عقده الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه من أفرقاء لغايات محددة، في لحظة لم تكن قد اكتملت الاستعدادات لتحضير اجواء الارض والحلفاء، ساهم في تخريب علاقات الطرفين بحلفائهما. لكن مع عدم رفض كل من عون وجعجع علناً ومباشرة حتى الآن ترشيح فرنجيه، فان مصادر وزارية ترجح ان الاثنين يقوّمان حساباتهما وخياراتهما من دون استبعاد ان ما يجري من خطوات يتم التهديد بها لا يخرج عن اطار رفع السقوف والاثمان ليس إلا، في الوقت الراهن على الاقل، على رغم ان المعلومات تتحدث عن ان اي كلام في الاثمان لم يبدأ بعد، ولا يزال الكلام من حيث المبدأ، اي دعم ترشيح فرنجيه او عدمه، ولم يصل بعد الى تفاصيل أخرى على رغم ان فرنجيه يبدأ اتصالاته في الساعات والايام المقبلة من اجل اقناع المعترضين ومحاولة تذليل العقبات التي تعترض دعمه، فيما هو لا يزال واثقاً بحظوظه الكبيرة وبالدعم الاقليمي والدولي لترشيحه، على اساس ان ما يجري هو مخاض ما قبل الانتخابات، وان الافرقاء الداخليين ليسوا هم من يقرر في الواقع. لكن هذا كله، اي ما يتعلق بالرفض من اجل رفع السقوف والاثمان، سيتغير مع الرفض العلني باعتبار ان ذلك سيكون المؤشر لطي مرحلة فرنجيه والذهاب حكما الى مرحلة اخرى، اياً تكن هذه المرحلة. لكن بالنسبة الى المصادر المعنية، فإن كلاً من عون وجعجع يتهيبان خطوة الرفض لان لها تداعياتها وانعكاساتها المختلفة جدا عن تجربة عام 1989، ولو ان علاقة كل منهما بحليفه قد اهتزت بعمق من الداخل.

مقاربة دستورية للتعطيل الرئاسي
شبلي ملاّط/النهار/8 كانون الأول 2015
بغضّ النظر عن الجدل الرئاسي القائم قد يكون مفيداً العودة الى بعض النصوص الدستورية في تفسير نيِّر وعلمي معالجةً للتعطيل المستشري في الرئاسة. وهذه الدراسة جزء من خواطر رئاسية في ما آلت اليه جمهوريتنا من شذوذ دستوري، ومسؤولية المواطن في القيام بدوره نقاشاً وعملاً لتخطّيها. هل للمواطن، أو المرشح، أو لحزب أو هيئة في المجتمع المدني، أو كتلة نيابية، أن تختبر القضاء اللبناني، والمجلس الدستوري بالتحديد، في ظل التعطيل الذي أصرّ المجلس الدستوري بدور القضاء في إنهاء مفعوله المدمّر للجمهورية؟
(1) النصوص الدستورية المانعة للتعطيل
تقضي المادة 49 من الدستور اللبناني بأن ينتخب رئيس الجمهورية “بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي”.
أمّا النصاب القانوني لجلسة مجلس النواب، فهو محدّد في المادة 34: “لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء، وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات”. النصاب إذاً لاجتماع مجلس النواب نصفُ أعضائه.
في موضوع الرئاسة، لا نصَّ مخالفاً لذلك، بل النصوص الخاصة بالرئاسة في حال فراغ أياً كان ترجِّح أهميَّة الإنتخاب الرئاسي وأولويَّتها على أي شأن آخر، درءاً لتعطيل الجمهورية بحرمانها من “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن” كما جاء في مطلع الفصل الرابع عن رئيس الجمهورية (م 49 ف1).
ويثبِّت هذه الأولوية لمنع الفراغ الرئاسي فصلٌ خاص هو الباب الثالث من الدستور، تسطّر فيه ثلاث مواد كيفيّة استمرار الهيكل الدستوري المكتمل بالرئاسة. يمكن إدراج هذه التدابير الكفيلة بمنع التعطيل في هذا الباب تحت عناوين ثلاثة: ضرورة التئام المجلس، إلتئامه الفوري لانتخاب الرئيس، وحصرية عمله في هذا الإنتخاب.
يؤكد الدستور ضرورة التئام المجلس لانتخاب الرئيس قبل أي فراغ – أي عموماً قبل نهاية ولاية الرئيس: “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس” (مادة 73).
وتؤكد المادة 74 ضرورة إلتئام المجلس”فوراً” لسدّ باب التعطيل الحاصل في حالة فراغ ناتجة عن وفاة الرئيس أو استقالته: “إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخَلَف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية”.
أما المادة 75، فهي تحفظ حصرية الإنتخاب في الجلسة بالتركيز على امتناع النواب عن التعرّض لأي موضوع عدا انتخاب الرئيس.”إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر”.
(2) في تفسير الدستور المانع للتعطيل
التفسيرات المعطّلة للمبادىء القانونية كثيرة في تراث الإنسانية، أكانت بتجاهل نص وتقديم الآخر عليه، أو في علوم الناسخ والمنسوخ، أو في تفسير مغاير للمعنى الواضح والفائدة الجلية، وهذا كله يندرج في أدبيات عالميَّة لا تحصى.
ويدخل في التأويل الدستوري عوامل كثيرة، منها العرف وما آل اليه، ومنها تاريخ النص وآراء واضعيه، لكن النفاذ في المعنى الدستوري يرتبط عموماً بالسلطات السياسية التي من واجبها أن تطبقه بداهة. وإذا كان كلّ مواطن في المبدأ يتحرك تحت سقف القانون، فإن المسؤول في السلطة أَوْلى باحترام هذا السقف، وفي قمّته النص الدستوري. جميع المواطنين، كما جميع المسؤولين، مؤتمنون على احترام الدستور بداهةً والإلتزام به عفواً.
ولأن المسؤول يكون عادة عرضة لتجاذب ومصالح سياسية، فالتفسير الدستوري في المطاف الآخير يتمّ بتحكيم القضاء عليه، وهذا ما انتهى اليه لبنان، أسوة بدول كثيرة، بإناطة البتّ في “النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية” بالمجلس الدستوري في المادة 19 من الدستور كما تم تعديله عام 1990.
وفي قراره الأخير، أعلن المجلس الدستوري موقفه من التعطيل المستمر للدستور بغياب الرئيس:
في تعطيل المؤسسات الدستورية:
بما ان انتظام أداء المؤسسات الدستورية هو اساس الانتظام العام في الدولة، وبما ان انتظام اداء المؤسسات الدستورية يقتضي قيام كل مؤسسة دستورية، ودون ابطاء، بالمهام المناطة بها، ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وفي اطار القواعد والمبادىء التي نص عليها الدستور،
وبما ان الظروف الاستثنائية تقتضي قيام المؤسسات الدستورية بواجبها ومضاعفة نشاطها لمواجهة الظروف الاستثنائية والحفاظ على كيان الدولة ومصالحها العليا،
وبما ان شغور سدة رئاسة الجمهورية واناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء ترك انعكاسات سلبية وبالغة الخطورة على اداء السلطة الاجرائية، وبالتالي على مؤسسات الدولة كافة.
(3) في النظام الدستوري والإختصاص
إذا صحَّ إذاً أن “الفراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض والغاية التي وجد من أجلها الدستور، ويهدد النظام بالسقوط ويضع البلاد في المجهول” وأنّ “الشغور في مؤسسة من المؤسسات الدستورية، وبخاصة رئاسة الجمهورية، يؤدي الى خلل في انتظام المؤسسات الدستورية جميعها، وبالتالي الى خلل في الانتظام العام”، هل يحق للمجلس الدستوري أن يصحح الوضع المستشري فراغاً في الرئاسة إذا تأخرت السلطات الأخرى عن ذلك، ولا سيّما في التفسير المغلوط لنصاب معطّل للعملية الإنتخابية بسماحه لأقلية نيابية من منع الإنتخاب الرئاسي”فوراً”.
عندي أن الوعي الدستوري في بلادنا تقدَّم بشكل ملحوظ لدى اللبنانيين، وأن اللجوء الى الدستور في قمة الهرم القانونية قد زاد في حديث المواطن السليم كما في اللوائح القانونية المعروضة على القضاء بهيئاته المختلفة. بل إنّ تقدُّمَ هذا الوعي تلقّفه القضاء مراراً، لا سيما قضاء مجلس الشورى، في ظاهرة صحيّة ترفع حق المواطن الدستوري الى المستوى المطلوب في الهرمية القانونية، أي في المدار القضائي الذي يعطيه مداه التطبيقي الطبيعي في الحياة اليومية.
هذا يعني أننا بحاجة الى دراية القضاء لمصلحة المواطن في استمرار المرافق العامة – أكان في إزالة النفايات من الطرق أو في استحداث الرئيس المنتخب-، إلا أنّ المواطن ممنوع من التظلّم أمام المجلس الدستوري في موضوع مخالفة القانون للدستور، وهذا نقصٌ مبين أشرت اليه منذ أكثر من عشرين عاماً (“المجلس الدستوري اللبناني: من أجل دراسة نقدية مقارنةً”، “الحياة”، 12 آب 1993).
لكنّ السؤال يختلف في إختصاص المجلس الدستوري في موضوع “النزاعات الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية”، – والنزاعات تختلف عن الطعون- وقد أناطها الدستور في المادة 19 بالمجلس الدستوري تحديداً، ولم يعد يتطرق اليها أي قانون أو ترتيب لاحق في مجالٍ أظهرته الممارسة السياسية موطئاً في غاية الحساسية بالنسبة لأمن الحياة الدستورية واستمراريتها.
وهنا السؤال الملحّ عن إمكانية تفعيله من قبل المواطن الحريص على رئيس للجمهورية وهو رمز للوطن، لا تكتمل المؤسسات من دونه. فهل للمواطن أن يتطلع الى المجلس الدستوري في الموضوع الرئاسي لأن حقّه باستمرارية المرفق العام الممثّل بالرئاسة قد تمّ تعطيلُه؟
في ضوء النتائج الثلاث التي تنتهي اليها هذه الدراسة، أولها النصوص التي تسدُّ ذريعة الفراغ بضرورة إلتئام المجلس فوراً والمضي بالإنتخاب بغالبية لا تعطّله، وثانيها قرار المجلس الدستوري بدوره المحوري في إزالة التعطيل الرئاسي، والثالث في مصلحة المواطنين في اكتمال الهيكل الدستوري في رئيس هو رمز الوطن – لا بأس من اختبار حقّ كتلة نيابية أو هيئة من المجتمع المدني، أو مرشح رئاسي، بل اختبار حقّ المواطن الأعزل المتضرر من الفراغ المستشري، في التظلّم الى المجلس لإنهاء ضَيْم التعطيل وضرره على اكتمال الجمهورية.
*محام وباحث في القانون