أنطون شعبان: ارحموا عقولنا يا أهل السلطة في لبنان/عبد الوهاب بدرخان: مرشّح تسوية أم مرشّح الأسد//وسام سعادة: أزمة تخلّع المعايير: حصة لبنان من تخبّط كوني

467

أزمة تخلّع المعايير: حصة لبنان من تخبّط كوني
وسام سعادة/المستقبل/09 كانون الأول/15
يعيش العالم حالة افتقاد مريع للمعايير في وزن الأشياء. في لحظة ترى الأمور عادت للمواجهة بين روسيا والغرب ومن بوابة اوكرانيا والقرم، وفي لحظة ثانية تستعيد الاسلاموفوبيا وهجها، ويبدو أنّها مرشحة للذهاب أبعد، سواء في مجرى السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، أو بعد المؤشر الاقتراعي المرتفع للجبهة الوطنية في فرنسا. في وقت سابق، كان هناك من يجمع بين تصلّب غربي تجاه روسيا وتجاه العالم الاسلامي في وقت واحد. اليوم، الاسلاموفوب الغربيون يظهرون ميلاً محابياً لروسيا ويتعاملون معها كقدوة في مواجهة الارهاب الجهادي. في بلد يفتقد بشكل مزمن للمعايير كلبنان، يأتي هذا الضياع للمعايير على الصعيد العالمي ليزيد الطين بلة، ولا ننسى بين المستويين التخبط الاقليمي في المعايير ايضاً. صحيح ان المعايير اعيد اليها الاعتبار مع ثورة الارز من ناحية، والربيع العربي وخصوصاً الثورة السورية من ناحية ثانية، الا انه جرى تجفيف هذه المعيارية سنة بعد سنة، وجاء خطاب مكافحة الارهاب وتعميمه في كل ارض وفوق كل سياق، ليفرض منطقاً آخر. هيمنة خطاب «مكافحة الارهاب» تظهر بشكل مخادع ان ثمة معياراً واحداً وكونياً، لكنها بالكاد تخفي واقعاً شديد التقلّب وبشكل عشوائي بين المعايير المعتمدة. في غياب المعايير (النورم) يصير القانون تحايلاً على القانون، ويسهل التلاعب بالأسس الدستورية، وتعطيلها أنى دعت الحاجة واعادة الاهتمام بها بحسب الحاجة ايضاً. في غياب المعايير تصير السياسة نوبات احتقان ثم انفراجاً ثم احتقاناً، وتحل الانفعالية بدل مقابلة الحجة بالحجة، ومناقشة الطرح بالطرح، والاستفسار عن العواقب وكيفية التحسب لها. يعيش البلد منذ عقود طويلة أزمة معايير من فوق عناوين أزمته الشاملة الاخرى. ترشيد النقاش السياسي باتجاه العناوين السيادية قبل عشر سنوات ساهم في انتعاشة «معيارية» عادت فتشظت او فسدت من فرط اجترارها لتبرير ما لا يبرّر.
لكن البلد يعيش ازمة تخلّع المعايير بشكل اكثر جسامة منذ اتفاق اركان الحياة السياسية فيه على عدم العودة الى القانون الانتخابي السابق وامتناع اتفاقها في الوقت نفسه على بديل له، وجاء الشغور الرئاسي ليعمّق هذا الافتقاد للمعايير. نواب يستفيدون من ان لا نص دستورياً يعاقبهم مباشرة اذا هم لم ينتخبوا الرئيس، مع وجود ما يكفي دستورياً لاعتبار انتخابهم الرئيس واجباً وليس خياراً لهم اعتماده او لا. فراغ دستوري يستشري لعام ونصف العام. وطيلة هذه المدة والى اليوم لا ينطلق النقاش السياسي من محاولة تشكيل قاعدة مشتركة للمعايير التي يمكن على اساسها وضع حد للشغور، ولا من المعايير التي يمكن على اساسها مناقشة العلاقات بين الطوائف وبين ما هو طائفي وبين ما هو غير طائفي، وبين ما هو داخلي وبين ما هو اقليمي.
الخروج من ازمة تخلّع المعايير يكون بربط المعايير بعضها ببعض بشكل منطقي ومنسجم. مثلا، المعيار في حل مشكلة الشغور الرئاسي ينبغي ان يكون كيفية الخروج من تعطيل المؤسسات الدستورية والعود الى احترام المواقيت الدستورية. كيف لا يكون ممكناً ان يتجدد الشغور الرئاسي مرة ثانية، هذا هو السؤال الذي لا يمكن التهرب من طرحه. حل مشكلة قانون الانتخاب يكون هو الآخر معيارياً أو لا يكون. «قانون انتخابي عصري» تلك المعزوفة التي يتداولها الجميع لا تؤسس لوضوح في المعايير. صحة التمثيل بحد ذاتها ليست «معيارياً«. تمثيل من؟ هو السؤال. معيار «تمثيل التنوع» الذي يتشكل منه الاجتماع اللبناني يختلف عن معيار «تمثيل المشترك». اذا كان الساسة غير معنيين بشكل وثيق بسؤال المعايير، لا يمكن المثقفون السياسيون ان يستمروا في تهميش مسألة المعايير وتخلّعها والحاجة الى اعادة بلورتها. بدلاً من الانقياد وراء التبريرية من ناحية، والانفعالية من ناحية، حري بالمثقفين السياسيين في البلد تحويل النقاش قدر الامكان الى نقطة الانطلاق الضرورية: البحث عن معايير. فإما «المعياريون» .. وإما «العيارون» في هذا البلد.

مرشّح تسوية أم مرشّح الأسد؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/9 كانون الأول 2015
كشفت التجاذبات حول “مرشح التسوية” للرئاسة اللبنانية عمق الانقسامات ومدى هشاشة ساحتَي 8 و14 آذار في آن، سواء في الطرح السياسي “الوطني” أو في العلاقة بين مكوّناتهما، اذ انشغلتا بالمناحرات الداخلية وتغافلتا عن الفضيحة المقززة: في النهاية يكون رئيس النظام السوري، بكامل سجله الاجرامي الحالي، قد استطاع مرّةً جديدة أن يطرح مرشحه للرئاسة، وتشاء المفارقة أن يتوافر لهذا المرشح قبول دولي وعربي، ليس اقتناعاً بكفاياته، بل توجّساً – كما يقال – من أزمة شغور رئاسي لا يمكن تحديد نهايتها، فتتحقق عندئذ توقعات كثيرين بأن ميشال سليمان كان “الرئيس الأخير” لهذه الجمهورية. لعل السجال المحموم على خيار سليمان فرنجية أظهر أن أيّاً من الأقطاب الموارنة الأربعة لا يستطيع الوصول الى الرئاسة، لأن إمكان توافقهم على واحد منهم صعب إنْ لم يكن مستحيلاً، والأصعب أن يتفاهموا على مرشح خامس يتحاصصونه بالشروط التي تكبّله مسبقاً. وهكذا شهدنا طوال 17 شهراً سقوط أساطير “رئيس صُنع في لبنان” و”رئيس قوي” و”رئيس توافقي” لمصلحة “صديق الاسد” وعائلته (قتلة رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل وآخرين وآخرين كثر من اللبنانيين، وقتلة مئات الآلاف من الشعب السوري). وعموماً لا شأن لأحد بـ “الصداقات الخاصة” أو بـ “مَن يتغدّى مع مَن”، إلا أن هذه “الصداقة” سياسية جداً ويصعب تصوّر أنها غير مؤثرة في/ ومسيطرة على عقله السياسي. وما دامت الصراحة الفجّة احدى “مزايا” فرنجية فمن حقّه أن “يفتخر” بهذه “الصداقة”، ومن شأنه الاعتراف مبكراً بأنها باتت عاهة لا يمكنه التخلّص منها لكن يحسن به ألا يحمّل اللبنانيين تبعاتها. واقع الأمر أن “خامس” الأقطاب الأربعة ليس مارونياً وانما هو “حزب الله”، المتحكّم باللعبة الرئاسية أو بالأحرى مسمّمها ومفسدها. ويروى أن أحد المراجع صارح ميشال عون بأن انسحابه من السباق بات ضرورياً لإنقاذ الرئاسة، وكان ردّه بأنه لا يستطيع، لأن “حزب الله لا يقبل”. وعلى رغم أن “مرشح التسوية” هو حليف هذا “الحزب”، وهو أيضاً خيار الاسد حليف ايران، إلا أن “ولي الفقيه” لم يرسل حتى الآن “تكليفاً شرعياً” لـ “الحزب” كي يمضي في تأييد فرنجية. هناك من يقول راقبوا تطورات اليمن، فإذا حصل اتفاق على وقفٍ لإطلاق النار قبيل محادثات جنيف، يتأكّد وجود هدنة سعودية – ايرانية، وعندئذ يمكن أن يغيّر “حزب الله” موقفه من ترشيح عون؟! أعجب المفارقات أن عرّابي “التسوية” (بري والحريري وجنبلاط) يرغبون في اقناع اللبنانيين بها لكن بالصمت ومن دون الافصاح عن طبيعتها. عادت طبيعة النقاش والاتصالات بين السياسيين تذكّر بما كان أيام عهد “نظام الوصاية السورية”، أما الفارق الوحيد – حتى الآن – فهو أن المجتمع بدأ “حربه الأهلية” على طريقته، ضد التسوية وعرّابيها ورافضيها، وهذه ليست سوى البداية.

ارحموا عقولنا يا أهل السلطة في لبنان!
أنطون شعبان/النهار/9 كانون الأول 2015
كلّ “هوشة”، كل “مناقرة” بين رجل وامرأته، كل “عيطة” كل ضربة كف… وكل جريمة مروّعة بالتأكيد كالتي روّعت البُرج قبل أيام مسؤول عنها “قوّادونا” السياسيون في هذا البلد وحدَهم وحدَهم، وبلا آخر. فأنا وغيري كثيرون لم نعد نستسيغ مسؤولية المؤامرة عن كل شاردة وواردة تقع عندنا خصوصاً، في المحيط الأقرب.
فسياسيونا الميامين هنا وفي المحيط استدرجوا عن سابق قصد وتخطيط وتصميم الطائفية والمذهبية والعنف والإرهاب والوحشية لكي يحتموا بها ويحموا كراسيهم وأنظمتهم “الخالدة”. ففي لبنان أقاموا صيغة حكم ثنائي سنّي – شيعي وغيّبوا الرئيس المسيحي الذي قدره الحتمي وليس بالضرورة شطارته أن يقيم التوازن والحياد وينأى بالوطن الصغير عن صراعات الإقليم الإسلامية المذهبية، فغطّسوا البلد حتى شوشة الرأس في تلك الصراعات المذهبية الوحشية الدامية. وما نشهده على المستويات جميعاً من إخفاق وعجز في حلّ أبسط مشاكلنا، ومن توتّر إسلامي مذهبي وارتماء في أتون فتنة يستعر لهيبها في سوريا، ما هو إلا نتيجة بديهية لسيبة حكم عرجاء تقوم على هذا الثنائي المحكوم بطبيعته بالتبعية لسياسة الإقليم ومرجعياته الإسلامية وبالانخراط في فتنته ومحارقه المشتعلة، العاجز عن الحكم بحد أدنى من الاستقلالية وعن حل أي أزمة تعترضه، مهما كانت طبيعتها وكان حجمها. والدليل عجزه عن حل أزمة النفايات المطبقة على صدر البلد منذ شهور، كما عجزه عن التصدي للأمن الفالت من عُقاله، ناهيكم باستفحال الفساد والاهدار المسجّل أرقاماً قياسية بلا رادع، وذلك متلازم عضوياً وبديهياً مع طبيعة هذا الحكم الشاذ الطائفي أصلاً والمذهبي حديثاً انسجاماً مع المناخ السائد في الجوار. فهل نسأل بعد، ويحق لنا أن نسأل عن أسباب أزماتنا ومسببيها ومسؤوليها؟ فلقد أعمل بنا منذ زمن بعيد سياسيونا سكاكينهم ومباضعهم والمهدات تقطيعاً وهرساً ومعساً حتى أماتوا فينا في أكثريتنا الشعور الوطني الجامع والانتفاض لمحض كرامتنا وحقنا كمواطنين في وطن وحسب، فبتنا كفئران المختبرات ندور في فلك الزعيم ونندفع لصون مصالحه وتعزيز وضعه ونفوذه لمحض مصالحه هو وأهل بيته والحواشي الأقربين، صرنا نموت ونتمزّق أشلاء متناثرة على الطرقات ليحيا القائد وكرمى لعينيه، بعد أن استأصلوا منّا وعينا حقيقة مصالحنا نحن كبشر ومواطنين. ففي المعمعة التي دارت رحاها أخيراً حول جلسة تشريع الضرورة مسخرة ومعهرة فاقت سابقاتها، حيث فتحت الدكاكين الطائفية أبوابها على مصاريعها وتقدّم الدّكنجي الطائفي يبيع زبائنه (رعاياه) وهماً على وهم فيحقنهم بمزيد من الأفيون فيزدادون تسطيلاً على تسطيل، هكذا انبرى “أمراء” الطائفة المسيحية يبشرون رعاياهم بإنجاز قانون تجنيس المغتربين. فيا فرحتنا سيزداد المسيحيون بضع مئات، ولا نعرف ما هي مصلحتنا كشعب في ذلك، وهل تتحقق مطالبنا في معاش يقينا العوز والفاقة بسلسلة رتب ورواتب هي الحد الأدنى للعيش الكريم؟ وفي كل حال، مَن قال لهم إنّ المغتربين سوف يتسابقون للحصول على جنسية بلد يتخلّى عنها أهله المقيمون فيزوّرون جنسية سوريّة ليتمكّنوا من الفرار إلى أي بلد من بلاد الناس يحترمهم بشراً ومواطنين؟! لكن لربّما أخبرهم أحد أنّ المغتربين هؤلاء هم من هواة تسلّق جبال النفايات عندنا أو هم يرغبون في أن يمزّق أجسادهم وينثرهم أشلاء حزام مؤمن مستعجل إلى الجنّة. كفاكم استهبالاً لنا يا أهل السلطة في لبنان، خذونا بحلمكم ففي هذا البلد صار بعض شعب يفهم ويعي مصالحه، صار منسجماً مع نفسه وحقيقة واقعه. فخذوا منّا ما تشاؤون وما ملكت أيمانكم وارحموا عقولنا وحسب.