نبيل بومنصف: فوق أرض شائكة/وسام سعادة: مزيد من المصارحة إذا ما أريد لتسوية شاملة أن تنطلق/اميل خوري: لا حلَّ لأزمة الانتخابات الرئاسية وتداعياتها إلا بالعودة الى الدستور وبممارسة الديموقراطية

315

فوق أرض شائكة!
نبيل بومنصف/النهار/30 تشرين الثاني 2015
قد يكون من أبرز ما أثارته الموجة الأولى من “مغامرة التسوية” لترشيح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية انها شكلت استفتاء متقدماً لأرضية لبنانية مناهضة بقوة لاستعادة أنماط وتجارب أباحتها ظروف سابقة ثم ثبت الآن ان اتباعها لم يعد نزهة سهلة. ينطبق ذلك أولاً على الأفرقاء الدافعين للتسوية ولو انه لا يوفّر الأفرقاء الرافضين له. وإذا كانت ملامح التأزيم تثقل على ضفتي المشهد السياسي فإن التمعن في الحدة الهائلة التي تطبع جانباً من الانفعالات التعبيرية الشعبية الرافضة لهذه التسوية من شأنه أن يضع معادلة ارتكاب الأخطاء في مرمى الجميع. لامس الزعيم الجنبلاطي بعض هذا العصب الشديد التوتّر بمقولته ان “البعض لا يتعلّم من التجارب” مقارنة بتجربة ريتشارد مورفي. ولكن تجربة 1988 لا تستوي وحدها هنا لأن هناك ما يوجب توسيع اطار “البعض” الذي يلمح الى الأفرقاء المسيحيين وحدهم ليطاول أيضاً الشركاء المؤيدين للتسوية. قد يصح إلى حد بعيد مقارنة رفض مسيحي لانتخاب سليمان فرنجية الحفيد بإسقاط انتخاب النائب السابق مخايل ضاهر، ولكن ما يصح أيضاً هو “إنزال” ترشيح فرنجية كما حصل يستعيد مع تجربة مورفي تجارب إنزال رؤساء ومرشحين خلال عصر الوصاية السورية ومن خلال ترشيح رمز لا تعوزه الصراحة المتناهية في إعلان كونه الحليف الأكثر التصاقاً برأس النظام السوري. بطبيعة الحال المسألة لا تتصل هنا بالمعطيات التي لا تزال شديدة الغموض وتثير كل هذا الاحتدام والانفعال والصخب لدى قواعد 14 آذار خصوصاً ما دام الرئيس سعد الحريري لم يفرج عن المكنونات التي دفعته نحو هذا الخيار الشاق والشائك والأشبه بخيار ما سمي “سين – سين” سابقاً الذي أفضى إلى نهاية دراماتيكية في الغدر الموصوف بحكومة الرئيس الحريري. وهو ما يتعيّن على الأطراف المؤيدين لمشروع التسوية الا يسقطوه لحظة في فهم الكثير من الجانب الرافض ترشيح فرنجية. والى أن تحصل المكاشفة وما يمكن ان تبدله او لا تبدله، لا يمكن في أي شكل تجاهل الصدمة الهائلة التي ترتسم عبر عودة شيء لم يكن متخيّلاً لا من تجربة توافق اميركي – سوري وفرضه امراً واقعاً فقط وإنما أيضاً من تجارب توافقات “فوقية” أيقظت كل الكوابيس المتصلة بعصر الوصاية نفسه سواء من جموح في الخوف او في ردة طبيعية متوقعة أمام هذا “الإنزال” المباغت بكل ظروفه ولاعبيه. يضاف إلى ذلك أن خطأ آخر سيرتكب الآن تحديداً من جانب الجميع وخصوصاً كل من هم خارج عصب قواعد 14 آذار وناسها، ما لم يفهم كل هؤلاء معنى التعبير الصارخ لرفع شعارات شهداء الاغتيالات وصورهم بموازاة رفض التسوية حتى حين ينجرف التعبير الحاد الى درجات المزايدة غير المقبولة.

مزيد من المصارحة إذا ما أريد لتسوية شاملة أن تنطلق
وسام سعادة/المستقبل/30 تشرين الثاني/15
رغم كل هشاشة مزمنة فيه أو مضافة على ما هو مزمن في السنوات الماضية، لا يزال لبنان خارج منطقة الاشتعال الاقليمي المحاذية له. التبعات الوخيمة للتدخل الفئوي في سوريا، والاستهدافات الارهابية للضاحية الجنوبية، وعدم التوازن بين المجموعات اللبنانية جراء المعادلات المختصرة بعنوان «السلاح خارج كنف الدولة»، وعدم حصول الانتخابات النيابية في موعدها، والتمديد الذاتي مرتين للمجلس إياه، والشغور الرئاسي المستفحل، والأزمة الحكومية، وأزمة النفايات المتمادية، كل هذا لم ينتج عنه مزيداً من زجّ لبنان الى منطقة الاشتعال الاقليمي. الى حد ما يمكن القول ان الاستقطاب الحاد الذي عاشه المجتمع اللبناني قبل عشر أو خمس سنوات تراجع كثيراً، استهلك حتى الشعارات الصحيحة، لأن الشعارات الصحيحة حين تعاد وتتكرر من دون مداخل عملية ايجابية «تبوخ«. في الوقت نفسه تراجع حدّة الاستقطاب لم يفلح في كسر الحلقة المفرغة، سواء على صعيد القانون الانتخابي أو الملف الرئاسي أو سوى ذلك من ملفات. بالعكس. مع تراجع «الثنائية الآذارية» تراجعت أيضاً القدرة على معالجة الملفات، ليس فقط الملفات التي يمكن أن «تنتظر» نسبياً، بل أيضاً الملفات المرتبطة بايقاعات استحقاقية، كالانتخابات رئاسية أو نيابية، أو الملفات المرتبطة بروزنامة بيئية صحية كموضوع «اجلاء النفايات» عن حياة السكان. بدل حدة «الاستقطاب الآذاري المركزي» دخلنا في دائرة «الصعود والهبوط» في الحسابات بين الفرقاء، من دون أن يعني ذلك أن المشكلات الأساسية، ومشكلة سلاح «حزب الله» قد غادرتنا، بالعكس. بدلاً من «تهلهل» الوضع الداخلي جراء حدة الانقسام بين اللبنانيين، صرنا الى «تهلهل» الانقسام نفسه، من دون أن يعني ذلك سوى المزيد من تعطيل الحظوظ للدفع الذاتي باتجاه ما أعيد تحريكه مؤخراً من مساعي «تسوية«. بل إن هذه التسوية التي يضاف اليها فوراً وصف «الشاملة» ستظل المشكلة في طرحها أنّ «شموليتها» هذه، تلاقي استحساناً اجماعياً على الوصف، واختلافاً جدياً على مضمون الوصف. فتسوية «شاملة» على صعيد ملء المؤسسات هي تسوية «جزئية» طالما استبعدت البحث المسائل الملتهبة كالقتال في سوريا، ليس من باب حل هذه المسائل، بل أقله من باب أخذ عدم حلها في الاعتبار عند مقاربة الموضوع الرئاسي، أو موضوع القانون الانتخابي، وأخذ أي تقدم يمكن احرازه على هذين الصعيدين كمدخل لا بد من توضيحه على سبيل تنظيم الخلاف، وتنظيم النقاش، حول الملتهب، الأساسي من مشكلات. بالتوازي، الاطمئنان المبالغ فيه الى ان الوضع لن يتدهور الى التماثل مع الاشتعال الاقليمي مهما حصل، كما الاطمئنان الى ان المؤسسات يمكن ان تبقى معطلة ثم تشغّل حين تلوح تسوية اقليمية، هي من جملة ما يضرّ بالاستقرار المحفوظ في حدّه الأدنى رغم كل هذه الهشاشة. هذا الاستقرار الهش يعود الى حد كبير الى ان لبنان عاش حربه الأهلية الطويلة في العقود السابقة، وعاش انقسامه الحاد في السنوات السابقة، وغادر هاتين المساحتين بشكل أو بآخر، ولو كان للمضي الى المزيد من انعدام الاتفاق بين مكوناته، ومن «اهتراء المعايير» المستخدمة في السياسة الداخلية. هو استقرار يلعب اللجوء الديموغرافي السوري الكبير دوراً في تثبيته من ناحية (كم يجعل الناس تفكر مرتين قبل الاسترسال في التوترات اللبنانية الداخلية) وفي زيادة هشاشته في الوقت نفسه. وبشكل مكثف، عبثاً البحث في معالجة المتراكم من أمور مستعصية دون التطرق تحديداً الى هذه المشكلة التي تخترق كل المشكلات: اهتراء المعايير.

 

لا حلَّ لأزمة الانتخابات الرئاسية وتداعياتها إلا بالعودة الى الدستور وبممارسة الديموقراطية
اميل خوري/النهار/30 تشرين الثاني 2015
يقول رئيس سابق للحكومة لو أن القادة في لبنان احترموا الدستور نصا وروحا لما كان لبنان يغرق في أزمات لا خروج منها إلا بتدخل خارجي يخدم به مصالحه قبل غيره. فعند وضع قانون للانتخابات النيابية لم يراع في وضعه ما نص عليه اتفاق الطائف، أي ان تجرى الانتخابات وفقاً لقانون جديد “على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات”. لكن ما من قانون وضع للانتخابات وراعى ما نص عليه هذا الاتفاق فجاءت معظم المجالس النيابية لا تمثل شتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، لأن القوانين فصّلت على قياس مرشحين وليس على قياس الوطن لكي تأتي أكثرية نيابية تقدم مصلحة الوطن على أي مصلحة.
وعند تشكيل الحكومات لم يراعَ في تشكيلها ما نص عليه الدستور بل صارت الاحزاب والكتل النيابية هي التي تتدخل في تشكيلها ولا دور لرئيس الحكومة المكلف سوى دور ساعي البريد او ضابط ارتباط للتوفيق يبن هذه الاحزاب والكتل على توزيع المقاعد والحقائب، وأفدح ما اعتمدته من خارج نصوص الدستور ان يكون لطرف في الحكومة الثلث المعطل الذي سمّوه زورا وبهتانا “الشراكة الوطنية” في اتخاذ القرارت المهمة فلا تستأثر بها الاكثرية، فتحوّل ثلثا معطلا لكل قرار لا يعجب الاقلية ومن تمثل، وهو ما جعل الحكومات التي تتألف من أضداد تحقيقا لـ”الشراكة الوطنية” التي تحولت مشاكسة فاقدة الوطنية، حكومات فاشلة وغير منتجة لانها لم تطبق الدستور عند تأليفها لا نصا ولا روحا، ولا سيما البند 2 من المادة 64 ونصها: “يجري (الرئيس المكلف) الاستشارات لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”. وهذا معناه ان الرئيس المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية يشكل الحكومة ويتحمل مسؤولية تشكيلها امام مجلس النواب عند طرحه الثقة بها، فإما تنالها فتباشر عملها او تحجب عنها وعندها تجرى استشارات جديدة لتسمية من يكلف تشكيل حكومة جديدة، فاما يعاد تكليفه اذا جاءت نتائج الاستشارات لمصلحته، أو يكلف سواه”.
وفي الانتخابات الرئاسية كانت المخالفة فاضحة لنصوص الدستور، ولا سيما للمادة 75 ونصها: “ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة او أي عمل آخر”. واذا بعدد من النواب يطلع ببدعة التغيّب عن جلسة الانتخاب من دون عذر مشروع، والادعاء أن عملهم هذا ديموقراطي… وأن النائب حر في ان يحضر الجلسة او لا يحضرها، وإلا كان المشترع لحظ نصا واضحا وصريحا في هذا الصدد. لكن فات هؤلاء ان ما جعل المشترع لا يلحظ هذا النص هو كونه لم يفكر انه سيأتي يوم يتغيب فيه النواب عن جلسة انتخاب الرئيس من دون عذر شرعي، ولا من قبل الهيئة العامة، فاستمر تعطيل جلسات الانتخاب مدة 19 شهرا حتى الآن، وصار انتخاب الرئيس غير مرتبط بما تقرره الاكثرية النيابية بل بما تقرره الصفقات والمساومات والمحاصصات التي تتم وراء الكواليس وخارج المجلس. في حين ان الديموقراطية ومصلحة الوطن والمواطن تقضي بأن يسمي كل طرف مرشحه للرئاسة ويكون مجلس النواب المكان الطبيعي للمنافسة، وهو ما كان يحصل في الماضي تطبيقا للدستور وللنظام الديموقراطي، وليس كما يحصل اليوم، اذ ان فئة من النواب تعطل جلسة الانتخابات الرئاسية خوفا من فوز مرشح لا يعجبها. ولو قبل نواب في الماضي بما يفعله نواب اليوم لما اكتمل نصاب جلسة انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية بل كان عطل نصابها مؤيدو المرشح الياس سركيس. فهل بات انتخاب رئيس للجمهورية يتم بالاتفاق عليه خارج مجلس النواب لتصبح عملية انتخابه داخل المجلس صورية فحسب؟
لذلك يجب العودة الى الاصول الدستورية والديموقراطية بحيث انه عندما لا يتم التوصل الى اتفاق على مرشح للرئاسة يفوز بالتزكية ولا على مرشحين اثنين او أكثر يمثل كل واحد منهم خطا سياسيا وتكون الكلمة الفصل بينهم للأكثرية النيابية المطلوبة، فإن الاحتكام الى الدستور والى النظام الديموقراطي يصبح هو المخرج وذلك بدعوة مجلس النواب الى عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية تصوّت فيها الاكثرية النيابية لمن تشاء من بين مرشحين معلنين وغير معلنين. أما ان يظل طرف يصر على انتخاب مرشحه او يعطل النصاب، فليس هذا من الديموقراطية في شيء، ولا هذا ما نص عليه دستور أي دولة في العالم، فلا خروج اذا من أزمة الانتخابات الرئاسية عند تعذر الاتفاق على مرشح واحد بسوى النزول الى مجلس النواب لتصوّت الاكثرية النيابية المطلوبة للمرشح الذي تريد.