روزانا بومنصف: أزمة عون وجعجع لا تقل عن الحريري/خليل فليحان:الاتصالات تجمدت ولم تنهَر مساع إقليمية لضمان نجاح ترشيح فرنجيه/جورج سمعان: فرنجية يضمن «الحياد» سواء بقي الأسد أم رحل

348

أزمة عون وجعجع لا تقل عن الحريري واللبنانيون لا يودون تكرار تجربة لحود
روزانا بومنصف/النهار/30 تشرين الثاني 2015
ترجح مصادر سياسية ان كلاً من زعيمي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لم يكونا بعيدين عن خط الحوار الذي فتح بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه ليس حين عقد اللقاء بينهما في باريس بل منذ بدء النائب السابق غطاس خوري العمل على خط بنشعي قبل شهرين على الاقل حيث يفترض ان ذلك اثار اهتماماً. لكن هذه المصادر تعتقد ان الاثنين لم يعتقدا بامكان سير الحريري بخيار فرنجيه في ظل اقتناع واسع بان المرشحين الاربعة الذين اجتمعوا في بكركي لا فرصة لهم للوصول الى الرئاسة وهم يعطلون بعضهم البعض. فلو ان عون وجعجع لم يكونا على علم بما كان يجري، لكان سهلا عليهما الانتفاض بقوة على حلفائهما كل من جهته لنسف هؤلاء قواعد التحالف وعلى قاعدة ان هناك توافقاً بين السنة والشيعة على نحو غير مباشر ولو ان ” حزب الله” ليس في الواجهة المباشرة لدعم النائب فرنجيه. ويظل ترجيح معرفة عون وجعجع مسبقاً ان هناك حوارا مفتوحا بين الحريري وفرنجيه اخف وطأة من احتمال عدم معرفتهما بما جرى، في ظل تساؤلات اذا كان في امكان الزعيمين المسيحيين رفض ما وضع امامهما من خلال اتفاق على ترشيح فرنجيه يحرج الافرقاء الاخرين من دون ان يسقط شعارات تبنوها خلال سنتين عن الرئيس القوي وصاحب الحيثية الشعبية ما لم يكن ترشيحا لا يحتاج لذلك كترشيح حاكم المصرف المركزي رياض سلامة او قائد الجيش العماد جان قهوجي او النائب السابق جان عبيد اذا تجاوزا شعاراتهما.
يواجه كل من العماد عون والدكتور جعجع ارباكا في احتمال تكرار سيناريو توافقهما على رفض ترشيح مخايل ضاهر تحت عنوان انه فرض من الخارج او من الاخرين. لكن ليس سهلا على كل منهما العودة من حيث اخذ كل منهما قواعده الى القبول بخيار كان مستبعدا كليا على ضوء عدم امكان قبول فرنجيه لانتمائه اكثر من العماد عون الى قوى 8 آذار. وثمة اخطاء جسيمة ترتكب في اطار ما يحصل من مجريات يهمل من خلالها الرأي العام على اساس انه سهل الانقياد الى حيث يأخذه زعماؤه خصوصا ان ثمة تململا كبيرا لدى فئات واسعة من الاتفاق على ترشيح فرنجية. والاستياء من هذا الخيار لا يقتصر على قواعد الحريري فحسب بل على غالبية اللبنانيين الذين لا يفهمون العودة الى خيار المرشح الاقرب من نظام بشار الاسد للرئاسة اللبنانية ما لم يكن هناك خسارة مدوية لفريق 14 آذار وانتصارا فعليا لهذا النظام لا بد ان يستثمره لصالحه، في حين لم ينته الصراع الدولي والاقليمي على بت مصيره. كما يخشى اللبنانيون عودة مشابهة لرئاسة اميل لحود التي كلفت لبنان الكثير تحت عنوانين وهما دعم ” المقاومة ” والالتزام مع النظام السوري، وهما العنوانان اللذان يلتزمهما النائب فرنجيه ايضا ، الامر الذي يحتم في حال اتسم ترشح الزعيم الزغرتاوي بالجدية ان يطمئن اللبنانيين في الدرجة الاولى، وليس فقط زعماء التيارات السياسية او الدول الاقليمية او الخارج، الى رئاسة تطمح ألا تكرر تجربة لحود بالحد الادنى. فمع ان فرنجيه يرتاح البعض لصراحته الفجة وعدم باطنيته كغالبية السياسيين، فان وصوله يشكل عنصرا مقلقا على المستوى الشعبي كما السياسي.
مع ان سيناريو انتخاب فرنجيه في حال ذللت العقبات لن يسمح بأن ينتخب باجماع مجلس النواب على قاعدة ان الهامش الديموقراطي يتيح الا تنتخب القوات اللبنانية فرنجيه التزاما منها عدم انتخاب من هو معارض لخطها وكذلك الامر بالنسبة الى نواب مستقلين وآخرين من تيار المستقبل لا يخفون اعتراضهم القوي لخيار انتخاب فرنجيه، فانه لن يكون سهلا على تيار عون ألا ينتخب هذا الاخير انطلاقا من انه انتصار للمحور او الخط الذي ينتمي اليه ولو ان الاحراج لدى عون انه لا يستطيع ان يشرح لماذا لم يأخذ في الاعتبار ما طلب منه مرارا في ظل استحالة وصوله ان يكون صانع الرئيس او ان يولي اعتبارا لاحتمالات ان يكون فرنجيه هو الخيار الفعلي والنهائي لحليفه ” حزب الله” وليس هو. في حين ان ثمة استحالة امامه للخروج على دعم حليف للرئاسة والذهاب الى خيار تعطيل ذلك او الالتفاف عليه اقله وفق ما ترى المصادر السياسية، وقد وافق مع جعجع والرئيس امين الجميل على تمتع فرنجيه بحظ للرئاسة شأنهم .
حتى الان اصاب خيار ترشيح فرنجيه بشظاياه الرئيس الحريري بالذات كما تياره وقوى 14 آذار بمجملها بمن فيها القوات اللبنانية وذلك نتيجة التنازلات تلو التنازلات غير المفهومة والتي لا يكفي واقع الشغور الرئاسي لتبريرها . كما اصيب العماد عون في العمق ايضا بعدما سقط ترشيحه الذي عد غير توافقي نتيجة تغطيته لـ” حزب الله” سياسياً وتحالفه مع نظام الاسد لمصلحة ترشيح حليف اشد صلابة بالعناوين نفسها. ولا يعد خسارة للحزب ترشيح فرنجيه بدلا من عون ولو انه سيحرج نسبياً في التخلي عن ايصال حليف ولو ان ذلك مبرر تحت وطأة عدم وجود فرصة له بعد اكثر من سنة ونصف من تعطيل الرئاسة بسبب التمسك به. لذلك يحتاج الجميع بعض الوقت لتقبل الفكرة والمساومة على احتمالها حيث امكن وتبليعها للبنانيين ايضاً.

 

الاتصالات تجمدت ولم تنهَر مساع إقليمية لضمان نجاح ترشيح فرنجيه
خليل فليحان/النهار/30 تشرين الثاني 2015
جُمّدت الاتصالات في شأن ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية يوم الجمعة الفائت، من دون معرفة الجهة التي أعاقت المضي في المشاورات، وهل هي محلية ام عربية ام دولية. وقد جُمدت كما سبق ان انطلقت، من باريس، بعد لقاء الرئيس سعد الحريري وفرنجية في باريس. وافادت مصادر متابعة لسير تلك الاتصالات السرية ان نجاحها كان سيؤدي وفق ما كان مخططا، الى إعلان رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط انسحاب مرشح كتلته للرئاسة النائب هنري حلو، وفي الوقت نفسه تأييد فرنجيه للرئاسة، على أن يتبعه في ذلك الحريري، متجاوزا البلبلة التي أصابت كتلته، فانقسمت بين مؤيد ومعارض، حتى ان الرئيس فؤاد السنيورة تجنب البحث في تسويق الحريري لترشيح فرنجية خلال اجتماع كتلة “المستقبل” يوم الثلثاء الماضي، بذريعة ان اللقاء بين الحريري وفرنجية لم يعلن رسميا انه تمّ. وأشارت الى ان الولايات المتحدة فوجئت بهذا الترشيح. والواقع أن مسؤولين في واشنطن، يفترض انهم على معرفة بهذا الترشيح، أعلنوا عدم تدخلهم في الاستحقاق وان ليس لديهم اي مرشح يفضلونه على آخر ينافسه، لكنهم في الوقت نفسه كانوا قد كلفوا ديبلوماسيا من رتبة رفيعة الاستماع الى مواقف الأفرقاء، وبدوا مهتمين بألا يعمل من سيكون رئيسا ضد مصالح الولايات المتحدة، لانها تعتبر ان لبنان بلد حيوي بالنسبة اليها.
ودافعت المصادر عن تحرك الحريري لإيجاد تسوية، ولو مع فرنجيه الصديق الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد، مذكرة بأن الحريري لم يتفرد في التسويق لفرنجية، الذي اعتبرت أنه وإن لم يكن يتمتع بالشعبية التي لرئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، فلا مانع من الحوار معه لملء الفراغ الرئاسي، بعد ما حصل الامر نفسه مع عون، من دون التوصل الى تفاهمات. ولفتت الى أن الحريري على علاقة جيدة بروسيا وبالفاتيكان، وان الدولتين مع الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة فتح أبواب قصر بعبدا، وان المقربين من السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا يسمعون منه كلاما لافتا لجهة صفات رئيس الجمهورية في لبنان، مؤداه ان عليه ان يكون لجميع اللبنانيين وليس فقط للمسيحيين، وان نزعة التعصب تضرّ بهم. وكان لكاتشا حديث مطول عن ترشيح فرنجيه على هامش احدى المناسبات الديبلوماسية مساء الخميس الماضي. وذكرت ان المسؤول الفاتيكاني لا يمانع في ان يكون مرشح التسوية قطبا قويا في قوى الثامن من آذار وله صداقات داعمة في 14 آذار. وتوافرت ليلا معلومات تفيد ان دولة إقليمية طلبت التريث من اجل تسوية بوادر خلاف لقوى تدعمها بغية توحيد موقفها من ترشيح فرنجيه. وهذا يعني ان زخم الاتصالات الديبلوماسية لم يجمد، بل الأدوات اللبنانية المواكبة له. وتوقعت ان تظهر خلال الأيام القليلة المقبلة نتائج الاتصالات الإقليمية وما اذا كانت المساعي لدعم ترشيح فرنجيه ستنهار ام ستستأنف.

فرنجية يضمن «الحياد» سواء بقي الأسد أم رحل؟
جورج سمعان/الحياة/30 تشرين الثاني/15
تحريك الملف الرئاسي في لبنان حمل جملة من القراءات. لكنه يبقى أولاً وأخيراً خطوة منطقية وطبيعية تواكب المنعطف الكبير الذي شهدته الأزمة في سورية. والذي بدّل في قواعد اللعبة العسكرية والسياسية بعد التدخل الروسي وخريطة الطريق للتسوية السياسية. وخلق معادلات جديدة وقلب موازين القوى. ولا شك في أن حضور جميع اللاعبين، إقليميين ودوليين، لقاءي فيينا مؤشر إلى استعدادهم إلى تقديم تنازلات، وإلى رغبة جماعية في وجوب دحر الإرهاب وإقفال الساحة السورية. وإذا كانت تفجيرات باريس شكلت دافعاً إلى شعور العالم بفداحة الأخطار الناجمة عن استمرار الحريق الشامي. وقربت الموقف الأوروبي من موقف الكرملين وقدمت «داعش عدواً أول»، فإن إسقاط تركيا مقاتلة روسية كشف عمق الهوة التي تفصل بين أهل التسوية. ليس بين أنقرة وموسكو فحسب، بل بين هذه وحلف شمال الأطلسي. لكن كلا الحادثين قدم ذخيرة إضافية إلى الكرملين ومشروعه الخاص بالتسوية.
جملة الأحداث التي شهدتها الأزمة السورية في الشهرين الماضيين دفعت جميع المعنيين إلى إعادة التموضع. وكان طبيعياً أن يشعر اللبنانيون كغيرهم بوجوب مواكبة ما يجري في سورية والمستقبل الذي يرسم لها. كأنما ثمة عودة إلى تلازم المسارين. وكان طبيعياً أن يشعروا بأن ثمة سقفاً زمنياً لم يعد من الجائز تجاوزه. تماماً كما وضع الروس سقفاً زمنياً لتدخلهم في الشام لا يتجاوز مطالع السنة المقبلة. فإما تسوية تستند إلى مفهومهم وتخدم مصالحهم وإما مواصلة الحرب. إذاً ثمة رابط بين السقفين. حتى الآن كان واضحاً أن البلد الصغير أفاد من غطاء دولي وإقليمي أتاح له إبعاد النار عن ساحته. أو على الأقل حال دون سقوطه في الحريق المذهبي المشتعل في المنطقة… وإن لم يجنبه جرائم الإرهاب. وكان لا بد للحوار بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» أن يواكب، التحول الكبير الذي طرأ على الأزمة السورية بنقلة نوعية. لم تعد المهمة تقتصر على إبعاد برميل البارود المحتقن عن النار المذهبية وهو كاد أن ينفجر في أكثر من مناسبة آخرها الجريمة الإرهابية في برج البراجنة.
لم يكن منطقياً أن يجمع العالم على وجوب الحفاظ على الدولة السورية ومنع انهيار مؤسساتها وأن يواصل اللبنانيون مراقبة تحلل دولتهم وانهيار مؤسساتهم واقتصادهم. كان لا بد من التقاط اللحظة، أو محاولة اقتناص الفرصة لعلهم يتوافقون على انتخاب رئيس للجمهورية. وفي ظل استعصاء التفاهم على مرشح توافقي، وغياب التفاهم بين القوى المسيحية على مرشح يقدمونه إلى شركائهم في الوطن، جاء اللقاء بين سعد الحريري وسليمان فرنجية ليلقي أكثر من حجر في البركة الراكدة. يسوق أركان «تيار المستقبل» جملة اعتبارات محلية باتت معروفة أملت على السير في ترشيح زعيم «تيار المردة». ليس أقلها شعوره بأن جمهوراً واسعاً يحمله القسط الأكبر مما يعانيه البلد من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية. وشعوره أيضاً بأن قوى الاعتدال التي يمثل يتآكل نفوذها في ظل صعود التنظيمات الإرهابية وانتشارها. فضلاً عن الغموض الذي يكتنف صورة سورية الجديدة التي لن تعود كما كانت أياً كانت صورة التسوية. والمهم في هذا المجال أن يكون لبنان جاهزاً لمفاعيل التسوية في سورية، أياً كان مآلها، أو في أسوأ الأحوال أن يظل محافظاً على فك الاشتباك بينه وبين الحرب التي قد تستعر.
لم يكن فرنجية خيار الحريري وحده. فشريكه في الحوار يبحث عن إعادة تموضع. سيعود مقاتلوه من وراء الحدود، سواء انتهى الأمر بقيام «سورية المفيدة» أو بانطلاق التسوية على وقع العلميات الروسية. وكان لافتاً أن زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي لم يكن منذ أشهر مهتماً بمصير الحوار وحتى بمصير الحكومة، انعطف هو الآخر. تبدلت حساباته. ولا بد من إعادة تموضع فرضها على الجميع الرئيس فلاديمير بوتين الذي أبلغ من يهمهم الأمر، ديبلوماسياً وعسكرياً على الأرض، أنه بات في وضع يمكنه التحكم بمجريات الأمور في سورية. نادى السيد قبل أيام بتسوية شاملة، و «تحت سقف الطائف». فلا مؤتمر تأسيسياً ولا مثالثة ولا من يحزنون. هو يدرك أن رجاله سيعودون من سورية عاجلاً أم آجلاً، أو سيطلب منهم مغادرتها إذا انطلقت المرحلة الانتقالية. ولا يريد تجديد الصراع حول سلاحه. فيما بات يدرك خصومه المحليون أن مسألة مشاركته في القتال خارج الحدود، كما قضية سلاحه، أمر بات مرتبطاً بالموازين الإقليمية. وهو ما توافق عليه الحريري وفرنجية، وتبادلا الضمانات سواء بقي الأسد أم رحل. وهذا ما يريح «حزب الله» أيضاً. فضلاً عن أن رعاة تحييد لبنان، قريبين وبعيدين، لم يكونوا ولن يكونوا بعيدين عن خيارات اللبنانيين. ولا شك في رغبة إقليمية ودولية ملحة في إقفال ملف الرئاسة أشعلت الضوء الأخضر لعل لبنان يخرج من مأزقه ومرحلة المراوحة. وعندما يجلس المتخاصمون معاً إلى طاولة فيينا لا تعود هناك محظورات لعدم جلوس اللبنانيين إلى الطاولة.
وثمة مغالاة في قراءة خيار فرنجية للرئاسة. كأن يرى بعضهم أنه ليس عنصر طمأنة لحليفه في «8 آذار» فحسب، بل ضمان لجملة أقليات في المنطقة إذا كان لا بد من رحيل الأسد وتقديم ضمانات للعلويين وفئة واسعة من المسيحيين الذين ناصروه هنا في لبنان وفي سورية. فالأميركيون الذين صموا آذانهم عن مخاوف شركائهم الخليجيين من توسع إيران في المنطقة العربية، كانوا يتساءلون من باب الجزم أن الجمهورية الإسلامية لا يمكنها ابتلاع سورية. الديموغرافيا المذهبية هنا – كما هي في اليمن – تختلف عما هي عليه في العراق حيث أنها هنا أيضاً لم تستطع أن تهضم ما حاولت ابتلاعه! على رغم أن ممثل المرشد علي خامنئي لدى «الحرس الثوري» علي سعيدي عاد يردد أخيراً معزوفة تمدد حدود بلاده إلى البحر الأبيض المتوسط وباب المندب. كأنه لا يشعر بحرارة النار التي تشتعل بين أيديهم في العراق واليمن وسورية.
تلازم المسارين يجب ألا يعني أن تطول المرحلة الضبابية حتى يختار اللبنانيون رئيسهم أو يتوافقوا على فرنجية رئيساً. إن طرحه مرشحاً أعاد خلط الأوراق، خصوصاً في أوساط القوى المسيحية التي عليها عاجلاً أن تحدد موقفها… إلا إذا توافق ميشال عون وسمير جعجع على مرشح آخر ليحرج كل طرف حليفه. أو إذا فاجأ رئيس «القوات اللبنانية» شركاءه في «14 آذار» التي لا يكاد يبقى منها شيء حالها حال «8 آذار»، وأعلن دعم ترشيح الجنرال. عندها فليتنافس المتنافسون. المهم أن يكون لبنان حصيناً، سواء سلكت الأزمة السورية «خريطة الطريق» للتسوية، أو واصل الجميع خيار الحسم العسكري، كما يبدو حتى الآن. والكرة ليست في ملعب «المستقبل» و «حزب الله» وفرنجية وحدهم. إنها عند الشريك المسيحي، من «التيار الوطني» و «القوات» و»الكتائب» وكل القوى الأخرى.
يظل هذا أفضل من انتظار ما ستؤول إليه الأزمة في سورية حيث يميل الطرف الروسي إلى خيار الحسم العسكري في بلد يختلط فيه مزيج من الأعراق والمذاهب الذين يبدون تصميماً على مواصلة القتال. وليس سراً أن أقطاب المعارضة السياسية السورية في الخارج يؤمنون بأن هدف موسكو إخراج «الجيش الحر» والفصائل المعتدلة من المعادلة. أو على الأقل تقسيم هذا الجيش وتفتيته. بعدها يسهل اختيار المعارضة المدجنة التي لا تملك ذراعاً عسكرية للتفاوض في فيينا أو جنيف. والنتيجة فرض تسوية تعيد انتاج النظام. ولن يكون مهماً بعد ذلك بقي بشار الأسد أم رحل. ويكاد جميع المعنيين بالأزمة يأخذون على التدخل الروسي أن القليل من غاراته استهدف مواقع «داعش»، خصوصاً بعد تفجير الطائرة في سيناء.
لكن المفاجآت على الطريق الطويل للتسوية كفيلة بتغيير الحسابات وقلب الأولويات والسياسات. ولن تكون روسيا استثناءً. إثر اعتداءات باريس ثم إسقاط تركيا مقاتلة روسية، بات شبه مستحيل قيام هيكل دولي موحد لقتال التنظيمات الإرهابية. ليس لأن ثمة خلافاً على وضع لائحة موحدة بهذه التنظيمات فقط. وليس لأن المنخرطين في الأزمة السورية تختلف أهدافهم وسياساتهم فحسب. بل لأن ثمة عقداً يجب تفكيكها أولاً. فكيف يمكن الغرب التحالف مع دولة كبرى يفرض عليها عقوبات وحصاراً اقتصادياً؟ وكيف يمكن الولايات المتحدة القبول بالقتال إلى جانب إيران وميليشياتها وبعض هذه تضعهم على لائحتها لقوى الإرهاب؟ وكيف لتركيا التي يتلو فعل الندامة على ما فعلت مقاتلاتها بالطائرة الروسية أن تنخرط في تحالف يستند إلى رؤية تعتمد على الكرد بقيادة صالح مسلم القريب من حزب العمال الكردستاني فصيلاً أساسياً في قتال تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ مثلما لا يستقيم وقوف السعودية وشركائها الخليجيين في خندق واحد مع خصومها الذين تستهدفهم في اليمن وسورية والعراق، وإن جلست معهم إلى طاولة التفاوض؟ ومن الوهم تصور الجمهورية الإسلامية وقد تخلت بسهولة عما بنت لسنوات من بغداد إلى بيروت… كأنهم يجلسون إلى طاولة الحوار وأيديهم على الزناد إلى أن يحين موعد التفجير المقبل… إلا إذا استطاعت موسكو أن تطوع القوى الإقليمية، وتحد من نفوذها وقدرتها على المنافسة، كما تحاول مع تركيا اليوم. وهذا أمر دونه عقبات فأنقرة ليست وحيدة لا شرقاً ولا غرباً. ومثلها خصوم الأسد والمصرون على رحيله. فهل تكتفي موسكو بـ «سورية المفيدة» التي ترسخ الحل الفيديرالي في كل بلاد الهلال الخصيب بما فيه لبنان؟ ام أنها تنزلق عميقاً وتغامر بقوات برية من الجمهوريات الإسلامية الحليفة في وسط آسيا؟