فؤاد ابو زيد: أين الميثاقيّة وهواجس المسيحيين/نديم قطيش: الخرافات الست حول تسوية فرنجية

392

أين الميثاقيّة وهواجس المسيحيين؟!
فؤاد ابو زيد/الديار

30 تشرين الثاني 2015

بخلاف اسطوانة تبرير موقفه من الاتصال بالنائب سليمان فرنجيه، وفتح باب الحوار معه لترشيحه الى منصب رئاسة الجمهورية التي يلتزم بها المقربون منه، والمستشارون العاملون بجد على فك ارتباط تيار المستقبل بتبني ترشيح سمير جعجع للمنصب الرئاسي، لم يصدر حتى الان عن سعد الحريري او عن جوقة المؤيدين والمباركين، ما يمكن ان يكشف عن الاسباب الحقيقية التي دفعت الحريري الى اخذ هذه الخطوة الانقلابية، غير ما جاء في اسطوانة «المصلحة العامة» وام الصبي، ومنع الانهيار، وانقاذ البلد من الفتنة، وتلقف الفرصة السانحة، على اعتبار ان هذه الاسباب الهامة جدا والحقيقية جدا، كانت تستدعي دعوة قيادات 14 آذار الى اجتماع عاجل تتم المناقشة فيه بهدوء وعقل بارد ورصانة، ووضع جميع المعطيات على بساط احمدي، تخرج بعدها قوى 14 آذار بموقف موحد رفضاً او قبولا، خصوصا ان هذا الاستحقاق حتى ولو كان وطنيا بامتياز الا انه له خصوصية مسيحية مارونية، يجب مراعاتها والتوقف عندها، اضافة الى خصوصية ان قوى 14 آذار وتيار المستقبل في المقدمة رشحوا رئيس حزب القوات اللبنانية الى هذا المنصب، ولم يسحبوا هذا الترشيح حتى الان، وكأن القصد من هذا الترشيح ايقاظ شياطين الخلافات والعداوات، بين الاقطاب الموارنة، بدلاً من ان يكون محطة لتعميق خطوات التفاهم والتقارب بين بعضهم بعضاً، في حال اقتنعت قوى 14 آذار بدوافع واسباب سعد الحريري وذهبت مجتمعة الى تأييد سليمان فرنجية او غيره، بدلا من هذه الدعسة الناقصة التي اقدم عليها الحريري وخلقت هذا التشنج والرفض في الشارع المسيحي الذي يتساءل اليوم باكثريته الساحقة، لماذا يطلب من الجميع اخذ الهواجس الشيعية والمخاوف السنية، والخصوصية الدرزية بالاعتبار، ويتم تجاوز الهواجس والمخاوف والخصوصية المسيحية، وتقابل اما بالرفض او بالسخرية والتشنيع او بالتجاهل الكامل، والبراهين على ذلك لا تحصى ولا تعد، ان كان في الادارات العامة، او في قوانين الانتخاب، او في اختيار رئيس للجمهورية.

اسخف المواقف ما يحاول تسويقه، بعض نواب ووزراء وقيادات تيار المستقبل، عندما يتحدثون عن ان سعد الحريري لا يمكن ان «يمشي» بسليمان فرنجية، الا بضمانات تتناول الحكومة وقانون الانتخاب والوضع المالي واعلان بعبدا، وما تضمنه من دعوة لتحييد لبنان، ومن تنازل الجميع للدولة والشرعية، وعدم التحامل او الاعتداء على الخصوم، وينسى هؤلاء او يتناسون «الضمانات»، التي اعطيت في الدوحة، والتي «نفدت» بحذافيرها، وما زلنا حتى اليوم نعيش في ظل «نعيمها» كما انهم ينسون ان سليمان فرنجيه العفوي والصادق مع نفسه، يؤكد علاقته الوثيقة باخيه بشار الاسد وبتأييده ودعمه المقاومة الاسلامية، وهو غير مستعد للتنازل عن هذا الموقف، وهذا حق من حقوقه، اما موقفه بالنسبة الى «الضمانات» فحتى الآن غير معروفة، ربما لان رئيس الجمهورية في هذا البلد لا يستطيع ربما ان يضمن ذاته. فكيف يمكنه ان يضمن الاخرين؟!

يبقى امامي في نهاية الامر، سؤالان، الاول، هل تيار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، ما زالا متمسكين بقانون الانتخاب المشترك بينهما وبين حزب القوات اللبنانية؟ والثاني، ماذا يبقى من «مزحة» الميثاقية، اذا انتخب النائب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، بمعارضة تكتل التغيير والاصلاح وحزبي القوات اللبنانية والكتائب والنواب المسيحيين المستقلين؟!

«الطبخة» غير الناضجة والمسلوقة سلقا، لا يمكن ان تكون الطبق الاول على مائدة استرجاع الدولة والمؤسسات.

الخرافات الست حول تسوية فرنجية
نديم قطيش/المدن/30 تشرين الثاني/15

من خارج السياق، جاء ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في ظل إستعصاء إيصال أيٍ من رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع او زعيم التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون.
الترشيح الذي لم يؤخذ على مجمل الجد في الساعات والايام الأولى لطرحه سرعان ما تحول الى شبه واقع سياسي فرض نفسه على حسابات الجميع. العارفون يقولون إن التسوية تسير من دون عقبات قادرة على إجهاضها مهما علا سقف الاعتراض، وإن كانت بعض الزوايا تدَّوَر هنا وهناك، بالاضافة الى الحاجة لتدليك بعض “الإيغوات” الزعامية قبل اندراجها في مشروع التسوية.
منذ انطلاق قطار التسوية راجت مجموعة من الأسئلة إنبنت عليها حالة من التعبئة لا سيما بين جمهور مواقع التواصل الاجتماعي حيث يرتفع معدل الشغف والمشاعر وينخفض كثيراً معدل التعامل بالوقائع السياسية والقواعد البديهية. بعض الامثلة.
١- نستطيع إنتخاب رئيس من ١٤ آذار أو رئيس وسطي.
كلا. لا نستطيع. نعيش منذ بداية الشغور الرئاسي في ٢٥ أيار ٢٠١٤، في ظل واقعتين. الأولى أن جلسة الانتخاب الاولى واليتيمة التي اكتمل نصابها حظي فيها الدكتور سمير جعجع بـ 48 صوتاً في مقابل 52 ورقة بيضاء و16 صوتاً لهنري الحلو وصوت للرئيس أمين الجميل و7 أوراق ملغاة.
أما الواقعة الثانية فهي أننا ومذاك شهدنا ٣١ محاولة فاشلة لعقد الجلسة الثانية لإنتخاب رئيس للجمهورية، والتي يعوز المرشح للنجاح فيها 65 صوتاً مع نصاب 86 نائباً، ما يعني أن لا نصاب لأي جلسة يغيب عنها حزب الله والتيار. وفي الوقائع أن نواب حزب الله والتيار يتغيبان عن الجلسات ولا يدخلان الى قاعة البرلمان ويمنعان عملياً إكتمال النصاب. وليس في الافق ما يشير الى أن هذه السياسة ستتغير لفتح المجال امام مغامرة انتخاب حر قد تنتج جعجع او رئيس توافقي. وبالتالي المعطى الواقعي هو الفراغ حتى أجل غير مسمى وليس الوسطي او مرشح ١٤ آذار.
٢- لماذا الاستعجال؟ ليبقى الوضع على ما هو عليه.
سياسياً ممكن، إقتصادياً مستحيل. دعاة الإنتظار وإبقاء الوضع على ما هو عليه لا يأخذون بعين الاعتبار الوقائع الاقتصادية التي أرغمت الجميع على التنازل عن سقوفهم والتوجه لعقد جلسة تشريعية قبل اسابيع. لهواة النوع بعض الارقام الرئيسية. تراجع في ظل ازمة الفراغ معدّل النموّ الاقتصادي إلى أقلّ من 1% حسب تقدير المؤسّسات المالية العالمية، مما يرفع البطالة ويخفض مستوى المعيشة ويشكل وضعا خانقا للمؤسّسات. في حين أن مؤسّسات التصنيف الدولية خفضت درجة لبنان بما يضع المصارف اللبنانية، القطاع القائد لصمود الليرة وتمويل الدين العام، أمام صعوبات ومخاطر كبيرة، ويرفع كلفة الدين العام اللبناني. وإذا كان هناك قطاعات أكثر تأثرا من سواها، فإن القطاع السياحي الشديد الحساسية حيال عدم الاستقرار السياسي هو اكبر المتضريين، على الرغم من إستيعابه نسبة عالية من الوظائف، فيما تعاني اليوم العديد من مؤسّساته من خطر الإفلاس. كما أن تراجع السياحة ذو تأثير سلبي على تدفق الأموال من الخارج ما أدّى إلى تدهور ميزان المدفوعات اللبناني. بلغ عجز ميزان المدفوعات لغاية نهاية أيلول الماضي 1.7 مليار دولار. وكان عجز ميزان المدفوعات 1.4 مليار دولار آخر سنة 2014، مع العلم أن لبنان سجّل فائضا في ميزان المدفوعات تجاوز 8 مليارات دولار سنة 2008. الاهم أن كل مؤشرات المالية العامّة متراجعة ومتفاقمة:
أ- الدين العام بلغ 70 مليار دولار وهو يمثل 140% من الناتج المحلي
ب- عجز الموازنة السنوي يبلغ 7% من الناتج المحلي
ث- الفائض الأولي في الموازنة وهو مؤشر مهم أيضا إلى تراجع
لمن لا يتقنون لغة المؤشرات، وأنا منهم، هذا يعني أننا أمام بلاد مرشحة للإنهيار الاقتصادي بعد الانهيارات السياسية والدستورية والامنية، وهذا ضرب لآخر مرتكزات الاستقرار التي تعتمد على الهروب الى أنانية فردية تعتبر أن بوسعها الانتظار في لعبة عض الاصابع طالما أن مصالحها المباشرة مؤمنة. لن تكون اي مصالح بمنأى عن خطر الانهيار الاقتصادي.
٣- إنتخاب سليمان فرنجية إنتصار لبشار الاسد.
نعم، للوهلة الأولى. الاكيد أن قوى الثامن من آذار ستسوق إنتخاب فرنجية على هذا الاساس. بل من المتوقع أن يغطي حزب الله إنسحابه من سوريا على قاعدة أن “تضحيات المقاومة” لم تذهب سدىً، بل أتت برئيس من معسكرها وأن الفريق الآخر كان يعد لكذا وكذا وهو ما عطلته “المقاومة”. هذه ادعاءات لن تصمد أبعد من ايام أو أسابيع قليلة. إنتخاب فرنجية ليس إنتصاراً للأسد لأنه وبكل بساطة لم يعد هناك من أسد لينتصر. منذ دخول موسكو في الثلاثين من ايلول الى معادلة الميدان السوري بتنا أمام مرحلة جديدة كلياً، إنتقلت سريعاً من العسكر الى وضع مسار لعملية إنتقالية سياسية. يكفي أنه لا يجتمع زعيمان في العالم ويكون إحتمال بقاء الاسد حاضراً بينهما أبعد من كونه مناورة وورقة تفاوض فيما الكل يعرف أن سوريا منذ فيينا -٢ دخلت مرحلة اعداد سوريا ما بعد الاسد.
٤- ماذا بقي من ١٤ آذار؟
لم يبقَ الكثير. وأعني بذلك ١٤ آذار ككتلة إنتخابية في مجلس النواب وليس ١٤ آذار النفس الاستقلالي السيادي الذي بني على قاعدة الخصومة مع نظام الاسد اولاً ثم مع حزب الله.
لا شك أن لبنان دخل مرحلة اعادة خلط اوراق عميقة وهو دخول سابق على تسوية فرنجية. بعد عشر سنوات من إنتفاضة الاستقلال وإستتباب وضعية كل زعامة من الزعامات، وبعد عدد لا بأس به من الانتكاسات لا سيما على جبهة المستقبل منذ زيارة الرئيس سعد الحريري الى سوريا ثم الانقلاب على حكومته التي تلت إنتخابات العام ٢٠٠٩، بدأ كل فريق يفكر في حساباته بشكل شبه منفرد. ولم يكن أدل على ذلك من التعطل شبه الكامل للمساحة الوسط بين “الاربعتعش آذاريين” وهي الامانة العامة التي دخلت في كوما سياسية عميقة لا يشير شيء أنها ستقوم منها.
وحين أكتب أنا متفهماً مع بعض الحماس لخيار التسوية التي عنوانها سليمان فرنجية، ويكتب صحافي من عتاة اعلام الممانعة منتقداً بقسوة إستعداد فرنجية للتسوية يكون ذلك مؤشر صغير أن البلاد فعلاً دخلت مرحلة جديدة!
٥- انتزعت ٨ آذار استسلاماً من الحريري.
غير دقيق. جمهور الثامن من آذار لا يقل مرارة حيال رؤية سعد الحريري، “المتآمر على المقاومة في لبنان وسوريا” وممثل المملكة التي “ترعى الارهاب وتستخدمه، من إنتحاريي الضاحية الى غاراتها في اليمن”، رئيساً للحكومة. الحقيقة أن من قتل رفيق الحريري عمل كل شيء كي لا يرى إحتمال حريري جديد، ثم حاولوا الاستعاضة عن الالغاء، بسياسة الاستبعاد والفصل بين الزعامة السياسية والتمثيل الدستوري، فكانت حكومة الرئيس تمام سلام. وفي الختام كان لا بد من العودة الى الاساس. الى الحريرية السياسية كمخرج للجميع. اول المستسلمين لهذا الواقع هو حزب الله الذي يعود من معارك مديدة في سوريا، استنزفت بيئته ودماء أبنائه وقطفها الروس في نهاية الامر.
لا شك أن التسوية ستشكل ارباكاً للرئيس الحريري لدى جزء من جمهوره لا سيما سنة الشمال، وستتطلب جهداً لتسويقها. لكن الأساس يبقى أن الحريرية بالنسبة للسنة، ولكثير من اللبنانيين، هي خيار الدولة والاستقرار مهمها علت الاصوات المطالبة بالتصلب والسقوف العالية. ولن يمر وقت كثير قبل اتضاح الخدمة التي تؤديها التسوية لحماية الدولة وصيانة الاستقرار. فالزعامة الحريرية لا تقوم على مبدأ حدة التصفيق وهذا واحد من مآزقها في لحظات التشنج وإشتعال المشاعر والعواطف وطغيانها على السياسة.
٦- سمير جعجع سيعطل إنتخاب فرنجية.
أشك. أولاً لأن الغطاء الاقليمي والدولي للتسوية في لبنان بعد أن فشل اللبنانيون ومنهم الدكتور سمير جعجع في إجتراح أي تسوية توقف حال إنهيار الدولة اللبنانية ومؤسساتها، هذا الغطاء أكبر من قدرة القوات اللبنانية على خرقه.
لا شك أن الدكتور جعجع نجح في إنتزاع تمثيل المُثُل التي قامت عليها ١٤ آذار، الا أنه ليس في موقع المُطالب بتمثيل الواقعية السياسية التي تفرض نفسها على سعد الحريري، بما يمثل في لبنان والمنطقة. وهي طبيعة تمثيلية وزعامة مختلفة جذرياً عن تمثيلية وزعامة الدكتور جعجع.
سيستعمل الحكيم التسوية لمزيد من رفع اسهمه الشعبية عبر التصلب والانحياز الى المثالية السياسية على حساب الواقعية. لكنه واقعياً “سيتدلل” إستدراجاً لإتصال سعودي، بحيث يبيع حضور جلسة إنتخاب فرنجية، من دون التصويت له ربما، للمملكة وليس للحريري. لكنه في النهاية سيكون جزءً من التسوية ولا اعتقد أنه سيضع نفسه حكومياً خارج العهد لست سنوات.