حسين شبكشي: إعلان حرب/سلمان الدوسري: الحرب في باريس/عبدالله بن بجاد العتيبي: الحرب الباردة من إقليمية إلى دولية

312

إعلان حرب
حسين شبكشي/الشرق الأوسط/15 تشرين الثاني/15
حادث إرهابي جديد في باريس، حادث مخطط بدقة ليحدث أكبر قدر من الضرر والمفاجأة والذهول والصدمة، ويحقق أكبر عدد من الضحايا، تبناه التنظيم الإرهابي «داعش». الخبر لم يعد جديدًا، فلقد اعتاد العالم على هذه النوعية من الجرائم، وأصبحت تتكرر بشكل مستمر في نشرات الأخبار وعناوين الصحف. الحادثة هي دليل جديد على صعود التيارات الراديكالية والتشدد والتطرف. وصدق توقع المؤرخ وعالم الاجتماع السياسي الكاتب الأميركي صامويل هنتنغتون الذي توقع كل ذلك بشكل دقيق في كتابه المشهور «صدام الحضارات». العالم سيشهد نقلة كاملة في الإجراءات الأمنية في أوروبا تمامًا كما حدث في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). إننا أمام مرحلة مقطعية تقول إن أوروبا بعد باريس وأحداثها لن تكون مثل أوروبا قبل تلك الأحداث العظيمة.
لا يمكن فصل هذه الجرائم الحاصلة باسم هذا التنظيم الإرهابي عن جرائم نظام الأسد بحق شعبه، فلكل فعل رد فعل أعنف، فـ«القاعدة» ولدت «داعش» كما أن بشار الأسد ولد «حزب الله».. كلهم مجرمون، كلهم إرهابيون، لغتهم هي الدم والقتل دفع ثمنها الشعب السوري والآن تتحمل فاتورتها الأسرة الدولية. هذه الأحداث سيدفع ثمنها بشكل فوري ومباشر المجتمع المهاجر من المسلمين في أوروبا وسيستفيد منها كل التيارات اليمينية المتشددة التي لها أجندة مبنية على الكراهية الموجهة ضد العرب والمسلمين، وبالتالي لا يمكن إلا توقع المزيد من أسوار الانعزال والانغلاق والتحكم بحق الأقليات المهاجرة. وبالتالي هذه الجماعات الإرهابية تقوم بخدمة نظام الطاغية بشار الأسد وتقدم له الحجة أمام العالم، إنه هو الذي يحارب هذه المجموعات (علمًا بأن «داعش» يقوم بقتل المدنيين والثوار السوريين ولا يقترب من نظام الأسد وجنوده). «داعش» يستمر في تقديم كل الخدمات للطغاة ولأعداء المسلمين، ولكن يبقى عبء المسؤولية الأعظم على المسلمين أنفسهم للتخلص من الكارثة الموجودة في تراثهم التي تولد «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة»، ومن هم على شاكلتهم، ومع شديد الأسف لا يبدو أن هناك الجدية الكافية منهم للقيام بهذه المهمة، لأنه بالقياس لمدى حجم التبرير والتأييد والتعاطي والدفاع عنهم، ندرك تمامًا مدى حجم الكارثة الموجودة في العالم الإسلامي، وهي مسألة لا يمكن تبريرها ولا الدفاع عنها أبدًا. نظام بشار الأسد هو المستفيد الأعظم من جرائم «داعش»، ولكن المسلمين ككتلة جمعية هم الخاسر الأكبر، فطالما استمر التعاطي مع هذه المشكلة بالشكل المبسط والمخفف فلن يتوقف المسلسل الدموي المؤلم. كان من المتوقع أن يتم تصنيف جماعات بعينها كجماعات «إرهابية»، ولكن كل الخوف أن نكون دخلنا مرحلة خطيرة ومرعبة يتم تصنيف الدين الإسلامي نفسه فيها على أنه كذلك. أوروبا استمرت في تحمل النازية عشر سنوات ثم قررت محاربتها، الآن يبدو أن العالم وأوروبا تحديدًا في طريقهما لإعلان الحرب على «التطرف الإسلامي».

الحرب في باريس
سلمان الدوسري/الشرق الأوسط/15 تشرين الثاني/15
«عمل من أعمال الحرب».. هكذا وصف الرئيس الفرنسي الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلاده، أول من أمس. بالتأكيد هو وصف لا يبعد عن الحقيقة، ليس لعدد القتلى غير المسبوق في تاريخ العمليات الإرهابية في الجمهورية الفرنسية فحسب، بل للرعب الذي بثه الإرهابيون في أوساط المجتمع الفرنسي وكذلك في أنحاء العالم، باعتبار أن كل مواطن في أي بقعة في القارات الخمس هو هدف محتمل للإرهاب. ولعل الخبر الإيجابي الوحيد في هذا الهجوم أن كل المتابعين عرفوا من هو المنفذ للعمليات قبل الإعلان عنه رسميًا من قبل تنظيم داعش، فالعدو الأول للعالم اليوم هو التنظيمات الإرهابية التي تقودها «داعش» و«القاعدة» ممن يحملون نفس الفكر المتطرف، غير أن الحرب ضدهم تتباين من دولة إلى أخرى. ومع الصدمة التي عمت العالم، ليلة أول من أمس، مع توالي الأخبار السيئة من باريس، لا أظن أن هناك من توقع يومًا عدم حدوث هذه الهجمات الدامية هنا أو هناك، تستهدف مجلة في باريس لا يقرأها أحد، لتتوجه بعدها وتفجر مسجدًا في السعودية، ثم تنتقل إلى تركيا أو مصر أو أستراليا، وهكذا كل دول العالم أصبحت هدفًا للتنظيمات الإرهابية التي تعيش في عالم لوحدها، مع استثناء إيران التي لا تقترب منها «داعش»، كما لم تقترب منها سابقًا شقيقتها «القاعدة». بالطبع هذا الوقت ليس وقت اللوم لمن تراخى في محاربة الإرهاب أو استغله استخباراتيًا أو سياسيًا، أو اعتقد أن الحرائق ستشتعل وتنطفئ بعيدًا عنه، ومع ذلك فإن الإرهابيين يقدمونها صريحة ودون مواربة بأن إجرامهم ليس له سقف إطلاقًا، كأولئك الذين رسموا سياساتهم على معادلة أن ساحة الإرهاب ستبقى محصورة في البؤر الساخنة، مثل العراق وسوريا، وها هي الأراضي الفرنسية تنضم مجددًا لتكون ضحية أخرى لعدم توفر إرادة دولية حازمة تجزم بأن الحرب على الإرهاب غاية وهدف استراتيجي حقيقي، وليس فقط توصيات وخطبًا رنانة لا تنعكس فعليًا على الأرض، وليس مثلاً قرار أكبر دولة في العالم بإرسال عشرات الخبراء لمواجهة أخطر تنظيم إرهابي في العالم!
لعل السيئ هنا ضرورة الاعتراف بأن على العالم التعايش مع التفكير الخبيث للإرهابيين، ما داموا لا يزالون يتنفسون بحرية، فلن يستطيع راكب القطار في لندن التوقف عن استخدامه على الرغم من علمه بأن هناك احتمالاً واردًا بحدوث عمل إرهابي، كما لن تتوقف حركة السفر بمطارات نيويورك مهما ارتفعت احتمالات التعرض لعمل تخريبي. للأسف هذه ضريبة يدفعها الأبرياء بسبب أن بعض كبار سياسيي العالم لم يأخذوا التحذيرات من خطورة الإرهابيين على محمل الجد أولاً، وثانيًا عندما وضحت خطورتهم الحقيقية على البشرية تم استخدام ملف الإرهاب بطريقة انتقائية سيئة، حتى إن بعض منظمات حقوق الإنسان، التي تدعمها منظمات دولية ودول كبرى، تتعاطى بازدواجية مستفزة وتخلط بين الإرهاب وحقوق الإنسان، فالإرهابي الذي فجر أو حرض في فرنسا، لا يختلف إطلاقا عن إرهابي «القاعدة» فارس آل شويل ولا عن إرهابي العوامية نمر النمر، جميعهم قاموا بالفعل نفسه، وجميعهم يستحقون النهاية ذاتها، بحسب قوانين كل بلد، لا وفق ما تراه وتعتقده تلك المنظمات. أمس اضطرت طائرة متجهة إلى فرنسا للهبوط في أمستردام بعد تهديد عبر «تويتر». وسواء صدق هذا التهديد أم لا، فإنه في النهاية ربما لن يعرف أحد من أطلقه وأربك العالم به، ومع ذلك فسيستمر الإرهابيون في استغلال أفضل حاضنة تجمعهم وتوحدهم وتوصل رسائلهم، دون أي تدخل نوعي يمنع استغلالهم البشع لوسيلة تواصل اجتماعي رائعة، فهل بعد كل هذا التراخي هناك شك في أن العالم لا يبدو جادًا في الحرب ضد الإرهاب؟!

الحرب الباردة من إقليمية إلى دولية
عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/15 تشرين الثاني/15
يحب غواة تبسيط التاريخ والبشر والسياسة والأمم الارتكاز لسببٍ واحدٍ أو شخصٍ أو حادثٍ ليعزو إليه تقلبات التاريخ والتغيرات الكبرى في مراكز القوى حول العالم، فمستقلٌ ومستكثرٌ، ففي الحرب العظمى، أو الحرب الأوروبية، أو الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) كما تعرف اليوم، سعى البعض لربطها بشخصٍ وحدثٍ وهو قيام شابٍ صربي باغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته أثناء زيارته لسراييفو. وينسى هؤلاء في الغالب أن تغيرات التاريخ الكبرى كانت تتم بعد إرهاصات كبرى، وتغيرات ضخمة، وتبدلات في المصالح، وتقلبات في التوجهات والأولويات، مما يدفع بمجموعة لخلق عالمٍ جديدٍ يفتش عن ثغرةٍ ليعبّر عن نفسه بكل قوة، وهكذا كان، وهو ما جرى قريبًا منه في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) ثم بعد ذلك وعلى مدى أكثر من أربعة عقودٍ ونيفٍ قامت وتوسعت الحرب العالمية الباردة التي شملت كل القارات الخمس في حروب ومعارك متعددةٍ ومتنوعةٍ.
واليوم، وكما سبق لكاتب هذه السطور الإشارة، فبعد أن بقيت المنطقة تعيش حربًا إقليميةً باردةً استمرت لعقودٍ فإنها تطوّرت لحربٍ عالميةٍ باردةٍ مركزها الشرق الأوسط والدول العربية، وأصبحت أي قراءة للمشهد يجب أن تستحضر حجم التغييرات الكبرى السابقة والحاضرة، ففي مستوى الدول على سبيل المثال، لم تعد الدولة الوطنية الحديثة سواء كانت ملكيةً أم جمهورية كافيةً للفهم والتحليل وصياغة الرؤى، بل أصبح لزامًا التفكير من جديدٍ في بنى جديدةٍ للدولة الوطنية الحديثة التي أصبح لها نماذج جديدة، فثمة «دول الميليشيات» وهي الدول التي سقط فيها مفهوم الدولة وأصبحت تدار وتحكم من قبل ميليشياتٍ مسلحةٍ ذات ولاءاتٍ عابرةٍ للحدود، إما باتجاه الراديكالية والإرهاب، وإما باتجاه العدو الإقليمي المتمثل في الجمهورية الإسلامية في إيران، والدولة الليبية والدولة اليمنية خير مثالٍ في هذا السياق، والدولة الصومالية من قبل.
ونموذج ثانٍ هو «دول استقرار الفوضى» وهي تتقاطع مع سابقتها ولا تطابقها، بمعنى أنها دولٌ وإن لم تسيطر عليها الميليشيات فقد فقدت استقرار الدولة لصالح استقرار الفوضى، وأوضح أمثلتها هي الدولة التونسية والدولة المصرية قبل الانعتاق من الحكم الراديكالي والإرهاب، ومن قبل الدولة اللبنانية ضمن سياقٍ خاصٍ. والنموذج الثالث، يتمثل في «الدول الطائفية» وهو تجلٍ أكثر سقوطًا في وهاد التخلف لا السياسي فحسب بل والثقافي والحضاري بشكلٍ عامٍ، وهي الدول التي فقدت كيانها الوطني الحديث وتحوّلت لمكونٍ أكثر تخلفًا وضيقًا وهو «الانتماء الطائفي» لتبني عليه الدولة والحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وأوضح أمثلتها الدولة العراقية والدولة السورية. وبقي نموذجٌ رابعٌ، يناقض هذه الثلاثة وهو نموذج «دول الاستقرار» أو الاستمرار الطبيعي للدولة الوطنية الحديثة، وأوضح أمثلته المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن والمغرب والجزائر، وباستثناء الجزائر فهذه دولٌ لم تكتف بالنجاة من التغيرات الكبرى بل كانت لها أدوارٌ في استعادة الاستقرار في بعض الدول ضمن مواقف تاريخية جديرةٍ بالاستحضار والعناية، ومن ذلك أولاً: إنقاذ مملكة البحرين من براثن الفوضى والتدخلات الخارجية، وثانيًا: استعادة الدولة المصرية لدول الاستقرار العربية بمساندة جيش مصر وشعبها، وثالثًا: إنقاذ الدولة اليمنية من ميليشيات إيران وأتباعها عبر «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل». إن تحوّل الحرب الإقليمية الباردة إلى حربٍ دوليةٍ باردةٍ تم ضمن مجموعةٍ من العوامل تقف على رأسها ثلاثة هي الأهم في هذا السياق: الأول، الانسحابية والانعزالية التي تبنّتها إدارة الرئيس باراك أوباما بخيار الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط ومشكلاتها المزمنة، والإصرار على عدم التدخل في شؤونها بعد فشلين متتاليين للإدارة، تمثل أولهما، في فتور الحماس لإيجاد حلٍ حقيقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني/ العربي. وتجلى ثانيهما، في انهيار رؤية الإدارة في دعم الحركات الراديكالية لتكون بديلاً عن أنظمة الحكم العربية من جهةٍ وعن جماعات الإرهاب كتنظيم القاعدة من جهةٍ أخرى. وتعاملت إدارة أوباما مع الأزمة السورية بناء على هذين الفشلين. الثاني: الفراغ السياسي الكبير الذي خلقته هذه الانسحابية والانعزالية في المنطقة، وتحديدًا الأزمة السورية بحيث وجدت روسيا الاتحادية نفسها مضطرةً لملء هذا الفراغ بأقل تكلفةٍ وخصوصًا بعدما جرّب الرئيس الروسي خصمه التاريخي في ضم جزيرة القرم وفي أحداث شرق أوكرانيا وخرج منهما شبه منتصرٍ، وإنما قلت شبه لأن لمثل هذه الأحداث الكبرى تبعاتٍ لم تتجلَ بعد على المشهد الدولي. ويبقى التحدّي الكبير أمام روسيا هو كلفة هذه الحرب وقدرة الاقتصاد الروسي على تغطيتها للنهاية.
الثالث: السياسات المتناقضة، وليس المقصود هنا هو صراعات المصالح الكبرى والنفوذ حول العالم بين القوى الكبرى، بل تبنّي الإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية لخياراتٍ سياسيةٍ قائمةٍ على التخلي وإن جزئيًا عن الحلفاء والاتجاه لأحضان الأعداء في المنطقة، وأوضح مثالٍ لذلك هو الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما خلق تناقضًا لا يقل أهمية يتمثل في الموقف من الإرهاب، وذلك على عدة مستوياتٍ منها: التغاضي شبه الكامل عن أنشطة إيران الإرهابية التي تقر بها الدول الغربية وتدخلاتها السافرة في بعض الدول العربية، وكذلك التناقض في التعامل مع الجماعات الإرهابية بين الجماعات السنية التي يجب أن تحارب والجماعات الشيعية التي يفضل السكوت عنها. وأيضًا، عدم الجدية في الحرب على الإرهاب وتحديدًا تنظيم داعش في العراق وسوريا، وأخيرًا التغاضي الكبير عن علاقات إيران الوثيقة بتنظيمات الإرهاب السنية من «القاعدة» إلى «داعش».
الرئيس بوتين المستمر في تحالفه مع إيران والذي يوفر لها أحدث الأسلحة وكل أنواع الدعم، والذي سيزور إيران في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أعلن قبل يومين أن «روسيا لديها كل الوسائل المالية والفنية الضرورية لمواصلة حملتها في سوريا»، وحديثه هذا ركز بوضوحٍ على التحدي الأكبر أمام روسيا في الأزمة السورية بحسب رؤيته، ومع ذلك فهذا لا يمنع أبدًا الانتباه لتناقضات الحليفين على الأرض وأهداف كلٍ منهما وتصورات كل طرفٍ لطبيعة الحل السياسي المطلوب، ووعيه بطبيعة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة التي يجب أن يتعامل معها.
أخيرًا، فإن تصريحات أوباما وكيري وتنشيط بعض العمليات ضد «داعش» في العراق وسوريا توضح ألا جديد فعليًا في تناول إدارة أوباما للأزمة السورية وإن كان لها دلالة على حراكٍ سياسي من الحزبين ضد هذا التناول وتذمر بعض المؤسسات التقليدية الأميركية تجاه سياسة «الانكفاء».