ايلي الحاج: رئاسة الجمهورية في زمن النسيان رغم الأخطار المخيفة الأحزاب غارقة في تفاصيل ومصالح، وحتى الكتائب تأخّروا/ نبيل بومنصف: نجوم بلا أوهام/اميل خوري: هل يعطّل الخلاف على القانون الانتخابات

249

رئاسة الجمهورية في زمن النسيان رغم الأخطار المخيفة الأحزاب غارقة في تفاصيل ومصالح، وحتى الكتائب تأخّروا
ايلي الحاج/النهار/13 تشرين الثاني 2015
قبل التفجير الإجرامي في برج البراجنة، كان لبنان نجا من خلاف بطابع طائفي مسيحي – إسلامي. خلاف كان ليضاف كتفصيل إلى الصدام الكبير السني – الشيعي، والمتمادي مكاناً وزماناً في المنطقة الملتهبة حول بلاد تعيش دوماً على الحافة. تعيش كل يوم بيومه مع احتمال كارثة. ولا أسهل من إثارة الغرائز الجماعية فيها. لا يختلف في ذلك جمهور المسيحيين عن جمهور المسلمين برد الفعل الواحد عندما يُخيّل إليهم أن كرامة الطائفة على المحك ودورها لا يلقى اعترافاً بأهميته. ولو تنبه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى هذه الحساسية، لما كان ارتكب دعسة ناقصة أتاحت للمتصدين تفسير إصراره على عقد الجلسة الإشتراعية في الموعد المحدد أنه يعتبر الكتل الرئيسية للنواب المسيحيين “صفراً على شمال”. أنقذ الجميع الرئيس سعد الحريري في بيان من الرياض، ليُكتب ويحكى كثيراً بعد ذلك عن انتصارات وخسارات لهذا الفريق أو ذاك، والخاسر لبنان ما دام بلا رئيس جمهورية ولا مؤسسات تعمل في شكل طبيعي تالياً. جدير باللبنانيين هنا التوقف عند الموقف المبدئي للكتائب: هناك ثلاثة بنود واضحة جداً في الدستور ( 37 و74 و75) تمنع مجلس النواب في المطلق من التشريع وحتى من مناقشة أي عمل آخر قبل انتخاب رئيس للجمهورية في حال فرغت سُدّة الرئاسة. رأي يوافق عليه مجموع الدستوريين، وأيده خلال أيام قليلة مع حفظ الألقاب: صلاح حنين وأنطوان مسرة وزياد بارود وبول مرقص، وغيرهم. ولكن ما العمل حين تقرر طبقة سياسية بأكملها الخروج على الدستور ووضع قواعد أخرى لإدارة البلاد من خارجه؟ من لحظة فراغ سدة الرئاسة في 25 أيار 2014 بقرار من “حزب الله” و”تكتل التغيير والإصلاح”، بدأت القوى والأحزاب وسائر الهيئات السياسية مسيرة التكيّف مع الأمر الواقع كل على طريقته وبما يوافق مصالحه. لم يواجه الأفرقاء المفترض أنهم دعاة حماية الدستور وبناء الدولة، أو العبور إلى الدولة، عملية ضرب مؤسساتها من خلال حركة اعتراضية تصاعدية تشكل ضغطاً جدياً على النواب المقاطعين. لم توضع أجندة يومية للنضال سلماً وبكل الوسائل من أجل فرض انتخاب رئيس. لم يُرشق نائبٌ مقاطعٌ مشاركٌ في الجريمة بكلمة ولا بوردة. تدعو إلى التأمل واقعة أن التظاهرة الكتائبية في وسط بيروت أمس كانت اليتيمة لحزب تحت لافتة المناداة بانتخاب الرئيس. يُسَجّل للكتائب أيضاً أن إذاعة “صوت لبنان – الحرية والكرامة” الوحيدة التي تذكّر يومياً بأسماء النواب الذين يمنعون انتخاب رئيس للجمهورية، معرّضين شعبها لأخطار شتّى وديموقراطيتها للاندثار ولا من يحاسبهم أو يسأل. رغم ذلك غرق الحزب التاريخي كغيره مدى سنة ونصف سنة مع الحكومة الغريقة وفي تفاصيل مشكلات حياة المواطنين في لبنان التي تتصدر عناوين الجرائد وتختلف بين يوم ويوم. تجمّد هو أيضاً في العجز أمام معضلات كبيرة من السلاح غير الشرعي إلى النفايات المتراكمة بلا حل. فيما حزب “القوات اللبنانية” اختار أن ينحو شيئاً فشيئاً منحى السعي إلى وحدة مسيحية داخلية على حساب الاهتمام أكثر بوضع خطة عمل توصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية. في سبيل الوحدة الجزئية هذه ضحّى بأهمية التركيز على دفع النواب المقاطعين إلى مغادرة موقعهم المسيء إلى الجمهورية والتوجه إلى البرلمان عند أقرب جلسة انتخابية. لا بل تحالف حزب “القوات” في شكل أو آخر مع هؤلاء المعطلين من خلال ورقة “إعلان النيات”، ملقياً باللوم على “حزب الله” في تعطيل الدولة كأنه وحده لا شريك له، ومتباعداً عن حليف له في قوى 14 آذار بأسلوب “يجب على المستقبل”، و”المطلوب من رئيسه…” لتشتعل في الكواليس حرائق كلامية، ويقع “المستقبل” في فخ رد فعــــل غيــــر مدروس كاد أن يؤدي إلى مشكلـــة إضافية لولا قرار سحب إضافات النائب سمير الجسر إلى “قانون الجنسية” من التداول… وأيضاً لولا حبل نجاة موقتـــــة ألقاه سعد الحريري من الرياض فتعلق به جمهور السياسيين في الجمهورية المعلقة.

 

“نجوم”… بلا أوهام!
نبيل بومنصف/النهار/13 تشرين الثاني 2015
أتحفتنا غرائب الواقع السياسي اللبناني بآخر نماذجها في تسوية الجلسة التشريعية التي اعادت احتواء انزلاق الى احتدام طائفي، الأمر الذي يسلط الضوء على بعض الوقائع الجديدة التي ستعقب تمرير هذا القطوع. لم يعد هناك من موجب لتوزيع الأنصاب أو المكاسب السياسية سواء كانت آنية ام مستدامة ما دامت التسوية لم تختلف في عمقها عن قاعدة اعادة الاعتبار الى التوازن الطائفي طريقاً الزامياً لأي تسوية. الأهم من هذا الترف التقليدي هو ان لبنان “لا يزال” ممنوعاً من الانفجار، مما يحصر أي اشتباك داخلي مهما ارتفعت حدة تصعيده في شباك الخطوط الحمر التي تحكم لبنان منذ اندلاع الحرب في سوريا. لم يكن ادل على ذلك من عوامل متلازمة بدلالاتها حملت تحريكاً لمشهد داخلي يتهدده الاستنقاع والاهتراء. أولها انه على رغم الطابع الخطر لاستحضار الطابع الطائفي على يد الثنائي العوني – القواتي، برزت في مكان ما ملامح “حفاوة” ضمنية داخلية وخارجية “بيقظة” مسيحية من هذا النوع للمرة الأولى منذ اكثر من عقد ولو على سبيل اعادة الاعتبار للمكون المسيحي اللبناني وسط فراغ موقعه الدستوري الأول فيما يفرغ الشرق من الأقليات. بطبيعة الحال سترتب هذه اليقظة مساءلة اكبر على القوى المسيحية في ملفي الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات ولكنها في سياق الاستقطاب الاقليمي الذي يحكم حلفاء المسيحيين وفرت لتلك القوى فرصة الظهور المتفلّت من الرعايات الاقليمية ولو انها بالغت في التعبئة الطائفية. ثاني هذه العوامل يتمثل “بعودة” الرئيس سعد الحريري الى ساحة التأثير القوي كما لو انه وضع حداً حاسماً لكل ما اثير من غبار حول تراجع الزعامة الحريرية، ولعل هذه العودة من باب الدور المحوري في التسوية كانت أفضل ما كان يمكن الحريري ان يبادر اليه في لحظة اختناق لبنانية. أما ثالث هذه العوامل فكان التقاطع الموضوعي بين الزعامة الحريرية وزعامة “حزب الله” على تجاوز قطوع كان ينبئ بالدفع نحو فائض من التوترات ولو اختلف التعبير بين الزعامتين عن تداعياته. ذلك انه يصعب تجاهل دلالات طرح السيد حسن نصرالله حول التسوية الشاملة مقروناً بحرصه اللافت على تبديد أي احتمال جديد لـ٧ أيار آخر ولو انه سارع أيضاً الى طمأنة حليفه العماد عون الى بقائه مرشح الحزب المطروح على بساط التسوية مع الآخرين. في مجمل هذه الواقعة، أعيد الاعتبار الى منطق التسويات القسرية التي وإن كانت لا تضمن عدم تفريخ أزمات لاحقة ما دام العجز عن ترجمتها الى انتخاب رئيس مستمراً، فإنها تظلل واقع لبنان الواقف دوماً عند منتصف خطوط التماس الاقليمية وحرائقها بنصف مقاومة للالتحاق بها ونصف استسلام لتداعياتها، بلا أوهام مضخّمة.

 

هل يعطّل الخلاف على القانون الانتخابات كما عطّل الخلاف على الرئيس الاستحقاق؟
اميل خوري/النهار/13 تشرين الثاني 2015
يمكن القول إن “حزب الله” قد يكون الوحيد بين الاحزاب المرتاحة الى وضعها ما دام السلاح في يدها وما دامت ايران تلعب دورها المؤثر في المنطقة. فالكلمة هي للحزب، ليس في 8 آذار فحسب، بل في أي حكومة يشارك فيها أو يتحكم بقراراتها اذا لم يكن مشاركاً فيها، وهو ما يجعله لا يعترض على مواقف لحلفائه عندما تخالف موقفه لأسباب يتفهمها. لذلك فإنه لم يعترض على مشاركة نواب كتلة “التنمية والتحرير” في الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، في حين قاطع هو هذه الجلسات واستطاع بمقاطعته إفقاد نصابها وتالياً تعطيل الانتخاب. وخالف الحزب موقف “التيار الوطني الحر” في التمديد لمجلس النواب مرتين، وتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، ولو لم يتمّ التوصل الى تسوية للخلاف الحاد الذي حصل حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب لكان “حزب الله” حضر الجلسة ولم يتضامن مع حليفه “التيار الوطني الحر” في التغيب عنها احتجاجاً على عدم المباشرة بمناقشة مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية. وعلى رغم مواقف الحزب المخالفة لمواقف “التيار الوطني الحر”، وهي عديدة، فإن العماد ميشال عون ظل متضامناً مع الحزب ولم يقابله بالمثل كأن يطلب منه حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأن “الميثاقية” الصحيحة تتحقق مع هذا الانتخاب وليس مع أي أمر آخر. وكان كثير من اللبنانيين ينتظرون من العماد عون أن يقف مع انتخاب الرئيس بالشدة نفسها التي وقفها مع ضرورة إقرار قانون الانتخابات وكأنه يعطي الأولوية لهذا القانون وليس لانتخاب الرئيس كي يتوصل الى تحقيق مطلبه وهو إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية.
وما دام “حزب الله” يستطيع تعطيل الانتخابات الرئاسية وتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب ساعة يشاء، فإنه قد يعطل جلسة إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية اذا لم يكن مقبولاً منه، خصوصاً ان إقراره يحتاج الى موافقة ثلثي عدد النواب وهي الأكثرية التي يحتاج اليها انتخاب رئيس الجمهورية. وقد يوافق الحزب “التيار الوطني الحر” وكرمى له على القانون الذي يرضي “التيار” لأن الحزب لا فرق عنده بين اجراء الانتخابات على أساس أي قانون ما دام السلاح في يده. فإذا فاز الحزب وحلفاؤه بأكثرية المقاعد النيابية يطبق عندئذ الديموقراطية العددية، وهو ما فعله عند تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. واذا لم يفز بهذه الأكثرية فانه يعتبرها أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية، كما فعل مع نتائج انتخابات 2009 كي يستطيع فرض تشكيل حكومة “وحدة وطنية” وليس حكومة الأكثرية النيابية التي تستأثر باتخاذ القرارات المهمة، وقد نجح الحزب في فرض ذلك منذ العام 2005 فجمع الأضداد في مثل هذه الحكومات، وهؤلاء قلّما يجمعون على أي قرار مهم. لذلك فإن “حزب الله” يستطيع تعطيل إقرار قانون الانتخابات النيابية اذا شاء، كما استطاع تعطيل الانتخابات الرئاسية، اذا لم يكن القانون مقبولاً منه ومن حليفه العماد عون لضمان الفوز بأكثرية المقاعد النيابية، وتالياً انتخاب الرئيس المقبول منهما تحت طائلة تعطيل الانتخابات النيابية كما تعطلت الانتخابات الرئاسية، فكان الشغور الرئاسي، وبعده التمديد الثالث لمجلس النواب، أو الشغور النيابي، وعندها يدخل لبنان مرحلة الفراغ الشامل الذي يعمل له الحزب بحيث لا سبيل للخروج منه إلا بعقد مؤتمر وطني يعيد النظر في دستور الطائف ويسدّ الثغر التي ظهرت فيه من خلال الممارسة.
إن “حزب الله” سيبقى محافظاً على قوته وفاعليته وإن أخلَّ وجود سلاحه بالتوازن الداخلي الى أن ترى ايران ان الوقت قد حان لتطلب من الحزب التخلي عن سلاحه لتقوم عندئذ الدولة القوية العادلة والقادرة على بسط سلطتها وسيادتها على أراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها… دولة قادرة على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته ولها علاقات طيبة مع كل الدول القريبة والبعيدة، دولة يسودها الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الدائم والثابت، فمتى تقوم مثل هذه الدولة؟