ثريا شاهين: التنافس ينحصر بين واشنطن وموسكو وليس مع طهران/علي نون: في النكبة المعولمة/أسعد حيدر: القيصر ونتنياهو المرشد والسيد

287

التنافس ينحصر بين واشنطن وموسكو.. وليس مع طهران
ثريا شاهين/المستقبل/06 تشرين الثاني/15
هل من تنافس روسي إيراني حول سوريا، وحول الجهة التي تفرض نفسها كمحاوِر مع الغرب وتكون داعمة وقريبة من النظام السوري؟مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو تؤكد أنّ هناك تنسيقاً وتكاملاً بين الدورَين الروسي والإيراني في سوريا من أجل منع سقوط الدولة السورية ومحاربة الإرهاب، والاتفاق النووي. وعلى الرغم من أنّ موسكو ساهمت في إنجازه كثيراً، لكنها ليست مرتاحة لما يمكن أن تكون عليه بعض تداعياته، حيث أنّ هناك مصالح ستتشابك ومن بينها أسعار النفط. إذ أنّه إذا بدأت إيران تبيع النفط بعد إزالة عزلتها الدولية، سيساهم الأمر بخفض سعره عالمياً، وهذا ليس لمصلحة الاقتصاد الروسي ولن يريح موسكو. وفي المقابل فإنّ الدور المتنامي لروسيا في الشرق الأوسط لن يكون مصدر راحة لإيران، لأنّه سيكون في مكان ما على حساب الدور الإيراني. إنّما التدخّل الروسي العسكري جاء بعد فشل إيران و»حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية، والإيرانية الأخرى، في حماية النظام السوري وفي أن تضعه في مصاف الفريق الرابح في سوريا، أو الفريق المتقدّم على ما عداه من أفرقاء. خسر النظام أراضي، وزادت الضغوط عليه، وثبت عدم قدرة إيران على تعديل موازين القوى التي كانت موجودة. وتشير المصادر إلى أنّ التنافس هو بين واشنطن وموسكو حول ملفات المنطقة بما فيها السوري، وأنّ روسيا لم تعد لاعباً ثانوياً وهي تفرض شروطها على العالم. منذ الاجتماع الثاني في فيينا بدأت إيران تشارك الدول في النقاش حول الحل في سوريا، فيما الاجتماع الأوّل لم يحرج الروس كما لم يُزعجهم عدم دعوة إيران له، ما يؤكد أنّها، أي روسيا، تمسك الملف السوري أكثر من أي وقت مضى. وإمساك الروس بالملف جيداً يعود إلى فشل إيران بقواها الذاتية في حماية النظام، ولا يعود إلى انعكاسات الاتفاق النووي على سلوك إيران في الملف السوري أو ملفات المنطقة، مع أنّ التوقّعات تشير إلى إمكان تأثير ذلك لاحقاً على الملفات من خلال طبيعة التسويات التي ينتظر أن تتم.
مصادر ديبلوماسية أخرى قريبة من الأوروبيين تقول إنّ اتخاذ روسيا الصدارة في التفاوض مع الغرب، لا يعني أنّ إيران وُضعت على جنب. إنّما هناك تنسيق روسي إيراني على مستوى وثيق ظهر من خلال التمسّك بالطروح في اجتماع فيينا الثاني الذي شاركت فيه إيران. والأبرز مرحلة انتقالية بوجود الأسد فيها تنتهي بانتخابات يحق له الترشّح لها. ثمّ أنّ الأميركيين يرتاحون أكثر للتفاوض مع الروس على الرغم من وجود الاتفاق النووي وتطوُّر العلاقات الغربية الإيرانية. كذلك هناك نقاش سعودي روسي حول سوريا، تبدو روسيا فيه على تنسيق في حدّ ما مع الخليج، في وقت أنّ العلاقات السعودية الإيرانية في أسوأ حالاتها. فلم تتغيّر سياسة إيران مع المملكة، ولم تثبت أيضاً إيجابية مطلوبة من الغرب في تعاملها مع العديد من ملفات المنطقة بما فيها اللبناني. كذلك انّ الروس باتوا على الأرض ولو من خلال ضربات الجو، لكن المساعدة الروسية طلبها النظام وإيران. وبالتالي، تفيد المصادر بأنّ التعويل على أي خلاف في مرحلة التفاوض هذه حول سوريا ليس واقعياً، بل على العكس، فإنّ مواقفهما متطابقة تماماً. قد يكون هناك تفاوت في وجهات النظر في قضايا عامة استراتيجية أو مصالح متناقضة، لكن حتى الآن في كل مراحل التفاوض حول سوريا، هما متفقتان على الخطوات كافة، ولا خلاف متوقعاً، حتى أنّه منذ بداية الأزمة السورية لم يحصل تناقض بين الطرفَين الروسي والإيراني. لكن هل من بوادر لحصول مكتسبات واضحة للنظام بناء على الدعمَين الروسي والإيراني؟ تقول المصادر القريبة من الأوروبيين، إنّه من جراء الدعم الجوّي الروسي تمكّن النظام من الحصول على عدد قليل من القرى. والتقدّم من جراء التدخّل الروسي كان بطيئاً ولم يكن أحد يتوقع هذا البطء، حيث لم تسترد مناطق كثيرة وبسرعة، كذلك تسلّمت المعارضة السورية أسلحة يبدو أنّها كانت نوعية، الأمر الذي لم يؤدِ إلى انتصار سريع وساحق. النتائج على الأرض مرهونة بمدى صمود المعارضة على النحو الذي لا تزال تصمد، حيث خسائرها محدودة. ليس لمصلحة الروس البقاء طويلاً في سوريا، ويتوقع أنّهم مُقبلون على مرحلة لا يمكنهم معها معرفة ما سيفعلون، هناك كلفة كبيرة مالية عليهم. كما أنّ لديهم قلقاً بالغاً من عمليات ضدّهم ترتدّ عليهم، وبالتالي الاستراتيجية المتّصلة غير واضحة تماماً، وما إذا كانت ستتوّج بحل سياسي أم لا. ثمّ أنّ وضع اقتصادهم دقيق جداً، فضلاً عن أنّ الضرب من الجو يؤثّر لكن الحاجة هي إلى قوات على الأرض لتُحدث تغييراً في الواقع. التحالف الدولي لضرب الإرهاب يواجه معضلة أنّ «داعش» بات يتأقلم مع ضرباته ويعرف كيف يخبئ عناصره. الضربات الجوّية مؤثرة، لكن لم تؤدِ إلى تقدّم على الأرض.

 

في النكبة المعولمة
علي نون/المستقبل/06 تشرين الثاني/15
لا يترك الخبر السوري مكاناً لغيره. وتيرته وسرعته وتقلباته ودمويته ومفارقاته، تعبئ كل فراغ وتطغى على اي تطور خبري آخر، أينما كان في هذه الدنيا، وأيًّا كانت ملابساته وظروفه وتكويناته. وذلك في كل حال، لا يعني في المقلب الآخر، سوى الدلالة الفجّة على عدم الاتزان في ابرز سمات العصر، والتي يمكن اختصارها بمعطيي الحداثة والعولمة. بحيث ان تطور الآلة وتقنيات التصنيع وسهولة التواصل والانتشار، لم يعنيا تطوراً حاسماً في آليات رد الفعل البشري على الانتهاك المرير للحياة وكرامات البشر، ولا على الفتك المنظّم بمفهوم الانسنة في ذاته. بعد الحرب العالمية الثانية، اظهرت المحاكمات، السياسية والجنائية والاخلاقية، ان كثيرين من «المتهمين» في المانيا النازية كما في اليابان الامبراطورية تمترسوا خلف مقولة الجهل بما كان يحصل! وذلك ادعاء، امكن الأخذ به في حالات كثيرة، باعتبار ان آليات التواصل كانت أقل تطوراً وانتشاراً وشيوعاً من آليات التدمير والقتل والإبادات والفظاعات، مثلما ان رقعة الحرب كانت واسعة وطاغية الى حد ارتداد جموع كثيرة الى ذواتها وبحثها عن خلاصها، قبل ادعاء القدرة على الاهتمام بمصائر غيرها او حمل هموم أوسع مدى من الذات والعصبة الدموية القريبة.. والقريبة جداً! ومع ذلك، فان التاريخ وأحكامه، وارادة المنتصر في تلك الحرب، لم تبرئ أحداً! لا المرتكب المدان مباشرة، ولا مدّعي الجهل، وبقيت ألمانيا، (ولا تزال حتى اليوم) تدفع للبشرية كفّارات مادية واخلاقية، عما فعله جيلها النازي الذي لحق الإحياء القومي الهتلري وأوصل الرايخ الثالث الى ذرى غير مسبوقة.. والى ارتكابات لا مثيل لها، سوى في روايات الفظاعات الاولى! مثلما بقيت اليابان ولا تزال، اسيرة تاريخها الآسيوي، ومركوبة بعُقد ذلك التاريخ كما بأثمانه التعويضية للضحايا، كما في تركيب بنيتها النظامية التي عنت، اول ما عنت، قمع العسكرة فيها الى آخر حدود القمع! المفارقة، في الزمن الراهن، ان كل شيء في سوريا، يجري على المكشوف. وعلى الهواء مباشرة.. ولا يمكن لابن امرأة في هذه الدنيا، ادعاء الجهل بما يحصل. وبالفظاعات الإبادية المرتكبة في حق شعب بأمه وأبيه وكل سليلته! ومع ذلك فان المساحة كافية، بالسياسة والاعلام ومكارم الاخلاق، لأن يجلس المرتكب والمجرم والسفّاح، في مكان الضحية! بل ويذهب في أدلجة إرهابه الى حدود محاكمة تلك الضحية! وتبرير الفتك بها، وتسويق ما يفعله تحت مبررات، تبدأ بالإرهاب وتمر على المقدسات (الدينية) وتصل الى المصالح والقياسات السياسية الخاصة بعلاقات الدول ومحاورها ومَدَيات نفوذها! وليست خلاصات النكبة السورية على صلة بالمرتكب وحده، بل بالذي يتفرج عليه وعليها أيضاً! والذي يعرف تماماً وبالتفصيل الممل، كل شاردة وواردة وطالعة ونازلة من الجرائم المخزية التي ترتكب وتنفّذ.. ومع ذلك يجد هذا المتفرج (الجالس في البيت الابيض أولاً!) ما يكفي من مبررات لادعاء الجهل! ولإشاحة نظره الى الجهة الأخرى! مفترضاً ان الزمن أقل حداثة وعولمة عما هو عليه! ومقتنعاً بالقدرة على تطويع رد الفعل البشري وإبقائه دون مستوى الآلة وحداثتها وانتشارها!

 

 «القيصر» ونتنياهو المرشد والسيد
أسعد حيدر/المستقبل/06 تشرين الثاني/15
« القيصر» فلاديمير بوتين يريد ان ينجح في سوريا حتى تعود روسيا الى الشرق الاوسط بقوة وثبات، ولتأكيد التحول الكبير في السياسة الدولية في انتهاء زمن الاحادية الاميركية والعودة الى التعددية في إدارة شؤون العالم. لا احد كبير امام تنفيذ طموحاته والاهم لا توجد ممنوعات تعوقه. « القيصر « لاعب شطرنج بارع. من الطبيعي والضروري ان يضحي بأي حجر حتى ولو كانت «الملكة» ليربح «ملكه». الاخلاق في التحالفات آخر هموم «القيصر». يعلم «القيصر» مواقف حليفه المرشد آية الله علي خامنئي الأيدولوجي والسياسي من اسرائيل. ايضا يعرف جيدا تاريخ «حزب الله« وقائده السيد حسن نصرالله من القضية الفلسطينية و»السرطان» الاسرائيلي. رغم ذلك فإن العلم بالمواقف شيء وأحكام الضرورات شيء آخر. الطيران الروسي وسلامته له الاولوية الاولى وكيفية النجاح في القصف الجوي وترتيب ارض « الملعب السوري « لتنفيذ مصالحه أمر آخر.
اسرائيل في قلب الأحداث والقتال في سوريا، جغرافياً وسياسياً. لا يمكن لروسيا وغيرها التحرك دون طرح السؤال المركزي، ما هي ردة الفعل العسكرية والسياسية الإسرائيلية خصوصا في الجولان ومن مستقبل الرئيس بشار الاسد؟. الرئيس الروسي ليس بعيدا عن اسرائيل وعن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولا عن اسرائيل مع وجود مليون إسرائيلي من أصول روسية. لذلك لم ينزل « القيصر « في « المغطس» السوري قبل ان يتفاهم مع نتنياهو على التنسيق الكامل خصوصا وان الطيران الروسي عاد الى الأجواء السورية لأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973. التنسيق الروسي – الاسرائيلي «دخل مرحلة متقدمة وهو على مستوى عال جداً«، لذا أقيم خط ساخن بين القيادة الروسية مع المستشار في الأمن القومي الاسرائيلي يوسي كوهين لتبادل المعلومات في كل عملية قصف للطيران الروسي وبطبيعة الحال الإسرائيلية داخل الأجواء السورية خصوصا في قطاع الجولان. لا يمكن ان تبقى الاتفاقات محصورة في المجال العسكري، للمصالح المشتركة ايضا أثمان سياسية واقتصادية. موسكو تطلع تل ابيب على مسارات المفاوضات حول سوريا بما يحفظ أمنها مستقبلا. الأهم ان ترتيبات واسعة تجري لربط التفاهمات باتفاقات اقتصادية دائمة، لان لا شيء يثبتها سوى المصالح الضخمة. اقترح الروس على اسرائيل: «شراء جزء كبير من حقول الغاز الإسرائيلية وتقديم ضمانات عسكرية ضد هجمات حزب الله على الحقول البحرية « (لمن يريد التوسع عليه مراجعة النشرة الممتازة الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية المتعلقة بترجمة مختارات من الصحف العبرية). ضمن هذه الاتفاقات الإسرائيلية – الروسية التي تنفذ بدقة، عدم الاعتراض الروسي (او حتى تحذير ايران وحليفها «حزب الله») على أيّ غارة إسرائيلية ضد خط إيصال السلاح الثقيل مثل صواريخ سكود الى لبنان، وقد حصل ذلك قبل ايام وسط صمت أهل الكهف. المرشد الذي يُصعّد في هذه الفترة خطابياً ضد «الشيطان الأكبر» ولا يأتي بكلام عن اسرائيل بعد ان استبدلها بالسعودية لانها أوقفت «محدلته» في عدن، وتمنعه من استكمال مشروعه «الهلال الشيعي«، الا اذا اعتبر خطاب العميد احمد بوردستان قائد القوات البرية الذي يذكر بخطابات احمد الشقيري بأن إيران «ستستخدم صواريخها بعيدة المدى وسنمحي اسرائيل من الوجود». الطريف – المؤلم ان ايران التي خسرت عشرات القادة العسكريين في سوريا حتى الآن، مخزونها من سلاح الصواريخ لا يمحي مدينة فكيف بالكيان الاسرائيلي، وان اسرائيل لديها السلاح الكافي للأسف لإلحاق الأضرار الضخمة بإيران، وان الجميع وخصوصا الإيرانيين يعلمون ذلك. صمت المرشد عن حليفه الروسي، يجعله شريكا غير مباشر لإسرائيل في الحرب، حتى ولو كانت للضرورة أحكامها فان ذلك لا يعفيه من المسؤولية، ويؤكد في ذكرى 4 نوفمبر عمق الهوة التي تفصل الخطاب الخامنئي عن خطاب وممارسات الامام الخميني، وما ذلك كله سوى للمحافظة على بشار الاسد.اما السيد حسن نصرالله فانه لا شك يعلم ان «المغطس« السوري يتحول بالنسبة إليه الى عملية استنزاف بالرجال والمواقف الاستراتيجية، دون ان يكون له موقع اكثر من استشاري عند المرشد، وانه بسبب ذلك عليه ان يصمت عن الحليف الروسي بكل تحالفاته المسيئة الى موقعه وأيضاً مستقبل الغاز اللبناني واستتباعا مستقبل الاقتصاد وأخيراً في وقوف طريق تحرير فلسطين عند الزبداني السورية.