أسعد حيدر: القيصر يريد سوريا/داود البصري: الحضور الإيراني النشاز للقاء فيينا/جمال خاشقجي: لا حل مع بوتين

483

القيصر يريد سوريا
أسعد حيدر/المستقبل/31 تشرين الأول/15
«القيصر» فلاديمير بوتين، حارب مشاركة فرنسا في اجتماعات فيينا حتى اللحظة الأخيرة. في النهاية قَبِلَ على مضض، بعد أن حقق جزءاً من أهدافه.
أراد «القيصر»:
[ الضغط على باريس للتخفيف من حدّة مواقفها في سوريا ضدّ «رجله« الرئيس بشار الأسد، لتمرير اقتراحاته التي تصبّ في بقاء الأسد طويلاً. أكثر ما ضايق موسكو من موقف باريس أنّ تشدّدها خصوصاً ما يتعلق بمصير الأسد متطابق مع موقف السعودية، مما يشكّل «جداراً« مرتفعاً أمامها في كل ما يتعلق باقتراحاتها ومواقفها.
[ إفهام الجميع وخصوصاً باريس أنّ زمن «النظام الدولي الاحادي» بزعامة الولايات المتحدة الأميركية قد انتهى وأنّه في كل القرارات الدولية يجب الأخذ بعين الاعتبار موقف موسكو.
موقف باريس الذي تصفه موسكو بالمتشدّد يقوم على طرح متكامل ميدانياً وسياسياً.
باريس تطالب موسكو بـ:
[ تحديد مدّة الفترة الانتقالية التي تنتهي برحيل الأسد وعدم اللعب عليها، حتى لا يستثمرها الأسد في ترتيب أوضاعه وفتح الطريق أمامه لجعل شقيقه العقيد ماهر الأسد بديلاً عنه أو لتمرير مبدأ الانتخابات من جديد إذا لم يعترض الشعب. أسبوعية «البطة العرجاء« الساخرة نشرت كاريكاتوراً تعليقاً على ذلك، يقول فيه الأسد ساخراً «بالنهاية الانتخابات إذا بقيَ شعب سوري في سوريا.
من الاقتراحات المتداولة بقاء الأسد ستة أشهر يتم خلالها التغيير بالتدريج وستة أشهر يبقى ولا يتدخّل بشيء. المهم في كل المتداول أنّ السؤال الذي تعمل على أساسه الأغلبية المطلقة من الأعضاء المشاركين في فيينا لم يعد «هل يبقى الأسد أو لا يبقى، وإنما كم سيبقى الأسد في القصر الذي أطلق عليه قصر الشعب، فحوّل إلى «مدفن» مفتوح للشعب السوري.
[ إنّ توقف روسيا قصف طيرانها للمعارضة السورية وحصره بالمنظمات المتطرفة مثل «داعش«، لأنّ متابعة القصف بهذه الطريقة يعني تقوية الأسد، وأكثر ما ترفضه باريس شعار «يجب الاختيار بين الأسد وداعش« ذلك أنّ مثل هذا الشعار ينتج بقاء الأسد وتضخّم التطرّف. موسكو لن تقبل ذلك لأنّه برأيها يقيّد حرية طيرانها وسلة أهدافها الميدانية والسياسية.
[ عمل باريس على إصدار الأمم المتحدة قراراً بوقف القصف بالبراميل المتفجّرة. موسكو سارعت إلى رفض هذا التوجّه جملةً وتفصيلاً. مثل مشروع هذا القرار يُحرج موسكو إنسانياً وتعتمد موسكو على فرملة واشنطن لباريس التي ضغطت حتى حضرت الأخيرة إلى فيينا. واشنطن لا تريد برأي الخبراء في العاصمة الفرنسية «أن تغضب موسكو ولا أن تتخلى عن باريس»، لذلك قد تلعب لصالح تأجيل مثل هذا الاقتراح إلى مرحلة لاحقة.
اليوم في فيينا يجتمع طرفاً خارجياً، في حين الأطراف الداخلية المتقاتلة غائبة كلياً. الطرف الجديد هو إيران التي لم تشارك في جنيف واحد واثنين. الوزير جواد ظريف الذي «رقص» طويلاً على أنغام سيمفونية المفاوضات النووية سيلتقي مجدداً زميله الأميركي جون كيري وشريكه الروسي لافروف والفرنسي فابيوس. بعيداً عن اللياقات فإنّ هذا الاجتماع سيشكّل أول اختبار للسياسة الإيرانية الخارجية بعد الاتفاق النووي.
«القيصر» يعمل في سوريا على أساس أنّ روسيا باقية فيها دائماً، من ذلك، وحسب القادمين من اللاذقية، فإنّ الروس المتكتّمين بشدّة يعملون على بناء قاعدة عسكرية جديدة في جبلة التي تشرف على مطار «حميميم» الذي وضعوه بإدارة طيرانهم.
رغم ذلك فإنّ موسكو لن تنجح في تحقيق عودتها إلى الشرق الأوسط الذي لن يشبه الذي عرفته إلاّ إذا نجحت في خلق الشروط المناسبة لحل سياسي دولي يسمح للجميع بخروجهم من الجحيم السوري.

الحضور الإيراني (النشاز) للقاء فيينا
داود البصري/السياسة/31 تشرين الأول/15
الثورة السورية اليوم تقف على أعتاب مرحلة حرجة وحاسمة، بعد ما يقارب الأعوام الخمسة من انطلاقتها التي حفلت بصفحات هي الأشد مأساوية في تاريخ الشرق المعاصر. فالثورة حينما انطلقت بأصابع أطفال درعا المقطوعة، وبحناجر الشباب السوري الذي صبر على عقود طويلة من الاستبداد والذل والامتهان لنظام طائفي ارهابي مجرم، كانت تنشد البحث عن مستقبل سوري أفضل يتجاوز عذاب السنين، وتوارث السلطة الجمهورية الحزبية البعثية التي تحولت لاقطاعية عائلية محضة تمارس النهب والاستغلال وتضييع هوية البلد لصالح مشروع طائفي خبيث وأجندات من خارج الحدود السورية، منذ أن عزز حافظ الأسد حلفه الستراتيجي مع النظام الايراني ليس بهدف حرب العدو الصهيوني، فذلك أمر مستحيل، ولم يكن في الحسبان، بل من أجل بناء وتعزيز نموذج طائفي تخريبي ابتزازي لدول المنطقة وشعوبها، حينما ثار الشعب السوري تحرك بسلمية ورفع شعار اسقاط النظام كارادة شعبية منبثقة من مصالح الجماهير التي هشمتها فئة طفيلية حاكمة تمتلك السلطة والمقدرات والمصير وترفع شعاراً فاشياً إرهابياً مرفوضاً من الشعوب الحرة وهو( الأسد للأبد! أو الأسد أو نحرق البلد) وجميعها شعارات لمرحلة وحقب نازية انتهى زمنها، وأضحت عالة على الشعوب الحرة المناضلة من أجل مستقبلها وصيرورتها المستقبلية.
لقد دخل الايرانيون على الخط منذ الساعات الأولى لثورة 15 مارس 2011، وحاولوا شيطنة الثورة السورية من خلال الخبرة المتراكمة لحرس الثورة في مواجهة انتفاضات الشعوب الايرانية وآخرها انتفاضة ربيع طهران والثورة البنفسجية العام 2009، والتي قمعها نظام الملالي بوحشية مفرطة، وأسلوب فاشي معبر عن الهوية الحقيقية لنظام أدمن الارهاب بحق شعبه، ولعل مجازر النظام الايراني وسياسة المشانق ضد المنتفضين العرب في الأحواز المحتلة دليل ميداني على عمق اجرامية النظام، وهو الحليف الوثيق لأقذر نظام ارهابي مخابراتي، كالنظام السوري الذي تضم زنازين مخابراته الرهيبة آلاف المعذبين والضحايا.
لقد مارس النظام الايراني حربا عدوانية سافرة ضد الشعب السوري، وهي حرب قذرة لاعلاقة لها أبدا بالشعارات واليافطات الدينية والمذهبية التي يرفعها النظام عن المظلومية والمظلومين، وكان واضحا منذ البداية مساندته اللوجستية والمالية والعسكرية للنظام، بل ساهم معه استخباريا في محاولات تحويل الثورة عن مسارها وربطها بالارهاب من خلال السيناريوهات المخابراتية التي أدت لاحقا لحملات قمع سلطوية مميتة ولاستحضار عصابات الارهاب وتشويه قيم وأهداف الثورة الشعبية التي عصفت بالنظام، واليوم فان التدخل الايراني لم يعد مجرد مساندة لوجستية من بعيد، بل تحول لاحتلال فاشي عدواني يمارس الارهاب من خلال استحضار العصابات الطائفية من شتى بقاع الأرض وتسليطها على السوريين كعصابات حسن زميره وعصابات العراق الطائفية، وحتى المرتزقة من أفغانستان في لواء ( فاطميون ) وكذلك من باكستان ومن كل مكان. ولعل خسائر الحرس الثوري والباسيج الكبيرة والكثيرة والمتلاحقة في المدن السورية والتي وصلت لحدود مرعبة دليل على حجم التورط الايراني وتحول النظام الايراني ليكون خصما لدودا وعدوا مباشرا للشعب السوري، وتطلعاته الحرة، وهو بالتالي يستحق أن يكون وسيطاً ولا شريكاً ولا مساهماً في أي بحث لتسوية مستقبلية، لكونه في خانة النظام ومن نفس طينته، ويتحمل أوزار جرائمه بشكل مباشر، ولن يفلت من ملاحقة الشعب السوري القانونية ضده في المحافل الدولية، بعد رحيل بشار، وقد أضحى لافتا حضور ممثل النظام الايراني لاجتماعات فيينا بشأن مستقبل النظام، رغم أن نائب وزير الخارجية الايرانية أمير حسين عبد اللهيان كان قد حدد موقف ايران من مصير ابعاد بشار بكون بشار خطاً أحمر. وهو تصريح وقح يعبر عن رثاثة فجة وعدوانية مرفوضة، فالنظام الايراني جزء رئيس وفاعل من المشكلة، ولا يمكن بالتالي أن يكون جزءاً من أي حل، لكون سقوط نظام بشار يعني في الحصيلة العامة نهاية حقيقية لمشاريع النظام الايراني العدوانية والاستفزازية والابتزازية في الشرق بأسره. كما يعني تبخر وتلاشي حلف نوروز الطائفي. ويعني أيضا نهاية امبراطورية الضاحية الجنوبية وسلطنة العصابات العراقية سورية مقبلة على متغيرات هائلة ستحيل بشار وحلفاءه فعلا وقولا لمزبلة التاريخ كأي طفيليات عدوانية تافهة أضحت مجرد نكتة في التاريخ

 

لا حل مع بوتين
جمال خاشقجي/الحياة/31 تشرين الأول/15
يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «يتشطر» على السعوديين والأتراك، بتقديم أفكار لحل مستحيل، ظاهره سلمي وباطنه استنساخ النظام نفسه الذي ثار عليه الشعب السوري، ولكن من دون بشار الأسد، وكأن المشكلة هي الأسد! لا أعتقد بأن بوتين جاهل بالمنطقة وواقع الحال في سورية، إنه يعرف قواعدها جيداً ولكنه يعتمد في مناوراته على حقيقة أنه «قوة عظمى» لا يريد أحد مواجهتها في شكل مباشر، ومستفيد أيضاً من قوى إقليمية كارهة أو خائفة من «قوة التغيير المستمرة» التي أحدثها زلزال الربيع العربي، ومستعدة للقبول بنظام قبيح، بل حتى إيراني الهوى يهدّد الأمن القومي العربي، ولا تقبل بقوة ديموقراطية إسلامية يبدو مجيئها إلى الحكم في دمشق حتمياً حال سقوط النظام.إنه يستخدم تكتيكاً ميكافيلياً قديماً، تضييع الوقت، باتصالات ومبادرات خاوية، نقاط تسع، بعد جولة مفاوضات تختصر إلى سبع، ثم تزداد واحدة بعد جولة ثالثة وهكذا، بينما تستمر آلة قتله في حربها على الثورة السورية بالتعاون مع شركائه الطائفيين، النظام وإيران والعراق و»حزب الله» في ما اتفق على تسميته «غرفة 4+1» الموجودة في بغداد.
فهو يعلم أن السعوديين والأتراك لن يقبلوا باستمرار بشار، فبقاؤه يعني استمرار الحرب، وانتصاره يعني انتصار إيران، وهم ومعهم قطر لا يريدون الحرب التي تعطّل مصالحهم، تجارة ونفطاً وغازاً، ولا يريدون أيضاً إيران في سورية، وليس هذا بالموقف السياسي التفاوضي، إنه موقف إستراتيجي ثابت لن يتغير.
هو لديه موقف إستراتيجي ثابت، فهو وإيران يعلمان أن لا مستقبل لهما في شرق المتوسط لو انتصرت الثورة السورية، فالشعب السوري وقتها سينظر إليهما مثلما نظرت إيران الخميني إلى الولايات المتحدة، التي حمّلتها كل كوارث إيران منذ ثورة مصدق، والتي لا تقارن بكارثة الشعب السوري نتيجة نصرتهما نظام بشار، وجعلت منها (حتى توقيع اتفاق برنامجها النووي في حزيران – يونيو الماضي) عقيدة سياسية عاشت بها 35 عاماً. الشعب السوري لن يسامح الروس وسيكره الإيرانيين. ربما يحتاجون إلى جيل أو جيلين لتجاوز ذلك.
لذلك هم في حاجة إلى إعادة إنتاج نظام «آل الأسد» ليحكم سورية مستقبلاً، نظام طائفي غير ديموقراطي وقمعي، ولكن من دون «آل الأسد»، إلا أن إعادة ترتيب النظام من جديد غير ممكنة في ستة أشهر مثلاً أو حتى عام، مثلما يصرّ السعوديون عندما يقولون للروس إن أقصى تعريف ممكن لمفهوم «مرحلة انتقالية» هو ستة أشهر، فترة «استلام وتسليم». الروس يريدون لبشار أن يكمل مدته الرئاسية المفترضة، أي إلى عام 2021، ثم تظاهروا بإبداء بعض اللين وتحدثوا عن سنوات أقل يتفق عليها الشعب السوري بعد المصالحة التي يقترحونها بين النظام والمعارضة!
يعلم بوتين أن من المستحيل الجمع بين مقاتلي المعارضة، الذين يفضّلون تسمية «المجاهدين» على الثوار، مع جيش النظام، كما اقترح وزير خارجيته لافروف في مشروعه للمرحلة الانتقالية، ولكي يزيد من رونق اقتراحه الغريب يقول: إن ذلك نواة لجيش وطني يحارب الإرهاب! لقد توقف الروس عن استخدام مسمى «داعش» إذ إن استهدافهم كل فصائل الثورة كذّب مقولتهم الأولى إنهم أتوا للقضاء على «داعش»، الذي توسّع في مناطق المعارضة بفضل قصفهم.
فكيف يمكن أن يجلس زعيم حركة «أحرار الشام» المهندس الشاب مهند المصري بخلفيته الإسلامية السلفية وتطلعه إلى بناء سورية تشاركية، ولكن تحكم بالشريعة، مع بعثي عتيق كرئيس الاستخبارات وسجّانه السابق اللواء علي مملوك، مسافة زمنية هائلة بين الإثنين لن يردمها غير الدم، لذلك استحدث الروس فكرة جديدة وحاولوا تسويقها على السعوديين والأتراك في فيينا، تقول بـ «محاربة من يرفض اتفاق السلام بعد التوصل إليه». الغريب أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقع في فخ هذا العرض وكرّره في مؤتمر صحافي، إنه الوزير نفسه الذي وقع في فخّ الروس بتجريد بشار من الأسلحة الكيماوية في أيلول (سبتمبر) 2013 في مقابل عدم شنّ هجوم صاروخي أميركي وافق عليه الرئيس أوباما بتردد شديد، فما أن سمع من كيري بالعرض الروسي حتى تراجع عن التزامه وخطّه الأحمر ليُمد في عمر بشار إلى يومنا هذا.
لذلك أستبعد أن تسفر كل هذه الاتصالات والاجتماعات عن حل. يجب أن يشعر الروس بمرارة وألم دخولهم سورية أولاً، لكي يتعاملوا مع الوضع بجدية أكثر، فلن يخرج أي مسؤول سعودي ويصرّح في مؤتمر صحافي عن أعداد الصواريخ المضادة للدبابات التي وصلت إلى الثوار بتمويل سعودي أو قطري، أو يتحدث عن نياتها في تسليح المعارضة بصواريخ أرض جو، ولكنها في الغالب تفعل كل ذلك مع حليفتيها قطر وتركيا. الموقف السعودي يختصر في الجملة التالية: لا مكان لإيران في سورية، أعطوني حلاً يخرج إيران وميليشياتها ثم نتحدث، ولن تصدق الروس ومن يروّج لهم أنهم جاؤوا لكي يخرجوا إيران من سورية، فالحشد الإيراني يزداد، وما ارتفاع عدد قتلاهم هناك إلا نتيجة ارتفاع تعداد قواتهم ومشاركتهم المباشرة في الحرب، إذ لا يعقل أن يترك الإيرانيون سورية «جوهرة تاجهم» ودليل انتصارهم على التاريخ، بعدما ينتصرون للسيد بوتين وقواعده شرق المتوسط.
إنهم جميعاً شركاء ضد الشعب السوري، ونحن شركاء مع الشعب السوري.