أحمد عدنان: الأمير والمخدرات وحزب الله/مهى عون: في خلفيات غضب نصر الله/لينا الخطيب: ستراتيجية إيران تتراجع في سورية

501

الأمير والمخدرات وحزب الله
أحمد عدنان/العرب/30 تشرين الأول/15
تحدثت بيروت مؤخرا عن توقيف أمير سعودي، هو عبدالمحسن بن الوليد بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود، الذي تم ضبطه في مطار رفيق الحريري الدولي محاولا نقل طنين من المخدرات إلى المملكة العربية السعودية.
والحقيقة أن السلطات اللبنانية تستحق التحية والعرفان نظير يقظتها ومهنيتها، فلولاها لكان احتمال دخول هذه الكمية الضخمة إلى المملكة واردا، رغم ثقتي بقدرات وزارة الداخلية السعودية ونباهتها.
على كل حال فإن الملفت في القصة أكثر من علامة، الأولى أن صورة جواز السفر الذي يحمله الأمير منته منذ شهر سبتمبر 2014، أي قبل قرابة العام من تاريخ توقيفه، كما أن إعلام الممانعة تلقف الخبر وكأنه إدانة للمملكة في لبنان، وهذا غير منطقي، فالأمير مغادر من لبنان إلى المملكة، وأكثر الصحف جرأة تحدثت عن أن الأمير حصل على المخدرات من مصدر ما في طريق المطار، ولم يرد الإعلام الممانع تحديد المنطقة أو البائع، لأنه حينها سيدين نفسه.
هذه القصة يجب أن تطمئن اللبنانيين إزاء المملكة، فهذا أمير جد والده هو الملك عبدالعزيز، ومع ذلك حين تم اتهامه بجرم ذهب إلى التوقيف مثله مثل غيره، ووزير الداخلية نهاد المشنوق أكد أنه لم يتلق أي اتصال بخصوصه، ولا أعتقد أن السلطات السعودية ستتسامح مع تهريب المخدرات إلى بلادها حتى لو كان المهرب من الأسرة الملكية، والأمير المذكور لا يحمل منصبا رسميا، وهو فرد من أسرة آل سعود التي يبلغ عددها نحو 5000 شخص فيهم الصالح وفيهم الطالح ككل بني البشر، ومع كل ما سبق فهو إلى هذه اللحظة متهم والكلمة الفصل للقضاء اللبناني، وإذا أدين الأمير بالجرم المشهود فهو بلا شك يستحق عقوبة قاسية ورادعة، وهذا مطلب السعوديين قبل أن يكون مطلبا لبنانيا، لأنه كما أسلفنا، فإن هذه الشحنة استهدفت المملكة العربية السعودية.
المأمول من إعلام الممانعة أن يشرح الصورة كاملة لجمهوره، من الواجب أن يتفضل ويعلن من أين حصل مرافقو الأمير على هذه الشحنة الضخمة، أهي منطقة تدخل في نفوذ حزب ممانع؟ ومن باعه إياها، أهو قريب لنائب مقاوم أو مغطى منه؟ لا داعي للدخول في التفاصيل لو سببت إحراجا، لنذهب إلى سؤال آخر: كيف تمكن التاجر من تصنيع، إن لم يدخلها من خارج لبنان، وتعليب وتسليم هذه الشحنة الضخمة في وضح النهار؟ ليس المطلوب أن يفلت المهرب من العقاب وهو يؤذي المملكة قبل غيرها، ما نطالب به أن تمتد يد العدالة اللبنانية وعصا الأمن اللبناني المهني إلى التاجر الذي يضر اللبنانيين قبل غيرهم.
لا بأس هنا بالتذكير ببعض الأخبار التي تداولها الإعلام على استحياء خلال سنوات مضت، وهي القبض على شبكات اتجار وتهريب المخدرات تابعة لما يسمّى بحزب الله، في يونيو 2005 بالإكوادور، في أغسطس 2008 بكولومبيا، في أبريل 2009 بهولندا، في أكتوبر 2009 بألمانيا، وفي يناير 2014 في أستراليا (وهناك شبكة أخرى أوقفت وأدينت بتبييض الأموال)، وهذا غيض من فيض لا يستثني غينيا بيساو والمكسيك والأرجنتين والولايات المتحدة. باختصار السعودية تتصدر الأرقام في مكافحة الجريمة والإرهاب، أما حزب الله فأرقامه تتصدر الإجرام نفسه، وفي لبنان لا تختلف المعادلة كثيرا، فالمملكة تدعم الجيش اللبناني والحزب الإلهي يقتل الملازم سامر حنا، السعودية تدعم الدولة اللبنانية والحزب الإلهي يعطلها.
توقيف الأمير السعودي (المتهم)، علامة مضيئة لصالح الدولة اللبنانية ولمصلحة المملكة، فاللقب الملكي لم يعق سير العدالة، ومن الواجب التذكير بحكم الإعدام الذي صدر في المملكة مطلع الألفية الجديدة ضد حفيد الملك سعود الذي لم تعف عنه أسرة القتيل إلا في اللحظة الأخيرة، وقبل عاميْن بالضبط صدر حكم إعدام آخر ضد أمير آخر، فأرسل والد القتيل للملك سلمان الذي كان وليا للعهد أنه لم يقبل الدية ولن يعفو، فرد سلمان في رسالة معلنة إلى وزير الداخلية نشرتها صحيفة (آراب نيوز) “الشريعة ستطبق على الجميع من دون استثناء، لا فرق بين كبير وصغير أو بين غني وفقير، وغير مسموح لأحد بالتدخل في قرار القضاء، هذا هو عرف هذه الدولة، ونحن ملزمون بتطبيق الشريعة”.
في المقابل دعونا نتذكر ما فعله ويفعله الحزب الإلهي، فالمحكمة الدولية تطلب تسليم خمسة متهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هم مصطفى بدر الدين (المدان بمحاولة اغتيال أمير الكويت في الثمانينات والهارب من السجن خلال الغزو العراقي للكويت)، أسد صبرا، سليم عياش، حسين العنيسي وحسن مرعي، والحزب الإلهي يؤوي المتهمين ويرفض تسليمهم، وذريعته في ذلك أن المحكمة الدولية عميلة للصهيونية ونحو ذلك، لكن الخارج على العدالة لا يحترم العدالة الدولية ولا العدالة المحلية، فالعنصر الحزبي محمود حايك (الذي أُشيع هلاكه في سوريا) مطلوب للتحقيق في قضية محاولة اغتيال النائب والوزير بطرس حرب عام 2012، وكالعادة فإن حزب الله رفض تسليمه للسلطات الوطنية والقضاء اللبناني، ومؤخرا كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي كدنا نظن انتسابه القريب إلى سرايا المقاومة، مشكورا عن دور ما يسمّى بحزب الله في تغطية المجرمين في البقاع وغير البقاع.
إن حادثة توقيف الأمير السعودي أثبتت تشبّث المملكة، ومعها الدولة اللبنانية، بمنطق الدولة وسيادة القانون لا بمنطق الميليشيا والإرهاب، وقد تأكدت لنا في المقابل وظائف ما يسمّى بحزب الله، فالتواصل معهم متاح لمن أراد مرتزقة كما جرى ويجري في سوريا وغيرها، ومتاح أيضا لعمليات الاغتيال وتعطيل الدولة كما جرى ويجري في لبنان، ولا تنسوا العروض التسويقية والحسومات المغرية في تجارة المخدرات وتبييض الأموال، وما زالت قياداتهم تحدثنا عن الأخلاق وعن المقاومة، وكلنا يعلم من هي الشريحة الأكثر حديثا عن العفة.
*صحافي سعودي

 

في خلفيات غضب نصر الله
مهى عون/السياسة/30 تشرين الأول/15
في نظرة تاريخية سريعة للمراحل السابقة في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، تجدر الإشارة إلى أنها مرت بمطبات عديدة وعمليات مد وجزر تخللتها سياسة العصا والجزرة من الولايات المتحدة مع إيران، وأخذت بُعدها ومداها التطبيقي، خلال فترة محادثات الملف النووي الإيراني والعقوبات المرافقة لها، إلا أنها وصلت في النهاية إلى حال من الاستقرار النسبي المبني على التنسيق المتبادل على صعيد مختلف الملفات الإقليمية، بعد أن حازت إيران رضا الولايات المتحدة وثقتها بعد فترة طويلة من العداء الكلامي واللفظي. ومن المهم التذكير بأن العلاقة المتناغمة، التي بدأت بالتدهور منذ أسابيع قليلة، إنما بدأت أواصرها تتمكن بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، حين أعربت إيران عن كامل جهوزيتها واستعدادها لمد يد العون للولايات المتحدة في حربها على أفغانستان والتنظيمات الإسلامية المتشددة والأصولية المتطرفة فيها، كـ»طالبان» و»القاعدة» التي اعتبرتها مسؤولة عن أحداث نيويورك المشؤومة.
كسبت إيران رضا الولايات المتحدة، وكما تبين لاحقاً ثقتها أيضاً، حتى وصل الأمر إلى حد «رهان» أميركا على الدعم الإيراني لمشاريعها الشرق أوسطية اللاحقة، وفي مقدمها المعركة الكبرى لغزو العراق، التي لم تخيب إيران فيه ظن أميركا، فأمنت لها الدعم اللوجستي المطلوب، ما ساعد الأخيرة إلى حد كبير في إتمام غزوها واحتلالها العراق بالسرعة المطلوبة وبأقل التكاليف.
وفي المقابل، لم تتأخر الولايات المتحدة عن رد الجميل بمثله، فاعتمدت سياسة غض الطرف عن التجاوزات الإيرانية جميعاً في المنطقة، وعن سعيها المتفلت من كل ضوابط لخلق حالة من التشييع الفارسي عبر البلدان العربية المجاورة والأبعد، فلم تحرك أي ساكن لوقف الغطرسة الإيرانية ووضع حد لجو التهديد المباشر الذي تعمدت طهران نشره عبر الشرق الأوسط، غير آبهة بحلفائها العرب وبحالة الاستياء والتأفف والغضب التي سادت لديهم بسبب هذا التفلت والانحياز الأميركي غير المحدودين، كأن تدعي إيران تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، وكأن تصر على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، ناهيك عن هيمنتها على صناعة القرار السياسي في العراق ولبنان، إلى أن تنتهي «التدخل العسكري» المباشر في سورية، على مدى خمس سنوات، عانى خلالها الشعب السوري من الصلف الإيراني ما عاناه من عذابات القتل والتدمير والتهجير. من ناحية أخرى، لم يكن خفياً على أحد مدى التماهي بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي في المنطقة، حيث إنه لم يستغرب أحد بالتالي أن يرفرف العلم الإسرائيلي فوق السفارة الإسرائيلية في طهران. وبقي هذا التناغم حاضراً حتى فترة ليست بعيدة، حين تبدلت المعايير لغير مصلحة إيران، ما وضع العلاقة السابقة بين الولايات المتحدة وطهران في مهب الرياح العاتية الآتية من الداخل السوري، نتيجة القرار الدولي الذي قضى بسحب الملف السوري، من اليد الإيرانية وتسليمه إلى الجانب الروسي. ولا بد هنا من التذكير بأن إيران لم تكن لتحافظ على أوراق اللعبة السورية تحت إبطها طويلاً إثر انكشاف حقيقتها من خصومها العرب، ولم تكن لتغامر بالإقدام على هذه الحرب الاستنزافية التي كانت بلا أفق، لولا المظلة الأميركية التي وفرت لها نسبة عالية من الطمأنينة والثقة في جني المكاسب الأكيدة، ولما تكن لتخوضها في الأساس لولا علمها، أنها تخوضها بالوكالة عن الولايات المتحدة ولمصلحة إسرائيل.
وبالتالي كان من الطبيعي أن يثير استبعاد إيران من قمة الرباعية الدولية في فيينا، استياءً لدى الحكومة الإيرانية التي تعتبر نفسها المعنيَّ الأول بالملف السوري، أو «أمَّ الصبي» كما يُقال، بل أكثر من الاستياء، حيث وصل الموقف الإيراني، إلى حالة الغضب الذي تجلى في كلمة الناطق باسم الحكومة الإيرانية في لبنان الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في مناسبة ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت التي سادتها لهجة ونبرة غاضبتان على السعودية والولايات المتحدة، وكيف لا يكون الغضب ومن حق الحليف أن يطالب حليفه بمبررات وتفسيرات لنكث العهود والاتفاقيات، ومن حق إيران أن تسأل الولايات المتحدة عن المكاسب والوعود التي منتها بها في نهاية الحرب السورية عندما يحين موعد توزيع الحصص وتقسيم الكعكة؟ إن هجوم نصر الله المركز على الولايات المتحدة التي خذلت إيران، كما تفعل عادةً مع كل عملائها بالمنطقة، هو لإفهامها أن نكث الاتفاقيات السابقة ليس بهذه السهولة، وأن عليها مراجعة حساباتها، متوسلاً لذلك عودة التهديدات التي راجت فترة ثم هدأت بمحو إسرائيل من على خارطة الشرق الأوسط، فهل يعني ذلك أن أميركا هي في طور العودة في قاموس «حزب الله» وإيران إلى وضعية «الشيطان الأكبر» من جديد؟ وما عساها تكون تداعيات هذه الحالة المستجدة من العداء بين البلدين في ما خص الملفات الأخرى العالقة، في العراق ولبنان مثلاً؟

إستراتيجية إيران تتراجع في سورية
لينا الخطيب/الحياة/30 تشرين الأول/15
تدخل إيران اليوم المحادثات الدولية حول سورية لأول مرة. ولكن مشاركة إيران، على رغم أنها تدعم دور طهران الإقليمي، فإنها لا تأتي من موقع قوة. استثمرت إيران موارد كبيرة في الصراع السوري منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية في عام 2011. هذا الدعم ليس من اجل الحفاظ على الرئيس بشار الأسد بل للحفاظ على المصالح الإيرانية في بلاد الشام. فسورية شريان الحياة لحليف ايران في المنطقة «حزب الله». من دون ممر آمن عبر الأراضي السورية، فإن الأسلحة المرسلة من إيران والتي تشكل العمود الفقري لسلطة «حزب الله» لن تصل إلى لبنان. ولكن على رغم أن إستراتيجية إيران تجاه سورية قد ساعدت بالتأكيد على إبقاء الأسد في السلطة، فإنها لم تكن ناجحة في القضاء على أعدائه ولا في كسب القلوب والعقول الموالية للنظام. مع تصاعد التدخل الروسي في سورية اليوم، تواجه استراتيجية إيران في سورية تحديات أكبر من ذي قبل. على رغم لجوء إيران إلى اللواء قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، لاستخدام وسائل مبتكرة لدعم الجيش السوري ضد الجماعات المتمردة، فإن الأساليب التي تستخدمها إيران في سورية ليست جديدة ولا ناجحة بالكامل. فالحملة التي نصحت إيران الأسد باستخدامها ضد المتظاهرين السلميين في عام 2011 نسخة طبق الأصل عما فعلته إيران مع معارضيها عام 2009، لكنها فشلت في قمع الانتفاضة السورية. في وقت لاحق، كانت إيران وراء استدعاء «حزب الله» للقتال داخل سورية بعدما فشلت قوات الأسد في سحق ما أصبحت معارضة مسلحة مع محاولة لخلق نسخة سورية لـ «حزب الله»، ولكن قوبلت المجموعتان بخسائر كبيرة في صفوف مقاتليهما في معاركهم مع الثوار السوريين.
كما لعبت إيران على الورقة الطائفية في محاولة لزرع الولاء على المستوى الشعبي داخل سورية، البلد الذي، على عكس لبنان، لا يضم مجتمعاً شيعياً كبيراً. واقترنت هذه العملية بزيادة الدعاية حول صعود ما سمّته إيران بالجماعات السنية «الجهادية التكفيرية» وتهديدها للاستقرار في الشرق الأوسط. وعلى رغم أن جماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» تشكل في الواقع خطراً على الأمن، كان التهويل الإيراني منها يميل أكثر إلى إضفاء الشرعية على تدخل ايران في سورية وإلى التغطية على هجماتها على المعارضة السورية المعتدلة.
شهدت سورية أيضاً تكرار تجربة من طراز «الباسيج» الإيراني مع رعاية إيران إنشاء قوات الدفاع الوطني، وهي الميليشيات الموالية لنظام الأسد والتي تحمل طابعاً طائفياً لأن غالبية أعضائها من الطوائف غير السنية.
واصلت إيران مشروعها الطائفي في سورية من خلال محاولات نقل السكان. فاقترحت نقل السكان الشيعة من قريتي كفريا والفوعة في محافظة إدلب الى بلدة الزبداني الحدودية، في حين اقترحت نقل سكان الزبداني السنة إلى المناطق ذات الغالبية السنية مثل حماة. بما ان إدلب بمعظمها تحت سيطرة الجماعات الإسلامية السنية بينما تقع الزبداني على الحدود مع لبنان، فإن نقل السكان هذا يساعد ايران على ترسيخ سيطرتها على ما تعتبرها مناطق أساسية والتي هي معاقل للنظام أو التي يجعلها موقعها الجغرافي طرقاً لإمداد النظام وحلفائه.
تحويل سكان هذه المناطق إلى موالين متشددين من شأنه أن يسمح لإيران بممارسة نوع من النفوذ الذي يمارسه حالياً «حزب الله» في جنوب لبنان، هناك، على رغم أنه لم تطبق أي سياسة لنقل السكان وعلى رغم وجود مستمر للمسيحيين والدروز والسنة في المنطقة، فضلاً عن الشيعة الذين لا ينتمون إلى «حزب الله»، فإن الفصيل المهيمن في جنوب لبنان اليوم هو الشيعي المؤيد للحزب. لمواجهة التداعيات السلبية الطائفية لهذا النهج، حاولت إيران في وقت لاحق إنشاء نسخة سورية من «سرايا المقاومة»، وهي عبارة عن ميليشيا تسمى «كشاب»، تشمل الشباب السنة والعلويين وكذلك أعضاء من السوريين من مختلف الأطياف الطائفية الأخرى، ولكن «سرايا المقاومة» محاولة غير مقنعة لتقديم «حزب الله» على أنه شامل لجميع اللبنانيين. إذا استمرت إستراتيجية إيران في سورية في تكرار النموذج اللبناني، يمكن المرء أن يفترض أنه لن يكون من مصلحة إيران أن تكون مؤسسات الدولة السورية قوية. ففي لبنان، وكذلك في العراق، كانت رعاية إيران للجهات الفاعلة غير الحكومية وسيلة لممارسة الضغط على الحكومة حتى لو كانت الحكومة نفسها موالية لإيران. الطائفية المتزايدة أيضاً توجه سورية نحو التشرذم، خصوصاً أن الجماعات المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية» تستفيد من الانقسامات الطائفية.
لكن إستراتيجية إيران ناجحة جزئياً فقط. فحتى الآن، كان دعم إيران أساسياً للحفاظ على نظام الأسد. ومع ذلك، على رغم كل استثماراتها، لم تكن إيران قادرة على تحويل مسار الصراع ككل لمصلحتها. وعلاوة على ذلك، فإن معظم الموالين للأسد من العلمانيين قلقون من دور إيران الطائفي في تهيئة الأجواء لتشكيل مستقبل سورية. كما يستند نهج روسيا في سورية إلى الاحتفاظ بقوة مؤسسات الدولة. ولذلك، فقد رحب معظم أنصار النظام بزيادة التدخل العسكري الروسي في سورية. بالنسبة إليهم، لا يعني وجود روسيا في سورية تغييراً في نمط الحياة، خصوصاً أن هناك روابط طويلة الأمد بين الجيش السوري وروسيا تعود إلى أيام الاتحاد السوفياتي التي تدرّب خلالها عدد كبير من الضباط السوريين في موسكو وحتى عادوا إلى سورية مع زوجات روسيات.
كان الموالون للنظام السوري قد قبلوا التحالف مع إيران قبل عام 2011 لأنهم اعتبروه مفيداً، ومن ثم أذعنوا للتغيير في ديناميكيات القوة بين دمشق وطهران بعد عام 2011 بدافع الضرورة. أما التدخل الروسي، وعلى رغم أنه هو أيضاً ليس مبنياً على إستراتيجية محكمة، ومن المرجح أن يؤدي بروسيا نحو مسار مؤسف، فإنه يقدّم إلى هؤلاء السوريين بديلاً أكثر جاذبية من المشروع الإيراني. وعلى رغم أن إيران قد ناشدت روسيا زيادة المساعدة في الصيف الماضي، وهذا بدوره اعتراف ضمني بأن إستراتيجيتها الخاصة لم تنجح، فإن روسيا نفسها لم تبذل جهداً كبيراً لتأمين المصالح الإيرانية في سورية. حتى الآن، قتل ما مجموعه 18 ضابطاً إيرانياً رفيعي المستوى في سورية، آخرهم العميد حسين الهمداني، والذي كان قد قاد مبادرة «كشاب».
بدأت خيارات إيران في سورية في النفاد. إن تعاونت طهران مع التدخل العسكري الروسي من خلال تزويد القوات البرية لدعم القوات الجوية الروسية، فإن هذا يؤدي إلى خسائر أكبر في الأرواح الإيرانية. وإذا لم تتعاون في شكل جدي، فسوف تجد نفسها مهمشة من قبل كل من روسيا والمؤيدين للأسد. وفي كلتا الحالتين، وعلى رغم تشرذم المعارضة السورية، فهي لاتزال تمارس ضغطاً كبيراً على النظام وحلفائه. وبالتالي، إستراتيجية إيران في سورية هي في مسار التراجع، ولذا، فإن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية هو أفضل خيار لإيران الآن.