خيرالله خيرالله: رهان إيران وحزب الله/مصطفى علوش: عون ونشوة الجموع المحتشدة/نبيل بومنصف: رهان على الطاير

329

رهان إيران و«حزب الله»
خيرالله خيرالله/المستقبل/21 تشرين الأول/15
من فوائد الكلام الذي صدر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق وعن الوزير السابق والنائب الحالي مروان حماده في الذكرى الثالثة لإستشهاد اللواء وسام الحسن، كشف النيات الحقيقية لـ«حزب الله«. هذه النيّات قديمة ـ جديدة، ولكن ثمّة حاجة الى التذكير بها من وقت الى آخر، خصوصا في ظل الإستقواء الروسي – الإيراني – الإسرائيلي على الشعب السوري. هناك حاجة الى تذكير الحزب نفسه ايضا ببديهيات معيّنة للتأكيد ان جرائم الماضي لن يمرّ عليها الزمن، وان هناك من يلاحق من يقف وراءها وان العدالة ستأخذ مجراها مهما طال الزمن.
لعلّ في مقدّم ما يُفترض تذكير «حزب الله« به ان اللبنانيين يعرفون من قتل وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن. هذا ما اكدّه نهاد المشنوق قبل سنة وأعاد تأكيده هذه السنة، كما اكّده مروان حماده عندما قال ان الهدف من قتل وسام الحسن كان «قطع رأس التحقيق بعد اغتيال مهندس التحقيق«، اي الرائد وسام عيد. الكلّ في لبنان يعرف هذا الواقع الذي لا يمكن الهرب منه، لا عن طريق افتعال حروب مع اسرائيل، كحرب صيف العام 2006، ولا عن طريق جرائم اخرى كان آخرها اغتيال الدكتور محمّد شطح… ولا عن طريق الإنضمام الى الحرب المذهبية الطابع التي تستهدف إفناء الشعب السوري وتشريده داخل سوريا وخارجها. كان طبيعيا ان يصدر عن السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله« ردّ فعل على كلام نهاد المشنوق ومروان حماده. اتسم الردّ بنبرة حادة تعكس شعورا بالتعالي، وكأنّ التعالي على اللبنانيين الآخرين يجعل الحزب فوق الشبهات. فحوى كلام نصرالله ان حزبه لا يستجدي الحوار وان من يريد ترك الحكومة والحوار، فإنّ «الله معه«. لا ينطلي على احد الدور الذي يلعبه الحزب والسبب الذي يدعوه الى البقاء في الحكومة وتعطيل العمل الحكومي في الوقت ذاته. ربّما ينطلي ذلك على بعض اللبنانيين من ذوي النيّات الحسنة الذين نزلوا الى الشارع لأسباب محقّة… من دون ادراكهم ان هذه الأسباب المحقّة لا يعود لها وجود متى عادت الدولة اللبنانية الى ممارسة مسؤولياتها. يبقى الحزب في الحكومة ويتظاهر انه في حوار مع «المستقبل« ومع الأطراف اللبنانية الأخرى من اجل تمرير الوقت لا اكثر. ما يفسّر النبرة الحادة لنصرالله الكلام الواضح والمباشر لنهاد المشنوق ومروان حماده، ان بشأن الحوار وان بشأن الإبتزاز الذي يمارسه الحزب. فلو كان من حوار مثمر، لكان هذا الحوار ادّى الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل اي شيء آخر. لو كان من امل في الحوار، لكان العمل الحكومي انتظم ولكان الجهد انصبّ على مساعدة اللبنانيين في التغلّب على كلّ الأزمات، بما في ذلك ازمة النفايات.
كلّ ما في الأمر ان اللبنانيين يعرفون ان «حزب الله« يراهن على تمرير الوقت بغية تحقيق انتصار على اللبنانيين الآخرين وفرض مشروعه الهادف الى تغيير النظام في لبنان. يريد الحزب، ومن خلفه ايران، البناء على وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية بواسطة السلاح غير الشرعي. وهو امر حاصل الآن. صارت الدولة اللبنانية دويلة في دولة «حزب الله« المصرّ على نقل لبنان الى مكان آخر، قد يكون ذلك عائدا الى التجربة التي كانت له مع الرئيس السابق ميشال سليمان.كانت تجربة «حزب الله« مع ميشال سليمان كي تقتنع ايران ان عليها تغيير النظام اللبناني، خصوصا انها اعتقدت ان سليمان، انما اصبح رئيسا للجمهورية نتيجة انقلاب نفّذه الحزب الذي اجتاح بيروت والجبل الدرزي في السابع والثامن والتاسع من ايّار ـ مايو 2008. ما تريده ايران حاليا واضح كلّ الوضوح. امّا رئيس في جيبها، كما كان اميل لحود، الذي لم يكن سوى موظّف لدى رئيس النظام السوري، وامّا المثالثة مع ما يعنيه ذلك من اتيان بنائب لرئيس الجمهورية، ذي صلاحيات تنفيذية واسعة محدّدة، ينتمي الى الطائفة الشيعية ويؤمّن الوجود الثابت لطهران بشكل شرعي. لن يعود هذا الوجود الإيراني في لبنان مقتصرا، عندئذ، على سلاح لميليشيا مذهبية ذات دور يتجاوز الحدود اللبنانية فقط. يصبح هذا الوجود جزءا لا يتجزّأ من التركيبة السياسية للبنان مع ما يعنيه ذلك من تغيير لطبيعة البلد بدءا بتحوّله ارضا معادية لكلّ اهل الخليج، كما الحال الآن، ولكلّ ما هو عربي في المنطقة. في سبيل تحقيق هدفها اللبناني، تراهن ايران على «حزب الله« الذي يستفيد من دور ميشال عون. انه رهان على لذيذين. لذيذ ان يأتي ميشال عون رئيسا للجمهورية، ليكون اميل لحود آخر. ولذيذ الرهان على تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية ايضا. لم تكن ذكرى اغتيال وسام الحسن مجرّد ذكرى بمقدار ما أنّها كانت مناسبة لتأكيد انّ لبنان ما زال يقاوم وان الحوار مع «حزب الله« لا يعني بالضرورة التوقف عن السعي الى معرفة الحقيقة وملاحقة من كان وراء الإغتيالات في لبنان. لا يكفي الصوت العالي والتعالي لتغطية جرائم من نوع اغتيال رفيق الحريري والشخصيات اللبنانية الأخرى. كذلك، لا يكفي الصوت العالي للتغاضي عن الأسباب الحقيقية التي تمنع انتخاب رئيس للبنان. بعد ثلاث سنوات على رحيله، لا يزال وسام الحسن حاضرا. كشف خيوط جرائم «حزب الله«. الذين تحدثوا في الذكرى الثالثة لرحيله اكّدوا أنّ المهمة التي نذر نفسه من اجلها لم تمت معه.

 

عون ونشوة الجموع المحتشدة
مصطفى علوش/المستقبل/21 تشرين الأول/15
«ملأ الجو هتافاً بحياة قاتليه أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه يا له من ببغاء عقله في أذنيه» (أحمد شوقي)
هناك فرع من فروع علم النفس الاجتماعي يتعلّق بدراسة الحالة النفسية للحشود، فقد أصبح واضحاً أن الأفراد العاديين يكتسبون قوى إضافية عندما يعملون بشكل جماعي. لقد أثبتت الوقائع التاريخية أن الحشود تمكّنت في كثير من المحطات من تغيير المعادلات المنطقية وقلب الأمور رأساً على عقب.
لقد دفع هذا الواقع الكثيرين من علماء الاجتماع وعلماء النفس الى تقديم العديد من الأطروحات تحت عنوان «علم نفس الحشود» ومن ضمنهم «كارل يونغ» و«غوستاف لوبون» و«سيغموند فرويد» وغيرهم. وتتلخص معظم الآراء في أن الحشود تتصرف عادة بشكل مختلف عن منطق الفرد، بحيث تتضاعف سطوة الغرائز ويتضاءل الإحساس بالذنب أو المحاسبة الفردية، فتتلاشى سلطة المنطق السوي والتحليل الموضوعي وتحل الرمزيات والشعارات مكان الطروحات العلمية والبرامج المدروسة. لقد شدّد «لوبون» في القرن التاسع عشر على دور «البروباغندا» في إدارة نفسية الحشود وتصرفاتها، كما شدّد على دور الشعارات (بغض النظر عن عقلانيتها) في إطلاق الحشود من عقالها. لقد وعى «أدولف هتلر» ووزير دعايته «جوزيف غوبلز» أهمية هذه الوقائع التي تم استخدامها بشكل مفرط في إدارة شؤون «الرايخ الثالث» في مسيرته نحو الكارثة الكبرى في الحرب العالمية الثانية. وغالباً ما تنشأ علاقة جدلية بين الحشود وبين القائد «الكاريزمي»، وهي لفظة أصلها يونانية وتعني «هبة من الخالق». و«الكاريزما» تختصر مجموعة غير محددة من الصفات تشمل السحر والإقناع والإلهام وقوة التأثير على الجماهير، وغالباً ما تختلط هذه الصفات بقدرات ما ورائية تجعل القائد في موقع قريب من العبادة. ومن الملاحظ أن هؤلاء القادة بقدر ما يتمتعون بقدرة على تحريك الحشود الى حد العنف المطلق، فهم في الإجمال يتمتعون برصانة غير اعتيادية ورباطة جأش وثقة بالنفس وتفوق وسلطة بالإضافة إلى قدرة فائقة على التركيز بالإضافة الى قدرات خطابية وحوارية مميزة.
وقد وصف «ماكس ويبر»، العالم النفساني الألماني، الكاريزما بأنها نوع من السلطة النابعة من صفات يحملها أحد الأفراد يأتي في زمن مناسب لتزعمه فئة من البشر مما يجعله مميزاً عن الناس العاديين لكونه «متمتعاً بقدرات فوق الطبيعة وفوق القدرات الإنسانية»، أو على الأقل صاحب قدرات وصفات متميزة ونادرة. وهذه الصفات والمميزات لا يمكن للبشر العاديين أن يتمتعوا بها لأنها تعتبر منحة مقدسة تجعل القائد في موقع المرجعية المطلقة ومن خلالها تصبح عصمة هذا القائد أمراً مقبولاً لا بل محسوماً لدى أتباعه. بعيد انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، وبعد تحول الجمهورية الإسلامية في إيران الى سلطة ولاية الفقيه، دخلت في حوار مع أحد الأصدقاء من اليساريين التائبين والعائدين الى أحضان طائفته. سألت صديقي عن سر تحوله فقال لي: «لقد كنت في طهران منذ بضعة أشهر وشاركت في صلاة الجمعة واستمعت مع الملايين من المصلين الى خطاب السيد، إن شعوراً كهذا لا بد أن يعيدك الى إيمانك ويجعلك تقبل بمرجعية القائد من دون جدال، فكيف لملايين البشر المجتمعين ليستمعوا بخشوع لكلماته أن يكونوا مخطئين؟»، وفي محاولة يائسة منّي لتغيير قناعاته المتجددة حدّثته عن تجارب مماثلة في تاريخ القرن العشرين من موسوليني الى هتلر الى ستالين الى ماو وإلى الزعيم المحبوب كيم ايل سونغ وجمال عبدالناصر وغيرهم عندما كانوا يجمعون الملايين في الساحات وأحياناً حول الراديو للاستماع لخطاباتهم، وبالنتيجة ماذا حل بتجاربهم مع شعوبهم؟ لم يعجب صديقي التشبيه بطبيعة الحال فأين قائده الجديد وهالته المقدسة من هؤلاء القادة الفاشلين؟ فآثرت وقف الحديث حفاظاً على صداقتي معه خصوصاً بعد أن لاحظت الارتجاف في لحيته التي تحوّلت فجأة من تيمن بماركس وإنجلز الى تيمن بالمرشد! قبل هذه التجربة كنت أضع اللوم على القادة الكاريزميين لكونهم هم وحدهم بقراراتهم الخاطئة، أو ربما أحياناً الصحيحة وإن كانت فاشلة، مسؤولين عن السير بحشودهم الى الكارثة، ولكنني بدأت أدرك أن العلاقة بين القائد الملهم والحشود الهائمة هي علاقة جدلية، فبقدر ما يؤثر القائد بالحشود، يتأثر القائد برد فعل هذه الحشود، فهل يمكن للقائد أن يحتفظ بكامل رشده عندما يستمع الى الحشود الهاتفة له بحياته والمكبرة عند كل خلجة من خلجات خطابه، والمصدقة ما لا يصدق والمؤمنة حتى بتحقيق المستحيل طالما أنها تسير تحت قيادته؟
كلامي هذا أتى بعد مشاهدتي عشرات ألوف المواطنين الذين تجمعوا على طريق بعبدا استجابة لنداء «المرشد» ميشال عون…

رهان “على الطاير”!
نبيل بومنصف/النهار/21 تشرين الأول 2015
تبرز قوى ٨ آذار في منبرياتها السياسية والإعلامية مقداراً لافتاً من عدم التحفظ عن رهانها على التدخل الروسي في سوريا لتغيير ميزان القوى لمصلحة المحور الاقليمي الذي ترتبط به هذه القوى. ليس في الأمر غرابة من زاوية ان هذا التدخل يشغل العالم بأسره، فكيف بلبنان وأفرقاء الصراع فيه، ولكن ما يستدعي التوقف عند ظواهر “البهجة” التصاعدية هو التهور الحقيقي في استخلاصات ملبننة “على الطاير” لا ترقى في واقعها الرصين الى الحد الأدنى من الواقعية الروسية نفسها في التعامل مع الملف اللبناني. قد يبرر المتابع للمجريات الميدانية في سوريا دوافع “حزب الله” تحديداً في رهان لم يعد يملك سواه على التدخل الروسي بعد الايراني بعدما تكبد الحزب ضريبة دم كبيرة ولا يزال لمنع انهيار النظام السوري أياً كانت الأدبيات الأخرى التي تبرر قتال الحزب هناك. اما ان يتجاوز هذا الرهان لدى الحزب وحلفائه الخلص الساحة السورية المعولمة، فيما التدخل الروسي في طور البدايات المحفوفة بكل الشكوك، فالأمر يدلل هنا على الأقل على نزق وتسرع سياسيين قد يكونان مألوفين جداً لدى حلفاء معروفين للحزب في فريق ٨ آذار ولكنهما ليسا معتادين لديه.  لعل المفارقة الساخرة هنا ان المزايدين في “ولائهم” الروسي المستفيق حديثاً على وقع رؤية “السوخوي” تملأ فضاءات الحرب السورية لا يقاربون لا من قريب ولا من بعيد الآفاق الأبعد من حماية النظام السوري الواقف عند هاوية السقوط مثل التفاهم الروسي – الأميركي على تقاسم الأجواء السورية ومسخ سيادة هذه الدولة بأبشع الصور التي عرفتها استباحة بلد بعد تدميره على يد نظامه واعدائه سواء بسواء. كما اننا لا نسمع ولا نقرأ عن تفاهمات القيصر الروسي مع الدول الاقليمية الأخرى مثل تركيا وإسرائيل في ترتيب المسرح لصفقات ما بعد الموجات الأولى من التدخل والأبعد منها. وربما كان يمكن التغاضي عن هذا الوجه الدعائي المفرط في رهان على “سوخوي” تأتينا برئيس للجمهورية من صناعة الأوهام لولا ان الوجه الدعائي نفسه يصم آذاننا في تسديد الدروس للخصوم من فريق ١٤ آذار في “التبعية” للخارج وتحميله ايضاً تبعة الاجهاز على المؤسسات وتعطيل الدولة وشل الحكومة والمجلس وسائر قطاعات الانتاج، والحيوية في البلاد. ولنفرض جدلاً ان هذا الوجه الدعائي هو من عدة الشغل المألوفة في الصراعات الداخلية، فكيف ترانا سنصفح غداً عن انخراط المراهنين على “طائف سوري” في نهاية المطاف يزعمون ان “السوخوي” آتية لفرضه ولو بقواعد قيصرية وبغض طرف غربي، فيما يجري سفك دماء الطائف الأم عندنا منذ ١٧ شهراً والى مزيد؟ هل يعتقدون فعلاً ان الرئيس المرتجى صار ملك هذه الازدواجية الصارخة؟