خالد غزال: في قبضة الاستعمار مجدداً/حسام عيتاني: وعود القيصر/عبد الكريم أبو النصر/الخيارات الروسية الصعبة في سوريا

319

في قبضة الاستعمار مجدداً؟
خالد غزال/الحياة/02 تشرين الأول/15
بعد ان اقتطعت اسرائيل هضية الجولان السورية وتخلى النظام عنها، وبعد ان ألحقت تركيا لواء الإسكندرون بدولتها ونسيها النظام، ها نحن مجدداً نشهد عودة الإستعمار الروسي، والإستعمار الإيراني، عبر دخولهما المباشر واحتلال الأرض، وكذلك الإستعمار الغربي المتدخل عبر احتلال الجو. الى جانب ذلك هناك احتلالات لقوى إرهابية مدعومة من قوى عربية وإقليمية ومتغذية من إيران والغرب. لم تتوقف روسيا عن دعم نظام بشار الأسد منذ اليوم الأول للانتفاضة. اتخذ الدعم طابعاً دبلوماسياً حين كان الروس يعطلون أي قرار أممي يدين النظام في إرهابه واستخدامه للأسلحة الكيماوية. كما كان الروس يمدون النظام بالأسلحة والخبراء تحت حجة وجود معاهدة دفاع بين موسكو ودمشق. تصاعد الدعم الروسي وتطور في شكل نوعي خلال العام الجاري الى ان وصل مؤخراً الى دخول نوعي بالسلاح والجنود وبناء القواعد العسكرية بما يوحي بإقامة طويلة. كان الدعم بداية تحت عنوان محاربة الإرهاب، فيما تحول اليوم الى حماية النظام ومنع سقوطه بأي شكل من الأشكال. لا يخفى ان روسيا تتخذ من الإرهاب ودعم حليفها بشار حجة لإيجاد موقع قدم لها في الشرق الأوسط تستخدمه منطلقاً لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها. ليس في قاموس الروس ما يمكن دعوته مصالح السوريين والدفاع عن حقوق الإنسان، فالتاريخ الروسي، وقبله السوفياتي حافل بالانقضاض على مصالح الشعوب وقمع حركات الاحتجاج فيها، يدل على ذلك التدخل في المجر عام 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968 لإنهاء ما كان يسمى بـ «ربيع براغ». في المقابل مارست إيران دوراً استعمارياً بامتياز منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. لم تكن الحجة محاربة الإرهاب، فإيران ضالعة بقوة في إرسال الإرهاب الى سورية ونشره في أكثر من منطقة. لإيران أهدافها ومصالحها المتصلة بالحصول على موقع على البحر المتوسط، يشكل نقطة انطلاق للتدخل في المنطقة العربية وتصدير ثورتها الى الشعوب العربية. تجلت السياسة الإيرانية الاستعمارية في إثارة النزاع المذهبي بين المسلمين والذي يعود لأربعة عشر قرناً دار فيها صراع بين القبائل حول السلطة والموارد. فنظمت تحريضاً مذهبياً في العراق وسورية في شكل خاص، وطورت دورها في سورية بإرسال السلاح والرجال لدعم الأسد. الأخطر في الدور الإيراني كان استعادة تقليد استعماري فرنسي وبريطاني يقوم على تفكيك النسيج الاجتماعي في كل بلد وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين مكوناته وإيصالها الى حروب أهلية، ثم التدخل لفك الاشتباكات. إضافة الى ذلك، عملت على ممارسة تطهير عرقي بقوة السلاح، وبمساعدة ميليشياتها العراقية واللبنانية، من أجل ايجاد مناطق مذهبية صافية تشكل قاعدة لمد نفوذها على سائر المناطق السورية.
أما المعسكر الغربي المتمثل في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، فقد أنجز دوره الاستعماري بنجاح. فقد شجع دخول الإرهاب وجلبه من مختلف مناطق العالم تحت حجة إبعاده عن أرضه وجعل المقاتلين ينهون بعضهم بعضاً، كما عمل المستحيل لمنع سقوط الأسد، بل استخدمه أداة في إدارة حرب أهلية نجحت حتى الآن في تدمير معظم سورية، بشراً وحجراً ومؤسسات وبنى تحتية، إضافة الى ضرب قواها المسلحة، وهو هدف سعى اليه الغرب لإنهاء موقع سورية السياسي والاستراتيجي الذي يمكن ان يشكل خطراً على مصالح الغرب واسرائيل اذا ما نجح الشعب السوري في إنهاء نظام آل الأسد.
لا شك في ان المنظمات الإرهابية التي رعاها النظام والغرب والقوى الإقليمية قد أفلتت من الحدود المرسومة لها، فاحتلت أراضي واسعة من سورية، وبدأت في ممارسة سياسة أبشع مما عرفته السياسات الاستعمارية، فدمرت ما عجز عنه النظام وقوى الغرب، وهي تشكل معضلة راهنة ومستقبلية ضد مصالح الشعب السوري. يبقى السؤال عن النظام والشعب السوري. لا شك في ان أضعف القوى اليوم هو بشار الأسد ونظامه بعد ان أنهكته الحرب الأهلية. بات ألعوبة في يد القوى الاستعمارية ومنفذاً لمطالبها. لعله أكبر المشجعين على الإرهاب وعلى استدعاء الاستعمار الى سورية. هو من صنع في البداية «داعش»، وتماهى معها. فبشار هو «داعش»، و»داعش» هي بشار. ولا مجال لمحاربة «داعش» وأخواته بوجود بشار ونظامه. فكل واحد يتغذى من الآخر، بل كل واحد يدرك ان وجوده مبرر وجود الآخر. لا شك في أن المتضرر الأكبر والدافع لأفدح الأثمان من هذه السياسات الاستعمارية وحليفها، هو الشعب السوري، الذي تهجر أكثر من نصفه، وفقد مئات الآلاف من أبنائه، ويعاني الذل في المهاحر اليوم ويموت ابناؤه في البحار. هذا الشعب سيكون عليه النضال من أجل تحرير سورية من المستعمرين ومن النظام الأسدي أولاً، وسيكون عليه استعادة وحدة سورية وبناء نسيجها الاجتماعي على قاعدة هوية وطنية عربية، تبدو اليوم في أضعف قواها. انها مهمة تحرر وطني وقومي ملقاة على سورية وقواها الحية.

 

وعود القيصر
حسام عيتاني/الحياة/02 تشرين الأول/15
يُلام الجناح الممانع في اليسار العربي على تعليقه الآمال على السياسات الروسية المتعلقة بالمنطقة العربية وبـ «استعادة التوازن العالمي» المختل، بحسبه، لمصلحة الغرب والولايات المتحدة. ويأخذ اللائمون المنتمون في الغالب إلى تيارات اكثر قرباً من اليسار الأوروبي أو ذاك المسمى بـ»الجديد»، على زملائهم الممانعين عدم انتباههم إلى أن روسيا في ظل بوتين تختلف جذرياً عنها في أيام الحكم السوفياتي وأن في مقابل انعدام المشروع المنطوي على أي قيم عند الأولى، كانت الثانية تحمل مشروعاً عالمياً يدعو إلى العدالة وتغيير المجتمع لمصلحة الأفقر والأكثر تهميشاً وإنتاجاً في الوقت ذاته. وأن الاتحاد السوفياتي باستيحائه الماركسية كمنهج في السياسة والسلطة، إنما كرس انتماءه إلى العصر وأدخل روسيا والدول الأخرى التي شكلت معها الاتحاد، في الحداثة بمنطقها وقيمها. الواقع يخالف هذا التشخيص. ذلك أن أمراضاً مبكرة ضربت الثورة البلشفية كان من أولها القضاء على طبقة المثقفين اليساريين والمشاركين في انتفاضة أكتوبر 1917، والأكثر احتكاكاً بالثقافة الغربية. لاحظ ليون تروتسكي مبكراً هذا التوجه العام رغم مشاركته النشطة في تأسيس الجيش الأحمر وأعمال القمع الأولى التي طاولت معارضي الحزب البلشفي. ثم انكب على تدوين صعود منافسه جوزف ستالين في كتابه «الثورة المغدورة» (أو «الثورة التي خانوها»). ثم فصّل اسحق دويتشر في كتابيه عن ستالين وتروتسكي هذه المرحلة ومعناها على آليات التغير التي كانت تعتمل داخل المجتمع الروسي أولاً والمجتمعات التي شكلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي الأخرى ثانياً. يؤدي البناء على نقد تروتسكي ودويتشر وغيرهما للشيوعية السوفياتية إلى إخراجها من حيز الماركسية بصيغتها الأولى وإلحاقها بأنظمة الاستبداد الآسيوي (أو «الأوراسي»، العبارة التي يحب بوتين استخدامها) كنظام بيروقراطي يخدم مجموعة لا تعكس مصالح العمال الصناعيين الذين لم يكونوا يشكلون سوى أقلية في المجتمع الروسي وقت الثورة. الوسم البيروقراطي الستاليني الذي رافق الاتحاد السوفياتي حتى أيامه الأخيرة، رغم محاولات نيكيتا خروتشوف وميخائيل غورباتشوف التمرد عليه، عاد إلى الحياة مع دخول بوتين إلى الكرملين. في العمق، لا مشروع إنسانياً عند أصحاب الطريقة هذه في إدارة البلاد، ولا قيمَ تدافع عنها ولا همَّ يتجاوز همّ الإمساك بالسلطة والبقاء فيها وإقصاء كل الخصوم والمنافسين عنها. السياسة الخارجية الامبراطورية الجديدة هي لخدمة السياسة الداخلية الإقصائية. إذ لا يمكن تفسير الاندفاع الروسي إلى استعادة مناطق النفوذ السوفياتي القديم في أوكرانيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط بمعادلات استراتيجية أو حاجات اقتصادية ذات قيمة. وبالقدر الذي تفتقر روسيا إلى ما تقوله في مجال القيم والأفكار العالمية، تفتقر إلى السلع والخدمات والبضائع التي يمكن أن تجعل منها لاعباً اقتصادياً ذا أثر عالمي. هي اندفاعة لاستغلال الفراغ الذي ولده الانكفاء الأميركي المرجح أن يستمر إلى ما بعد نهاية ولاية باراك أوباما. بهذا المعنى، يجوز فهم ترحيب اليسار الممانع العربي بالدور الروسي الجديد. لا أثر في موقف اليساريين الممانعين لاهتمام بقيم إنسانية عليا ولا حتى بجني فوائد مادية مباشرة من التدخل الروسي. بل إن ما يحمله الترحيب هذا الذي يصل حدود البهجة الطفولية الغامرة، يجد معناه الحقيقي في لقاء مهووسي السلطة ودعاة تحالف الأقليات وما شاكل من ادعاءات سياسية وفكرية «ديالكتيكية» لا قيمة لها إلا في عقول أصحابها. لا شيء يقدمه «القيصر» بوتين غير وعود ببقاء الطغاة في أماكنهم مع إمكان استعانة بالحالمين باستعادة دور ومكانة ولو على أشلاء السوريين. أما على المدى الأبعد فلن يبقى في الحلق إلا طعم المرارة والخيبة.

من حقيبة النهار الديبلوماسية الخيارات الروسية الصعبة في سوريا
عبد الكريم أبو النصر/النهار/2 تشرين الأول 2015
“الدور العسكري الروسي في سوريا، الأوسع والأكثر كثافة منذ بدء الأزمة عام 2011، لن يبدّل المعطيات الأساسية في الصراع الداخلي – الاقليمي – الدولي في هذا البلد، ولن يقضي على الثورة الشعبية وعلى قوى المعارضة ولن يجعل البلد خاضعاً مجدداً لحكم الرئيس بشار الأسد ولن يمنح موسكو القدرة على حسم المعركة السياسية – العسكرية لمصلحتها. فهذا التصعيد العسكري يضع القيادة الروسية أمام خيارين صعبين: إما التمسك بالخيار العسكري مما ستكون له عواقب وتداعيات بالغة الخطورة، وإما استغلال هذا الوجود العسكري الكبير من أجل تعزيز فرص الخيار السياسي – التفاوضي لحل الأزمة وتحقيق بعض المكاسب في مقابل تقديم تنازلات ضرورية. ذلك أن روسيا ليست قادرة مع ايران على حل الأزمة من غير التعاون الجدي مع أميركا والدول الغربية والاقليمية الحليفة لها والمتمسكة بضرورة رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة”. هذا ما أطلعنا عليه مسؤول غربي بارز استناداً الى المعلومات التي حصل عليها من واشنطن وموسكو وباريس. وقال إن تبني الخيار العسكري يتطلب ان تنفذ القيادة الروسية خطوتين أساسيتين هما:
الأولى: أن تكرر تجربة افغانستان وتحتل سوريا عسكرياً من أجل حماية النظام من السقوط. لكن هذا الأمر بالغ الصعوبة والتعقيد لأن الروس دفعوا ثمناً كبيراً لتلك التجربة وخسروا آنذاك المواجهة، ولأن الظروف الداخلية والدولية والاقليمية ليست مناسبة لهم، خصوصاً ان روسيا تواجه اوضاعاً اقتصادية ومالية صعبة مردها الى العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد تدخلها في أوكرانيا والى هبوط اسعار النفط.
الثانية: أن تخوض القيادة الروسية حرباً مشتركة مع نظام الأسد ليس فقط ضد “داعش” بل أيضاً ضد الثوار والمعارضين من أجل محاولة القضاء عليهم. لكن هذه الخطوة تتطلب ارسال عشرات الآلاف من الجنود الى سوريا وستؤدي الى حرب اقليمية اذ ان الدول المؤثرة المعادية للأسد سترد وتتخذ اجراءات غير مسبوقة من أجل إحباط مخططات موسكو.
وأوضح المسؤول الغربي “أن زيادة الدعم العسكري للنظام اعتراف ضمني بقوة المعارضة السورية وبقدرة فصائلها وقواها المختلفة على الحاق الهزائم بقوات الأسد والميليشيات الحليفة له مما جعل هذا النظام يفقد السيطرة على معظم المناطق. واعادة عقربي الساعة الى الوراء مهمة مستحيلة وخصوصا في ضوء الكوارث التي يواجهها هذا البلد في كل المجالات، وزيادة الدعم العسكري الروسي للنظام هي للضغط وليس للحسم عسكرياً اذ ان القيادة الروسية قلقة جداً من احتمال انهيار نظام الاسد الأمر الذي سيشكل نكسة سياسية واستراتيجية كبيرة لها ستكون لها انعكاسات سلبية على دورها ونفوذها. وعلى هذا الأساس تعزز القيادة الروسية دورها من أجل محاولة تقوية موقفها التفاوضي من طريق منع انهيار النظام وحماية وجودها في مناطق معينة مهمة لها.
وذكر المسؤول الغربي ان القيادة الروسية ابلغت الادارة الاميركية في اتصالاتها الاخيرة معها “انها متمسكة بالخيار السياسي وان تفكك النظام واحتمال انفجاره من الداخل سيعرقلان انجاز الحل السياسي للازمة استناداً الى بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012. وشددت في هذه الاتصالات على انها لا تزال متمسكة بالتعاون مع أميركا ودول أخرى غربية واقليمية مؤثرة من أجل انجاز الحل السياسي، لأن الحسم العسكري للصراع مستحيل ولأن الخيار العسكري لن ينهي الأزمة بل يطيل الحرب”.
وخلص المسؤول الغربي الى القول “إن الادارة الاميركية ردت على هذا الموقف الروسي بالتشديد على استعدادها للتنسيق عسكرياً مع روسيا إذا أرادت خوض حرب ضد “داعش”، لكنها ترفض التنسيق معها إذا أرادت انقاذ الأسد وخوض حرب مشتركة معه ضد الثوار والمعارضة. وأبلغ الاميركيون الروس أن الحل السياسي الشامل للأزمة يتطلب بالضرورة رحيل الأسد عن السلطة ومناقشة موعد رحيله وطريقة تنفيذ ذلك خلال المفاوضات المرتكزة على تطبيق بيان جنيف الذي يطالب بنقل السلطة الى نظام جديد تعددي من طريق تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام والمعارضة وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة وتكون مهمتها انجاز عملية انتقال السلطة الى نظام جديد يحقق المطالب والتطلعات المشروعة لكل مكونات الشعب السوري.
وأكدت الادارة الاميركية للقيادة الروسية ان انجاز الحل السياسي الجدي يتطلب ممارسة ضغوط جدية على القيادة السورية وقوى مؤثرة في النظام من أجل العمل على تسوية الأزمة على أساس التعاون الحقيقي بين أميركا وروسيا والدول المؤثرة الاخرى بهدف تحقيق انتقال السلطة الى نظام جديد وانهاء حكم الأسد. وقد حرص الرئيس باراك أوباما على ان يقول للرئيس فلاديمير بوتين ان مواصلة دعم الأسد “رهان خاطئ، وسيلحق المزيد من الكوارث بسوريا وشعبها ويقود الى طريق مسدود