علي نون: أم المطاحن/غسان حجار: من يدرّب الحراك المدني ويموّله/اميل خوري: هل يخرج حزب الله بعد الدخول الروسي ليصير في الإمكان تأكيد تحييد لبنان

357

هل يخرج “حزب الله” بعد الدخول الروسي ليصير في الإمكان تأكيد تحييد لبنان؟
اميل خوري/النهار/29 أيلول 2015
هل بات “حزب الله” يرى أن الفرصة أصبحت سانحة مع الدخول العسكري الروسي الى سوريا ليقرر العودة الى لبنان والى لبنانيته فيكون ذلك بداية الخروج من تداعيات ما يجري حوله وعدم ربط أزماته كل مرّة بحلّ أي أزمة في المنطقة؟ لقد عانى لبنان كثيراً من ربط حلّ كل أزمة يواجهها بحلّ أي أزمة في المنطقة، فلم يحصل على الاستقلال عام 1943 إلا مع حصول سوريا عليه، ولا توقيع اتفاق النقد بين لبنان وفرنسا إلا بتوقيعه مع سوريا، ولا أمكن حلّ القضية اللبنانية مع اسرائيل ما لم تحلّ معها القضية الفلسطينية، ولا أمكنه تحرير أرضه المحتلة من اسرائيل ما لم تتوصل سوريا الى تحرير أرضها أيضاً، فكانت مقولة تلازم المسارين اللبناني والسوري لا بل تلازم مصيرهما… مع أن القرارات الدولية تميز لبنان عن سوريا وعن القضية الفلسطينية. وهكذا صار لبنان ساحة مفتوحة للتظاهرات ليس من أجل مطالب لبنانيين بل من أجل مطالب غير اللبنانيين، وبدأ حرق “الدواليب” تعبيراً عن غضبهم. ففي مناسبة مرور 20 عاماً على وعد بلفور، وبعد نكسة حزيران 1967 واعلان استقالة الرئيس جمال عبد الناصر انطلقت في بيروت تظاهرات شعبية صاخبة، وعمد بعض المتظاهرين الى تحطيم أبواب محال تجارية وهم يهتفون بحياة هذا الزعيم العربي أو ذاك. وعندما طلب متظاهر من مسؤول حزبي منع تحطيم أبواب المتاجر قال له: “بشو بدّن المتظاهرين يفشّوا خلقهم”… وفي مناسبات أخرى “فشَّ” متظاهرون خلقهم بـ”التبويل” على الجدران، ثم ترقّى “فش الخلق” الى كتابة الشتائم عليها، ما جعل الشاعر موسى الزين شرارة وهو يرى كيف يفشّ اللبنانيون خلقهم يقول: “إذا شعبُ تظلَّم في أقاصي الأرض تظاهرنا وأضربنا وأحرقنا الدواليب ولم يشعر بنا أحد. كفى بالناس تجريبا”. وعندما صار اتفاق بين اللبنانيين عام 1943 على عبارة “لا شرق ولا غرب” في ما عُرف بـ”المثياق الوطني” غير المكتوب بغية إقفال الساحة اللبنانية فلا تظل مفتوحة لكل متظاهر عند كل حدث يقع، ليس في المنطقة فحسب بل في أي دولة في العالم، ويتذكر كثيرون هتاف متظاهرين لبنانيين في احدى القرى: “يا بتردّوا النابوليون يمَّا بتقوم الضيعة”. فالمطلوب إذاً من القادة في لبنان أن يتعلموا من دروس الماضي ويترجموا عبارة “لا شرق ولا غرب” باتفاقهم على تحييد لبنان عن كل الصراعات في المنطقة وخارج المنطقة كي يرتاح اللبنانيون ويريحون غيرهم، فليس سوى تحييد لبنان ما يضمن استمرار الاستقرار والازدهار فيه. لقد اضطر “حزب الله” الى خرق سياسة “النأي بالنفس” ومخالفة “إعلان بعبدا” بسبب الحرب في سوريا وبأمر من ايران، فهل يخرج الحزب من سوريا بأمر منها أيضاً بعدما دخل الروسي اليها ما قد يجعل الأزمة فيها مدوَّلة ومعرَّبة أيضاً، إذ أنه عندما يدخل الكبار يخرج الصغار. ومما لا شك فيه أن عودة “حزب الله” من سوريا الى لبنان ليمارس لبنانيته الصافية هي نقطة انطلاق لقيامة لبنان الجديد برئيس جديد وحكومة جديدة ومجلس نيابي جديد، رئيس توافقي يهتم بتحرير ما تبقى من الأرض في الجنوب وتطبيق اتفاق الهدنة مع اسرائيل الى أن يتم اتفاق سلام شامل يضع حداً لنزاع طويل ويعيد لكل ذي حق حقه، فتنتفي الحاجة عندئذ الى الدخول في سباق التسلّح بل في سباق التنمية لرفع مستوى معيشة الشعوب فلا يبقى فقير أو معوز ويسهل تنفيذ القرار 1701 مع كل القرارات الدولية لتصبح المنطقة واحة أمن وأمان وسلام. وبعودة “حزب الله” من سوريا الى لبنان يصير في الامكان اتخاذ قرارات تحمي استقلاله وسيادته بمعزل عن أي قرارات لا تخصه، فتنتهي سياسة ربط مصير لبنان بمصير أي دولة قريبة كانت أم بعيدة، بعدما دفع لبنان غالياً ثمن ذلك، ولا يظل يربط تحرير ما تبقى من أرضه المحتلة بتحرير أراضي الآخرين، خصوصاً أن لكل احتلال وضعاً مختلفاً، ولا ربط مصير أزمة الانتخابات الرئاسية بمصير الأزمة السورية كما دعا الى ذلك الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، بل ينبغي أن يقرر اللبنانيون أنفسهم مصير بلدهم وعدم ربط ذلك بمصير أي بلد. لذلك، فإن تأكيد الاتفاق على تحييد لبنان هو الذي يفك ارتباطه بأزمة أي خارج، وبتحييده تزول أسباب الصراع على السلطة سواء كان سياسياً أم مذهبياً، ويزول الخلاف أيضاً على سياسة من سينتخب رئيساً لأن سياسته تصبح معروفة وهي الحياد، ولا يعود حتى الغاء الطائفية مشكلة ولا توزيع المناصب. فهل يعود “حزب الله” من سوريا كي يعود الأمن والاستقرار الثابتان والدائمان الى لبنان من خلال اعتماد سياسة النأي بالنفس؟

 

من يدرّب الحراك المدني ويموّله؟
غسان حجار/النهار/29 أيلول 2015
تأييدنا الحراك المدني في الشارع، وان صار حملات عدة، لا يلغي انتقادنا بعض مطالبه العبثية في اسقاط النظام واستقالة الحكومة وحل مجلس النواب… من دون تقديم حلول بديلة غير الفوضى التي تعرقل بناء دولة مؤسسات. وهذه المطالب دأب عليها اليسار اللبناني، خصوصاً انه لم ينجح في دخول لعبة السلطة ولم يفز يوماً بمقعد نيابي على رغم ترشح مسؤوليه المرة تلو الأخرى. لكن اختلافنا في الرأي مع بعض مكونات الحراك أيضاً، لا يحجب دعمنا له في إنجازه تحريك مياه راكدة وآسنة منذ زمن، ومساهمته في جمع مؤيدين لمطالبه المحقة في رفع النفايات ورفض الصفقات ومحاربة الفساد، من ضفتي 8 و14 آذار. والأهم ان اختلافنا في الرأي يجب الا يعيدنا الى خطاب الاتهام بالعمالة، الذي كان سائداً زمن الوصاية السورية عندما كانت التهمة جاهزة لمن لا تهمة له. ما نشر في الأيام الأخيرة من تقارير سخيفة عن ارتباط الناشطين بالادارة الأميركية تدريباً وتمويلاً، لا يخرج عن سياق الاتهام بالعمالة. والعمالة في مفهومها واحدة، سواء كانت لأميركا أو فرنسا أو سوريا أو إيران أو… ولا يحق تالياً للطبقة السياسية الحالية، المنزعجة من الحراك المدني الذي ساهم في كشف بعض المستور من فسادها، ان تلصق التهم بالناشطين، لأن الذي بيته من زجاج لا يجوز له رمي الناس بالحجار. فالحراك هو الأول في زمن ما بعد الحرب، المدني فعلاً، والذي خرج في بداياته عن إمرة الأحزاب، قبل ان يسعى بعض الحزبيين الى ركوب موجته، ربما لتلاقي الأهداف، أو حباً بالظهور بعد طول انكفاء. وقال فيه نقيب المحامين الأسبق عصام كرم “انه بصيص أمل في مجتمع ما بعد الحرب، وعلينا مرافقة الشباب، ومراقبتهم كي لا يضيّعوا البوصلة ويقضوا على الأمل من جديد”. أما الأحزاب والطوائف والمذاهب فحدّث ولا حرج. اتفق “المسؤولون” في ما بينهم على ان استحقاق رئاسة الجمهورية بات مفتاحه في الخارج، وبالتالي فهم ينتظرون إشارات من هذا الخارج، ويفتشون عن بديل، أو عن إحياء محور السين – سين، أي السعودية وسوريا، مع ابدال الأخيرة بإيران، التي صارت لها اليد الطولى في سوريا أيضاً، وهم يتحولون ادوات لهذا الخارج، في اتفاقه أو خلافه. والأحزاب، كما مذاهب متداخلة بالأحزاب، تتلقى التمويل، وأيضاً السلاح من الخارج، ولا تخجل بذلك، بل تفاخر به علناً، طمعاً بالمزيد، لأنها من دونه، تفقد المؤيدين والصدقية، فلا انتماء في لبنان من دون خدمات، الا في ما ندر. وأما المشاريع المموّلة من السفارات فحكاية طويلة، بدءاً من القوات الدولية العاملة في الجنوب التي تنفذ مشاريع انماء وتدريب في عمق الجنوب المقاوم، وصولاً الى تمويل البنى التحتية، ودعم المشاريع التربوية في أقاصي عكار. فهل يتهم الحراك المدني من دون غيره؟

 

«أم المطاحن»!
علي نون/المستقبل/29 أيلول/15
بغضّ النظر عن القدرة (من عدمها) على فكّ طلاسم السياسة الأوبامية إزاء سوريا، وبغضّ النظر عن الاستعراض العسكري الروسي، وكل الارتباك الضارب حتى النخاع في طول المجتمع السياسي الدولي وعرضه.. وبغضّ النظر عن تطورات الوضع الميداني في «القطر الشقيق» ومواقف قوى المعارضة الواضحة والحاسمة في رفض أي دور لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وفي المرحلة الدائمة، وفي مستقبل سوريا في العموم.. بغضّ النظر عن ذلك كله، فإن بشار الأسد نفسه لا يصدّق (ولا يحتمل) كل المواقف الهمروجية الفالتة راهناً، في شأنه وشأن «أدواره» المفترضة! وحده الأسد، أكثر من أي معني آخر بالنكبة في هذه الدنيا، يعرف تماماً انه لم يعد له حول ولا قوة، وأنه يُستخدم كورقة في حسابات من سلّمهم رقبته، من إيران «المرشد» إلى روسيا «القيصر»، وأنه غير قادر بالمعنى العسكري والبشري (خصوصاً) على القيام بما يدعيه هؤلاء من أدوار له.. بل إنه لم يعد قادراً على الخروج من قوقعته في داخل القلعة التي يتحصن فيها في دمشق، بل تراه، على وتيرة طغاة التاريخ «الأفذاذ» يحسب ألف حساب لانتقاله من غرفة النوم الى غرفة الطعام! وحده بشار الأسد، يعرف أكثر من كل «حلفائه» و«أصدقائه»، أنه انتهى وصار من الماضي. وأن معضلته أكبر من أي إمكانية للترقيع. وأن سلطاته التي تبخّرت لا يمكن لأحد أن يعيدها إليه. وأن وظائف نظامه راحت باتجاه لا عودة منه.. وأنه في المحصلة يطلب المدد للدفاع عن حاله وعن حاشيته وعن ملجأه بين «أهله» في الشمال، ولا يطلب ذلك المدد من أجل استرجاع ما فات وإعادة إحياء ما مات! حجم التهويل المرافق للاستعراض الروسي لا يتناسب مع تلك الوقائع التي يراها الجميع في الداخل السوري وخارجه، ولا يتناسب سوى مع الاستخدامات الجارية للنكبة السورية في مواضع جزئية منها، وفي مواضع خارجة عنها.. كأن يكتشف بوتين، بعد أربع سنوات و6 أشهر، «الأهمية الاستثنائية» لتلك الورقة في حربه الجارية في أوكرانيا ومن خلالها مع الغربيين والأميركيين، ومع العقوبات التي أنزلوها بروسيا غداة دعمها الانفصاليين الأوكرانيين ثم ضم القرم وهضمها! أو كأن تكتشف طهران، بعد كل هذه الويلات والمصائب والبلايا والفتن، أن دور روسيا في سوريا لا بد منه! وأنه «حاسم» في «محاربة الإرهاب» وفي منع تفلّت سوريا باتجاه سيطرة «القوى المعادية للمقاومة عليها»! وفي رفد القوى الجهادية التي تحمي «المقدسات» وتمنع «التكفيريين» من التعرض لها! يعرف بشار الأسد مثلما يعرف ضاربو الطبول الاستعراضية الممانعة، أن اربع سنوات ونصف السنة لم توقف مسلسل انهيارات سلطته، ولم تُرجع عقارب الساعة إلى الخلف، بل العكس تماماً. وأن عجزه تمدد باتجاه حلفائه الإيرانيين وصولاً بالطرفين الى الاستعانة بـ«الصديق الروسي» الذي سيكتشف بدوره، لاحقاً، وبأثمان كارثية (على السوريين الأحرار أساساً)، أنه مثيل الاثنين في العجز، إن لم يكن أكثر! نكبة سوريا، أمّ النكبات، لكنها في الوقت ذاته، مطحنة دموية بكل معنى الكلمة، بل هي «أم المطاحن».. ويعرف ذلك كل من دخل فيها!