علي رباح: سوريا واليمن تطيحان صورة نصرالله/وسام سعادة: الطاقة الاحتجاجية كي لا تُهدر/علي نون: المرحلة الانتقالية الى الشمال

437

سوريا واليمن تطيحان.. صورة نصرالله
علي رباح/المستقبل/28 أيلول/15
أعادت الايّام الماضية، وما حملته من تطورات سياسيّة وميدانيّة في كل من سوريا واليمن، خطابات الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصرالله الى الواجهة. في قديم زمان «حزب الله« كان اذا وَعَدَ السيّد صَدَقْ. حتى أن قناة «المنار» صنعت طوال سنوات الكثير من «السكيتشات» لترسّخ «الوعد الصادق» في اللاوعي الجماهيري (هنا قال السيد كذا، وهنا صدق بقوله). إلّا أن سنوات الحرب في سوريا وشهور المعارك في اليمن، ضربت صورة «سيّد المقاومة»، الذي إن وَعَدَ صَدَقْ. وما شهده هذان البلدان في الأيام القليلة الماضية، أثبت أن الواقع مغاير لما تحدّث عنه صاحب الوعود، ما يزيد من هدم الصورة والثقة عند جمهوره وجمهور خصمه، حتى إن لم تظهر عياناً بسبب الانقسامات المذهبيّة الحادّة. خرج السيّد في خطابه الأخير لينفي كل ما حُكي ويُحكى عن اتفاق أميركي- روسي بما خصّ سوريا. جيّدجداً، لكن مَن كان أول من هلّل لهذا الاتفاق؟ في الأيام القليلة الماضية، تخلّت المنظومة الاعلامية لـ»حزب الله« عن الخجل من الحديث عن اكتمال الاستعدادات لحرب اميركية ـ روسيّة ـ ايرانيّة ـ سوريّة مشتركة في سوريا. لماذا يتنصّل نصرالله من كلام منظومته الاعلاميّة؟ ربما هي حاجته للتمسّك بمشروعيّة محاربة «الشيطان الأكبر»، وبخطاب عاش عليه جمهوره طوال 30 عاماً وقدّم التضحيات لأجله. فأيّ حديث عن تنسيق إيراني – روسي- أميركي من شأنه أن يزعزع ايمان الجمهور والذين توجّهوا الى سوريا لمحاربة المشروع «الأميركي- الصهيوني». حتى أنّ اللبنانييّن لم ينسوا أنّ «حزب الله« اعتصم في وسط بيروت عامين وأطلق حربه على العاصمة والجبل في 7 أيار باسم العداء لأميركا وعملائها. ونسف نصرالله كافة التصريحات الاسرائيلية والروسية حول التعاون في سوريا لضمان أمن اسرائيل، واضعاً زيارة نتنياهو الى موسكو ولقاءه الرئيس بوتين في اطار الاستطلاع عن قرب وأخذ الضمانات بأنّ لا يصل السلاح الروسي الى «حزب الله«. لكن لنصرالله مقولة شهيرة اعتاد أن يخاطب بها «14 آذار»: «عودوا الى الصحف العبرية والاسرائيلية.. المحلّلين الاسرائيليين عم يحكوا مش انا». فليَعُد السيّد اذن للصحافة العبرية، حيث كشفت صحيفة «ميكور ريتون» اليمينية، والمقربة من دوائر الحكم في تل أبيب، أن «بوتين كان متحمساً لزيارة نتنياهو، بسبب تقديره بأنه يمكن أن يكون لإسرائيل دور رئيسي في مساعدة روسيا في تنفيذ مهامها في سوريا». وأشارت الصحيفة الى أنّ «الروس أبلغوا الاسرائيليين بأنّ تحرّك موسكو يأتي في ظلّ تنسيق مع الأميركيين والاوروبيّين». وتضمن التنسيق الاسرائيلي ـ الروسي، بحسب الصحيفة، تحديد الاماكن التي ستعمل فيها القوات الايرانيّة داخل سوريا ضدّ قوى المعارضة المسلحة، وابلاغ اسرائيل بها خشية وقوع احتكاكات غير مناسبة». هكذا بالحرف!
انتقل السيّد الى ملف الزبداني، القرية التي «يمرّ« فيها طريق القدس، مقدّماً لجمهوره نصراً وهميّاً. فنصرالله، أحد أبرز صُنّاع ثقافة الإنتصارات الالهيّة، يقول، إنه « عندما ربطت الجماعات المسلحة ملف الزبداني ببلدتي الفوعة وكفريا، اعتبرنا الأمر فرصة وحمينا البلدتين»! فعلاً ؟ يبدو أن السيّد أخفق هذه المرة في صناعة الانتصارات. فالحقائق التي أظهرتها معركة الزبداني أسقطت ورقة «التوت الشامي» عن الحزب وعرّته أمام جمهوره وخصومه :
أولاً، دخول السيّد، أو الوسيط الايراني، كما قال، في مفاوضات مع المجموعات المسلّحة، يعني في أحسن الحالات نجاح هدف «جيش الفتح« المعلن. فـ «جيش الفتح« قالها صراحةً: «إننا نهاجم الفوعة لنضغط على الحزب»، ما يعني أنه حقق هدفه من الضغوط«.
ثانياً، إنّ السيّد الذي اتّهم سابقاً دولاً اقليميّة بتحويل الصراع السّوري الى صراع مذهبيّ، أثبت أنه يتعامل مع الجغرافية السّورية على أساس مذهبيّ بحت. أثبت أن دماء الشيعة في الفوعة أهم بكثير من دماء ملايين السورييّن الذين تتساقط عليهم البراميل والحاويات المتفجّرة. لا بل أكثر من ذلك. فهذا يعني أن نصرالله لم يشعر في سنوات الحرب السّورية أنه تحت ضغط إلا عندما حاصر «جيش الفتح» قرية شيعية. ثالثاً، كلام السيّد يعني أنه فاوض التكفيريّين ورضخ لشروطهم. فلماذا يتكبّر على التفاوض بخصوص العسكرييّن اللبنانييّن؟ لماذا منع الحكومة اللبنانيّة من التفاوض لاسترداد العسكريين؟ قد يجيز ذلك لأهالي العسكرييّن أن يزعموا بأنّ أصلهم من الفوعة أو كفريا أو النبل أو الزهراء، ربما يسمح ذلك للسيّد بالتفاوض لأجلهم. رابعاً، أثبت السيّد أن اسطورة «رجال الله« قد انكسرت، وصار من الواضح أنّ «رجال الله» لم ينتصروا في القصير ويبرود، بل انتصر الأسلوب الاسرائيلي الصرف في تدمير كل ما لا يقدر على اقتحامه. يحتاج صمود بضع مئات من المقاتلين في قرية سوريّة واحدة (الزبداني) لأكثر من 3 أشهر، الى ظهور إعلامي يرفع المعنويات. فهناك انتصرت العقيدة القتالية للسوري المستضعف الضعيف التسليح، والذي تلتقي ضدّه كلّ الأضداد من الكرملن الى البيت الأبيض.
يمنيّاً، تواضع نصرالله، صاحب موقولة «دلّوني على انجاز واحد حقّقته السعودية»، ليعتبر ان «ما حصل في عدن هو انجاز، ولكنه لم يَحسم المعركة». ألم يقل السيّد في خطاب «التضامن مع اليمن المظلوم»، «إن اي تسوية سياسية لا يمكنها إعادة هادي الى اليمن»؟! ها هو الرئيس هادي قد عاد دون اي تسوية سياسية وقبل الحديث عن اي حل سياسي. كما ان السيّد قال، «إن السعودية لم تحسم المعركة»، وهذا يعني انه لم يجزم، كعادته، بعدم حسم المعركة. إلا أن أكثر ما يلفت هو في قول نصرالله ان «قوة الجيش السعودي هي عبر الجو فقط» ! ماذا يقول اذاً عن الجيش السوري و«حزب الله« والميليشيات العراقية والباكستانية والافغانية، التي تراجعت في مساحات واسعة من سوريا، على الرغم من سلاح الجو والبراميل المتفجرة وسياسة التدمير الممنهجة التي انتهجها هذا المحور؟
سوريا واليمن أطاحتا صورة نصرالله الذي إن وَعَدَ صَدَقْ. مع كل خبر يأتي من هذين البلدين يتهشّم شيء من السيّد. سيصبح مجرّد تذكّر وعوده وكلامه مثار تندّر لدى البعض، ومحل نقاش داخلي «صامت» لدى البعض الآخر. مع كل اطلالة لـ»سيّد المقاومة»، تنكسر صورة وينكسر تفاضل اخلاقي بنى عليه «حزب الله« قيمته السياسية. فالسيّد الذي طالما وصف «14 آذار» بـ»جماعة فيلتمان»، بات في خندق سوري واحد مع الروسي والأميركي، اللذين يعملان على ضمان أمن اسرائيل (هذا ما يقوله مسؤولو البلدين).
في بداية الثورة السورية، خرج «حزب الله« من يصف المشاركة في الحرب بـ»المناورات الحيّة» لاقتحام «الجليل» ! قد تعني معركة الزبداني شيئاً لحزبٍ توهّم أنه في نزهة على «طريق القدس».
«الصراع السوري طويل، لكن يبدو ان زمن الانتصارات انتهى من اليمن»، يقول احد الزعماء اللبنانيين في مجلسه الخاص.

الطاقة الاحتجاجية .. كي لا تُهدر
وسام سعادة/المستقبل/28 أيلول/15
الاحتجاجات حيوية لا بد منها في أي مجتمع. مجتمع لا احتجاج فيه هو مجتمع لا حياة فيه. يبقى ان الاحتجاجات اذا تتابعت تخلق شعوراً بالتعبئة الدائمة، بأن الأمور ستبقى تراكم هكذا، وصولاً الى «نهاية الليل الطويل». هذا الشعور يلعب في فترة معينة دوراً ايجابياً بالنسبة الى الاحتجاجات، لكنه لا يلبث ان يصير عليها وطأة، ويجعلها تتورّط في تحويل ذاتها علّة لذاتها، مستقلّة عن لائحة مطالب ملموسة، محسوسة، تصدر عن عمق اجتماعي مستنفر، ومصالح ناس من لحم ودم متضرّرين. اذاك فجأة يبدأ الانحسار، ويقابل بالمكابرة، وبلمح البصر تختفي الجموع، يصير الطليعيون وحدهم، يتراشقون التهم، يضيعون في المتاهات، ومن بعد ذلك بسنوات طويلة ينهض من بينهم من يقرّ بأن حلم التعبئة العامة للجمهور او الجماهير هو وهم. هذه النظرة اشترك فيها معظم قادة الثورة الطلابية اواخر الستينيات حين تكلموا عنها بعد عقد او عقدين على قيامها. كانوا يعتقدون بالتعبئة العامة، بأن حيوية تسند نفسها بنفسها ستبقى تزودهم بطاقة الدفع اللازمة. لكن هذا لا يحصل. لا يحصل الا اذا حفظت الطاقة في اطار، وانتقلنا من لاواقعية التعبئة الدائمة الاحتجاجية الى واقعية التعبئة الدائمة المؤطرة في أحزاب. كثير من النقاش الجاري اليوم في البلد يحصل كما لو ان التظاهر هو معطى فوق القوانين السوسيولوجية، وان الاحتجاجات مسألة ارادوية، سواء كانت ارادة نقية او غير ذلك. هذا ليس صحيحاً، الديناميات الميدانية لا يمكن توقعها سلفاً بهذا اليسر، لا من جهة السلب ولا من جهة الايجاب. ليس هناك من تعبئة جماهيرية احتجاجية دائمة بلا انقطاع. هذا مؤكد. الراجح ايضاً ان الظن بهذه الديمومة التعبوية يولد مضاعفات سلبية لاحقاً. اذاً «قانون حفظ الطاقة» هو هنا اساسي. في كل احتجاج، في كل انتفاضة، هناك طاقة يخسر من يظنها تلقائية الصدور عن ذاتها بذاتها والى الدوام، وينجح من يدرك ان النار لا تثبت على مقدار، وانها تختفي او تعود، والجمرة تضيع في الرماد او تلتهب، كل بحسب شروطه المستفادة. لم يعد ممكناً الاكتفاء باخراج السجال من الشارع الى المؤسسات كما تقول المعزوفة التقليدية، لأن المؤسسات في حالة يرثى لها. لكن، تغييب الطرح الانتقالي للامور من شأنه ان يعيد صناعة وجه الشارع على صورة مؤسسات الدولة نفسها. الطرح الانتقالي يعني في المقام الاول اعادة الاعتبار لعامل الوقت. لا يمكن القيام بمعركة دائمة ولا بتظاهرة دائمة. كما لكل معركة موقع، لكل معركة زمن حد اقصى. وفي المعارك السياسية ينتصر من ينجح في «حفظ الطاقة». الصيف كان فصلاً لانفجار الاحتجاج، والاحتجاج سيستمر في الخريف لكن بوتيرة مختلفة، ذلك ان قضايا اخرى، ومجدداً المسألة السورية، والتدخل الروسي والايراني واللبناني في سوريا، ستعود وتفرض أجندة اكثر تشعباً على جدول اعمال اللبنانيين، اجندة تفرض الى جانب الحراك والمشكلة البيئية، مناقشة اكثر احاطة بالجوانب الاخرى للازمة. الازمة دستورية قدر ما هي اجتماعية، ومرتبطة بمسار الحرب في سوريا ليس اقل مما هي مرتبطة بأي محدد داخلي لها.

«المرحلة الانتقالية».. الى الشمال
علي نون/المستقبل/28 أيلول/15
لم يقدّم الى الآن، أي طرف سوري أو اقليمي أو دولي قراءة «موثقة» لما يريده الروس في شمال سوريا. وما هو السقف الذي يتحركون تحته. لكن ذلك لم ولا يمنع فرق الردّيحة والتشبيح السياسي والاعلامي الممانعة في مجملها، من الاسراع الى تقديم خلاصاتها هي، وطرحها كبديل توضيحي عن الابهام المضاد.
طبيعي بداية الإقرار، بأنه ليس أمراً بسيطاً ذلك الابهام الاقليمي والغربي المستمر إزاء الخطوة الاستثنائية الروسية، لكن البعض يرى في هذا تحديداً، سبباً لافتراض شيء آخر غير الذي يطبّل له ويزمّر المحور الممانع: الاميركيون والاوروبيون والاتراك والجانب العربي الداعم للحق السوري في وجه الجور الاسدي، لم يجدوا حتى اللحظة شيئاً يستحق الاستنفار! ولا حتى الاستنكار الواضح! بل ان كل هذا الضجيج يبدو عندهم وكأنه ظاهرة صوتية لا اكثر! والتعامل معها يستدعي شيئاً طبّياً له علاقة بإجراءات حماية للسمع أكثر بكثير من حاجتها الى اجراءات ميدانية مضادة! وهذا الاستنتاج ابن شرعي للمنطق.. وإلاّ كيف يمكن الغموض أو التردد إزاء تحريك روسيا قوات عسكرية وانزالها في منطقة الشمال السوري على بعد امتار من حدود «حلف الاطلسي» لو لم يكن ذلك كله متلائماً مع «قواعد الاشتباك» الدولية ولا يتخطاها! .. ثم بغضّ النظر عن سياسة اوباما إزاء النكبة السورية من اساسها، فان التحرك الروسي يبدو في ظاهره الجيو- سياسي أكبر من حدود تلك النكبة ومن قصة «مصير الأسد»، ومع ذلك، لم تجد واشنطن ولا غيرها، ما يستدعي دقّ النفير! ذلك يحيل الامر برمّته الى استنتاجين شديدي التناقض: إما ان بوتين يتحدى ويستعيد قصة خروتشوف مع كينيدي في ازمة الصواريخ الكوبية وفي ظنّه «نهاية» مختلفة (وهذه هلوسة ممانعاتية بامتياز) وإما انه يدفع فعلياً الى الواجهة خيار تقسيم سوريا من خلال تحضير البنية الدفاعية المناسبة لدويلة الساحل بعد ان تبيّن استحالة العودة الى ما كان سابقاً. الاحتمال الثاني (الارجح) يدعّم الخلاصة القائلة بأن فرق الردح الممانعة عندنا لا علاقة لها بالمنطق، بل هي، على عادتها الأصيلة، تكذب وتنكر وتستطرد على هواها.. لا تنتبه مثلاً الى ان نزول الروس في الشمال السوري هو تأكيد صارخ على فشل كل بديل اعتمد على مدى السنوات الاربع الماضية لكسر الثورة وتحطيم بنيانها. ولا تنتبه الى انها، منذ اللحظات الاولى، أنكرت ان هناك تظاهرات، ثم أنكرت ان هناك ثورة، ثم أنكرت ان النظام يهرّ متراً وراء متر.. ثم أرفقت النكران بالوعود «الحتمية» عن «الحسم في الاسبوع المقبل»! ولا تنتبه راهناً، الى ان كل الجدل الدائر ينطلق من مسلّمة مشتركة هي ان النظام الاسدي انتهى، وان البحث في ظاهره يتمحور حول هل «يكون جزءاً من حكومة انتقالية أو لا يكون«، فيما البحث الجدي والفعلي يتمحور حول موعد وكيفية هزيمته في دمشق و»انتقاله» بعدها الى الشمال الروسي.. عفواً السوري! وهذا في كل حال، لا يلغي حقيقة، ان نكبة سوريا هي أم النكبات، وان الابهام العام إزاءها هو جزء من العجز المخزي الذي سمح باستمرارها كل هذا الوقت، ثم في جعلها مسرحاً لطموحات «ولي فقيه» تارة، ولبطولات قيصر مزعوم تارة اخرى، عدا جعلها ميداناً لـ»إرهاب تكفيري» يلبّي حاجات التصنيع العسكري واستراتيجيات الفتك بالإسلام الأكثري! وأي نكبة؟!